توقفنا في المرة السابقة عند الحديقة الثانية
من حدائق الموت
واليوم سنكمل معا مــــــــــا جرى في هذه الحديقة .....
قلنا بأن ملك الروم أمر جنوده بأن يحضروا له أحد أسرى المسلمين
فجاءوا بعبد الله بن حذافة .. يجرونه .. الأغلال في يديه .. والقيود في قدميه ..
فأوقفوه أمام الملك ..
فتحدث قيصر معه فأعجب بذكائه وفطنته ..
فقال له : تنصر .. وأطلقك من الأسر ..
فقال عبد الله : لا ..
فقال قيصر : تنصر .. وأعطيك نصف ملكي ..
فقال : لا ..
فقال : تنصر .. وأعطيك نصف ملكي .. وأشركك في الحكم معي ..
فقال عبد الله : والله لو أعطيتني ملكك .. وملك آبائك .. وملك العرب والعجم .. على
أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت ..
فغضب قيصر .. وقال : أذن أقتلك ..
قال : اقتلني ..
فأمر قيصر به فسحب .. وعلق على خشبة ..
وجاء قيصر .. وأمر الرماة .. أن يرموا السهام حوله ولا يصيبوه ..
وهو في أثناء ذلك يعرض عليه النصرانية .. وهو يأبى .. وينتظر الموت ..
فلما رأى قيصر إصراره ..
أمر أن يمضوا به إلى الحبس ..
ففكوا وثاقه ومضوا به إلى الحبس .. وأمر أن يمنعوا عنه الطعام والشراب .. فمنعوهما
..
حتى إذا كاد أن يهلك من الظمأ والجوع ..
أحضروا له خمراً .. ولحم خنزير ..
فلما رآهما عبد الله .. قال : والله إني لأعلم أن ذلك يحل لي في ديني .. ولكني لا
أريد أن يشمت بي الكفار .. فلم يقرب الطعام ..
فأخبر قيصر بذلك .. فأمر له بطعام حسن ..
ثم أمر أن تدخل عليه امرأة حسناء تتعرض له بالفاحشة ..
فأدخلت عليه .. وجعلت تتعرض له وهو معرض عنها ..
وهي تتمايل أمامه ولا يلتفت إليها ..
فلما رأت المرأة ذلك .. خرجت غضبى وهي تقول :
والله لقد أدخلتموني على رجل .. لا أدري أهو بشر أم حجر ..
وهو والله لا يدري عني أأنا أنثى أم ذكر ..
فلما يئس منه قيصر .. أمر بقدر من نحاس .. فأغلي فيها الزيت ..
ثم أوقف عبد الله بن حذافة أمامها ..
وأحضروا أحد الأسرى المسلمين موثقاً بالقيود .. حتى ألقوه في هذا الزيت .. وغاب
جسده في الزيت .. ومات .. وطفت عظامه تتقلب في فوق الزيت ..
وعبد الله ينظر إلى العظام .. فالتفت قيصر إلى عبد الله .. وعرض عليه النصرانية ..
فأبى ..
فاشتد غضب قيصر .. وأمر بطرحه في القدر ..
فلما جروه إلى القدر .. وشعر بحرارة النار .. بكى .. ودمعت عيناه ..
ففرح قيصر .. وقال :
تتنصر .. وأعطيك .. وأمنحك ..
قال : لا ..
قال : إذاً .. لماذا بكيت ..
فقال عبد الله : أبكي لأنه ليس لي إلا نفس واحدة تلقى في هذا القدر .. فتموت ..
ولقد وددت والله أن لي مائة نفس كلها تموت في سبيل الله .. مثل هذه الموتة ..
فقال له قيصر : قبل رأسي وأخلي عنك ؟
فقال له عبد الله : وعن جميع أسارى المسلمين عندك ..
قال : نعم ..
فقبل رأسه .. ثم أطلقه مع الأسرى ..
عجباً !! لله دره !!
أين نحن اليوم من مثل هذا الثبات .. ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ..
إن من المسلمين اليوم .. من يتنازل عن دينه .. لأجل دراهم معدودات .. أو تتبع
الشهوات .. أو الولوغ في الملذات .. ثم يختم له بالسوء والعياذ بالله ..
سبحان الله من عدله تعالى أن العبد يُختم له في الغالب على ما عاش عليه ..
فمن كان في حياته يشتغل بالذكر والقيام .. والصدقات والصيام .. ختم له بالصالحات ..
ومن تولى وأعرض عن الخير .. خشي عليه أن يموت على ما اعتاد عليه ..
ولأجل هذا الفرق العظيم .. كان الصالحون يستعدون للموت قبل نزوله ..
بل يغتنم أحدهم آخر الأنفاس واللحظات .. في التزود ورفع الدرجات ..
فتجده يجاهد .. ويأمر بالمعروف .. وينهى عن المنكر .. ويشتغل بالطاعات .. إلى آخر
نفس يتنفسه ..
لا تذهبوا بعيدا سنعود بإذن الله ونعيش معا أحداث حديقة ثالثة من حدائق الموت
فانتظـــــــروني
الروابط المفضلة