المولــــد النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
الدكتور يوسف القرضاوي أم الداعية علي الجفري؟
سئل الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى ، في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة الفضائية ، والنص بحروفه كما هو موثق صوتاً. س ـ لماذا لا نحتفل بيوم مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
ج ـ هذا لأن الأعياد عندنا مرتبطة بشعائر والذي حددها هو صاحب المولد صلى الله عليه وسلم ، وهو القائل: "إن الله أبدلكما بيومي الجاهلية عيد الفطر وعيد الأضحى" ولم يجعل يوم مولده عيداً ، لأن مولده صلى الله عليه وسلم كان مولداً عادياً ، فالمسيح ولد من غير أب وحدثت حوله ضجة ، واهتم القرآن به وذكره في سورة مريم وآل عمران ، أما مولد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان مولد يتيم عادي ، ولذلك لم تُذكر قصة المولد في القرآن قط على خلاف ما ذكر كالهجرة والإسراء والمعراج والغزوات وهذه الأشياء ، فلذلك لم يُشرع لنا الاحتفال بالمولد أو التعبد بالاحتفال بالمولد فنحن في هذا متبعون ولسنا مبتدعين ، متبعون لما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ .
قلت: هذه فتوى الدكتور يوسف جزاه الله خيراً ، ولكن الداعية علي الجفري مصرٌّ على كون الاحتفال بالمولد سنة كما تقدم معنا صوتاً وصورة ، وبناءً على هذا الخلاف البين كان علي لزاماً أن أتوسع في البحث مستوفياً قدر الإمكان جوانبه لأبينَ حقيقته فأقول مستعيناً بالله تعالى:
أولاً ـ إنني لا أتطرق هنا إلى البحث في مشروعية الإنشاد والمدح والاحتفال بمناسبات الزواج أو النجاح أو غيرها من النشاطات الاجتماعية التي يجتمع فيها الناس ويطلق عليها العوام اسم المولد .
ثانياً ـ إنني لا أتعرض هنا لبحث مشروعية الضرب على الدف أو الطبل أو المزمار أو حتى الرقص الذي غالباً ما يصحب تلك المجالس .
ثالثاً ـ إنني مقرٌّ بأن من أعظم النعم على البشرية ولادة سيد ولد آدم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وحاشا لله الغفلة عن ذلك . بحثي هذا في الاحتفال بعيد المولد الذي يقام على مدى شهر ربيع الأول من كل عام.
بدايةً وبعد أن قدمتُ ما استدل به الدكتور يوسف ، أقدّم سيد ما استدل به الجفري وغيره ممن ذهب إلى القول بالاحتفال بالمولد هذا وهو حديث طويل سُئل فيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: (( ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه )) (1)
وهذا الدليل أدفعه بعون الله تعالى من أوجه:
أولاً ـ أين الدلالة في الحديث على تخصيص يوم من السَّنة يُحتفل فيه بالمولد ، وهل كل يوم أتى الخبرُ بفضله يُسنُّ الاحتفال فيه ؟
إن كان كذلك ، فهناك أيام فضيلة كثيرة فهل يسن فيها احتفالٌ أيضاً ؟ ومنها يوم القَرّ مثلاً فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر )). (2) أو أيام العشر من ذي الحجة أو ليلة القدر أو ... ... .
ثانياً ـ أنه أمرٌ لم يعمل به أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ولم يُعرف عند النَّظَّار أبي حنيفة ، ولا عند إمام المدينة عاصمة الإسلام مالك ، ولا عن الأثري أحمد ، ولا عند غيرهم من فقهاء الأمة رحمهم الله تعالى ، سبحان الله مع أن المسألة حادثة منذ فجر الإسلام بل من قبل فجره بزمان .
ثالثاً ـ من المعلوم لدى أي عاقل ومن باب أولى سيد الخلق المؤيد بالوحي الإلهي عليه الصلاة والسلام أن يوم الثاني عشر من ربيع لا يكون دائماً في كل سنة يوم الاثنين ، وعليه يكون فعل المحتفل بخلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو والله عين المخالفة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على يوم من الأسبوع بعينه هو يوم الاثنين والمحتفلون اتخذوا الثاني عشر من ربيع يوماً من السنة الذي يدور من الأسبوع دورته !!
رابعاً ـ أنه لم يعرف الصيام يوم الثاني عشر من ربيع لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره وهذا معناه أن السبب الداعي للصيام هو يوم الاثنين الذي اجتمعت فيه فضائل منها يوم مولده صلى الله عليه وسلم ومنها:
أنه يوم ترفع الأعمال فيه كما جاء في حديث فسّر فيه صلى الله عليه وسلم سبب صيامه له دون ذكر فضيلة أخرى فقال: (( تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) (3)
ومنها أنه أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وهنا أشير إلى أن نعمة بعثته بالرسالة قد ميزته ورفعته على العالمين بخلاف مولده الذي شابَه به غيره وهذا كله بنص القرآن العظيم:
{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي} (4) فما كان من الصفات البشرية فهو مثل غيره بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، إلا ما جاء به نص ، ولا نخالف نص القرآن الذي ينص على بشريته إلا بنص شرعي ثابت يخصه ، وإن لم نعتمد هذا فيجب علينا أن نقرَّ من يحتفل بعيد ميلاده أو ميلاد شيخه أو ... ، لأن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ـ على فرض ثبوته ـ لم يرد فيه التخصيص فيمكن القياس عليه .
خامساً ـ أسألُ: من يمنعكم من صيام يوم الاثنين من كل أسبوع وهو يوم مسنونٌ فيه الصيام وله كثير من الفضائل ومنها الصيام شكراً لله على مولد نبينا صلى الله عليه وسلم فيه؟ .
سادساً ـ أقول: على مبدأ من رأى الاحتفال بدل الصيام ، لماذا لا نقيم احتفالاً بدل الصيام في كل يوم اثنين على مر الزمان وهو الذي جمع كل هذه الفضائل .؟
سابعاً ـ بناءً على عمل المولد بدلاً عن صيام أداه النبي صلى الله عليه وسلم شكراً لله على نعمة لماذا لا نقيم مولداً في يوم عاشوراء بدلاً من صيامه شكراً على نعمة ؟
ثامناً ـ كم من فرق بين الصيام ركن الإسلام العبادة المتعبد بها وبين الاحتفال السنوي بالمولد وهو أسمى عادة وعبادة عند النصارى وغيرهم .
ورب قائلٍ يقول: ألم يصم صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ؟
لمثل هذا نقول: هذا تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا لماذا لا نصوم أو نحتفل بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام ، ألسنا أحق به من النصارى ، لماذا لا نصوم أو نحتفل يوم دخل يوشع عليه الصلاة والسلام أرض بني إسرائيل؟ .
ـــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم رقم / 1162 / .
(2) سنن أبي داود رقم / 1765 / وإسناده صحيح .
(3) سنن الترمذي رقم / 747 / ، وأصله عند مسلم رقم /2565/ .
(4) سورة الكهف ، الآية /110/
الروابط المفضلة