مشاركَتي بـ قطار الإحسان بـ قسم ذوي الاحتياجات الخاصّة
رحلتي إلى مركز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصّة
تُقيم المدارِس بشكل سنويّ يوم يُطلق عليه اليوم التربوِي ( معروف للطالبات باسم اليوم المفتوح )
وكل مدرسة تتفنن في كيفيّة إعداد الأركان والفعاليات والأنشطة في ذلك اليوم بدلاً من الحصص الدراسيّة.
قبل سنتين، فكّرت مع زميلاتي بـ ( كيف ستكون مشاركة فصلنا في هذا اليوم ؟ )
أردنا أن تكون فكرتنا متميّزة وغير مسبوقَة. لدينا عدّة خيارات:
* ركن أطباق.
* ركن ألعاب ذكاء.
* ركن مسابقات.
* ركن عادات الشعوب .... إلخ
اقترحتُ على مجمُوعتِي أن تكون مشاركَتنا عِبارَة عن: تجهيز هدايا ومفاجآت لمركز رعايَة الأيتام.
بينما اقترحت مجموعَة أخرى أن يكون الركن عبارة عن: رسم على التيشيرتات وبيعها.
وطال الخِلاف، فكان الحل دمج الفكرتين : )
بحيث يتم رسم تيشيرتات وإهداءها بالمركز + تجهيزها لأعضاء الفريق.
بدأنا بالتجهيز، اشترينا الكثير من الهدايا ( وهذا تسرّع لأننا لم نتواصل مع المركز بعد، فقط أخذنا الإذن من المدرسَة )
ثمّ اشترينا أدوات التزيين والتغليف، بطاقات إهداء، حقائِب للهدايَا، بعض المستلزمات المكتبيّة ( كراسات ، ألوان ، دفاتر ، أقلام ) لاستغلال أوقات الفراغ
ألعاب ذكاء ( وهذا كلّف أكثر شيء لأن اللعبة الواحدة لا يقل سعرها عن 130 ريال )، وغيرها حتّى وبلغت التكلفَة قرابة 3000 ريال مقسمة على 15 طالبَة.
في ذلك الوقت فاجأنا خبَر، وهو أنه لا يُوجد مركز رعاية الأيتام بمدينتي
لأنه تمّ ضمهم مع مركز بمدينَة أخرَى قريبَة : (
كان خبر أصابنا بـ خمول وإحباط
ففكّرنا مالعمل : (
حتّى جاءت الفكرَة، أن نذهب لمركز ذوي الاحتياجات الخاصّة، ونفاجئهم هُناك..
تواصلنا مع المركز وقالوا لابد أن نحصل على إذن من وزارة التربيَة والتعليم، ظللنا أيام نحاول الوصول إلى وزارة التربية والتعليم، حاولنا مع أولياء أمورنا
ذهبوا إلى هناك، لكن كـ أي مؤسسة حكوميّة لابد من المماطلَة والروحة والجيّة عدّة مرات ..
إلى أن وصلت الموافقَة بشروط عدم التصوير ورفع تقرير ووو ... الحمد لله
كانت فكرتنا باليوم التربوي، أن يشاركننا الطالبات بتجهيز الحقائب وتغليف الهدايا وتجهيز البطاقات، وفعلاً رتبنا الرّكن، وللأسف لم أجد الصور التي صورتها لكلّ المستلزمات : (
وجدت فقط صورة لجانِب من الرّكن:
وهذه صُورة للرسمة على التيشيرت الموحد للفريق:
الآن لاحظنا أنّ لدينا العديد من الهدايا لا يمكن استعمالها بمركز ذوي الاحتياجات الخاصّة ( بعد أن تواصلنا معهم وعرفنا الحالات الموجودة هناك )
فقُلنا نبيعها بالركن للمعلمات والطالبات وفعلاً تمّ بيع كُل ما لا نحتاجه وللهِ الحمد.
بعد انتهاء اليَوم، أصبحت الهدايا جاهِزة : )
بدأنا بترتيب خطتنا هناك، كيف نفاجئهم، وماذا نفعل !؟
أعددنا أركان :
* تزيين الكيك والكب كيك.
* رسم وتلوين.
* ألعاب ذكاء.
وتم تجهيز كافة مانحتاج وللهِ الحمد بعد ما تجمع بعض أعضاء الفريق باحدى المراكز التجاريّة.
واستأجرنا ملابِس وأقنعة بهلوان من احدى نوادي حفلات الأطفال، وأخيراً تم الاتفاق مع احدى مؤسسات النقل بتوفير باص لنا.
وقسمنا الأعمال، وانتظرنا يوم الرحلة : )
أتحدث الآن عن نفسِي في ذلك اليوم، عدت من المدرسَة ومباشرَة لبست الـ تيشيرت الخاص بمجموعتنا وأخذت الأغراض التي كانت معي وجهزتها وتأكدت منها
اتصلت على كل عضوات الفريق وراجعت معهم الأدوات التي يجب أن تكون معاهم.
لابتوب، سماعات، توصيلة كهرباء، أناشيد، ...... إلخ.
لبست عبايتي وانتظرت وأخيراً وصل الباص قريب من البيت ونزلوا بعض صحباتي يساعدوني بنقل الأغراض للباص.
وأخذت لي موقع استراتيجي بآخر الباص >> حتى أبعد عن الباب وقومي شيلي وبعدي خليني أدخل
أخيراً اكتمل عدد الأعضاء داخل الباص ( كان عددنا 23 طالبَة )، قُلنا لزوم الضيافة ننزُل عند بقالة
نزلنا 5 بنات وكان تحدي أن نرجع بأقل من 5 دقائق، وبأسرع ما يمكن بدأ الغزو واشترينا ورجعنا وكسبنا التحدي
الطريق طويل من الصناعيّة إلى البَلد، وزحمَة لكن متعَة (:
وصلنا ودخلنا بساحَة المركز على الساعة 5 العصر تقريباً، وكانت معانا معلّمة مرافقَة وإدارة المركز قالوا تدخل المعلمة ومسؤولة من الطالبات.
دخلت مع المعلمة وطلبوا فكرة شامِلة عما سنقدّم وماهي الحالات التي سنتعامل معها وأنه يجب ألا نُظهر الخوف أو الشفقة وهكذا ..
نقلت التعليمات للفريق ودخلنا المركز وجهزنا الأركان وشغلنا الأناشِيد ( واحدى المشاركات معنا جابت أخوها الصغير ولبسوا الاثنين لبس مهرّج )
بعد نص ساعة تقريباً كُنا بمجتمعٍ آخر، فعلاً أوّل مرّة أتعامل معهم أو أشاهِدهم
لا أخفيكم ، بعض الحالات التي شاهدتها أخافتني، أشخاص بـ السبعين عمراً وشكلاً، والتصرفات غير ذلك.
وبعضهم يجوا ويحضنونا : (
وحدة جاتني اسمها توتو تحضني تقول انتِ صحبتي ولو رحتِ راح أزعل : (
حزنت جداً وبنفس الوقت كنت خائفَة لأنهم قالوا لنا لو زعلتوهم ممكن يؤذوكم.
قضينا هناك وقت ممتِع على كلّ حال، هناك ركن يجهز حلاة قطن أو ( شعر البنات )
ركنِي كنت أعلمهم فيه بعض ألعاب الذكاء وكيفية حلها، ركن آخر مثل ما ذكرت يساعدهم بتزيين الكيك وأكله ..
وشاركننا الممرضات..
وزعنا الهدايا على من يُشارك، بعضهم كان خائف منّا ويبكي، البعض كان يرقص على الأناشِيد ..
نصفهم تقريباً كانت إعاقتهم جسديّة، ونصفهم عقليّة .. ربي يشفيهم.
لذلك راعينا توفّر فعاليّات للجميع.
جاء وقت صلاة المغرب وصلينا، بعدين قالوا لنا هنا غرفَة ادخلوها بهدوء و3 بنات 3 بنات
دخلت ولقيت أنها غرفة مخصصة لذكور أعمارهم فوق الـ 20 لكنهم بحجم الأطفال وداخلين بغيبوبة منذ الولادة ولا يتحرك منهم شيء.
فقط المغذيات متصلة بأجسامهم ويتنفسوا، هذه هي حياتهم : (
وأخيراً قابلت واحدة اسمها ابتسام : )
اسم على مسمّى، عمرها 17 عاماً، على سريرها وطولها لا يتجاوز الـ نصف متر ..
كانت مبتسمة وهي تحكي لنا كيف تحفظ القرآن كيف تقضي أوقات التسلية بالبليستيشن.
وقالت لنا: مرضِي أن عظامي لا تنمو، بينما يستمر القلب بالنمو، وغالباً أني لن أبلغ الـ 18عاماً .
قالتها وهي مبتسمة !
أبكتنا وأدمعت أعيننا، حاولنا إخفاء ذلك لكنا لم نستطيع
تعلم أنّ أيامها معدودة لكنها رغم ذلك تحفظ وتراجِع القرآن ، فهنيئا ًواللهِ لها، وأين الأصحاء الذي لا يحفظون من كتاب الله إلا الفاتحة !!
قابلنا العديد من ساكني المركز، كل وحدة تحكي لنا قصّتها، أو تكتفي بالصّمت، احداهنّ قالت أنها جاءت للمركز قبل عدّة أشهر
كان شكلها صحيحاً وتجلس على كرسي متحرّك
قالت وهي تبكي أنا كنت قبل أقل من سنة مثلكم، أمشي وأتكلّم وأطلع وأجي، تزوّجت، وأنا عروسَة صار لنا حادِث، وطلعت منه سليمة لكن قالوا نعمل
لها عمليّة بالظّهر، ومن بعده ماطلعت إلا بكرسي متحرّك وتطلّقت وأهلي كبار بالسنّ جابوني هنا ولا أهل لي غيرهم : (
شاهدت طِفل عمره تقريباً 11 سنَة، قمة البراءة والجمال، ربي يحفظه
شاف معلّمتي وظل يبكي يقول ماما ماما فين ماما فين ماما كل يوم تقولوا تجي فين ماما
والمسؤولات يقولوا له بكرة تجي إن شاء الله وتجيب لك هدايا : (
طبعاً هذه العبارة دائماً تُقال لمن لهم، وللأسف كثير من الأهالي ما يزوروهم إلا كل عدّة أشهر.
لو حكيت لن أنتهي، كثيرة هي الحكايا التي سمعتها هُناك، وعايشتها، أشعر بالمعاناة تنطِق من أعين بعضهم
خاصّة ذوي الإعاقات الحركيّة، إنهم يعون، يفهمون كلّ شيء
لكن لا يستطعون فعل أيّ شيء
خاصّة وأن شعور ( اللا انتماء ) يسكنهم.
سألنا المركز: أمن أنشطة تُقدم لهم ؟ ألعاب مثلاً ؟ برامج ؟
قالوا لا ، فلا ميزانيّة تسمح، لدينا قنوات بكل غرفة يتفرجوا ليل نهار!
لمَ حكمتم على حياتهم أن تسير على هذا النّحو ؟!
أكل ، نوم ، تلفاز ، هكذا فقط ؟!
أين الجوانب الدينية ؟ أين التنمية الذاتية ؟ لم لا توفّر لهم مكتبة خاصّة بهم ؟!
لمَ لا تخصص لهم زيارات ورحلات ؟!
ما آلمني أيضاً سوء الاهتمام بالنظافَة والموسيقى التي تملأ المكان :/
بحجّة أن القلم رُفع عن الكثير منهم !
والشياطِين ؟! والحكم الشرعي ؟! عجيب والله
أنيهنا رحلتنا وخرجنا من المركز بعد أن ودعنا توتو التي أصرّت أن نظل معها وظلت تقول زعلانة منكم ولا أكلمكم ولا أحبكم : (
وبعدين قالت غنوا معايا
وأنشدنا لها وهي رقصت ^^
وصلت البيت الساعة 11 ليلا ًتقريباً، ولا أستطيع أن أصف شعوري تلك الليلَة
لم أستطع أن أنام، أتذكر ما شاهدت هُناك، أراجِع القصص، تلك العروس التي لم تكتمل فرحتها إلا وتجد نفسها في مجتمعٍ آخر..
ذلك الطفل الذي ينادي ماما ماما
تلك العشرينية التي اكتفت بالصّمت طويلاً والبكاء ولم تتكلّم معنا، فكيف لها أن تحكي قصّتها وهيَ هُنا منذ سنواتٍ طويلَة بعد أن تركها أهلها وعاشوا بمدينَة أخرَى.
و قصص كثييرة ومواقف أكثر، بكيت وبكيت
بكيت لتقصيري، بكيت لأن هناك نعما ًكثيرة لم أستشعرها ولم أؤدّ حقّها، أشاهِد حياتِي وحياة من حولِي ..
ننزعجُ من أثرٍ بسيطٍ لجرحٍ قديم، ننزعِج لأن ملامحنا ليست كما نُريد ونسينا أنّ خلف هذه الملامِح نعما ًوحواسا ًحُرم منها الكثير ..
ننزعجُ لأنّنا لمن نُسافر للسياحة، لم نشتري من الماركات التي نُريد، لم نزر صديقاتنا، لم ولم ولم
نسينا أنّا هُناك مجتمع فصلناهُ عنّا للأسف، يتمنّى أن يُمنح شيئاً مما ملكنَا ..... *
اللهمّ اغفر لنا تقصيرنا .....
الحمد لله، الحمد لك اللهمّ حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى
وعذراً على الإطالَة، هي مشاركة بسيطَة لرحلتنا التي أعتبرها من أهمّ الدروس ومن أهمّ الأمور التي غيّرت فيني كثيراً ......
الروابط المفضلة