السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد نجد أنفسنا أحيانا مضطرين ومجبرين للدخول في الحوار مع من يخالفوننا
وما من متحاور يقف أمام محاوره إلا وهو مقتنع تماما أنه على صواب وأن صاحبه
على خطأ
لذلك نجد أنّ كثيرا من المتحاورين نسوا أو تناسوا الهدف الأسمى من الحوار
ودخلوا في ذبذبة الانتقام للنفس من المتحاور الذي أمامه _ إن الهدف الذي ينبغي
أن يجعله كل متحاور نصب عينيه هو إنقاذ محاوره
من كهوف الظلام التي حبس نفسه فيها بسبب أباطيل عاشت وامتزجت بفكره
وإخراجه برفق إلى ميادين النور ليتضح له الحق جليا كنور الشمس الذي ما أن يظهر على
الكون حتى يبدد كل ذرات الظلام _فكيف هو حال الشمس عند الظهور هل تظهر فجأة بحرارتها
لا بالطبع_ إنها تبدأ خيوطا رقيقة من الضوء ثم تستمر قليلا قليلا وما أن تكتمل بقية خيوطها
إلا ويقوى الضوء وينتشر الدفء ويتلاشى الظلام أمام هذا الضوء الباهر
كذلك على المتحاور أن يخلص النية لله تعالى فلا يجعل هدفه أن يهزم خصمه ويثبت فقط ضعف حجته
بل عليه أن يحرص على إظهار الحق والحق فقط _
وعندما يتعرض أحد المتحاورين للسب والشتم
عليه أن يتحلى بالخلق الحسن وأن يصبر ليصل لهدفه الأسمى وهو إيضاح الحقيقة وكسب المتحاور
حتى لو أخذ وقتا طويلا فالسيل الذي يندفع مرة واحدة يأخذ الحجارة في طريقه لكنه لا يؤثر فيها بشيء
أما قطرات الماء المتتابعة الهادئة تثقب الصخور وتؤثر فيها..
هناك نوع من المتحاورين ليس همهم إبراز الحقيقة ولكن يهمهم إلقاء الشبه
والتعصب لبدعهم وهؤلاء هم أهل البدع والأهواء الذين أشربت عقولهم
بدع لم ينزل بها الله من سلطان يرون الحق واضحا جليا أمامهم ولا ينصاعون له
يتركون قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم _ ويأخذون بكلام أهل البدع
لأنها موافقة أهوائهم _ يدعون من دون الله مالا يضر ولا ينفع _ يتبركون بتماثيل
_ أي عقل هذا!! يتركون دينا واضحا جليا
ليله كنهاره ..ويسيرون وراء بدع ..ما فائدة العقل الذي خلقه الله للإنسان ؟؟ إن لم يتفكر
به ويرجع به إلى الحق !! بل لهم أعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها وقلوب لا يفقهون بها!!
يتركون الواضح الجلي من الدين ويتمسكون بالشبهات
وهؤلاء يجب التوقي منهم ومن شبهاتهم فقد يفسدون دينك
فهم يتركون المحكم من الآيات ويتبعون الشهوات
ففي صحيح البخاري من حديث القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ - إلى قوله - أُوْلُواْ الألْبَابِ } قالت : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى اللهُ فاحذروهم )
وقال محمد بن علي : لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله
ولذلك فالواجب على المسلم السني ألا يجعل من قلبه مسكناً للشبه، ولا استراحة لها كما قال
ابن تيمية لتلميذه ابن القيم ناصحاً: (( لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها
فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها،
فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشْربتَ قلبك كل شبهة تمر عليك صار مقراً
للشبهات أو كما قال ))
قال عبد الله بن مصعب :
ترى المرء يعجبُه أن يقول وأسلمُ للمرءِ أن لا يقولا
فأمسِك عليكَ فضولَ الكلامِ فإنّ لكلِّ كلامٍ فضولا
ولا تصحبنَّ أخا بدعةٍ ولا تسمعنَّ لهُ الدهرَ قيلا
فإنّ مقالتَهم كالظَِّلال توشكُ أفياؤُها أن تزولا
وقد أحكم اللهُ آياتِه وكان الرسولُ عليها دليلا
وأوضحَ للمسلمين السبيلَ فلا تقفُوَنَّ سواها سبيلا
الروابط المفضلة