شلة أصحاب المعالي إلي يبي يشترك يدخل

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • love uae
    عضو نشيط
    • Dec 2005
    • 161

    شلة أصحاب المعالي إلي يبي يشترك يدخل

    شلة أصحاب المعالي

    الشروط الدخول : يكون عضو نافع جدا
    ان يكتب قصص أو شاعر أو قصة قصيرة او مقالة عن الأدب أو أي شئ يخص الأدب

    و انا مستعد من الأحين أن أبدء و إذا كنتوا تحبون


    يلللللللللللللللللللللللاااااااااااااااااا قدموا إلي عندكم


    الجد و الاجتهاد هو شعار
  • speac toon
    عضو نشيط
    • Sep 2005
    • 197

    #2
    تسلموووووو

    بقدم ليكم شعر من ذوقي واتمنى يعجبكم :



    تخونني الكلمات وتتناثر على ناظري


    لا أملك طريقةً لإيــــــــقــا فـها لــدي
    تنسكب على قلبي فيصعب لها اختياري
    كلمات تكن لك كل الشوق وعذاباتي
    كل يوم لا بل كل لحظة في حياتي
    كلاماً عن الحب أه من الحب أفضل شي يحصل لي
    أبتغيه فقط من أجلك أنت يامن تحوم به أجمل أفكاري
    وأنام وقلبي يحدثني عنك وبك تريحني وسادتي
    فأفيق مبتسمتاً تضحك الدنيا بصباحها المضيئ
    على ذكراك وما أرسمه معك في خيالاتي
    تلهمني وتنير دربي ونحوك سعادتي
    كأنني في الساحة الخضراء أنا الورد وأنت أوراقي
    صفاتك العذبة الشابة الرجولية تروقني




    خذني إليك يا أجمل إحساس تعطيني


    اتمنى تعجبكم ....

    تعليق

    • love uae
      عضو نشيط
      • Dec 2005
      • 161

      #3
      تسلمين على هذا المقالة الحلو و تسلمين و صح اللسانك يالشاعرة و هذا من دواع سروري إن تكتبين
      التعديل الأخير تم بواسطة ناااصحة; 08-12-2005, 03:28 PM. سبب آخر: يمنع وضع الوجوه التعبيرية بين الجنسين

      تعليق

      • love uae
        عضو نشيط
        • Dec 2005
        • 161

        #4
        الحدث الذي يشغل معظم اليابانيين حالياً هو رواية رومانسية أسمها (دنشا اوتوكو) يتم بيعها عبر الإنترنت، وتلك الرواية تحقق أرباحاً هائلة.
        وتبدأ (دنشا اوتوكو) أو (رجل القطار) التي تبدو كقصة حقيقية بسلسلة من الرسائل عبر أكثر مواقع التخاطب على الإنترنت شعبية في اليابان وذلك بعد أن يستطيع البطل وهو شاب ياباني أن ينقذ امرأة من شخص ما يغازلها على متن قطار.
        والبطل هو أحد أولئك المهووسين بالتكنولوجيا والثقافة الشعبية الذين يعجزون عن التواصل بنجاح مع الواقع.
        وتدور أحداث القصة في ثلاثة أشهر بدءا من مايو حيث يعلن (رجل القطار) لرفاقه على الموقع الذين هم مثله وقد تخفوا وراء هويات غير حقيقية حبه لمن اسماها (ميس هيرميس).
        لقد تم جمع الرسائل المتبادلة في كتاب نشر الشهر الماضي وحقق أعلى المبيعات فيما يعكس حسب خبراء مدى عمق تأثير الإنترنت في الحياة اليومية للشبان اليابانيين. قال جون كليمر أستاذ الثقافة المقارنة في جامعة صوفيا بطوكيو: كثير من طلابي ينفقون جزءا كبيرا من وقتهم على شبكة الإنترنت.
        إنها بطريقة ما تمثل صلتهم بالواقع. (وتابع كليمر): الكتاب على نحو ما... يضفي المشروعية على ما يقومون به.
        والكتاب الذي هو عبارة عن سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني المليئة بتعبيرات ومصطلحات اللغة الدارجة في 364 صفحة قد يصيب بالصداع أولئك الذين اعتادوا قراءة النثر في صورته المتعارف عليها.
        إلا أنه يبدو عاديا لكثير من الشبان اليابانيين الذين ينفقون وقتا طويلا يوميا في التخاطب بالرسائل النصية القصيرة على الهواتف المحمولة وعبر الإنترنت. ويتزايد عدد الذين يستخدمون الإنترنت في اليابان رغم إنها مازالت تأتي وراء الولايات المتحدة في هذا المجال. وفي 2003 استخدم الإنترنت 60 في المائة من الشعب الياباني للمرة الأولى مقارنة بنحو عشرة في المائة1997م.
        لقد أصبح مدمنو الثقافة الشعبية يمثلون جمهورا عريضا يمكن استهدافه وهو ما تبدى واضحا في وقت سابق هذا العام عندما قدر معهد أبحاث أنهم ينفقون ما يصل إلى 260 مليون ين أي ما يوازي 2.5 مليار دولار سنويا على عاداتهم.
        لكن ثمة جوانب سلبية للأمر خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية لأولئك الذين يحصرون حياتهم في الإنترنت.
        إن (رجل القطار) ليس له سابق تجربة عاطفية ومن ثم فإنه يتجه إلى أحد مواقع التخاطب على الإنترنت ليطلب النصح كما تقول هيروكو جونجي التي ألفت الكتاب.
        وتابعت: أولئك الذين يعطونه النصيحة هم أيضا ليس لهم سابق خبرة بالنساء ومن ثم فإنهم أحيانا يقدمون له نصائح سيئة.
        وتبدو فكرة الشاب عديم الخبرة الذي يقع في الحب مادة جيدة تغري الكثير من القراء. قال مانابو ايناجي (31 عاما) بعدما اشترى الرواية من أحد الباعة في طوكيو: صديقي الأعزب قال لي يتعين أن أقرأ القصة لأنني لم أتزوج بعد.
        وفيما يتحرج رجال مثل ايناجي من طلب النصح من أصدقائهم فإن (رجل القطار) ومستشاريه يمكنهم التحدث بحرية عبر الإنترنت حيث لا أحد يعرف هوية أحد وهو الأمر الذي يجعل من الإنترنت أنسب ما تكون لليابانيين الذين يخجلون من إظهار مشاعرهم وجهاً لوجه. قال كليمر الأستاذ بجامعة صوفيا: الإنترنت ديمقراطية للغاية.
        إذا أردت إخفاء هويتك والتحدث عن أي شيء اعتقد أنها تمنح الفرصة للقيام بذلك بعيدا عن قيود الأعراف الاجتماعية.
        إلا أن ثمة معارضين يقولون إن قدرة الناس على إخفاء هويتهم عبر الإنترنت هي أيضا مكمن الخطر.
        فقد تعرض الموقع الذي نشط عبره (رجل القطار) للتخاطب مع الآخرين للهجوم عندما وضع بعض الزوار عليه رسائل يكشفون فيها عزمهم ارتكاب جرائم. وقد وقعت جرائم حقيقية عندما طعن ثمانية أطفال في غرب اليابان قبل ثلاثة أعوام. وزادت من تلك المخاوف أيضا عمليات انتحار قام بها أناس التقوا عبر الإنترنت.
        بعيدا عن كل ذلك يتساءل البعض عبر الإنترنت عما اذا كانت قصة (رجل القطار) هي قصة حب حقيقية أو أنها مجرد عمل أدبي روجت له وسائل الإعلام اليابانية بصورة مبالغ فيها.
        قالت المحررة جونجي: لقد التقيت مع رجل القطار عدة مرات وتبادلت معه الرسائل الإلكترونية. انه يمضي الوقت بصورة طيبة مع مس هيرميس. إنهما يتواعدان وقد اشترت الكتاب وهما سعداء.

        تعليق

        • love uae
          عضو نشيط
          • Dec 2005
          • 161

          #5
          رواية حديقة حياة لراوية لطيفة


          الفصل الأول

          تعرف المرأتان أن لا سبيل للتراجع، فقد قالت الحياة حكمتها ورضخ القلب.‏

          لا مجال للتراجع، فمهما يحدث للإنسان لا بد لـه أن يمضي قدماً، سواء نحو حتفه أو نحو نجاته، لا بد لـه أن يمضي قدماً.‏

          ومثل من يسحب خيط ضوء من كتلة ظلام صلدة تسحب (ميساء) بإصبعين راعشين حلم عودته المستحيلة وتضع الحلم مثل تعويذه عتيقة أمامها. تفتح النافذة وتناديه لعل ضجيج الحياة وحركة الريح في أشجار الشارع تحمل نداءها.‏

          ـ عد... ألا تعود؟.. تعال.. دع الصيف يزهر على يدي..‏

          تعال ليفتتح الربيع المضيع في جسدي... عد.. أين أنت؟‏

          تعرف أنه لم يعد يصغي لنداءاتها وهو غير قادر على سماع لغة غادرها، وما عاد قلبه يرتعش لإيقاعات هذه اللغة كما تقول أمها.. تعرف أنها تهدر صوتها في الفضاء العاري مثلما تهدر أيامها ولا تتوقف عن التشبث بالحلم المستحيل.‏

          يرتد النداء في رجع الصدى مرتطماً بالجدران، لا أحد تبلغه الرسالة.‏

          أوصدت المسافات بينهما وقتل المدى..‏

          لكنها تستغرق في وهم استعادة تاريخ الحب، لا تعرف أن الذاكرة التي تحيي تفاصيل قصة الحب لم تعد متناغمة مع ذاكرته وهو في مكان مختلف وعالم آخر ومؤثرات تحرك فيه حوافز ورغبات جديدة..‏

          (لا يستعاد شيء تهاوى) هذه عبارة أمها التي لم تقلها، إنما تبلغها بهذا الصمت والتجاهل الذي تقابلها به كلما أشارت إلى قصتها مع (زياد)..‏

          أوصدت المسافات بينهما وقتل المدى..‏

          تسمع (ميساء) أو لعلها كانت تستعيد بإيحاءات من يأسها.. تسمع بلبلة لغات مختلطة تتشابك فيها الغايات بالأهواء بالقسوة والأمنيات والوقائع الصادمة، تسمع البلبلة وتدور حولها دوامات من كلمات غريبة تشقها صرخات غرقى في سفن ابتلعتها الخلجان، وأودت بأرواح ضلت السبيل إلى مصيرها..‏

          تسمع أنين تائهين وصلصلة أغلال ونحيب نساء يتعالى من جنبات العالم الأربع مختلطاً بخطى مجهولة يتردد وقعها على الرصيف وتنتقل أصداؤها إلى داخل البيت مع الريح..‏

          في الليل تسمع أكثر، تتفتح الحواس لكل صوت وصورة، تسمع فيما تسمع شهقات حب غامضة وأغنيات تموج على أثير الطرقات في الغبار والدخان الليلي..‏

          تبحث في الليل والنهار على أثر يرشدها إلى ذلك الذي أخطأ ومضى فلا تعثر على علامة..‏

          ترى (ميساء) نفسها في تشابك الشغف والخيبة، سمكة لم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد وهي تطفو في مياه الأمل الضحلة معرضة للهلاك كل لحظة..‏

          ولكنها تجد لها عزاءً راسخاً في بذرة الحياة العظيمة التي ترقد جوار قلبها وتدرك أنها بدأت تستفيق فتناغيها وترعاها لتتفتح وتسند ذلك الأمل العصي.. أمل عودته إليها..‏

          تخرج في المطر الناعم إلى الحديقة المهجورة التي نسيت في زحام الحروب وتدهشها زهرة وردة حمراء تفتحت في وحشة الخراب النباتي وحدها على شجيرة صغيرة.. تقطف الوردة وتسرع إلى أمها..‏

          إذن، البذرة ولدت ليس في أعماقها هي، إنما في رحابة الوجود على شجيرة ورد كادت أن تجف، تولد الحياة على مسافة دهر هو الزمن الذي يفصل بين تخلُق الإنسان في تحولاته ونمو النبتة في الطبيعة رغم قسوة الوجود..‏

          نزهات الحب القليلة في شوارع بغداد تستعيدها وهي تصغي إلى سقسقة العصافير المبلولة المنتشية بالمطر، تسمعه يقول لها قبيل رحيله:‏

          ميساء، نحن عاقلان بما يكفي لنرى الحياة من منظور آخر يضمن لنا عيشاً حقيقياً في أية بقعة من هذا العالم..‏

          في البيت عندما يعودان.. يبتسم لأمها وهو يعانقها: أمنا العزيزة.. ألا يمكن أن يتغير شيء.. ميساء لا تريد أن تسمع..‏

          نظرة الأم الصارمة تصدُ عباراته بنظرة محايدة وهي تذوّب السكر في قدح الشاي..‏

          ميساء تتأمل اللقية السماوية زهرة الورد التي منحتها مفتاح الحقيقية وكشفت لها أنها لن تكون الخاسرة مهما حدث ويحدث...‏

          زهرة ورد لم يكتمل تفتحها بعد أن أفلتت من ظمأ المدينة وفناء الحدائق جعلتها تعيد حسابات الأمل..‏

          هكذا إذن بوسع المرء أن يحيا بذاته دون اتكاء على شخص أو جدار أو وعود.. ألا يمكن؟..‏

          تدندن أغنية للوردة التي لم يقدمها لها يوماً...‏

          رجال المدينة ما عادوا يرون الزهور ولا بوسعهم التمايل مع الريح أو على إيقاع موسيقى ولا يستطيعون ترديد كلمة عذبة لتتوغل موسيقاها في نبراتهم الجافة..‏

          هو مثلهم فتى من يأس وصمت ورمل ودخان ومن مساماته تفوح رائحة الحروب والموتى.‏

          الدنيا عزلتهم عن شذا الأقحوان وألوان زهرة المنثور وعطر أزهار العسل في حدائق الليل، ما عاد أحد من هذا الجيل يرى شيئاً من روائع خلق الله في الطبيعة..‏

          لا أحد منهم يلمس غصن ليمون وتصعقه الدهشة من نعومة الخضرة اليانعة، ولا أحد منهم يميز بين زهرة القرنفل وعلبة صباغ مصنوعة من البلاستك.‏

          لا أحد يعرف نشوة أن يشم عبير الحشائش النضرة في هشاشة الأرض بعد المطر وقد رصعت بحبات لؤلؤ الندى..‏

          الكارثة مسحت وجه الأرض وذاكراتهم وألقت رماداً على المروج والخمائل، ولم يحاول أحد منهم استرجاع الهبة العظمى..‏

          ما أقسى أن يرتبط زمن الناس بأوان الرحيل لا بمواسم قطاف أو لقاح نخيل؟.. لا ميعاد يعرفون عن تفتح قداح البرتقال أو موسم نضج التوت.. لا أحد منهم تبقت لديه تلك الإشراقة الأولى للكائن الإنساني وهو يندغم بالأرض والهواء والعشب ويحيا في ملكوت الجمال البدائي.‏

          هاهم يهيمون وحيدين بذاكرة لم تعرف سوى القبول بالإحباط والانسياق في شهوة الفرار..‏

          ما عرف أحد منهم ومضة النور التي تشع من زهرة مشمش في أواخر شباط.. لهذا فهم لا يدركون كيف يستثنون أرواحهم من خراب الأرض ولا يجدون وسيلة لإنقاذ النفس طالما لم يتوصلوا إلى الإيمان بما وهب لهم..‏

          أمي.. لم أصدق.. زهرة ورد في حديقتنا المهجورة!.. شمي عطرها.. انظري أي لون.. يا إلهي.. ما هذا الجمال العجيب!.. انظري، خذيها..‏

          أصابع الأم تأخذ الزهرة بحنان حذر.. تمسكها من ساقها النحيل المبلول وتضعها في قدح الماء.‏

          ـ أعجوبة.. أليست أعجوبة يا أمي؟؟‏

          عندما فقد أبوها في الحرب.. أمضت (ميساء) عامين في ذهول وغياب وهي تتعذب في كوابيس مروعة، طحنت طفولتها وسممت حياة الأم.. كانت تسمع أصواتاً وصرخات تنبت من الجدران أو تتعالى من الأثاث.. أصوات مجسدة ضخمة لها حجم منتفخ كموجات الضباب، تتطاول وتكبر وتملأ الغرفة والهواء.‏

          ميساء تلهث وتصم أذنيها وهي تحدق بعينيها في الفراغ هاربة من ملاحقة الأصوات لها..‏

          أبي.. أبي..‏

          تتساقط مياه غزيرة على أشجار التين والنارنج في الحديقة وتنساب قطرات المطر على الأوراق الخضراء وتتقطر من جديد.. وعندما تسكن العاصفة.. تتحرك أضواء بعيدة في الأفق.. ثم يلوح لها وجه أبيها ويصطبغ العالم بلون وردي ويضاء المكان وينحل الظلام إلى غمائم والأصوات إلى نغمات غناء...‏

          أبي.. أبي..‏

          تناديه ولا تحرك شفتيها، المضمومتين على الرغبة المستحيلة..‏

          أبي..‏

          تشم نسيماً يداعب وجهها به رائحة دخان.. تشم حريقاً يقترب.. تشم لحماً ينضج فوق اللهب، تغثو نفسها ويختفي وجه الأب وتتهاوى الضجة.‏

          تبكي ميساء حتى يهمد جسدها الفتي الناحل.. تعطيها أمها أقراصها المهدئة تفرك جبينها بقشور البرتقال وتدلك كفيها ويديها بمغلي زهور الخزامى لتهدئ أعصابها ومنابت الأعصاب في الأطراف تمسح العرق الذي يسح من وجهها وعنقها ثم تدثرها وتحضنها وتتلو رقية بضع آيات وهي تمسد الجسد الراعش..‏

          تطبق البنت عينيها وتروح في إغفاءة هادئة.. تنتظم أنفاسها ويلوح ظل ابتسامة على محياها..‏

          ترى جنات وروابي معشبة، ترى أشجاراً مثقلة بالثمار والزرازير المنقطة وعصافير الحب، ترى النهر يفيض على الأجراف وتبلغ مياهه الرائقة التي لها ألق البلور عتبات الأبواب، تسير وحدها في الماء البلوري الرائق الذي يغمر بلاطات رصيف المشاة، تغترف منه وتغسل وجهها وترشه على صدرها.. وعندما ترفع عينيها ترى مبان شامخة في مدينة خيالها.. وفي كل مبنى مئات النوافذ المفتوحة.. في كل نافذة وجه امرأة تلتمع عيناها وهي تطل على دجلة الذي فاض على الأرض بهباته العظيمة، ترى العيون كل هذا، وترتعش أشجار الأجراف التي من سدر وصفصاف.. عيون لا تحصى تحدق بالمشهد والسماء وتعكس أضواء النجوم التي بدأت تنهمر مطراً من شذرات ضوء فتمتد أكف النساء من النوافذ لتجمع هبة السماء، جواهر النجوم المتهاوية، وعندئذ تضاء النوافذ والمباني بالتماعات وهاجة تتوامض وتشع بألوان عجيبة، ويسيل الضوء شلالات إلى الطرقات وتنزاح الظلمة وتتعالى الموسيقى وتصدح الأصوات بأغنيات الحب وتحلق أسراب الحمام في حركات قوسية وقد انعكس على بياض أجنحتها الضوء السماوي، بينما تتدفق جموع الناس إلى الشوارع لجمع المزيد من النجوم في سلال حيكت من خوص النخيل وأغصان الصفصاف اللدنة..‏

          بعد برهة، ترى النجوم تذوب في الأكف كأنها حبات برد، بينما تغرق بغداد في النور البهي والمياه الرائعة التي فاضت بها الأرض واتحدت مع فيوض أنوار السماء وبعثت المدينة في مخاض النور والماء وتعالت أغنيات الحب وموسيقى الأعياد وفاحت روائح الفجر.. شاي مخمر بالهيل وخبز قمح ساخن خبزته الأمهات قبيل صلاة الفجر وحلت في الأرض حياة جديدة وأطلقت الكلمات من عقالها.. سالت اللغة على الأشجار وبلاط الأرصفة، وقيلت كلمات الحقيقة.. و (ميساء) تسمع همساً رقيقاً.. تسمع أنفاساً تحس دفئاً يلامس وجهها..‏

          هل استيقظت يا حبيبتي؟.. هيا..‏

          تحس بالنهر يجذبها إليه، جسدها الذي يسح عرقاً يعوم في بلور الماء السائل.. والنجوم لا تزال تنهمر على بغداد..‏

          تقول لأمها: أمسكي بواحدة.. حاول يا أمي.. اجمعي لي المزيد منها يا أمي..‏

          تحضنها وتقبل جبينها: سأفعل.. عليك أن تستحمي.. ثم تتناولي إفطارك.. هيا..‏

          أمي.. ماء النهر بارد شهي.. إنه يدغدغني.. أمي موجات الماء تدور بي.. أمي..‏

          الريح تهمس لها وهي تدوّم حول البيت وتدحرج بعض الجذوع الجافة فوق سطح البيت.‏

          الريح تردد قول الأب وهو يحلم بغد لابنته الصغيرة التي يريدها عالمة آثار:‏

          أعطني ذاكرة.. أقيم لك مستقبلاً.‏

          ترد الأم مدرّسة اللغة العربية مقولة أخرى كأنها تقاطعه، لكنها في الواقع كانت تسند رؤيته للعالم ـ أعطني ألماً.. أصنع لك حاضراً يعتاش على مقاومة ذلك الألم..‏

          يروي لها الأب الذي كان مدرّساً للتاريخ حكايات لا تنتهي عن ماضي البلاد الممتد إلى الأزل..‏

          تنام الأم برغم الريح، تنام أو تحاول أن تنام وصوت الرجل المفقود حاضر، تعثر عليه وحده دون الرجل بوجوده المادي، الصوت مادته أثيرية وطاقته لا تفنى، لذا فهو يطوّقها ويقرأ لها رسائل لم يرسلها من قبل عبر بريد الجبهة المحمول في جعب الجنود العائدين في إجازات دورية..‏

          صوت الرجل لا يفقد ولا يذبل، يرتحل الجسد وتنتقل الحروب في البلدان والقارات، وتجفف العشب وتحرق الأيدي، تحرق العشب وتفترس الأيدي، صوت الرجل ينجو من النار، يطفئ الحرب بالحروف وينمو ويحيا ويتكاثر ويحط الليلة مثل حمامة على وسادتها.. يشاطرها الصوت ليلتها، فتنزف أشواقها إلى أعماقها..‏

          في الليلة عندما تنتهي أعمال الأنهر الشاقة يحضر الجسد المتعب، تعرف جسدها بتعبه وعناء الألم، تكتشفه بتشنجات الساقين لطول الوقوف وبألم العنق لطول ما انحنت على ماكنة الخياطة في مشغل (أم نور).‏

          عنقها يتيبس ويزداد تشنجه، تنهض وتمسده بزيت الخزامى حتى يلين وترتخي العضلات وتتمدد، تلقي رأسها على الوسادة جوار صوت الرجل الذي يتنفس عبير السنوات الغاربة..‏

          تمد يدها تحت الوسادة لعلها ترتاح في الظلمة الباردة الممتدة بين الوسادة والمفرش..‏

          يحدثها الصوت عن زمن طاعن في القدم، يحدثها عن زمن سيأتي بعد شموس كثيرة..‏

          كانت فيما مضى تدس يدها في يده وتنام.. ويضحكان وهما يتصوران لابنتهما الوحيدة تاريخاً حافلاً بالفوز، عمراً من نجاحات والشموس تتوالى، يضحكان والليالي تستولد أقماراً ويرسمان مستقبل البنت.‏

          أريدها عالمة آثار تنقب عن العشرة آلاف مدينة التي لم يكتشفها أحد..‏

          أنا أريدها عالمة فيزياء، لعلها تخترع شيئاً يوقف تدهور الزمن في أجساد الناس...‏

          يغمض الأب عينيه، ترقبه الأم الشغوفة وتتألم، كان بوسعها أن تهبه طفلاً آخر وأحلاماً أخرى، لكنها أسقطت الجنين، كان ولداً هكذا أنبأتها الممرضة في شهره الرابع.. كان قد قال لها.. تكفي ابنة واحدة جيدة.. ألا تكفي؟‏

          تضحك.. ألا تريد ولداً؟ ألن تفكر بالزواج من امرأة أخرى لتنجب لك الذكور؟‏

          يقبلها.. كفي عن ترهات النساء.. نامي..‏

          كان يغمض عينيه ويبتسم..‏

          مابك...؟‏

          أرى ميساء تعزف الكمان على مسرح قاعة الرباط... والحضور يصفقون لعزفها البديع.. وهي تضارع السحر بعزفها.. كنت أتمنى أن يعلمني أحد العزف على الكمان.. أتذكرين.. أهديتك شريطاً عليه مقطوعات كمان كان (غانم حداد)... اسمه (غانم حداد)..‏

          نعم..‏

          يصمتان.. يسمع الرجل موسيقا هادرة.. ينصب وقد نهض بنصف جسده في السري.. موسيقا تسحق الروح بإيقاعها.. تهيج شهوة الحياة، يده تضبط الإيقاع.. موسيقا عاتية تهب عليه، طبولٌ.. إيقاع مارشات، يسمع الليالي وهي تنسحق تحت ثقل الهدير الجائح..‏

          الطبول وحدها تبقى..‏

          تبتسم المرأة إلى جانبه وتتسع ابتسامتها وهي تمسك بيده..‏

          ما بك..؟‏

          ألا تراها؟.. انظر إليها في ثياب التخرج، ألا تراها؟.. انظر إليها في ثياب العرس.. ألا تراها؟‏

          إنها على سرير المخاض.. أنت تحمل المولود وأنا أنظف عنه بقايا الدم وألبسه ثياباً أعددتها له.. أتسمعه إنه يبكي.. والله إنه يبكي.‏

          تنسحب من القول.. تتكئ على حلمها وحدها وتدعه يضحك من أشواقها لحفيد سيأتي بعد سنين لا يعرفانها..‏

          تحمل الطفل ويبكي.. تقول لميساء:‏

          خذي أرضعيه، امنحيه لبة الحليب الأولى، صمغ النجاة.. اعصري الحلمة في فمه.. ودعيه يمص هبة الحياة ليقاوم.... هيا لا تخافي.. هيا.. ابتدئي شوط الوجود.. لا تخافي..‏

          تنقلب الأم في الفراش، تسمع عطاس ابنتها، ظلمة الليل تحط على كل شيء ويدها تنسحب من تحت الوسادة باحثة عن يده.. اليد التي تحولت إلى كلمات.‏

          تذوب البنت في ما وراء المرض والكوابيس وعقلها تتجاذبه الرؤى وجسدها ينحط بثقل الكوابيس وتفقد شهية الحياة..‏

          تأخذها إلى أطباء، تأخذها إلى معزمين وتزور معها مشعوذات وعشابين يقدمون لها خلطات من بذور وأعشاب ومساحيق غريبة وزيوت، جاؤوا بها من كشمير وتايلند، يبخرونها بحرق أصماغ عطرة، يسقونها مغلي أعشاب كريهة المذاق، يدهنون جسدها بدهن عطر ويعلقون الأحجبة على رأسها..‏

          لا تشفى.. تنسحب البنت إلى صمتها وتتوقف عن ارتشاف تلك المغليات المرة والأعشاب الحارقة.‏

          تطرق الأم باب رجل يسمونه (الشافي) يعالج المرضى بالطاقة التي يمتلكها في أصابعه..‏

          يقول للأم بعد أن ينظر إلى البنت:‏

          هالة الطاقة المحيطة بها مفككة ومضطربة.. ليس من انتظام.. ابنتك متعبة، روحها هلعة..‏

          ترقد البنت على أريكة العلاج يغطيها الرجل بمفرش ويمرر أصابعه فوق رأسها دون أن يلمسه يخلق بحركة أصابعه مجالاً من الطاقة فوق الجسد ويداه تتحركان في الهواء حول أطراف الفتاة المغمضة العينين.. تكاد تغفو وهي تستمع إلى موسيقا هادئة يرسلها جهاز الكومبيوتر في غرفة العيادة، موسيقا تبعث على الاسترخاء.. تحنو على الفتاة وتهدهدها، تنام.. أو يبدو أنها تريد ذلك..‏

          تعود الكوابيس بعد علاج يدوم شهرين..‏

          تتوقف الأم عن الذهاب إلى الشافي فقد أرهقتها التكاليف وأجور التنقل من بغداد إلى (المدائن) حيث يقيم المعالج.‏

          تستيقظ ميساء منتصف الليل مغمورة بأسىً شفيف، قلبها مضطرب ونبضها يتوالى متسارعاً.. تتشهى أطعمة حرمت منها، يداهمها جوع دهري.. تبحث عما تأكله في المطبخ، ولا توقظ أمها..‏

          تريد أن تفعل شيئاً، لا بد أن تقوم بشيء ما.. مؤكد أنها تستطيع فعل شيء لنفسها ولأمها.. ولكنها تتراجع.. تستسلم لنومة طويلة، تستغرق في نوم وصحو لأربعة أيام وليال..‏

          وعندما تستفيق تقرر أن تشفى، ستفاجئ أمها.. ستعود الأم إلى البيت وتجدها في صورة أخرى إنما لم يتم الأمر بهذه السرعة..‏

          تنظر ميساء إلى وجهها في المرآة.. تراه شاحباً.. ناحلاً.. وترى جسدها الهزيل برزت أضلاعه.. ترى دوائر قاتمة حول العينين، ترى بثرة صغيرة وردية قرب زاوية الفم..‏

          الجوع يحضر كل ساعة، وهي تتناول كل ما تقع عليه يداها، وتغويها الأم بمشهيات ومخللات لفت وخيار..‏

          ترى الأم نسغاً وردياً يسري في شحوب الوجنتين، وتعيد النظر في تغيرات الطفلة المتتالية التي انشغلت عن استحالاتها بعلاج كوابيسها، تكتشف الأم أن الصبية تغادر الطفولة إلى عتبات الأنوثة فهاهو الجسد النحيل الضامر يشق الشرنقة التي ضاقت عليه وينبت لـه جناحات من نزق المراهقة ونهم النضوج..‏

          تنتاب الجسد الصغير آلام متحولة، ويسري في أطرافها ما يشبه الكهرباء وشيء ما يتململ في الأعماق ويتكثف الألم في الصدر الضامر.. يبرز قرصان مستديران جامدان تحت الجلد فوق انحناءة الأضلاع البارزة مباشرةً..‏

          تخاف الصغيرة مما يحدث لها.. تصمت، لا تسأل أمها، لا تشكو.. وتعرف الأم أن النضج لا يتم إلا بتجربة الألم..‏

          تفكر ميساء أن أباها كان مختلفاً عن الرجال أو هذا ما تريده أن يكون، مثلما ترى أمها مختلفة عن النساء، وهي تفرك الزمن بالدموع كلما ساءت الأحوال واضطرب وضع البيت وازدادت الحياة عسراً..‏

          تقول الأم: هل تفهمين؟.. نحن.. أنا وأنت عندما نجونا من حربين فقد تحققت لنا معجزة.. وهبنا الله حياة سلبت من الآلاف.. لذا لن تكون حياتنا حياة اعتيادية كباقي البشر.. افهمي هذا..‏

          تذكر هذا، تذكر ما كان أبوها يلقنها في الأماسي وهو يذاكر لها دروسها..‏

          إياك والضجر.. لا يضجر إلا الخاسر.. هل أنت خاسرة؟‏

          لم تكن تفهم حينئذ تلك العبارات التي يرددها لها هي الطفلة التي تتابع أفلام الكارتون بطرف عينها والأب يتصفح معها كتاب العلوم..‏

          أحبت فيه تلك الدعابات وألعاب الظهيرة عندما ينتهون من تناول الغداء وتحضر أمها صندوق لعبة (الدومينو) أو (الشطرنج) المصنوع من عاج أو أبنوس وتبدأ المباريات ويحصل الفائز على جائزة من شيئين اثنين: كتاب جديد أو إعفاء من جدول العمل البيتي في اليوم التالي.. وفي النهاية يفوز الجميع بضحكة..‏

          تصغي البنت لأصوات الطبيعة وتصمت وهي تستمع إلى انهمار الماء أو حفيف الأشجار أو هفهفة الريح. علمها أبوها مذ كانت في الرابعة كل أسرار الطبيعة.. جعلها تنصت لسقسقة العصافير في الصباح قبيل شروق الشمس أو تستمتع بضجة الطيور في الأماسي عندما تعود قبائل العصافير والحمام إلى أعشاشها ساعة بزوغ القمر وهي ترقص أو تردد أغاريدها.. وتشتبك مع بعضها لتدافع عن موطئ جناح يكون جائزة طيران طويل استغرق أَنْهِرَةُ الشتاء..‏

          كان يقول لها أو لعله أراد أن يقول لها:‏

          انظري هذه العصافير تعود من كد النهار وكل طائر يروي قصة مغامرته، يحدث القبيلة عن معركة خاضها وحبة قمح فاز بها أو ثمرة قنصها من طائر آخر.. وكل طائر يتعلم حين يحكي ويتعلم حين يصغي ويضج الجميع معلنين بهجة الريش برعشات الحياة..‏

          شجرة التين الجافة العارية تساقط حبات سوداء صغيرة كانت مشروع ثمار شهية جفت فوق الشجرة وسقطت في الشتاء..‏

          ريق الفتاة يتحلب لمذاق التين والفم يتذكر عسل المذاق وطقطقة البذور تحت الأسنان ويقطف الأب تينة أو اثنتين، وحين تطلب المزيد يقول لها:‏

          لا.. أنت حصلت على نصيبك من هذه الشجرة.. وما تبقى من التين رزق العصافير والحمام..‏

          انظري.. هاهي حمامة تحط على شجرة الكمثرى، تنتظر أن نبتعد.. هيا.. فلندخل.. سترين أنها ما إن تطمئن حتى تنال حصتها من التين.‏

          كان يحملها بين ذراعيه ويؤرجحها في الهواء فترى العالم يدور ويدور إلى ما لا نهاية..‏

          هي تذكر ذلك، وتذكر ما كان يقوله الأب:‏

          العيش ممكن للجميع إذا عرف كل إنسان حدود كفايته ولم يأخذ ما يزيد على حاجة العيش..‏

          هل هذا قول أبيها؟‏

          أم هي حكمة أمها التي تتدبر أمور حياتهما في عسر أيامهما وبما تبقى لهما فيها؟‏

          الأم تستعين على البكاء بالبكاء، وميساء تهيئ نفسها كل ليلة لقدوم الأب..‏

          في أوقات معينة يتملكها اليقين، وتحس بشيء كالبشرى يلوح لها: سيأتي هذا المساء، فيدفع بها هذا اليقين إلى أن ترتدي أجمل ثوب لديها.. وهو ثوب طويل بلون أرجواني تزينه نقشات هندسية وعلى حافاته شريط مخرمات اشترته لها أمها من أحد باعة الملابس المستعملة بعد أن ضاقت على جسدها المتغير ثياب طفولتها..‏

          تراها الأم وهي تفك ضفيرتها وتسدل شعرها الطويل الكثيف الذي اكتسب تجعيدات متعاقبة لطول ما ظفرته لها..‏

          تفكر.. لماذا لا أملك شعراً أملس ناعماً مثل شعر أمي؟.. هل سيحبني أبي بهذا الشعر القبيح؟‏

          تفكر.. سأطلب من جارتنا (ساندرا) الحلاقة أن تغيره، سأقول لها: أرجوك اجعليه ناعماً أعرف أنك تصنعين أشياء جميلة لشعر البنات.. أمي أخبرتني..‏

          لكنها لا تذهب إلى (ساندرا) لأنها تتجنب إغضاب أمها التي ستؤنبها بقسوة وتعاقبها بالصمت بعد ذلك..‏

          ـ هذه ترهات بنات طائشات، دعك من هذه الاهتمامات..‏

          وعند ذلك كانت ستصمت ولن تجادلها وتتقبل شعرها الجعد وتنسى غيرتها من شعر أمها الجميل عندما تختلس نظرة إليها فتكتشف في الضوء ظهور خصلات رمادية عند صدغي أمها وأعلى الجبين..‏

          لا بأس.. سيجدني أبي فتاة جميلة.. الأهم لدي أن يعود..‏

          في الغرفة، لم يتبق غير أثاث قليل وأريكتان مكسوتان بمخمل محزز لـه لون الرمل، أو أنه بلون التمر الناضج.. على الأريكتين تضع الأم وسائد مزركشة وإلى جهة اليسار من النافذة الواسعة كانت هناك منضدة تستخدمها ميساء لوضع كتبها التي أدمنت قراءتها وكتب أبيها التي سمحت لها الأم بقراتها..‏

          وما عدا ذلك ليس غير خزانة ثياب وجهاز راديو قديم.. باعت الأم جهاز التلفزيون لتسدد مصاريف علاج البنت..‏

          فوق الجدار الأيمن لا شيء غير صورة زفاف الأم والأب صوراها لدى أستوديو (ريم) في حي المنصور وقد اشتهر هذا الأستوديو بإضفاء اللون الأخضر على عيون الأشخاص الذين يصورهم برتوش تغير ملامحهم وتحول الوجوه إلى مرايا صقيلة بعيون فاتحة خضراء أو عسلية..‏

          الأم كما تراها ميساء تقف بثوب زفاف أبيض بأكمام طويلة تزينها مخرمات وأحجار لامعة وتكلل شعرها الأسود غمامة من التول والزهور الصناعية والأب الشاب يرنو إلى الأمام بنظرة جامدة برغم اخضرار العينين الزائف، لربما كان يرى في دورة الزمن ما يخبئه القدر لهما من لون الرماد..‏

          أو ربما تتوهم البنت كل هذا..‏

          تقف ميساء أمام صورة الزفاف وتغمض عينيها.. ولا أحد يعرف ما الذي تتخيله..‏

          ستراه.. ستحبه أكثر.. تستدير وترى الستائر المسدلة على النافذتين، ستائر عتيقة جداً لكنها تحبها لأنها تثير فيها الخيالات وقصص الجنيات والأميرات المسحورات.. ستائر من فيوض نسيج مخرم لـه ثنيات غزيرة مع قماش ستائر منقوش بلوحات رومانسية كانت شائعة في الثمانينات من القرن العشرين.. في اللوحات المتكررة سيدات بمهابة ملكات أو أميرات يرتدين ثياب سهرة منفوخة تحت الخصر وقد تعرت أكتافهن مثل ثمار مقشرة وفوق رؤوسهن أكاليل زهور أو تيجان ذهب، يقفن ضمن مشهد فردوس فيه خمائل زهور وعازفو قيثارات وينابيع أو نافورات وفي أيدي السيدات مراوح ينسمن بها للتخفيف من حرارة الجو أو يطردن بها الحشرات الطائرة الحوامة بينما ينحني أمامهن رجال متأنقون لهم جدائل شعر طويلة لامعة وهم يقدمون ولاءات العشق مع باقات زهور نضرة للسيدات المترفعات اللائي يبدون مثل الدمى وكأنهن لا يبصرن هؤلاء الرجال..‏

          يرتجف قلب ميساء كلما نظرت إلى المشهد البهي وتخال نفسها إحدى فاتنات اللوحة أو تنتقي رجلاً من هؤلاء الذين سحرهم الحب.. تتمنى.. وترى.. ولا ترى.. تخطف واحداً.. تأخذه إليها، تستأثر بباقة الورد وتتنشق شذاها.. تسير رافعة الرأس في الغرفة وهي تجر أذيال ثوبها ذي الطبقات الكثيرة وتنسم بمروحة من ورق..‏

          بمرور الأيام وطوال أَمسية انتظارها لأبيها.. لاحظت تغير لون الستائر التي لطول ما تعرضت للشمس والهواء والأحزان حالت ألوانها، حتى إن ميساء لاحظت ظهور الغضون على وجوه السيدات الجميلات المتكبرات في وقفتهن الأبدية الجامدة..‏

          اكتشفت ميساء أن ثيابهن المدهشة قد تهدلت وتجعد الحرير وتمزقت المخرمات في أكمامهن..‏

          وزال عن المشهد المترف رونقه، ولم يتبق من حلم الفردوس سوى باقات الزهور التي احتفظت بنضارتها وكأن أنفاس الرجال العاشقين نفخت فيها سر الحياة الدائم..‏

          تنسى كل هذا ، وتفتح الستائر متغاضية عن مصائر السيدات الذابلات في مدينة الخيال حيث تحطمت القيثارات ونام العازفون.‏

          تنظر عبر النافذة فترى سماء بغداد الذهبية وأمواج الغمائم البنفسجية مع جبال اللهب التي يستولدها الغروب، تقف جامدة إزاء هذا المشهد الناري لكن سرعان ما يتلاشى اللهب وبنفسج الغيوم في زرقة الليل الداكنة التي تطوي كل شيء وتجرف تحت ثقلها بيوت المدينة وقلوب نسائها المنتظرات..‏

          تمر أمامها سيارات، وسيارات لا تحصى، سيارات قديمة وسيارات شرطة مرور تومض مصابيحها الحمر الدوارة منذرة بما لا تعرفه..‏

          سيارة إسعاف تزعق وهي تسابق سيارة بائع الغاز، سيارات النفايات وسيارات الناس.. مركبات بألوان وأصوات تؤجج الحياة في الشوارع وتترك وراءها خطوطاً ضوئية حمراء أو ذهبية.. ترى أن السيارات تتناقص في أيام معينة وتزداد في أيام أخرى.. وقد يخلو الشارع أحياناً إلا من سيارات الخدمات فتعرف أن ثمة مباراة في كرة القدم يبثها التلفزيون، أو أن هناك مسلسلاً مكسيكياً مدبلجاً يعرض نساء فاتنات صقل جمالهن وبولغ في أناقتهن وهن يدبرن المكائد أو يفضحن دسائس أعدائهن وينجبن أطفالاً مجهولي الآباء يعقدون حكايات الحب والثروة..‏

          وميساء تؤدي لدى كل غروب طقس الأمل، وتقف في الحديقة أو أمام النافذة، معتقدة أن المفقودين يعودون مثل الأسرى أو هكذا تريد، ولربما سمعت ذلك من أمها..‏

          تنام البنت والمرأة في ظلمة البيت ومعهما تنام تلك العذابات أو تتنامى خلال استغراقهما في الأحلام أو الكوابيس..‏

          تنام البنت أحياناً في حضن الأم وتعوم في مياه دفئها كأنها تعود لحالتها الجنينية وتسبح في مياه المشيمة محمية من حروب العالم وجوعه، تغلق البنت عينيها وتنام وتريد أن تنسى السواد الذي تذروه الحروب على قلوب النساء وأجساد الرجال الذين تلمحهم الحرب وتجففهم أو تذروهم في الرياح..‏

          شجرة التين الضخمة لم تكن أقدم كائنات البيت، كانت هناك السحالي التي تجدد جلودها والأفعى التي تغير جلدها كل عام.. وهناك (حياة) وزوجها المفقود (غالب)، هما أكبر عمراً من الشجرة، لكن الحديقة بعشبها البري ونبات الخروع والحلفاء والخباز أكبر عمراً من البيت ومن فيه فهي الشاهدة على عبور الزمان وتبدلات الفصول وتحولات النجوم في أفلاكها..‏

          هي التي تشربت الأغاني والصرخات وصرير العربات وصهيل خيول المحاربين القدامى وهدير الرعود وانهمار المطر..‏

          وجدت الحديقة هنا قبل أن يشاد أي بناء وقبل أن تزرع الأحواض بالزنابق البرتقالية المعمرة أو تغرس شجيرات الجوري أو شجيرات الياسمين..‏

          كانت (حياة) قد قالت لـه في عام زواجهما الأول:‏

          لو كنت زرعت لنا نخلة أو اثنتين في الحديقة..‏

          وتتذكر أنه قال لها: لا أحب زراعة النخيل في البيوت فللنخلة ظل هائل يحجب الشمس عن العشب والورود..‏

          ولكني أحب أن تكون لدينا نخلة.. نخلة واحدة في الأقل..‏

          سأهبك واحدة.. سترين.. سأهديك واحدة..‏

          كان ذلك قبل أن تولد ميساء، خلال أولى سنوات الحرب عندما كانا وحيدين كأي عاشقين ولكنهما كانا قلقين، لا يعرفان ترف العشق الذي تصفه قصص الحب والأفلام وأيامهما تتصدع بموت أخوة وأصدقاء، بسقوط صواريخ على المدينة في أية ساعة من ساعات الليل والنهار..‏

          يظلم المساء بسرعة قبل أوان الظلام في أماسي الغارات وهي في اضطراب الوحام تشتهي ما لا طاقة لـه على إيجاده في أَمسية الحرب.. كان يعدها بأن يحقق رغباتها بعد حين ولم يحقق شيئاً.. ولا زرع لها نخلة..‏

          لكنه بعد أشهر، ربما بعد عام من ذلك الحديث يدخل البيت وهو يحمل شيئاً كبيراً مربعاً، شيئاً صلباً مغلفاً بورق الجرائد ويضع الشيء على المنضدة ويقول لها:‏

          ـ ألا تحضرين لنا الغداء.. أكاد أموت جوعاً.. وتضحك (حياة).. ليس بمقدروها تحمل رائحة الطعام، لكنها تتحايل على غثيانها وتعد وجبة شهية..‏

          يقدم لها المغلف، يطالبها أن تفتحه، وتمزق أصابعها ورق الجرائد، وتظهر اللوحة.. تشهق حياة.. هل سرقتها من المتحف؟‏

          بل طلبت من صديق أن يرسمها.. كانت رسماً صغيراً لا يأبه به أحد على ختم أسطواني فأردت أن أحولها إلى قصة أو حكاية نرويها.. أخرجت الرسم السومري المقدس من صمت وظلمات المتحف ليضاء بنظرتك إليه..‏

          ـ شكراً.. ولكن ما هذا؟‏

          ـ بداية الخسارة..‏

          ـ أية خسارة؟‏

          ـ فقدان الفردوس..‏

          ـ أكان للسومريين آدمهم وحواءهم؟‏

          ـ ألا ترين.. هل يحتاج الأمر للشك أو للشرح، رجل وامرأة وبينهما النخلة.. شجرة معرفة الخير والشر ووراءهما الأفعى، وهما يمدان أيديهما إلى عذوق النخلة الدانية..‏

          ـ انظري.. كلاهما يقطفان، لم تكن حواء هي البادئة، لكن الأفعى تقف وراءها وتغوي الرجل الذي يواجهها.‏

          ـ أهذا يعني أنهما..‏

          ـ أنهما شريكان في المعرفة وليسا شريكين في الخطيئة، هذان لم يقترفا خطيئة الجسد.. بل جازفا بالفردوس من أجل المعرفة فعرفا نفسيهما في الشك وتجربة السؤال..‏

          الأفعى لم تكن شيطاناً بل هي (شهوة المعرفة العظيمة) والمعرفة أخرجتهما من أمان الفردوس الأزلي إلى أرض المجابهة مع الموت..‏

          ـ أتظن أني سأكتفي بنخلة مرسومة بماء الذهب؟‏

          ـ أعتقد أننا سنكتفي بهذا..‏

          ـ ولن نترك لأبنائنا شجرة معرفة؟‏

          ـ لا أريد لهم أن يعرفوا أكثر مما هو متاح لهم أن يعرفوه.. سأدعهم ينعمون في أمان معرفتهم المحدودة بالأشياء..‏

          ـ أنت الذي يقول هذا؟‏

          ـ ماذا قلت؟‏

          ـ ظننت أنك تفكر بطريقة أخرى..‏

          ـ هذا ما يظنه الجميع.. يريدونك أن تفكر بما لا يجرؤون عليه بدلاً منهم..‏

          ـ ولكنك تفعلها..‏

          ـ أحياناً أتواطأ مع الذين حولي ضد أنفسهم..‏

          ـ ضدي أيضاً..‏

          ربما.. إذا كنا نمثل اثنين منفصلين يمكن أن أكون ضدك..‏

          تضحك، تحب أفكاره، تنعشها الحوارات وأحاديث المعرفة، ترتفع بها الأعاجيب التي يبثها في كل يوم.. تحبه أكثر.. تحبه..‏

          يأخذها بين ذراعيه في غسق النهار حين يمحي ظل الأشجار عن النافذة وتنهمر الظلمات مع لون الشفق الوردي.‏

          يتقوس الوقت في أشواقهما..‏

          ـ أحبك..‏

          الرجل يمسك بالزمن ويسدد خطوته التالية نحو الغد.. يضحكان معاً.‏

          يعلمها كيف يحيا الإنسان صورته في الآخر.‏

          تقول له: أحبك لأني أرى فيك ما تجهله عن نفسك..‏

          ـ أحبك، وأعرف أن من يتفانى في حب امرأة يعيش تجربة أكمل وأسمى وأبلغ من أية تجربة أخرى، حتى تجربة الموت..‏

          ـ يخيل إلي أن نخلة معرفة الخير والشر عجزت عن إسعاد الرجل والمرأة، هذا ما فهمته في الأقل.‏

          لو تفانى فيها حقاً لما تشهى ثمرة النخيل بغواية أن يعرف.‏

          ـ حقاً، ولكن ألا ترين أنهما لو امتلكا السعادة لما انشغل التاريخ بهما، ولما دونت أسطورتهما الأيام، ولكنا نسيناهما وما عرفنا عنهما رسماً ولا حكاية.؟‏

          ـ إذن دعنا نكن سعيدين وليذهب التاريخ إلى أساطيره..
          تابع

          تعليق

          • love uae
            عضو نشيط
            • Dec 2005
            • 161

            #6
            الدموع

            صقر الدوسري

            من عيوني هلت دموع العذاب

            وصارت العبرات تنزل عالخدود

            وابتدت دنياني من شفتك سراب

            اتبعه وأظن له عندك حـــدود

            وانتهت زفرات عمري بالغياب

            من وفاتي قبلها الأيام ســود

            اعتقد غيري لقى عندك رحاب

            واعتقد وجدي صدق كل الوعود

            أمنياتي عيشتك ويا السحاب

            وأمنياتك كل مآبي للركــود

            والله إني دنيتي بعدك خراب

            والله إني شفت من قلبك جحود

            اسهر الليل اللي معذبني وأهاب

            لا رأت عيني على طيفك شهود

            انتي عمري وانتي الأمر المجاب

            قلتها مبروك يا عمر الوجود

            ارحمي ورو في على منهو مصاب

            من هواكم طار عقله من الوجود

            تعليق

            • love uae
              عضو نشيط
              • Dec 2005
              • 161

              #7
              يوم الأحد والبارحة

              فهد راشد بورسلى

              يوم الأحد والبارحة وأمس واليوم

              اشوف واسمع والحكي بالإشاره

              مخلدن كنى على الوجه ملطـوم

              عندى تواسى ليلها مع نهــاره

              لاحي لا ميت ولا طابلي نــوم

              ما حس تنزل أو تزيد الحـراره

              شر بى وما بين الغذا غم وهموم

              والنوم زافرتن تفت المــراره

              صابر بحكم الله على كل مقسوم

              مالى سوى منجي السفن فى بحاره

              حظي كما طيراً تلب وابعد الحوم

              زل العمر واقفى وأنا بانتظــاره

              راوي من الدنيــا تفاسير وحلوم

              بالشر تنذر ما وراهـــا بشاره

              لو سرتك يومن غرابيلهــا دوم

              كم فزر قومن شالته من ديــاره

              واليوم لا تستنكر الشوم واللـوم

              ناسن تهلل والديانه عيــــاره

              أقرب قريب أن مت ما قال مرحوم

              يقول زلت عن طريقي حجــاره

              تقاطعت ولا حرفى رحمة البوم

              ويعايرك من شافت الناس عاره

              الله واكبر يا زمانن مضى حلوم

              كله وفا والجار يحلف بجــاره

              متكاتفين بكل داعي ومرسـوم

              أعمالهم راحت علينا خسـاره

              يا ما انقذوا بأموالهم كل مظلوم

              بذراعهم يا ما اقهروا كل غاره

              صارت فعايلهم حكايات وعلوم

              نمشي بسيرتهم ولا من نمـاره

              غض النظر يا ساهرن بات مهموم

              ومـن شالها لاعمــر الله داره

              عليك من نفسك ولا انته بلمـزوم

              ولياك تمن لو تشوف البشـــاره

              الوقت مظلم والهوى فيه مسمــوم

              والكذب فرضن والنميمه اتجــاره

              يا الله يا فارض لنا الخمس والصوم

              انك تريد ابنا العدل والخيـــاره

              ولا العمر لو طال لابد معــدوم

              يا ويل من ياتى كتابه يســـاره

              وصلاة ربى ما سرى البرق بغيوم

              على نبيا شرف الله وقــــاره

              تعليق

              • love uae
                عضو نشيط
                • Dec 2005
                • 161

                #8
                ينصح ابنه مالك

                الشريف بركات

                يامرقب بالصبح نطيت راقبك

                ما واحد قبلى خبرته تعــلاك

                وليت ياذا الدهر ما أكثر بلاويك

                الله يزودنــا السلامه من اتلاك

                يللى على العربان عمت شكاويك

                وليت يا دهر الشــاقول مقواك

                ولا يوم ها الكانون غاد شبـابيك

                تلعب به الأرياح من كل شبـاك

                يا مالك اسمع جايتى يوم أوصيك

                واعرف ترى يابوك بآمرك وانهاك

                وصية من والد طــــامع فيك

                تسبق على الساقه لسانه العلياك

                أوصيك بالتقوى عسى الله يهديك

                لهـــا وتدركها بتوفيق مولاك

                الله بحق أجــدادك الغر يعطيك

                مرضاته مع ما تمنيته أمنــاك

                احفظ دبشك اللى عن الناس مغنيك

                اللى إليا بأن الخلل فيك يرفـاك

                واعرف ترامكه ولاها بناخيـك

                لو تشحذه خمسة ملاليم معطاك

                اجعل دروب المرجلة من معانيك

                واحذر تميل عن درجها بمرقاك

                لاتنسدح عنها وتبغينى أعطيك

                جميع ما يكفيك ما حصل ذاك

                أدب ولجد إن كان تبغيه يشفيك

                واستسعفه من بعد مرباه بالاك

                اما سمج واستسمجك عند شانيك

                ويفر من فعله صديقك وشرواك

                وإلا بعد جهله ترا هو ياذيــك

                لو زعلت أمه لا تخليه يــالاك

                واحذر تضيع كل من هو ذخر فيك

                معروفه لاتنساه وأوفه بعـرفاك

                ترى الصنايع بين الأجواد تشريك

                اليا طمعت بغرسهــا لا تعداك

                واحذر سرور بغبة البحر يرميك

                ولاعنده أفلس من تشكيك وأبكاك

                واوف الرجال احقوقها قبل تاتيك

                لا توفيه بالقول فالحق يقفــاك

                وهرج النميمة والقفا لا يجى فيك

                وإياك عرض الغافل إياى وإياك

                تبدى حديث المــلا فيه تشكيك

                وتهيم عند الناس بالكذب واشراك

                واليا نويت احذر تعلم بطــاريك

                كم واحد تبغى به العرف وأغواك

                واحذر شماتت صاحب لك مصافيك

                واليا جرى لك جارى قال لـولاك

                ولا تحسبن الله قطـــوع ايخليك

                ولاتفرح أن الله على الخلق بداك

                الضيف قدم له من حين يلفيــك

                مما تطوله يا فتى الجود يمنــاك

                أكرم اقباله فإنها من شواديـــك

                وابذل له المجهود مــادام يعناك

                احذر تلقى الضيف مرقرن علابيك

                خله محب لك صديق إذا جــاك

                وأوصيك زلات الصديق إن عثا فيك

                مازال يغطاهـا الشعر فاحتمل ذاك

                راعه ولو ما شفت انه يراعيــك

                عساك تكسر نيته عن معـــاداك

                واحذر عدوك لو ظهر بى يصافيك

                خلك نبيه وراقبه وين ما جـــاك

                لاتأمنه واطلب من الله ينجيـــك

                ويكفيك ربك شـــر ذولا وذولاك

                شفنى أنا يــا أبوك بآمرك وانهيك

                عن التعرض بين الاثنين حــذراك

                إذا حضرت أطلابه مع شرابيك

                اسع لهم بالصلح واللاش يفداك

                ابذل لهم بالـطيب ربك ينجيك

                ولاتجضع الميزان مع ذا ولاذاك

                أما الشهادة فأدها إن دعوا فيـك

                بين عمود الدين لاعميت أريـاك

                بالك تماشى واحد لك يرديــك

                طالع بنى جنسك وفكر بممشاك

                رابع أصيل فى زمانك يشـاكيك

                لا شاف خملاتك عن الناس غطاك

                وأحذرك عن طرد المقفى حذاريك

                عليك بالمقبــل وترك إلى تعداك

                ثم العن الشيطان لياَّه يغويـــك

                ترى إن تبعته الشرابيــك وداك

                ووصيك لاتشكى علينا بلاويــك

                أنت السبب طرفك أعيونك بيمناك

                واعرف ترى إلى واطي الفهر واطيك

                ولا أنت أعز من الجماعة هذولاك

                المسك يا راسى عن الذل واخطيك

                واحذر تكلم يا لســـانى حذراك

                والطف بجارك وقم من دون عانيك

                وافطن لما يعنيك عن ربعة أحواك

                يا ذيب وإن جتك الغنم فى مفاليك

                فاكمن الين إن الرعـــايا تعداك

                من أول يا ذيب تفرس بأيــاديك

                واليوم جــاذيت عن الفرس عداك

                يا ذيب عـاهدنى وأعاهدك مرميك

                مرميك أنا يا ذيب لو زان مرماك

                والنفس خالف رأيها قبل ترميــك

                ترى لها الشيطان يرمى بالإهلاك

                ومن بعد ذا لا تصحب النذل يعديك

                وعن صبحة الأنذال حاشاك حاشاك

                ترى العشير النذل يخلف طواريك

                وأنا أرجى أنك ما تجى دون أباك

                والهفوة إنك ما تجى دون أهاليك

                ولاظن عود الورد يثمر بتبنـاك

                والحر مثلك يستحي يصحب الديك

                وأن صاحبه عاعا معاعات الأدياك

                لا تستمع قول الطرف يوم يلفيك

                بالكذب يقضى حاجته كل ما جاك

                من نم لك نم بـك ولا فيه تشكيك

                وأيلاه قد أزرا رفيقــك وأزراك

                عندك حكا فينا وعندي حكى فيك

                وأصبحت كارهنا واحنا كرهناك

                ما اخطاك ما صباك ولو كان راميك

                وإلي يصيبك لو تتقيت ما أخطاك

                مير استمع منى عسى الله يهديك

                النصح يـا مالك لك الله المولاك

                عندى مظنة مــــا تمثلها فيك

                واطلب لك التوفيق من عند مولاك

                تعليق

                • love uae
                  عضو نشيط
                  • Dec 2005
                  • 161

                  #9
                  عربي إنجليزي قصيدة غزل مشتركة

                  أبو فيصل

                  طولت بغيــابك مـأي لف

                  ترجع لنــا ثاني آي هوب

                  بسبـــابك آي كانت سليب

                  النوم مــا جاني أت نايت

                  واعطف على أحبابك كم هير

                  عليك ولهـاني ماي هارت

                  واصبر على حسابك آي ويت

                  تصبر على شاني يو مصت

                  يالترف خطــــابك رفيوز

                  تنســـاني آي كانت بليف

                  يا حظ من جــابك أت لاست

                  ثم عــاش وحداني أت هوم

                  تعليق

                  • love uae
                    عضو نشيط
                    • Dec 2005
                    • 161

                    #10
                    نـور البـدر

                    حزام بن سعود السبيعي

                    الـقـدر مـالي عـليـه أي اعــتـراض

                    لـكن اطلـب لـطـف ربي بالـقــدر

                    صــار مـحـبوبي مـثل جـول الرياض

                    سـاعةِ صـافي وســاعــاتِ كـدر

                    كل مــازان الهوى صــار انتـقــاض

                    لا وفــا مــره يعــاوده الغــــدر

                    أقــضي أيــامي ظنونِ وافــتــراض

                    ولا تـصـيـب ظنـوني الاّ مـــانـدر

                    كل مـابـرق الامـل رفــرف وناض

                    هـل وبـل اليـاس يمي مـنحدر

                    السـوالف به طويـلات وعـــراض

                    ظالمِ وهـو لعدله مقـتـــدر

                    باشـتكي له يوم كــيل الجــور فاض

                    يا حبيبتي ضـاعـت سنيني هدر

                    عـبـرتي بين ارتــفــاعِِ وانخـفاض

                    تـوصل عـيوني وتـرجـع للصدر

                    لا ذكــرت اللي كـمـا زهر الـفيــاض

                    والحبـيـب اللي كما نـور البدر

                    تعليق

                    • love uae
                      عضو نشيط
                      • Dec 2005
                      • 161

                      #11
                      وين المشتركين يييييييييييييييييييييييللللللللللللللللللااااااااا ااااااااااااااااااااااااااااااا
                      شتركوا عطونا رايك أو مشاركاتكم

                      تعليق

                      • love uae
                        عضو نشيط
                        • Dec 2005
                        • 161

                        #12
                        الفصل الثاني

                        (1)‏

                        كل شيء يسقط من الزمن، ولكن أين يسقط الزمن؟‏

                        من يجمع شتات الأيام والسنوات والدهور؟‏

                        كيف يقيس الحزانى مادة زمنهم؟‏

                        لا أحد يسأل وليس من إجابة فالأيام تقاس كل آونة بطريقة مختلفة..‏

                        تقيس الست حياة أيامها بالمرارة، أو بسلامة العقل الذي يتحمل ما لا يطاق، وتقيس الليالي بثبات القلب وقدرته على احتمال المصاعب ومراوغة العوز أو مغالبة الجوع..‏

                        تحسب عمر ابنتها التي بلغت الرابعة عشر بسنوات الفقدان..‏

                        ما عادت بحاجة إلى أدوات قياس الزمن...‏

                        فلا الساعات ولا التقاويم ولا المنبهات الرنانة قادرة على قياس الوقت وتحديد مادة الزمن..‏

                        قلبها وحده، قلب المرأة هو الذي يحسب الزمان على وفق إيقاع خاص لا تدركه الآلات ولا روزنامات القرون الجديدة ولا يمكن لسواه أن يلاحق نبض الزمان الخفي..‏

                        تقيس حياة الأيام بما يتراكم على عتبات بيتها من غشاوة الأحزان التي تتصدى لها وتكنسها مع ما يتساقط من ورق الشجر الذاوي...‏

                        كان يقول لها: كل شيء يحدث بالتناقل..‏

                        ـ كيف؟‏

                        ـ إذا تعرضت لكارثة أو تسببت أحداث معينة في تدمير معنى الحياة لديك، فاعلمي أن هناك أناساً في الجانب الآخر من العالم قد نالوا رفاهاً أو حظوا بثروة على أنقاض ما فقدت..‏

                        ـ أكاد لا أفهم.. ما معنى كل هذا؟‏

                        ـ يحدث الأمر دائماً بطريقة معكوسة في طرفي العالم، فما تحرمين منه يناله الآخر حتماً..‏

                        ـ أنت تبسط الأمور.. لا أظن أن الأشياء تحدث بهذه البساطة.‏

                        ـ هي هكذا يا حياة فإن أشعلوا حرباً هنا.. أو تسببوا في خراب جزء من العالم فإن أثرياء جدد سيظهرون هناك وتتنامى ثروات ورساميل الشركات في الجهة الأخرى من الأرض..‏

                        ـ لكن.. ألن يأتي يوم ينتهي فيه كلّ هذا؟‏

                        ـ سيحدث.... ولكن متى...؟‏

                        - ربما في زمن أولادنا.. ربما..‏

                        أحياناً يظن البشر أن الحروب ماتت إلى الأبد، وأن خضرة الحقول قد زاحت سواد الموت، ويتخيلون أن السلام قد فرد جناحيه على الدنيا، وينسون أن الحرب تختبئ تحت ضحكة الحياة‏

                        ـ لا تفزعني... لا بد أن تنتهي الحروب في يوم ما.‏

                        ـ سيحدث عندما يوجد الكثير من أمثالنا..‏

                        حين ولدت ميساء، بدأ قصف المدن بالصواريخ، كانت الصغيرة تحبو وتتعلم أن تقول كلماتها الأولى المقطرة من حاجة الإنسان للبقاء..‏

                        أخذتها أمها إلى طبيب وقال لها:‏

                        الصغيرة تبشر بنضج عقلي مبكر.. اهتمي بها.‏

                        قال الأب: ستكون كما أريد لها أن تكون، تحقق أحلامي التي لم أقطفها لأسباب لا أملك التحكم بها..‏

                        ستغرق المدينة في عواصف غبار أحمر وسينهمر رمل الصحراء المحاذية للمدن على المباني والأشجار، ولن يتبقى على أشجار المدينة من الطيور إلا ما لا قدرة لـه على الطيران بعيداً..‏

                        هجت أسراب الحمام والعصافير والزرازير وغابت الشحارير والبلابل منذ سقط أول صاروخ على بغداد.. لم يتبق من طيور الببغاوات الأنيقة بألوانها الزمردية وطيور الحب النزقة المحجوزة في الأقفاص..‏

                        هجت القطط إلى حين ثم عادت عندما أدركت بغريزتها البدائية أن الحرب ستطول..‏

                        أقامت عشيرة من القطط في حديقة البيت وكانت حياة تقدم لها بقايا الأطعمة وتتحمل ألاعيبها وخدعها المسلية..‏

                        عندما كبرت بدأت تلاعب صغار القطط وتطعمها أو تقف على مقربة منها وهي تتمدد في كسل لذيذ حتى الشمس وتلعق فراءها الناعم وهي مغمضة العينين.‏

                        تسمع حياة مواء قطة في الحديقة وهي عائدة هذه الظهيرة من المدرسة الثانوية مع ميساء، تبحث عن مصدر الصوت فتجد قطة مختبئة وراء كومة أغصان جافة وهي تلاعب عصفوراً مفزوعاً قبل أن تنقض عليه..‏

                        تضحك ميساء لفظاظة القطة فتقول لها الأم:‏

                        ـ هذه هي الحياة.. هي هكذا قائمة على الصراع..‏

                        بعد الغداء تنهمك بتصحيح كراسات الطالبات وتعثر على طرف أدرجتها الطالبات في دفاتر الإنشاء، انعكاسات لما تحدثهن به..‏

                        إنهن يستوعبن حكاياتي جيداً..‏

                        كانت قد حدثت البنات بطريقتها الشيقة عن أحوال الأسماء والأفعال والحروف وكشفت لهن عن عمل الضمائر الظاهرة والضمائر المستترة التي غيبها اسم متقدم مهيمن.‏

                        تقول لهن: عندما يرتبط الاسم بضمير من الضمائر المتصلة فإن الاسم والضمير يتلازمان ويؤثر أحدهما في الآخر إلى ما لا نهاية..‏

                        تسألها البنات عن أسرار القول وتدلهن على قوة الكلمات وقدرتها على تغير صورة الحياة..‏

                        الفعل يمكن أن يبنى للمجهول وعندئذ سيرفع المفعول به رأسه ويشمخ بهامته عالياً، بعد زوال مؤثرات الفعل عنه تقول لهن: الأسماء لا ينكسر حضورها إلا إذا استسلمت لغواية الجذب والجر أو إذا أضيفت إلى سواها ولم تكتف بذاتها مثلنا نحن البشر، إذا امتلكنا قدرة أن نتحكم بأنفسنا دون اتكاء على آخر فلن نتعرض للكسر أو للجر بالإضافة إلى سوانا..‏

                        تضحك البنات، تضحك الست حياة وتقول لهن:‏

                        باللغة يمكن إقامة أشياء عجيبة أو هدم أشياء أخرى.. هنا تكمن قوة الكلمات.‏

                        تسألها ابنتها بنوع من المشاكسة أمام الطالبات:‏

                        ست حياة، وإذا كان.. يعني إذا كانت إحدانا خرساء، ولا يمكنها نطق اللغة فماذا ستفعل؟‏

                        سيقودها حدس القلب..‏

                        عندئذ تشرق وجوه البنات: سيعتمدن مشورة القلب..‏

                        عند انتهاء تصحيح الكراسات تمضي الست حياة ساعتين في العمل خياطة في مشغل (أم نور) لإنتاج ملابس الأطفال حديثي الولادة، تنجز الست حياة خمس مجموعات كل مساء، قمصاناً صغيرة وأغطية رأس وأقمطة تناسب الأجساد اللينة الصغيرة التي خرجت إلى الدنيا تواً..‏

                        تقوم الست حياة عند انتصاف الليل بإعداد عجين خبز اليوم التالي فقد صار إعداد الخبز طريقة لقول سر الحياة.. صار أسلوباً للمكوث في الزمن..‏

                        تعرف الست حياة أن إعداد الخبز يمكن أن يقوم به آخرون.. أن يشترى حالياً من المخابز بعد أن عاد تشغيل محطات الكهرباء في بغداد، لكنها تواصل إعداده في البيت كجزء من وسائلها لمقاومة الحزن أو الفناء..‏

                        يقوم سر صناعة الخبز على فكرة اللقاح ذاتها التي تديم حياة الكائنات الحية من الأحياء والنباتات.. فهذه الخميرة التي تقتطعها النساء من عجينة الأمس، هي التي تنضج عجين الغد بأنزيماتها الفعالة.. خميرة يمتد عمرها إلى ما لا يعرفه أحد من عدد الدهور والسنين، تشبه خلايا الأسلاف التي تنتقل من جيل إلى جيل عبر الإنجاب لتدوم الحياة..‏

                        لا يدري أحد حين يتلذذ بقطعة خبز ساخنة هل انحدرت إليه الخميرة من بين يدي جدة عباسية أو خمرتها جارية جيء بها سبية من سمرقند أو بخارى أو أنها جاءت من بين يدي زوجة بابلية عجنت دقيق الشعير في آنية فخار مزوقة برسوم الخصب..‏

                        الخميرة التي تنقلت عبر العصور بين أيدي النساء في ليالي الأعراس ومهرجانات الخصوبة وأوان الحصاد والولادات وأيام الطوفان أو في نهارات مقاومة الغزاة حيث كانت النساء تخبئ جذوة نار الموقد لكي لا تخبو وتخفي خميرة الخبز في خوابي محفوظة داخل المعابد، لئلا يدنسها عدو فيفسد خبز السنين القادمات..‏

                        (2)‏

                        وديان من الظلمات تتوالد في المدينة عندما لا تكون هناك كهرباء في معظم الليالي..‏

                        وفي هذه العتمات تتبدل حيوات الناس مثلما تتبدل الكثبان الرملية في عاصفة ليل وتزحف إلى الجهات، تتغير المصائر وتتهاوى أشياء وتتبدد أخرى..‏

                        في عزلتها وهي تجلس محنية الظهر أمام قدح شاي إزاء النافذة ولا يضيء الغرفة غير فانوس نفطي صغير تسمع صداح أغنية حب لفيروز.. يغمرها الصوت المطري الهارب من فراديس الأمس بالندى ترتجف بالحنين وتبدو الحروب كأنها لم توجد قط في هذا العالم.. وما عبرت نيرانها على جباه المدن الغافية ولا أطبقت مخالبها على عنق الزمان..‏

                        تردد مع فيروز......‏

                        رجعت في المساء كالقمر المهاجر‏

                        حقولك السماء حصانك البيادر..‏

                        أنا نسيت وجهي.. تركته يسافر‏

                        سافرت البحار لم تأخذ السفينة‏

                        وأنت كالنهار تشرق في المدينة‏

                        والريح تبكي في ساحتي الحزينة..‏

                        من أين يأتي الطيف الذي يدحض ليلها والأحزان...؟‏

                        وبحضور الليل والأسماء والعناصر‏

                        أعلن حبي لك واتحادي بحزن عينيك‏

                        .......‏

                        وينزل المساء ........‏

                        لا تتساءل حياة فالأغنية تدور في ذاكرة الروح... وتتماوج كل ليلة، هنا كانا يسمعان معاً وهنا كانت تهب عليهما رسالة السلام بصوت الغيوم والأمطار والريح الذي يتمازج مع صوت البهية فيروز...‏

                        يخيل لحياة أن الجوع تراجع إلى مغارات النسيان وأن صداح فيروز يزيح ساعة يعلو عقبات الضنك ويروي الوقت بنبع من الصلوات البهية مشرعاً نوافذ الليل على فجر ضوئي يهدئ أوجاع الفقدان..‏

                        يحدث ذلك لبرهة وجدٍ أو ساعة إشراق..‏

                        من أين يأتي الصوت الماطر في هذا الليل...؟‏

                        عندما تضاء المدينة، وتعود الحياة إلى واقعيتها.. تعرف حياة أنها لا تزال جالسة هناك أمام النافذة وجسدها يرتعد في انفعال الشوق والبرد..‏

                        تسمع أنين روحها يعلو....‏

                        تسمع:‏

                        سافرت البحار لم تأخذ السفينة‏

                        والريح تبكي.. تبكي في ساحتي الحزينة..‏

                        كان وجهها الجميل قد مسه الهزال وسكنت ريح الحزن في ساحته... ترتعد يخفق في جوانحها ذلك الحب الذي ما سكن يوماً للرجل الغائب...‏

                        أين أنت..؟ ماذا يؤلمك..؟‏

                        ما الذي تفكر فيه..؟‏

                        ما الذي تحلم به؟ تخشى أن نضيع منك أنا وميساء؟... لا.. لا تفكر حتى بهذا سننتظرك حتى نهاية العالم... لك أن تطمئن أينما كنت... أينما كنت..‏

                        وخزة ألم تمر في جنبها مثل سلك كهرباء.. ويصل الألم إلى عنقها.. ويتوضع في جانب رأسها.. تخاف أن تصاب بمرض من هذه الأمراض التي ابتكرتها الحرب لناس البلاد.. تخشى أن تموت قبل أن.......‏

                        لا.. ستصلي ليل نهار لكي تحفظ روحها في سلام العافية.. حتى يعود.. وسوف تبقى هكذا تحدق بالليل وهي ترنو إلى وجهها تصحبها فيروز كلما اعتراها الشجن في وحشة الصمت..‏

                        في أول الليل وآخره.. تتوالد الأحزان من بذرة الأحزان وتكبر خلال النهار.. تنمو الشمس وتورق تحت هبوب النسائم والمرأة ترسل عيون الفؤاد إلى سماوات الله تتعلق ببزوغ نجمة أو ترنو إلى إشراقة هلال..‏

                        أعمال كثيرة عليها أن تنجزها خلال الليل، ترفو سترة صوف هاجمها العث، وتكوي ثياب ميساء..‏

                        تهب ميساء من نومة قصيرة..‏

                        ـ أمي.. ماذا تفعلين؟‏

                        ـ انظري... ألا تبدو جديدة؟ ألا تعجبك هذه الحاشية من نسيج الصوف؟‏

                        سترتدينها في الغد.. ستبدو جديدة تماماً.. هيا جربيها.. هيا‏

                        تقبلها الفتاة وتسند وجهها إلى خدها البارد..‏

                        ـ لا تهتمي.. سنقاوم يا ابنتي.. سنجد كل يوم طريقة لنبقى على قيد الحياة..‏

                        لا تبكي.. عيب..‏

                        كم مرة رددتها لك.. هذا قدرنا ونحن أفضل ألف مرة من غيرنا.. في الأقل لدينا أمل بعودته.. وعلينا أن نحمي نعمة الحياة التي وهبت لنا.. لا تبكي.. أنت قوية وأنا أستمد قوتي منك يا حلوتي الصغيرة...‏

                        تعرف حياة أنها لا تردد هذه الكلمات لابنتها بقدر ما كانت تحاول التماسك وقد أضناها الجهاد اليومي في حياتها الحافلة بالتعب..‏

                        وعندما يداهمها الوهن وتخشى من انهيار مقاومتها. ترددها بصوت مرتفع لتسمع الجدران وأشجار حديقتها وعشب الصباح.. تريد أن تشاركها أشياء البيت في وقفتها وتسندها..‏

                        بعد سنوات عندما تكبر ميساء ويهجرها (زياد) إلى بلد بعيد، سوف تستعيد حياة ذكرى هذه الليالي وأغنية فيروز والكلمات التي كانت تتكئ عليها في لحظات الضعف الإنساني.. وسوف تردد في أَمْسِيَةِ الغد كلها..‏

                        الريح تبكي... تبكي في ساحتي الحزينة..‏

                        .....‏

                        (3)‏

                        تحتفظ حياة طوال السنوات بمقاومة عجيبة إزاء الشائعة، إزاء الأشياء المتداولة لا تؤمن إلا بما تختبره نفسها وتجده مناسباً لحياتها..‏

                        شائعات تتطاير في أنهر الحصار عن معجزات تظهر..‏

                        يتحدث الرجال والنساء في أَمْسِيَةِ ضجرهم وهم ينتظرون اجتماعات مجلس الأمن لتقرير شيء ما بخصوص الحصار، عن ظهور أثيري للعذراء في كنيسة قرب أربيل..‏

                        أو يتناقلون أخباراً عن نساء أو رجال لديهم قدرات خارقة في هذه المدينة أو تلك في المدرسة تسمع حياة من المدرسات عن امرأة تعيش في قرية منسية بين وادي الثرثار والبادية الغريبة لديها قدرات فاقت كل من عداها وهي تشفي المرض وتفك السحر وتقرأ الطالع..‏

                        وسمعت أن الناس بدؤوا يتوافدون على القرية من أنحاء البلاد محملين بالعطايا والهبات أموالاً وذبائح وهدايا ثمينة..‏

                        ولكثرة ما شفى من المرضى بيديها تزاحم المرضى على القرية ولم يعد هناك متسع لهم فقام أحد سكان القرية بتوسيع بيته وأضاف غرفاً صغيرة في حوش الدار وجعلها نزلاً أو أشبه بخان المسافرين في القرون الماضية، كما تطلب ذلك افتتاح مطاعم للمشويات ومقاه تلبي حاجات الزوار..‏

                        وخصص أحد متعهدي النقل خطوط سيارات بين منطقة العلاوي في كرخ بغداد وبين القرية أسماها خط (أم حمزة)..‏

                        وتداول الناس أحاديث عن وجود بئر قديمة في بيت (أم حمزة) تفجرت بمياه عذبة بظهور رؤيا لشيخ صالح أخبر المرأة بأن مياه البئر قادرة على شفاء المرضى..‏

                        عصر يوم خميس قبل أن تذهب حياة إلى مشغل (أم نور) طرق الباب ضيوف من أهل زوجها قادمين من البصرة. الجدة الكبيرة أم غالب وابنتها أنيسة وابنها الأصغر مهدي..‏

                        حضورهم المفاجئ لم يدهش حياة إنما أسعد ميساء التي ازدهرت أفراحها بوجود أهل وأقارب يشاركونها لوعة انتظار الغائب.‏

                        احتضنتها الجدة ونشجت، عانقتها أنيسة التي بدت محمومة وقد أحيطت عيناها بهالات بنفسجية، قبلها عمها مهدي وشاكسها، وانتهز انشغال أنيسة وأمه بالحديث مع ميساء عن مدرستها ولحق بحياة في المطبخ..‏

                        قال لها:‏

                        أنيسة مريضة ولا يرجى لها شفاء.. لم يتبق أمامنا سوى القبول بالعلاج الكيماوي، هي تجهل علتها المميتة، لم نخبرها أن السرطان تفشى في كبدها وجهازها اللمفاوي ورأينا أن نستنفذ كل وسائل العلاج حتى لا نندم ويلوم أحدنا الآخر... نريد أن نأخذها إلى (أم حمزة).‏

                        ـ أحقاً؟.... أنت تقول هذا؟‏

                        ـ لم لا؟... قد يحدث شيء.. ألا تؤمنين بالمعجزات؟... لا أريدها أن تفقد الأمل..‏

                        ـ متى حدث ذلك.. متى بدأ المرض؟‏

                        ـ منذ أشهر، قال أطباء البصرة إنها تعرضت لقدر كبير من الإشعاع حين قصف المستشفى الذي تعمل في مختبره..‏

                        ـ ولماذا لم تخبروني.... لماذا؟‏

                        ـ يكفيك ما لديك..‏

                        ـ وكيف تدبرتم أمر العلاج؟‏

                        ـ تعلمين أن أنيسة اشترت بميراث والدنا ذهباً.. نبيع كل فترة قطعة منه..‏

                        تعرف حياة أن والد غالب كان يعمل في تجارة الصوف بين بغداد وبلدات الشمال يبادل نسيج شعر الماعز ببالات الصوف المجزوز ويشتري اللباد الجبلي بعباءات النجف وأبسطة السماوة، تاجر جوال كتجار الخمسينيات.. وعندما نمت الثروة بين يديه افتتح محلاً في شارع الرشيد لتجارة الأقمشة الرجالية المستوردة من بريطانيا.. بينما أنشأ شقيقاه معملاً للصابون وفي الستينيات شيد هذا البيت الذي كان الجميع يقيمون فيه، ولكن عند نهاية الستينيات أفلس معمل الصابون فباعه الشقيقان ورحلا إلى البصرة وافتتحا محلاً لتجارة التوابل في سوق الهنود.‏

                        في السبعينيات تبدلت أحوال التجارة وتغير كل شيء... وحل الكساد بتجارة الأقمشة المستوردة عندها مرض والد غالب مرضه الأخير ورحل وباع الورثة المحل ووزعوا الإرث بين غالب ومهدي وأنيسة وأمهم واشترى غالب نصيب الآخرين في البيت الذي تزوجها فيه بعد سنوات.‏

                        تقول حياة وهي تسكب الشاي في الأستكانات ذات الحواف المذهبة:‏

                        ـ في الأقل كنت سأبحث لها عن طبيب مقتدر هنا..‏

                        ـ لم يتبق أمامنا غير هذه المرأة والعلاج الكيماوي.. أرجوك حياة.. لا تظهري أمامها اهتماماً زائداً بمرضها، لقد أخبرها الطبيب أنها مصابة بالتهاب الكبد الفيروسي الذي يستلزم فترة علاج طويلة..‏

                        ـ هل اقتنعت بما قيل لها؟‏

                        ـ حتى هذه اللحظة.... أظنها مقتنعة..‏

                        ......‏

                        عندما سألت حياة في المدرسة عن أخبار المرأة الشافية (أم حمزة) أخبروها أنها ماتت مقتولة في بيتها منذ أشهر... ويقال إن أحد أبناء أخيها وكان يساعدها في شؤون شفاء المرضى يقيم في (حي البياع) ويبيع مياه البئر الشافية في زجاجات..‏

                        ـ أيعرف أحد عنوانه؟‏

                        ـ لا أحد يعرفه.. يقال إنه يتكتم على تجارته، يخشى أن يلاحق بتهمة الشعوذة.‏

                        .........‏

                        كانت أنيسة نائمة وقد ضمت ساقيها ووضعت ركبتها قرب صدرها بينما امتدت ذراعها خارج السرير، ترقبها حياة وهي تلتم وتتكور مثل طفل جنيني.‏

                        تسمع انطباق الباب فتعرف أن مهدي قد خرج..‏

                        تلمس جبين أنيسة الملتهب وذراعها، ترى الثياب ملتصقة بجسدها وقد تشربت عرق ليل الحمى بطوله..‏

                        تغير لها حياة ثيابها، وتقدم لها إفطارها..‏

                        تقول الجدة التي لم يغمض لها جفن طوال الليل:‏

                        ـ ابنتي حياة لا تنسي أن تعطيها دواءها...‏

                        عندما تعود ميساء وحياة من المدرسة يكون مهدي قد عاد وجلس يروي لأمه وأخته مغامراته في البحث عن الرجل بائع المياه الشافية:‏

                        ـ سألت عنه في شارع عشرين، طرقت أبواب بيوت وسألت حلاقين، وجلست في مقهى واستعلمت من صانع المقهى قيل لي اسأل المضمد (أبو عقيل) ولم أعثر على شيء، نصحني بائع الثياب المستعملة وهو يساوم امرأتين على ثمن سروال لطفلة:‏

                        ـ اذهب واسأل مصلح الراديوات (حميد لا سلكي)..‏

                        يجد محل (حميد لا سلكي) مغلقاً فيدله الأولاد على بيته في الزقاق الجانبي الموحل الذي تفوح منه رائحة نتنة وقد تناثرت على جانبيه أحشاء السمك والخضار المتعفنة..‏

                        يطرق الباب.. فيخرج رجل بدين بشاربين متهدلين‏

                        ـ مرحبا سيد حميد..‏

                        ـ أهلاً‏

                        ـ تعرف.. هذا الرجل.. الذي.. يعني... يبيع ماء البئر...‏

                        ـ ابن أخ المرحومة (أم حمزة)؟‏

                        ـ نعم هو..‏

                        ـ بابا روح لا تسأل عليه.. أخذته الشرطة قبل يومين.. اتهموه بقتل عمته.. كان يسكن هنا عندي.. أكرمناه واحترمناه.. تبين أن الرجل هارب... الله سترنا أنا وأهلي الحمد لله ما جرجرونا بالمخافر والتحقيقات..‏

                        روح بابا.. استر علينا... الله يستر عليك..‏

                        .........‏

                        (4)‏

                        في حديقة حياة تنحني أنيسة متحاملة على آلامها وتجمع أوراق التين الصفراء وأوراق الكمثرى التي اكتسبت لون الجمر واللهب، تفرش الأوراق على منضدة صغيرة وتتألم.. تجتاحها موجة ألم تشمل جسمها كله، العظام والعنق والمفاصل والجلد والروح قبل كل شيء..‏

                        تحضر لها حياة إفطارها.. تقترب قطة رمادية صفراء العينين منها، تلقي لها بقطعة خبز.. تنظر القطة نظرة امتنان لكنها لا تقترب من أنيسة.. بل تتراجع خائفة...‏

                        تحدس حياة أن الحيوانات ترى الألم لدى الإنسان.. ترى لون الألم يحيط به مثل هالة.. تدرك الحيوانات ما يجول في الأجساد القريبة منها، أو أنها ترى شبح الموت فتهرب..‏

                        تجلس أنيسة تحت شجرة التين حيث وضعت حياة كرسيين من حديد أبيض وطاولة صغيرة..‏

                        عصافير الصباح تتقافز بعيداً عن القطط المتربصة، تغمض أنيسة عينيها فقد انزاح ظل الشجرة عن وجهها وانهمر ضوء الشمس قاطعاً مثل شفرة...‏

                        تبتسم أنيسة، ترى حياة الابتسامة، أم تراها تتوجع وهي تكز على ملامحها فتبدو كالمبتسمة... ربما كانت تبتسم حقيقة لخاطرة مرت بذهنها..‏

                        تدخل حياة إلى البيت وتتركها في الحديقة...‏

                        تتأملها من خلال النافذة محاطة بالظلال وبقع الضوء وهي في ثوبها الأبيض المنقط بلون مائي خفيف... نفحات هواء الصباح تحرك خصلات شعرها الكستنائي الطويل المتناثر حول وجهها.. تراها أشبه بصورة من صور النساء الشفافة التي يعلقونها وراء واجهات الزجاج، حلمية، ناعمة، تبدو كأنها ذات بعد واحد.. مسطحة وشفافة جداً.. لا يمكن أن تكون حقيقية أبداً...‏

                        حضور شبحي زائل ومفعم بالسحر الذي يبثه شباب أنيسة حولها برغم المرض.. تراها حياة بالغة الجمال في حديقتها، زهرة برتقال فواحة.. جزء لا يتجزأ من الطبيعة المحيطة بها...‏

                        كيف ستنبؤها بما لم يجرؤ عليه أخوها أو أمها... من أين لها تلك القوة والقسوة لتقول لها:‏

                        أنت تمضين إلى الموت..‏

                        من أين تسلل الموت إلى شبابها؟‏

                        تعرف حياة، وتعرف أنيسة أنهم يقتلون أناس هذه البلاد بطرق مختلفة، ليس بالإشعاع وحده يموت الناس.. هناك من يموتون لفرط اليأس من عودة الغائبين، هناك من يموتون انتحاراً باختيار أوطان بديلة لن تكون لهم مهما حاولوا أن يكونوا لها..‏

                        كيف ستقول لها:‏

                        عليك أن تخضعي للعلاج الكيماوي؟‏

                        تسأل الجدة... لماذا لم تخبروها من البداية؟‏

                        ـ خفنا أن تنهار، ثم قلنا ربما أخطأ الأطباء فلننتظر ظهور الفحوصات.. ثم عجزنا عن مواجهتها بالأمر....‏

                        تخرج إليها حياة:‏

                        عزيزتي أنيسة.. أريد أن نتحدث قليلاً منذ زمن لم نتحدث..‏

                        تنظر أنيسة إلى عينيها وتستطلع ما تريد قوله،‏

                        ـ أعرف... أعرف ما يجول بخاطرك.. أتظنيني لا أعرف ما بي؟‏

                        ـ أنيسة..‏

                        ـ وفري على نفسك هذه المشقة، سأقبل وسأعالج نفسي ولكن لا تتخلي عني..‏

                        ـ كيف عرفت..؟‏

                        ـ وكيف لا أعرف وأنا التي رأت مئات الحالات أمامها تأتي إلى مختبرات المستشفى كيف لا أعرف يا حياة..‏

                        ـ ولكن...‏

                        ـ أهلي.. أليس هذا ما تريدين معرفته؟.. جاريتهم في الأكذوبة.. ولم أترك لنفسي فرصة مقاومة المرض بطريقتي.. كان خطئي أيضاً أن أجاريهم في اللعبة..‏

                        ـ إذن ستبدئين في العلاج؟‏

                        ـ من الغد، شرط أن ترافقيني إلى الطبيب ليحدد الجرعات..‏

                        .........‏

                        تجد حياة مسوغاً لكل ما يحدث وتستعد دوماً لمواجهة أي طارئ، ثم تغدق حنانها على الذين يطفون في مياه المأساة...‏

                        تكتشف معان جديدة لوجودها، أسباباً أخرى للتشبث بالحياة من أجل هؤلاء جميعاً... ومن أجل نفسها..‏

                        تعرف قدرتها على العمل بصمت، دونما تذمر دونما جنوح إلى الاستعراض الرثائي الذي تمارسه كثير من النساء في مثل وضعها..‏

                        تقاوم في الصمت المحايد، تعمل في الصمت المشحون بالعواطف.. وتتغاضى عن أشياء كثيرة..‏

                        تنطلق في الصمت عندما لا يعود الكلام مجدياً.. هكذا تقود خطى الزمان إلى حيث تشاء هي قدر ما تستطيع وتلوي عنق الغضب.. لا تغضب أبداً.. لا تغضب حياة..‏

                        لن تكون أكثر أو أقل مما هي عليه، إنها هكذا ولن تكون مدينة لأحد بشيء وليسوا مدينين لها..‏

                        كل ما في الأمر أنها حتى هذه اللحظة تستطيع فعل أشياء جديدة لنفسها ولمن حولها.. ماذا ستفعل إزاء الذي يتبدل في أنيسة؟‏

                        هاهو المرض يعلن عن نفسه بوقاحة صفراء، يغير ملامحها يساقط جزءاً كبيراً من شعرها الجميل وشعر حاجبيها.. ويذبل الجسد، يذوي كأنه ليمونة عصرت وما تبقى منها سوى القشرة..‏

                        تبتسم أنيسة وهي مستلقية تنظر بعينين غريبتين إلى حياة وكأنها تقول لها:‏

                        ـ أرأيت، ها أن الحياة تتسرب من أصابعي وشعري وجلدي.. أرأيت..؟‏

                        ـ لا تبالغي.. هيا.. أريدك أن تخرجي إلى الحديقة الجو دافئ، وقد امتلأ الهواء بروائح طيبة.. هيا‏

                        تقود خطاها المترنحة، تجلسها هناك حيث سبقتهما الجدة إلى الحديقة وهيأت الشاي والكعك..‏

                        تلاحظ أنيسة الغيوم المسرعة تتراكض في السماء... تهب نسمة وتحرك كتل المتسلقات المغبرة ويصلها فوح عطر خفيف..‏

                        تنظر عند قدميها، البراعم الصغيرة المستدقة تتفتح ببطء في الشمس حاملة سر حياتها مثلما يحمل الطائر سر الطيران في جناحيه المضمومين قبل أن يحلق.. إلا هي فإنها تحمل سراً آخر.. تسمع شيئاً ما.. تحس خريراً خفياً يتدفق في أعماقها.. تكاد لا تصدق..‏

                        -حياة أمسكي يدي.. لقد زالت الحمى... أنا اليوم أحسن حالاً من الأمس. أجدني أقوى.. أستطيع الآن السير بدون ألم..‏

                        تعانقها حياة.. لكنها تشم تلك الرائحة الغريبة.. رائحة تحلل الخلايا التي تتصاعد من عضو ميت، أو شجرة تعفنت...‏

                        -ألم أقل لك... ستتعافين يا أنيسة..‏

                        تسير أنيسة، تحاول أن تبدو ثابتة الخطى منتصبة القامة.. تسمع رفيف أجنحة العصافير وخفق الفراشات حول وجهها.. تنحني لتقطف زهرة نجمية رأتها تلتمع بين العشب النضر..‏

                        لكن بعد برهة يستفيق الوحش المتمدد في الخلايا ويصرخ الألم، تقاومه.. تحدق بالضوء.. تمد يديها للشمس، تريد لوجودها أن يتشرب جزيئات الضوء وتعود الحمى.. حرارة تجتاح جسدها كله.. يلامس النسيم الندي وجهها المحموم تحس اتساع روحها وخفة الجسد.. تراها حياة كما لم ترها من قبل...‏

                        يخبرهم الطبيب مساء ذلك اليوم أنها بوادر استجابة الجسم للعلاج... قد تبدأ المعجزة....‏

                        أحياناً تنحرف المعجزات عن طريقها وتذهب إلى جهات أخرى...‏

                        وفي مرات قليلة تحدث معجزات لمن لا يتوقعها.. تعرف حياة ذلك وهي ترى مفاجآت الطبيعة حين تخضر سعفات النخلة المتيبسة فجأة وتعلن عن معاندة الموت لتساند حياة في جهدها اليومي الصامت وتعلمها المزيد عن مقاومة الأشياء لحتمية الانجراف في الفناء الكبير..‏

                        علامة صغيرة من الأرض أو السماء قد تغير فكرة الإنسان عن الزمن، والموت والحياة...‏

                        بخبرة حياة الطويلة مع الحديقة والنباتات.. مع الطالبات الصغيرات المتفتحات، مع ابنتها...‏

                        تعرف أن السكون شيء مريب، وأن الحركة في الكائنات كلها تعني إمكانية المضي إلى الأمام مما يتطابق مع فكرتها..‏

                        -يجب على الإنسان أن يمضي قدماً... أن يتجه دوماً إلى الأمام فلا مجال للتراجع..‏

                        الروح هي التي تسيّر كل شيء إن أتيح لها الكشف عن سرها...‏

                        هي التي تديم سلام الوجود لو أطلقناها من أغلال الجسد ومن مغالطاتنا..‏

                        ماذا لو حرر كل إنسان روحه من المخاوف الصغيرة وركام الأفكار النهائية..‏

                        تؤمن حياة أن الروح هي التي تأخذ بيد الإنسان إلى مرتقيات الرؤيا والشفاء وإن باستدراج النهاية..‏

                        أنيسة... أنيسة... تبدو لها روحاً تكافح الموت.. لا تستسلم بيسر، جلدها الناعم يتحول إلى لون التراب. عيناها تذبلان ولا يعود يظهر فيهما ألق الأمنيات. تبدو في مجاهدتها وقد نسيت معنى الزمن وهربت من الأمكنة كلها...‏

                        أوراقها تتكاثر وتنتشي في غير مواضعها كما تنمو الكراهية في روح الإنسان فتحيلها إلى رماد وطين...‏

                        ماذا سترى لحظة النهاية؟... حين تنطفئ الروح وهي لم تمسك بأمنية واحدة ولم تعرف هناءات الحب وشقاء الحرمان... لعلها عرفت، إنها تتنهد تنهدات الحرمان كلما اختلت بنفسها وتحدق بشيء ما في الفراغ... لعله وجه رجل أحبته وخذلها... لا... إنها تجاهد وترسل روحها صوب ضفة الحياة... عيناها تلاحقان الرغبة كأنها قمر من ماء يتدلى فوقها ويمطرها بالعرق...‏

                        تعرف حياة كيف يتحرك المرض في جسد الفتاة وكيف تلتهم الأورام الخلايا واللمف وأحلامها وأنيسة لا تسمع كلمات العزاء والتشجيع التي أصبحت مملة مثل نشيد مدرسي...‏

                        لا تريد أن تسمع فالنهر يغرقها ويسحبها إلى الأعماق، عيناها شاخصتان ويداها تعتصران الغطاء ورائحة أشجار الحديقة تنهمر على الغرفة، عطر ورد العسل شهي حلوي طوف في الجو ويبدد رائحة العرق المالح الذي يتبخر من جسد المريضة المتحلل..‏

                        تقشر حياة برتقالة، تفصصها وتضع الفصوص اللامعة في فم أنيسة الذي ما عاد يميز بين مذاقات الأشياء..‏

                        عيناها تتوسلان.. دعيني.. ابتعدي.. دعوني لا أريد شيئاً...‏

                        حياة تحملها بين ذراعيها بعد أن غدا جسدها كيس عظام صغير، بحذر ترفعها كأنها رضيع هش العظام وتغسل لها ما تبقى من شعرها الجميل وتدعك جسدها برفق بماء ساخن عطرته بورق النارنج وماء الورد.. تطهر ثنيات المفاصل التي توطنت فيها بكتريا العرق... تمسح العنق والصدر والكتفين...‏

                        وأنيسة مغمضة العينين، شفتاها ترتعشان وهي تطلق أنيناً متقطعاً، ولون وجهها شمع أصفر يسيل إلى أعماق الأرض أو يتصاعد إلى الأعالي... تدهن حياة جلدها الذي تغضن بزيت اللوز وتدعها لتغفو بمنومات ومسكنات، في انتظار معجزة قد لا تخطئ السبيل إلى جسدها.‏

                        (5)‏

                        كما ينث المطر الناعم على الوجه شهياً يبعث الري في الجسد كله، تتعالى نغمة صادحة من كمان ميساء فتجعل الليل الخامد بهياً، والعالم مكاناً آمناً، يتيح للنساء أن يحلمن بحياة حقيقية، يعثرن فيها على حب حقيقي منزه عن الأغراض ويلتقين برجال حقيقيين لم يعبروا طوق النار الذي ترك سحجات حريق على أرواحهم وثقوباً سوداء في أفئدتهم...‏

                        تسحب النغمة الشجية تعب الحياة من جسد حياة، وتمحو عن وجنتيها ملح الدموع المؤبدة.. وآنئذ سوف تنظر إلى رحابة العالم وتناجي شجرة التين الضخمة بجذعها الفضي وتحاورها كما تحاور صديقة قديمة...‏

                        تستمع إلى أنينها الأخضر الذي يتناغم مع سحبة القوس على أوتار الكمان..‏

                        تغير ميساء النغمة مثلما علمتها (ست غادة) مدرسة الموسيقى التي تعطيها درسين أسبوعياً لتحقق لحياة حلم زوجها المفقود: أن تصبح ميساء عازفة كمان شهيرة تقدم حفلاتها على مسرح قاعة الرباط في شارع المغرب ببغداد..‏

                        تتمدد النغمات في الهواء وتغير ألوانه، تطير حتى تلامس جذور الغيم وحياة تنصت بالحواس أجمعها وهي لا تعرف عن الموسيقى إلا تجربة السماع التي تحولت لطول ما دربت نفسها فيها إلى صعود صوفي وغالب يسمعها أشرطة لمؤلفات ومقطوعات شجية لغانم حداد البغدادي ولمراد أورهان التركي وباغانيني الإيطالي..‏

                        عن طريق السماع الذي تتسامى فيه الروح في مواجد وحالات، أحبت غالب أكثر في الموسيقى..‏

                        عشقته أعمق وتفانى أحدهما في الآخر واكتشفا معاً الدرب الضوئي الصاعد إلى السماء...‏

                        في عيد ميلاد ميساء الرابع عشر حصلت على الكمان، باعت حياة أقراطاً ذهبية مع سلسلة تتدلى منها سمكة بحراشف متحركة ملونة بالمينا وطلبت من (غادة) أن تختار لميساء الكمان المناسب..‏

                        وكلما توغلت حياة في سماع تدريبات ابنتها كلما انطشت نقاط الضوء على العالم الذي استغرقته القسوة والدماء فتملؤه أقماراً وموجات بحر وعندما ينتهي العزف تكون حياة قد دخلت مقام البكاء...‏

                        الآن وميساء في الرابعة والعشرين لديها ست سيدات وفتيات تعلمهن الموسيقى.‏

                        تعزف كونسرتو الكمان لمندلسون، بعد أن انتظمت في دراسات مسائية في معهد الموسيقى وتجرب أن تؤلف قطعة موسيقية تسكن خلجاتها وعقلها منذ أعوام بعيدة لتقدمها هدية للأب في حفلتها الأولى التي حلم بها على مسرح الرباط..‏

                        ...........‏

                        تنظر النساء إلى حياة وابنتها ويتمتمن...‏

                        -امرأة بطرة... تعلم ابنتها الموسيقى وهي تكدح ليل نهار..‏

                        -تريد لها أن تعمل عازفة في فرقة التلفزيون..‏

                        -لا.. لا.. تقول أنها ستعزف في الفرق الكبيرة السمفونية..‏

                        -من سيجرؤ ويتزوج فتاة مثلها..! عازفة موسيقى!‏

                        -لو فكر ابني بمثل هذا لنفيته إلى الدنيا، بنت وتعزف الموسيقى؟‏

                        -ابنتها وهي حرة فيما تفعله لها.. حتى لو دمرت مستقبلها العائلي هي التي تتحمل وزر عانس سيهرب منها الرجال..‏

                        بارعات في الإدانة... ماهرات في سوء الفهم... تعرف حياة أنها مهما فعلت فسوف يبحثن عن مثلبة يحاكمنها بها، ويتسقطن لها الهفوات..‏

                        لكنها لا تبالي.. بم تبالي وهي تعرف ما تريد وتفعل ما تريده لأنها تعرفه وتؤمن به...‏

                        مرات، ضيعت وقتها في توضيح رؤيتها لنفسها ورؤيتها للنساء... وضعتهن أمام حقيقتهن التي يجهلنها أو يتجاهلنها فلم يجرؤن بعد ذلك على مواجهتها..‏

                        تتهامس النساء:‏

                        -أهل زوجها قاطعوها بسبب البنت والموسيقى..‏

                        -لا أحد من الأقارب يزورها..‏

                        -نبذها الجميع عندما رفضت طلب قريب لها بالزواج منها..‏

                        -كيف تتزوج ولم تتحقق من موت زوجها؟‏

                        -وكيف تبقى وحيدة مع ابنتها دون ولي أمر؟‏

                        -من يتولى أمرهما؟ شقيق زوجها الذي لا عمل لـه ويعيش عالة على زوجته وأمه؟..‏

                        -أم أخيها المعوق الذي تعمل ابنته وزوجته لإعالته؟‏

                        -النساء يقمن بإعالة الكثير من الرجال في هذا الزمان...‏

                        تعرف حياة ولعلها حفظت في ذاكرة حواسها، أن العشب والأشجار وجميع نباتات حديقتها تستفيق مثلها قبل بزوغ الشمس وتنشر عبق الأرض وفوح الشذا وأسرار الديمومة عندما يلامسها أول شعاع من الشمس...‏

                        لكل الأشياء حيواتها ولكل الكائنات أرواحها، تذكر أنها ذات فجر خرجت إلى الحديقة بعد أن أعدت الخبز أيام الغارات.. وقطفت قبضة عشب طري فأحست أن روح العشب تعانق روحها وتطلق من أعماقها صورتها الأبدية، صورة المرأة التي لا يقف أمام قوتها شيء.. شذا العشب يفتح في أعماقها الأبواب لتنطلق الروح الإنسانية وتعلو وتعلو حتى تهيمن على الليل وتسحب الشمس من مكمنها وتطلق الحياة في الحياة قبل أوانها أو ربما في أوانها المناسب..‏

                        تلك الليلة وفي الليلة السابقة لم تقم الطائرات المعادية بغارات جديدة على بغداد والمدن الأخرى.. بدا أن نوعاً من هدنة غير معلنة قد بدأت لكنهم لم يركنوا إلى الطمأنينة بل استفادوا من الوقت لتعزيز استعداداتهم.. حصلوا على المزيد من مياه الشرب وبعض خزين الطعام من بقول ومعلبات وشاي وتمر وتهيأوا للجولة التالية...‏

                        وهي في هذا الانسحار الذي يتملكها إزاء الطبيعة وهذه الصلة التي تشدها إلى عمق الأشياء الحية تتمتم بشيء هو كالصلاة، تمجد هذا الفيض السماوي المتدفق ما بين روح الإنسان والحيوات الأخرى.. تهمس بلغة تستجيب لها النبتة ويدركها البرعم ويحسها الطائر..‏

                        (6)‏

                        وبهذه التجليات التي تمر بها تمسك الزمن من أعنته وتقوده إلى حيث تشاء وإن تطلب ذلك عناء ومكابدة...‏

                        هي تحب هذا التحدي.. تريد أن تكون كل صباح كما تتمنى أن تكون تمضي قدماً، لا مجال للتراجع.. ولن تطلب عوناً من أحد.. بوسع المرأة أن تكون مجموع كائنات وبإمكانها أن تدير الحياة وتوجهها... هي عون نفسها التي تراها مرايا حلمها...‏

                        تنحني على الأرض.. تقطع عشبة ذات أوراق مسننة لها زهور صفراء شذية، مجهولة الاسم، لكن الشذى يبوح بسرها وجمالها..‏

                        تسمع صوت امرأة ينادي..‏

                        -ست حياة صباح الخير..‏

                        تفلت من ذلك الانسحار والتوحد مع الشذى وهمس الرياح وطراوة العشب..‏

                        ترى جارتها خلود، تطل برأسها من السياج الذي يفصل بين الحديقتين..‏

                        -صباح الخير أم زياد.. كنت أظن أنني الوحيدة التي تصحو قبل الفجر..‏

                        -الغارات.. لم نستطع النوم طوال الليالي الماضيات... البنتان ترتجفان ولا تنامان وهشام وزياد يمضيان الليل في سماع الأخبار ولعب الشطرنج.. لا شيء نفعله.. في النهار ننام قليلاً..‏

                        -منذ يومين لم تعد الطائرات... لعلها..‏

                        -هشام يقول: إنهم يهيئون لهجوم أكبر حسب تحليلات الأخبار..‏

                        -قد ينتهي القصف من يدري..؟‏

                        -لا أحد يعرف.. بقينا وحدنا في هذا الشارع أنت ونحن فقط نحرس بيوت الجوار..‏

                        -هل رحل آخرون أيضاً..؟‏

                        -كلهم غادروا بغداد.. خلت البيوت.. خرجوا في الليل.. ذهبت أمل ومعها أبناؤها الثلاثة وزوجها إلى الشمال وذهبت عائلة باسمة إلى النجف.. تركوا مفاتيح بيوتهم لدينا.. ست حياة ستبقين أيضاً نحن باقون..‏

                        -مهما حدث أنا باقية، أين نذهب؟ ولماذا؟‏

                        -تقول سعاد.. أنتم مجانين، اهربوا بأرواحكم من الموت.. ما الذي يبقيكم هنا؟‏

                        -كل لـه جنونه.. فليكن لنا جنوننا أيضاً..‏

                        تذكر حياة هذا الحديث الذي مرت عليه اثنتا عشرة سنة، تذكر رتل السيارات التي هجت من بغداد عند ابتداء القصف.. كان الناس يلوذون بمباني المدارس والمساجد والأضرحة المقدسة..‏

                        لجأ بعضهم إلى مضارب القبائل في البادية..‏

                        كانت حياة تراهم.. يغادرون البيوت.. يسيرون في الزمن ولا يرتحلون في المكان.. الأمكنة متماثلة تحت الريح والمطر والخوف يسيرون دون بوصلة:‏

                        تتساءل حياة:‏

                        كيف بوسع الإنسان أن يذهب ولا يعود...؟‏

                        بعضهم كان مستعداً لدفع نصف عمره مقابل أن ينأى عن الموت.. ولكن.. تقول حياة.. ماذا سيفعل بالنصف المتبقي من العمر؟‏

                        لا أحد يدري... لا أحد يريد أن يعرف... كل ما يريدون معرفته هو ما الذي سيحدث في اللحظة التالية..‏

                        يمضون إلى الجهات ويتفرقون عن بغداد شعاعات ضوء هاربة ترتعش وكلما توغلت في المسير تنطفئ حتى يختفي آخر فيض من أضواء النفس..‏

                        يسيرون إلى قرى مجهولة، وبيوت لم يألفوها، وسوف تنكرها أرواحهم وتتعذب بها أجسادهم التي لن تتواءم مع رائحة تلك البيوت وزواياها وعتمتها.‏

                        سيتوجب عليهم أن يغيروا عاداتهم وألفاظهم وطريقة ارتدائهم لملابسهم وربما يستبدلون أسماءهم لتتقبلهم المتاهات التي سيغيرونها كل يوم..‏

                        قوافل الهاربين تتقاسم الجوع والمخاوف والمعلومات...‏

                        امرأة يجيئها المخاض على الطريق، أخرى تحاصرها نوبة ربو، شيخ تداهمه نوبة قلبية.. يمشون والموت يرافقهم.. قلق أيامهم ينمو على وقع خطاهم وهدير المركبات.. يبقون على قيد الرحيل والخوف يتسع.. هل سيعودون؟‏

                        لا أحد يدعي امتلاك الجواب...‏

                        حقول الشعير تتماوج على الطرقات، السنابل تنحني بثقل حبوبها تحت الريح، ومن وراء الحقول تخوم من شجر غامض تمتد وراءها البراري، بعض البنات ينتحبن بصمت في السيارات، إحداهن تريد العودة إلى بغداد لأنها تركت مستقبلها معلقاً فوق نافذة، فتاة أخرى تريد أن تعود لأنها لم تودع حبيبها، ثالثة نسيت دفتر مذكراتها وفيه أسرار القلب واعترافات ستفضي إلى فضيحة لو عثر أحدهم عليه..‏

                        تبكي الأمهات تاريخ سعاداتهن الذي كتبته الأعوام على صدوع الجدران وألوانها.. النساء الوحيدات يبكين بمرارة لأنهن يعرفن أن طعم الوحدة سيدوم العمر كله وسيحملن وطأته ولن يعوضهن الفرار ألفة أو رفقة حياة...‏

                        لا يملكون بوصلات ونجمة القطب محجوبة بالغيوم، لكنهم يسيرون.. يمضون قدماً ولكن لا يعرفون إلى أين يتجه بهم المصير..‏

                        يبصر البعض سرابات خلال النهار.. يرى آخرون أضواء تومض في الأفق سرعان ما تبتلعها المسافة.. يتوهمون أنهم يقتربون كلما اشتد عليهم العناء والخوف والظمأ...‏

                        يحلمون بمحطات ومطاعم ونيران تدفئهم، يمضون.. ولا يعلمون من الذي سيصل، ومن الذي سيعود.. ولم يعد لكلمة (أين) معنى، فما (الأين) إذا لم يكن المرء يعرف اتجاه المصير..؟‏

                        صاروا رهائن للخوف، رهائن للأدلاء الذين يواكبون المترحلين بين قرى الجبال...‏

                        تتجمع في الشوارع برك مياه المطر، تصير بغداد مدينة جزر وقوارب.. طوفان يعزل الأحياء ويحبس سكان البيوت في منازلهم..‏

                        يحدث أن تسمع حياة في الليل أصواتاً، في ضجة المطر يتناهى إليها طرقٌ على الباب.. يحدث أيضاً أن تكون الأصوات وهماً.. المدينة والأرواح صارتا لعبة المطر..‏

                        تطل من النافذة، لا أحد.. إنها شجرة التين تضرب أذرعها على لوح خشبي وضعوه لدى السياج... تتكئ على كرسيها وهي تنصت للريح وصوت العاصفة يضرب في عراء الحديقة ويحرك الشجر وحياة ترافق ابنتي سعاد في مهاوي الجبال، ترى زينة ورانيا محمولتين بيدي رجال مسرعين فوق الثلوج...‏

                        الدم يغرق العالم، كل شيء أبيض مضرج بالدم..‏

                        الشمس الغاربة تسكب احمرار الشفق الدامي على الثلج والثلوج تسيل دماً من الأعالي..‏

                        نساء كثيرات يبكين وإحداهن تحمل طفلاً ميتاً وتركض فوق الثلوج... يأخذه منها رجلان ويدفنانه في الثلج... تقع الأم على ركبتيها وتصرخ..‏

                        ترى نفسها ثانية في حديقتها وسعاد معها تحتسيان الشاي تحت شجرة التين وتروي لها حكايات عن ابنتيها زينة ورانية، عن رعبهما من الغارات وانهيارهما...‏

                        تقول لها:‏

                        هربت بهما لأنقذ روحيهما من الرعب... ولكني وهبتهما للموت اسمعيني حياة... اثبتي.. لا تكوني مثلي... ابقي حيث أنت... فالموت في كل الأمكنة ولا يستثني مكاناً أو أحداً....

                        تعليق

                        • speac toon
                          عضو نشيط
                          • Sep 2005
                          • 197

                          #13
                          تسلم اخوي على كل الي قدمته كلك ذوق

                          اكيد عيل انت شاعر وفنان

                          ننتظر المزيد من اشعارك وقصصك

                          تعليق

                          • speac toon
                            عضو نشيط
                            • Sep 2005
                            • 197

                            #14
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            مساء الخير ,, والاحساس ,, والشعر ..
                            كيفكم حبايبي أعضاء المنتدى
                            أن شاء الله تمااااام ..


                            في هذا الموضوع ..
                            سوف أختار لكم أجمل الابيات الشعريه من .. (( الغزل.. العتاب .. المدح .. الغدر .. الخيانه ..الرثاء وووووو الخ ))
                            وأتمنى ان الابيات تنال رضاكم وأعجابكم



                            طبعاً الموضوع راح يكون على عدة أجزاء
                            أليكم(( الجزاء الاول ))



                            (( كيف خان ))




                            كيف خان وهو حالف مايخون
                            وين حبه وين كلمات الشرف
                            كل شيً بعد محبوبـي يهـون
                            وأستوى عندي عذابي والترف







                            (( أعز أنسان ))




                            صوت حبيبي وقبل أقـول ياعونـك
                            شكى جروحه ورحت أشكي له أطعوني
                            يقول مقدر أعيش اليـوم مـن دونـك
                            وأقول حتى ولو ماعشت مـن دونـي
                            يمكن انا أكون اعز أنسان في عيونـك
                            بس أنت والله كل الناس فـي عيونـي







                            ((ماهي شجاعه ))





                            كن بين همومي وبينك حميا
                            جيتكم واحد وجيتوني جماعه
                            أنت منا والمصايب من هنيا
                            كلكم ضدي ترا ماهي شجاعه






                            (( مابي الدنيا ))





                            مابي الدنيا أبيك أنت لانك أنـت غيـر
                            جيت بحضانك طفل وانت ابوي وسمني







                            ((بالسلامه ياحمامه ))





                            بالسلامه ياحمامه روحي للي تعشقينـه
                            وصدقيني اني راضي ماعليك وماعليه
                            روحي عني بالسلامه مايبي الديان دينه
                            غصب عني متغاضي قيد حبك في يديه







                            ((راحت موضة الثوب))





                            شريت لي ثوب علشـان لقيـاك
                            والثوب راحت موضته مالبستـه
                            وشريت لي عطر مازهاني بلياك
                            أربع سنين في علبتـه مافتحتـه







                            (( رسوم الشريحة ))





                            ودار الزمان وغير الحال بالحال
                            وجاها الزمان بكل ورده وشيحه
                            فله,, وخدامه ,, ولكزس وجوال
                            وانا عجزت أدفع رسوم الشريحه







                            ((صعبً علي أجفاك ))




                            صعبً علي أجفاك لكن بحاول
                            مادام هذي رغبتك ماتبينـي







                            ((غضيت النظر ))





                            شفتك وغضيت النظر عنك خايـف
                            ماأبيك تلمح نقطه الضعـف فينـي
                            مسكت نفسي غصب ياأغلى الولايف
                            من كثر شوقي لك تراجف يدينـي







                            ((شفتك بالمنام ))




                            غريبة كـل حلـم يمـر برقـادي تزورينـه
                            والاغرب كيف احلم الحلم وارجع واحلمة بعدين
                            قبل يومين شفتك بالمنام وقمـت مـن حينـه
                            ونمت امس ورجع نفس المنام اللي قبل يومين







                            (( لفاني ولدها ))




                            هزتني الذكرى وأنا بين الأجـواد
                            ساعه عرفت اللي لفانـي ولدهـا
                            طمنت أحبه والغـلا فينـي ازداد
                            شميت ريحه حبهـا فـي سندهـا
                            ضميته بصدري على جروحً جداد
                            من غير ماأشعر أحسب أني بيدها





                            ((هل ترضى بالخديعه ))





                            انت لو اني خدعتك راح ترضى بالخديعه؟؟
                            بعتني مليون مـره حبنـي مـره عشانـي
                            خايف تحمل خفوقي فـوق مالايستطيعـه
                            ويبتليك الله بغيري مثـل مافيـك ابتلانـي







                            ((جيت لدنيا كبير ))




                            جيت لدنيـا كبيـر وبفارقهـا كبيـر
                            ومن زعل ماهمني ومن رضى ماهمني







                            ((المدينه والغريب ))





                            جاء يشوف الحال كيفه بعد ماهزه حنينه
                            وقبل يسألني سألته كيف حالك يالحبيب
                            قال انا كني غريب ضيع أدروب المدينه
                            قلت انا كني مدينه تنتظر رجعة غريب







                            (( أبعتذر ))




                            ابعتـذر باسـم الشعـر والقوافـي
                            ان كاني بحقك عن الوصل iiقصرت
                            لو هي بكيفـي والـذي مايشافـي
                            لانقل لك الفرحه هوى وين iiماكنت
                            لكن وعد مني وانـا انسـان وافـي
                            تبقى اعز انسان ان جيت وان رحت





                            (( لو حبيت غيرك ))




                            قال لو حبيت غيرك..وش تقول
                            قلت أحاول قد ما أقدر iiأمنعك
                            قال وان عيّت تطاوعك الحلول
                            قلت احبه يا بعد عمري معك!!







                            (( كلام من ذهب ))




                            الهرج كثره نقص والصمت حكمه
                            والعقل قلّـه بالهـروج الكثيـره
                            كم لاجل كلمه واحد سـال دمـه
                            وكم ساكتٍ كل المـلا تستشيـره







                            أتمنى أن الموضوع والابيات نالت رضاكم وأعجابكم ..




                            لكم صادق ودي وأحترامي

                            تعليق

                            • love uae
                              عضو نشيط
                              • Dec 2005
                              • 161

                              #15
                              مشكورة وما تقصرين يا سيبس تون و جزاك الله خيرا
                              التعديل الأخير تم بواسطة حنايا الأمل; 10-12-2005, 09:04 PM.

                              تعليق

                              يعمل...