بسم الله الرحمن الرحيم
الحسين بن علي رضي الله عنه خامس الخلفاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم تسليما كثيرا
الألفاظ متلعثمة , لا تنساق ولا تنساب لأسطّر عن بعض مآثر ذلك الرجل , إنه ليس رجل فحسب بل من أطهر وأنبل وأزكى الناس , وأكبر من أن يحيط قلم بفضائله , أو بأخلاقه أو سيرته وكرم ضريبته , ولكن شاء الله أن نذكر بعض الحوادث قبل مقتله رضي الله عنه .
من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيهما
يقول عنهما الحبيب عليه الصلاة والسلام (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة , وأبواهما خير منهما )) رواه الطبراني في الكبير , وقال الحبيب عليه الصلاة والسلام (( من أحب الحسن والحسين , فقد أحبني , ومن أبغضهما أبغضني )) من رواية أحمد . ويقول عليه الصلاة والسلام (( اللهم إني احبهما وأحب من يحبهما )) رواه البخاري . ويقول عليه الصلاة والسلام (( هذان إبناي من أحبهما فقد أحبني )) ذكره النسائي في فضائل الصحابة , وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها الطاهرة المطهَّرة أنه عليه الصلاة والسلام قال (( اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عهم الرجس , وطهرهم تطهيرا )) رواه مسلم . ونظر عليه الصلاة والسلام ذات يوم إلى الحسن والحسين وعلي وفاطمة وقال (( أنا حرب على من حاربتم وسلم على من سالمتم )) من رواية أحمد . وعن علي بن أبي طالب طيب الله ثراه , أنه قال : إن رسول الله عليه الصلاة والسلام أخذ بيد حسن وحسين وقال : (( من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما , كان معي في الجنّة )) ذكره أحمد في المسند . وقال عليه الصلاة والسلام عن الحسن : ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين )) رواه البخاري .
اللهم إنا نحبهم من محبة نبيك وحبيبك عليه الصلاة والسلام , اللهم أجمعنا بهم في دار الكرامة , في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما في السنة الرابعة للهجرة في 4شوال وسماه عليه الصلاة والسلام الحسين وذلك كان بعد مولد الحسن بن علي رضي الله عنه وكان في 15 رمضان في السنة الثالثة من الهجرة ,
نشأ في كنف أبويه وكان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يحملهما ويداعبهما , أتي ذات يوم ورأى الحسين يبكي بفناء الدار فأخذه وقبله واحتضنه , وعمد النبي عليه الصلاة والسلام إلى شاة فحلبها وسقى الحسين , ولأقبلت فاطمة فما كاد عليه الصلاة والسلام أن يراها حتى عاتبها على ترك الحسين وحيدا وقال لها (( أما تعلمين أن بكاءه يؤذيني )) رواه أحمد . ويقول في الحسين (( حسين منِّي وأنا من حسين , حسين سبط من الأسباط )) رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه .
الحسين بن علي رضي الله عنه
إنه الحسين بن علي بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه وأرضاه , ابن فاطمة الزهراء بنت محمد عليه الصلاة والسلام , جدته لأمه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها , نحبهم ونبجلهم ونرفع قدرهم , كيف لا وهم من البيت الطاهر من بيت النبوَّة, نسب مثل عقد اللؤلؤ.
ترعرع الحسين رضي الله عنه في كنف أبويه ورعاية سيد الخلق عليه الصلاة والسلام , فهو من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام هو والحسن الذي يكبره سنا ً .
الخلافة بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام
أتى أمر الله على الرسول عليه الصلاة والسلام (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل )) (( إنك ميِّت وإنَّهم ميتون )) (( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد )) توفي عليه الصلاة والسلام وترك الحسن والحسين , فحزنا على جدهما , وما لبث أن تبدد الحزن بفرح بتولى ابي بكر الصديق الخلافة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام لتبقى دولة الإسلام ويبقى العدل والصرامة , وتبقى الأمة تحت لواء الخلفاء الراشدين , فقاتل المرتدين ونصره الله وقاد السفينة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى بر الأمان بإذن الله , وكان محبا للحسن وأيضا الحسين لأنه الأصغر سنا ً , وبقي الصدِّيق في الخلافة إلى أن توفى وتولَّى الخلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه سنة 13 هـ في جمادى الآخرة , حصل وأن صعد المنبر عمر وقد اعتاد الحسين على جده وأبى بكر , فصعد الحسين المنبر وقال في براءة الطفولة لعمر : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيكك ! تذكر عمر الرسول عليه الصلاة والسلام فانهمرت الدموع من عينيه وقبّل الحسين وهدأه وقال له في حنوٍّ وإشفاق : لم يكن لأبي منبر . وأخذعمر رضي الله عنه بيد الحسين وأجلسه بجواره كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام مع الحسين .وكان عمر يكن من التقدير والإكرام والإعزاز للحسن والحسين ما لا يبلغه ابنه عبدالله , وبقي عمر رضي الله عنه خليفة للمسلمين وكثرت الفتوحات في عهده فواصل مسيرة أبي بكر , كان قمه في التواضع والزهد والورع في عهده , ثم تزوج اخت الحسين أم كلثوم بنت علي بن أى طالب رضي الله عنهم جميعا , ثم قتل عمر رضي الله عنه والحسين في الثامنة عشر من عمره , وكان يحمل من المحبة ويكن من المودة لعمر ما لا يوصف حتى أنه بكى بكاءاً شديدا لمقتل عمر , كيف لا يبكيه وقد ذكره بجده عليه الصلاة والسلام , كيف لا يبكيه وركن من أركان الخلافة قد إنهار أمامه , ولكن الله حفظ أمر الأمة الإسلاميّة وكانت البيعة لعثمان رضي الله عنه , وواصل الفتوحات في عهده إلى أن فتح المسلمون افريقيا والأندلس , حتى كانت الثورة على عثمان رضي الله عنه , فاستمات الحسين للدفاع عنه . لكن انتهت الأحداث بمقتل عثمان رضي الله عنه , فبويع علي بن أبى طالب خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان فأقبل أهل الأقاليم يبايعون من مصر والعراق واليمن , إلا إن معاويه بن ابى سفيان بن حرب بن أميّة رفض البيعة وكان واليا على الشام , فأعاد موقف معاويه إلى ذهن الحسين ما كان بين بني هاشم وبني أميّة , ولعل معاويه بن ابى سفيان استغلها فرصة لإبقاء الخلافة في بني أميّة بعد عهد عثمان رضي الله عنه وتحريرها من قبضة بني هاشم وأن يستأثرها لنفسه .
معركة علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية
وجد الحسين نفسه مع الحسن مع محمد ابن الحنفية صفا مع أبيهم وأنصاره والتقى الجيشان في معركة صفين بين علي ومعاويه وانتصر علي , وقد قتل عمّار بن ياسر الصحابي الجليل في هذه المعركة وكان في جيش علي , فتذكر الناس حديثه عليه الصلاة والسلام لعمّار (( تقتلك الفئة الباغية ))فطلب أنصار معاوية التحكيم بين الفريقين فالبعض وافق حقنا ً لدماء المسلمين والبعض أصر إلا أن يقاتل وهم الخوارج لقبول علي رضي الله عنه التحكيم وانتهى الأمر باغتيال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لتنتقل الروح الطاهرة الزكيّة إلى باريها , ثم خلا الجو لمعاوية بن أبى سفيان , كان كثير من المسلمين يرفضون خلافة معاوية فعرضوا على الحسن أن يبايعوه , فبايعه أهل العراق وفارس ومصر والحجاز فوقف الحسين جنبا إلى جنب مؤيدا ونا صراً للحسن , فكان من أصحابه من حاول الفتك به , وتفرق عنه بعضهم , لعل السبب وراء بعض تلك المواقف الدسائس التي حاكها بعض رجال معاويه , وعزم الحسن درءا ً للفتنة المصالحة مع معاوية لكن الحسين رفض ذلك وبشدِّة لما لذلك من آثار مستقبليّة حتى كاد أن يحصل خلاف بينهما , حتى قال الحسن رضي الله عنه : والله لقد هممت أن أسجنك في بيت , وأطين على بابه حتَّى أقضي بشأني هذا , وأفرغ منه ثم أخرجك .فاضطر الحسين لقبول الأمر الواقع على مضض حتى لا يحصل الشقاق بينهما , ولكن الحسن تنازل لمعاوية , واشترط الحسن أن يحكم معاويه بكتاب الله وسنة رسوله وأن تكون البيعة شورى بين المسلمين لمن بعده , وأن يعطى سنويا مالا من بيت المال ليوزعه على الفقراء والمساكين , وقبل معاويه بذلك , وبقي يمارس حياته كسائر الناس .
موت الحسن رضي الله عنه
ثم مات الحسن بن علي رضي الله عنه مسموما وأوصى قبل موته أن يدفن إن أمكن جوار جده عليه الصلاة والسلام , فتحزب بني أميّة على الا يدفن بجوار رسول الله عليه الصلاة والسلام ليدفن بجوار أمه فاطمة في البقيع . فذكَّر هذا الموقف بحديثه عليه الصلاة والسلام للحسن : ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين )) واستمر الحال في عهد معاويه , ثم مات الحسن بن علي رضي الله عنه فتحزب بني أميّة على الا يدفن بجوار رسول الله عليه الصلاة والسلام فلم يستطع الحسين فعل شيء فدفن بجوار أمه فاطمة في البقيع .
الحسين بعد موت الحسن رضي الله عنهما
شارك الحسين في الفتوحات وشارك في الحملة على بلاد الرومان فانظم في جيش يزيد بن معاويه وشجع كثيرا من أبطال المسلمين كابن عمروابن الزبير وابن عباس وأبى أيوب الأنصاري فقد كان يدرك أهمية فتح القسطنطينيّة ويعلم أن جده عليه الصلاة والسلام قال : (( أوّل جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم )) فظهرت بسالته وبطولته إلى أن سقطت عاصمة الرومان , فعرف الحسين بشجاعته ورباطة جأشه , وإقدامه كيف لا ومعلمه الحبيب عليه الصلاة والسلام اشجع الناس وأجرأهم على العدو , وعرف بالعلم والورع والتقوى والزهد والحكمة واللين والحلم والأناه , وكان انموذجا للكرم .
محاولة معاوية مبايعة أهل المدينة ليزيد ابنه
وحصل ما لم يتوقعه الحسين , وذلك أن معاويه قد عزل عامله على المدينة مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أميّة , وهو ابن عم عثمان رضي الله عنه , لرفضه أخذ البيعة من أهل المدينة ليزيد بن معاويه إذا حصل ومات معاويه , فقد أدرك ماستئول إليه الأمور إذا تولـّى يزيد بل و حرّض على عدم مبايعة يزيد لطيشه وسؤ أخلاقه , فكتب إلى معاويه يذكره بعهده مع الحسن وأن تكون الخلافة شورى , لذا عيّن معاويه سعيد بن العاص بن أميه بن عبد شمس كان وال على الكوفة في عهد عثمان رضي الله عنه , وقد كان وال لمعاويه على المدينه وعزله ثم أعاده الآن , اعتزل الخلاف بين علي رضي الله عنه ومعاويه , فعرض سعيد على أهل المدينة البيعة ليزيد بن معاوية , فرفضوا البيعة وأنها توريث للخلافة في بني أميّة , وأن ما يريده معاويه هو صوره من الصور التي يتبعها قياصرة الرومان وأكاسرة الفرس , وأنه لا يتفق مع أصول الشريعة وتحويل الخلافة إلى ملك , فكتب سعد الى معاويه أن المسلمين في المدينة يرفضون يزيد ويرغبون في الحسين وأنه أحق من يزيد .
قدوم معاويه إلى مكة
حاول معاويه إسترضاء الناس وموافقتهم على ملك إبنه , لكن عورض فقال عبدالله بن الزبير له : اصنع كما صنع رسول الله لم يستخلف أحدا من بعده وترك الأمر شورى بين المسلمين , وهذا فعل الخلفاء من بعده . وقال عبدالرحمن بن أبى بكر : لقد جعلتموها هرقليّة وكسراويّة , أي كملك هرقل وقيصر وراثة ً .
علم ذلك دون جدوى ولمّا حضرته الوفاه بعث الى ابنه يزيد وقال له : أمّا الحسين بن علي فلن يتركه أهل العراق حتى يبايعوه عليهم , فإن ظفرت به فاصفح عنه , فإن له رحما ً وحقا ً علينا , وأمّا عبدالله بن الزبير , فإذا تمكنت منه فلا تدعه , إلا أن يلتمس منك صلحا ً , فإن فعل فاقبل منه , واحقن دمه ما استطعت , وامّا عبدالله بن عمر , فإنه رجل عبادة , فإن لم يبق أحد غيره فسيبايعك .
وتوفى معاويه بن أبى سفيان سنة 60 هـ في رجب .
يزيد بن معاويه
تولى الحكم بعد أبيه وعمره 34 سنة , وتذكر ما قال له معاويه فأرسل إلى واليه على المدينة وهو الوليد بن عتبه بن أبى سفيان أن يطلب البيعة ليزيد ويقاتل من يرفض ذلك فأرسل مروان بن عبدالملك إلى الحسين فرفض البيعة وكذلك ابن الزبير واتجها إلى مكة , وقد كان أهل العراق يدركون طيش وسؤ أخلاق يزيد وانشغاله عن أمور الأمة الإسلامية وشرب الخمر والمجون , فضلا عن بطانته الذين اختارهم من رفقاء السوء وبعض المنحرفين , وبعض من قد أصابتهم لوثة الجاهلية , وفرح أهل الكوفة بموت معاويه على أمل مبايعة الحسين خليفة للمسلمين ليحق الحق بإذن الله ويقيم العدل , ويعدّل مسار الأمة الإسلامية , فتتابعت الوفود والرسل لإعلام الحسين بأن أهل العراق لايريدون يزيد وال ٍ عليهم وإنما يريدون الحسين خليفة .
الحسين يتجه نحو العراق
بعد ما علم الحسين أن أهل الكوفة يؤيدونه لأخذ البيعة واسترداد الخلافة الإسلامية إلى بيت بني هاشم , خاصة وأن معاوية قد أخل بما تعاهد به مع الحسن بأن يكون أمر المسلمين شورى , وأن يزيد ليس بأهل لخلافة أمة الإسلام , ومما زاد من معنوياته أنَّ النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبه والي الكوفة يشجع على مبايعة الحسين , وكأن أهل العراق بمبايعتهم الحسين يكفرون عما بدر منهم تجاه علي رضي الله عنه و الحسن , ولكن أراد أن يجتس النبض فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبى طالب – ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام – فسافر مسلم بن عقيل ومر على المدينة وأخذ معه رجلين خريتين يدلاه الطريق إلى الكوفة , مضوا في طريقهم إلى الكوفة واخذهم من الإعياء والظمأ ما أخذهم فمات أحد الدليلين , فما لبث أن مات الآخر وتردد بن عقيل في المواصة أو العودة , لكن صمم وعزم على المضي قدما .
ترددت أستبق الحياة فلم أجد إلىَّ حياة ً غير أن أتقدما
وبقي مسلم يواصل مشواره إلى أن وصل مشارف الكوفة وقد بلغ منه التعب والظمأ مبلغا ولجأ إلى بيت من بيوت أهل الكوفة ويدعى مسلم بن عوسجة وقص عليه قصته , فاحتفى به وأكرمه وضيَّفه , وبدأ رسالته في أهل الكوفة فبايعه خلال أيام يسيرة أكثر من 30000 مسلم من أهل الكوفة , ولعل النعمان بن بشير بلغه خبر مسلم بن عقيل فلم يتحرك وكأنه ارتضى ذلك , فبلغت الوشايات لبني أمية من بعض انصارهم لأن في ذلك تهديد لمصالحهم ووصل الخبر ليزيد بن معاويه , فا جتمع يزيد ببطانته السيئة ومستشاريه الذين لا يخافون إلا على مناصبهم ومكانتهم من يزيد , وأشار سرجون الرومي أحد مستشاريه بعزل النعمان وتولية عبيد الله بن زياد بن أبى سفيان والذي عرف بجرأته على الباطل , فهم بعضهم أولياء بعض , رغم ما كان بينه وبين عبيدالله من العداء لكن أراد أن يتخلص من حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام بصاحب المكر والخبث عبيدالله , وطلب يزيد منه أن يقتل مسلم بن عقيل ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام , فهو أهل لهذه المهمة .
ثم إن مسلم بن عقيل بعد إن اطمأن وجمع حوله الكثير من أنصار الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أبيه , أرسل إلى الحسين ليأتي إليه فقد بايعه أهل العراق على النصرة , وسار الرسول دون أن يدري مسلم عن المؤامرة التي تحاك ضدهم , وكأنه تعجّل وتسرع باستدعاء الحسين , خاصة لما علم بمقدم ابن زياد وقدومه من البصرة إلى الكوفة وان اولى مهامه هو البحث عنه وقتله , فجمع ابن زياد كبار أهل الكوفة على أن يأتوا بخبر مسلم بن عقيل أين هو وأين يسكن , فخرجوا وفارقوه دون نتيجة ولم يعد منهم أحد إليه بخبر , ولما أحسن مسلم بذلك وعلى لسان حاله حسبنا الله ونعم الوكيل , خرج من دار ابن عوسجة إلى دار هانئ بن عروه فاستطاع بطرقه الخاصة أن يتعرف على مكمن ابن عقيل فاستدعى هانئ فلم يحضر وذهب ابن زياد بنفسه إلى هانئ بن عروه فتظاهر ابن عروه بالمرض , وعلم هو ومن حوله أن ابن زياد يريد شراً فأوعزوا إلى أبن هانئ بقتله , فرفض لأنه ضيفه وآمن في داره , وعرف عصابة ابن زياد أن مسلم في البيت فدار كلام بينه وبين هانئ فهوى ابن زياد عليه بسيفه فشج جبهته وكسر أنفه وأمر بحبسه , وهرب مسلم ودعى في جماعته الذين بايعوا الحسين فاجتمع حوله 4000 رجل , وتمنى في حينه أنه لم يستعجل الرسول لاستدعاء الحسين قبل أن تتكشف له الأمور جلية واضحة , ولكن شاء الله ذلك واجتمع الرجال حول ليدافعوا عنه ثم مازل رجال ابن زياد في تحريض النساء لكي يراجعن أزواجهن بالإبتعاد عن مسلم بن عقيل , فتناقص الرجال من حوله وكان يوما عصيبا عليه وعلى الحسين إذا بلغه الرسول , ففي يوم 6 من ذي الحجة سنة 61 هـ أحيط به وعرف أنه محاصر وقد أسدل الليل ستاره وبقي مسلم وحيدا يحاول الخروج لا هروبا ولكن يحاول إبلاغ الحسين بعدم القدوم فالأرض تغلي والموت أمامه ينتظره , لكن الحصار كان محكما لكن ما فتئ أن يقدم ويجهز ويقاتل وحده مهما كلفه ذلك لكن الأسى والأسف إذا قدم الحسين , ولكن بعد قتال مرير مع عصابة زياد ويزيد أثخن بالجرح ولم يتمالك نفسه فقيد ووثق بالحديد , وذهبوا به إلى ابن زياد , واحضر له ماءا ثم ما لبث أن رأى الماء حتى أسرعت إليه يده قبل عينيه فضربه أحد الأشقياء بسهم أوقع الإناء من يده , فرق أحدهم لحاله وناوله إناء الماء فلما أراد أن يشرب نفث الدم فمه قبل أن يرتشف قطرة فآثر الظمأ , وحينها بكى , قال أحدهم أتبكي , أما تحسب ما كنت تريده ؟
قال لا أبكي على نفسي ولكن أبكي على الحسين وآل بيته إنه خرج إليكم اليوم أو بالأمس , ونظر إلى القوم لعله يرى من يعرفه , فرأى محمد بن الأشعث بن قيس بن معد يكرب المكنّى بأبى القاسم أمه أخت أبى بكر - رضي الله عنه وأرضاه – فقال يا محمّد إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لساني تأمره بالرجوع فافعل .
مقتل مسلم بن عقيل رحمه الله
أدخل مسلم بن عقيل إلى ابن زياد مكبلا بالحديد , جراحه تنزف و دماؤه تقطر , قال له ابن زياد : إني قاتلك .
قال مسلم في ثبات : فافعل .
لكن دعني أوصي ببعض وصيتي إلى بعض من قومي فأمهله ابن زياد حينا , ونظر فرأى عمر بن سعد بن أبى وقاص , وقال له :
يا عمر إن بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة إن علي دينا ً في الكوفة سبعمائة درهم . وسمى له صاحب الدين وقال له :
بع سيفي ودرعي , فاقضها عنِّي , واستوهب جثتي ابن زياد , فوارها الثرى , وابعث إلى الحسين , فإني كنت قد كتبت له الاّ يقبل , ولا أراه إلا مقبلا .
ثم أمر به زياد وصعدوا به إلى سطح القصر ولسانه يلهج بالدعاء إلى الله والسلام على رسوله , والتكبير وينادي ربه :
اللهم احكم بيننا , وبين قوم غرونا , وخذلونا .
ثم قطع رأسه الطاهر ورمي بجثته من أعلى القصر ليكون درسا على من يخرج عليهم . وقتل معه هانئ بن عروه , وبعث برأس مسلم بن عقيل إلى يزيد بن معاويه , ليثبت له ولاءه وجرأته على ما يأمر به يزيد بن معاويه
مقدم الحسين رضي الله عنه وأرضاه إلى الكوفة
عزم الحسين رضي الله عنه على المضي إلى الكوفة بعد ما جاءته رسالة مسلم بن عقيل الأولى , وهذه مشيئة الله تعالى , فمضى وحال محمد ابن الحنفيّة يكاد يتفطر أسى ولوعة بعد ما أسدى إليه من النصح بأن لا يغادر موطنه إلى بلاد اخرى لا يعلم ماذا قد ينتظره هناك , وكذلك رأي عبدالله بن عباس , لأنه يعرف أهل العراق وما قد تصير اليه الامور إذا أقبل عليهم , فقال : يابن العم إنَّ أهل العراق قومٌ غدر , فلا تغترن بهم , أقم هنا في هذا البلد , حتى ينفي اهل العراق عدوّهم , ثم اقدم عليهم وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصونا وشعابا ً , ولأبيك شيعة .. فقال الحسين له : يابن العم : إني لأعلم أنك ناصح شفيق , ولكني قد أزمعت على السير , وإنَّ أمر الله نافذ . فقال ابن عباس : إن كان ولا بد فلا تسر بأولادك ونسائك فوالله إني خائف أن تقتل , كما قتل عثمان وولده ونساؤه ينظرون إليه .
وقال ابن الزبير أتذهب إلى قوم قتلوا أباك , وأخرجوا أخاك , فوالله ما حمدتم ما صنعتم .
ونصحه جابر بن عبدالله , وكذلك عمرو بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي , وكذا أبو سعيد الخدري الأنصاري , وبعث إليه ابن عمه عبدالله بن جعفر بن أبى طالب أمه أسماء بنت عميس رضي الله عنهم وكذلك عمرو بن سعيد بن العاص عامل يزيد على مكة , فخرج وما يدري ما يخبئ له القدر , وما ينتظره موكلا أمره إلى الله مفوضا أمره إليه فلقي همام بن غالب التميمي ( الفرزدق ) الشاعر المعروف , فتجاذبا أطراف الحديث فسأله عن حال أهل العراق قال الفرزدق : القلوب معك والسيوف مع بني أميّة .وأخذ من أهل بيته من بني عبدالمطلب تسعة عشر نفر ليصحبوه إلى الكوفة , ولقيه رجل آخر جاء من العراق قال له نفس الكلام , فتوقع الحسين رضي الله عنه خيانة أهل العراق له , فقال لله الأمر من قبل ومن بعد , يفعل ما يشاء إن ينزل القضاء بما نحب , فلنحمد الله على نعمائه , وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته , والتقوى سريرته , ومضى لكي يثبت لأهل الكوفة أنه على كلامه وما وعدهم إياه مسلم بن عقيل .
فبعث مروان بن الحكم رسالة إلى ابن معاوية يزيد يخبره بتوجه الحسين بن علي - رضوان الله عليه وعلى آله – إلى الكوفة في العراق .
ولعل الرسل النصحة من قبل مسلم بن عقيل لم يصله أحد منهم ولم يعلم رضوان الله عليه بما جرى لمسلم بن عقيل إبن عم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فأرسل يزيد على اثر رسالة عبدالملك بن مروان أرسل إلى عصابته في الكوفة إلى زياد .
أرسل الحسين رضي الله عنه رسالة مع قيس بن مسهر الصيداوي يبشر أهل الكوفة بقدومه وأنه عند وعده , فلما وصل القادسيّة وجد الحصين بن نمير الأنصاري – كان عامل عمر على بن الخطّاب على الأردن – حضر غزوة تبوك وقيل أنه احد المنافقين , فأخذ الرسالة منه وبعثها إلى عبيدالله بن زياد , فغضب وبعث إلى الحصين يطلب منه أن يصعد القصر وينادي في الناس ويسب علي بن أبى طالب وابنه الحسين – قاتلهم الله أنّى يؤفكون – فساءه ما يقول ابن زياد فصعد الحصين فمدح علي وابنه الحسين - رضي الله عنهما وأرضاهما – فأمر ابن زياد به وبرجاله أن يلقوا من أعلى القصر ورموا بهم فتهشمت عظامهم فعالجوهم بقطع رؤسهم .
كل هذا والحسي في غفلة , مشيئة الله , فقدم عليه رجال نصحه أخبروه بما حصل لمسلم بن عقيل وهانئ والحصين وكيف آلت الأمور , وكان إخوة مسلم بن عقيل مع الحسين فما حفزهم ذلك إلا على المضي وليكن ما شاءه الله تعالى إمّا ندرك ثأرنا , أو نذوق ما ذاق أخونا .
علم الحسين ان الأمور فوق ما توقع لكنه يريد إظهار الحق وأن تعود الخلافة الإسلامية , وأن معاوية استن سنة ما أتى بها جده عليه الصلاة والسلام فوق ما أنه وضع أمر المسلمين في وصاية يزيد المعروف بأنه ليس أهلا لحمل تلك الأمانة , فاتجه الحسين إلى من كان معه وقال لهم : خذلتنا شيعتنا , فمن أحب منكم الإنصراف فلينصرف من غير حرج , وليس عليه منّا ذمام .فتفرق من كان حوله عدا بعض النفر أصروا على مصاحبته .
لقيهم الحر بن يزيد التميمي , فقال يا حسين ارجع , فإني لم أدع لك خلفي خيرا , وكذلك لقي عبدالله بن مطيع بن الأسود بن حارثه فقال له : يا بن بنت رسول الله ما أقدمك ؟فنصحه بأن لا يعرّض نفسه لبني أميّة , لكن استمر الحسين رضي الله عنه في تصميمه وعزمه
فلما رأى عبدالله بن مطيع إصرار الحسين انظم إليه. – لله دره -
يتبع .........
الحسين بن علي رضي الله عنه خامس الخلفاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم تسليما كثيرا
الألفاظ متلعثمة , لا تنساق ولا تنساب لأسطّر عن بعض مآثر ذلك الرجل , إنه ليس رجل فحسب بل من أطهر وأنبل وأزكى الناس , وأكبر من أن يحيط قلم بفضائله , أو بأخلاقه أو سيرته وكرم ضريبته , ولكن شاء الله أن نذكر بعض الحوادث قبل مقتله رضي الله عنه .
من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيهما
يقول عنهما الحبيب عليه الصلاة والسلام (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة , وأبواهما خير منهما )) رواه الطبراني في الكبير , وقال الحبيب عليه الصلاة والسلام (( من أحب الحسن والحسين , فقد أحبني , ومن أبغضهما أبغضني )) من رواية أحمد . ويقول عليه الصلاة والسلام (( اللهم إني احبهما وأحب من يحبهما )) رواه البخاري . ويقول عليه الصلاة والسلام (( هذان إبناي من أحبهما فقد أحبني )) ذكره النسائي في فضائل الصحابة , وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها الطاهرة المطهَّرة أنه عليه الصلاة والسلام قال (( اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عهم الرجس , وطهرهم تطهيرا )) رواه مسلم . ونظر عليه الصلاة والسلام ذات يوم إلى الحسن والحسين وعلي وفاطمة وقال (( أنا حرب على من حاربتم وسلم على من سالمتم )) من رواية أحمد . وعن علي بن أبي طالب طيب الله ثراه , أنه قال : إن رسول الله عليه الصلاة والسلام أخذ بيد حسن وحسين وقال : (( من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما , كان معي في الجنّة )) ذكره أحمد في المسند . وقال عليه الصلاة والسلام عن الحسن : ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين )) رواه البخاري .
اللهم إنا نحبهم من محبة نبيك وحبيبك عليه الصلاة والسلام , اللهم أجمعنا بهم في دار الكرامة , في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما في السنة الرابعة للهجرة في 4شوال وسماه عليه الصلاة والسلام الحسين وذلك كان بعد مولد الحسن بن علي رضي الله عنه وكان في 15 رمضان في السنة الثالثة من الهجرة ,
نشأ في كنف أبويه وكان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يحملهما ويداعبهما , أتي ذات يوم ورأى الحسين يبكي بفناء الدار فأخذه وقبله واحتضنه , وعمد النبي عليه الصلاة والسلام إلى شاة فحلبها وسقى الحسين , ولأقبلت فاطمة فما كاد عليه الصلاة والسلام أن يراها حتى عاتبها على ترك الحسين وحيدا وقال لها (( أما تعلمين أن بكاءه يؤذيني )) رواه أحمد . ويقول في الحسين (( حسين منِّي وأنا من حسين , حسين سبط من الأسباط )) رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه .
الحسين بن علي رضي الله عنه
إنه الحسين بن علي بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه وأرضاه , ابن فاطمة الزهراء بنت محمد عليه الصلاة والسلام , جدته لأمه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها , نحبهم ونبجلهم ونرفع قدرهم , كيف لا وهم من البيت الطاهر من بيت النبوَّة, نسب مثل عقد اللؤلؤ.
ترعرع الحسين رضي الله عنه في كنف أبويه ورعاية سيد الخلق عليه الصلاة والسلام , فهو من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام هو والحسن الذي يكبره سنا ً .
الخلافة بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام
أتى أمر الله على الرسول عليه الصلاة والسلام (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل )) (( إنك ميِّت وإنَّهم ميتون )) (( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد )) توفي عليه الصلاة والسلام وترك الحسن والحسين , فحزنا على جدهما , وما لبث أن تبدد الحزن بفرح بتولى ابي بكر الصديق الخلافة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام لتبقى دولة الإسلام ويبقى العدل والصرامة , وتبقى الأمة تحت لواء الخلفاء الراشدين , فقاتل المرتدين ونصره الله وقاد السفينة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى بر الأمان بإذن الله , وكان محبا للحسن وأيضا الحسين لأنه الأصغر سنا ً , وبقي الصدِّيق في الخلافة إلى أن توفى وتولَّى الخلافة عمر رضي الله عنه وأرضاه سنة 13 هـ في جمادى الآخرة , حصل وأن صعد المنبر عمر وقد اعتاد الحسين على جده وأبى بكر , فصعد الحسين المنبر وقال في براءة الطفولة لعمر : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيكك ! تذكر عمر الرسول عليه الصلاة والسلام فانهمرت الدموع من عينيه وقبّل الحسين وهدأه وقال له في حنوٍّ وإشفاق : لم يكن لأبي منبر . وأخذعمر رضي الله عنه بيد الحسين وأجلسه بجواره كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام مع الحسين .وكان عمر يكن من التقدير والإكرام والإعزاز للحسن والحسين ما لا يبلغه ابنه عبدالله , وبقي عمر رضي الله عنه خليفة للمسلمين وكثرت الفتوحات في عهده فواصل مسيرة أبي بكر , كان قمه في التواضع والزهد والورع في عهده , ثم تزوج اخت الحسين أم كلثوم بنت علي بن أى طالب رضي الله عنهم جميعا , ثم قتل عمر رضي الله عنه والحسين في الثامنة عشر من عمره , وكان يحمل من المحبة ويكن من المودة لعمر ما لا يوصف حتى أنه بكى بكاءاً شديدا لمقتل عمر , كيف لا يبكيه وقد ذكره بجده عليه الصلاة والسلام , كيف لا يبكيه وركن من أركان الخلافة قد إنهار أمامه , ولكن الله حفظ أمر الأمة الإسلاميّة وكانت البيعة لعثمان رضي الله عنه , وواصل الفتوحات في عهده إلى أن فتح المسلمون افريقيا والأندلس , حتى كانت الثورة على عثمان رضي الله عنه , فاستمات الحسين للدفاع عنه . لكن انتهت الأحداث بمقتل عثمان رضي الله عنه , فبويع علي بن أبى طالب خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان فأقبل أهل الأقاليم يبايعون من مصر والعراق واليمن , إلا إن معاويه بن ابى سفيان بن حرب بن أميّة رفض البيعة وكان واليا على الشام , فأعاد موقف معاويه إلى ذهن الحسين ما كان بين بني هاشم وبني أميّة , ولعل معاويه بن ابى سفيان استغلها فرصة لإبقاء الخلافة في بني أميّة بعد عهد عثمان رضي الله عنه وتحريرها من قبضة بني هاشم وأن يستأثرها لنفسه .
معركة علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية
وجد الحسين نفسه مع الحسن مع محمد ابن الحنفية صفا مع أبيهم وأنصاره والتقى الجيشان في معركة صفين بين علي ومعاويه وانتصر علي , وقد قتل عمّار بن ياسر الصحابي الجليل في هذه المعركة وكان في جيش علي , فتذكر الناس حديثه عليه الصلاة والسلام لعمّار (( تقتلك الفئة الباغية ))فطلب أنصار معاوية التحكيم بين الفريقين فالبعض وافق حقنا ً لدماء المسلمين والبعض أصر إلا أن يقاتل وهم الخوارج لقبول علي رضي الله عنه التحكيم وانتهى الأمر باغتيال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لتنتقل الروح الطاهرة الزكيّة إلى باريها , ثم خلا الجو لمعاوية بن أبى سفيان , كان كثير من المسلمين يرفضون خلافة معاوية فعرضوا على الحسن أن يبايعوه , فبايعه أهل العراق وفارس ومصر والحجاز فوقف الحسين جنبا إلى جنب مؤيدا ونا صراً للحسن , فكان من أصحابه من حاول الفتك به , وتفرق عنه بعضهم , لعل السبب وراء بعض تلك المواقف الدسائس التي حاكها بعض رجال معاويه , وعزم الحسن درءا ً للفتنة المصالحة مع معاوية لكن الحسين رفض ذلك وبشدِّة لما لذلك من آثار مستقبليّة حتى كاد أن يحصل خلاف بينهما , حتى قال الحسن رضي الله عنه : والله لقد هممت أن أسجنك في بيت , وأطين على بابه حتَّى أقضي بشأني هذا , وأفرغ منه ثم أخرجك .فاضطر الحسين لقبول الأمر الواقع على مضض حتى لا يحصل الشقاق بينهما , ولكن الحسن تنازل لمعاوية , واشترط الحسن أن يحكم معاويه بكتاب الله وسنة رسوله وأن تكون البيعة شورى بين المسلمين لمن بعده , وأن يعطى سنويا مالا من بيت المال ليوزعه على الفقراء والمساكين , وقبل معاويه بذلك , وبقي يمارس حياته كسائر الناس .
موت الحسن رضي الله عنه
ثم مات الحسن بن علي رضي الله عنه مسموما وأوصى قبل موته أن يدفن إن أمكن جوار جده عليه الصلاة والسلام , فتحزب بني أميّة على الا يدفن بجوار رسول الله عليه الصلاة والسلام ليدفن بجوار أمه فاطمة في البقيع . فذكَّر هذا الموقف بحديثه عليه الصلاة والسلام للحسن : ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين )) واستمر الحال في عهد معاويه , ثم مات الحسن بن علي رضي الله عنه فتحزب بني أميّة على الا يدفن بجوار رسول الله عليه الصلاة والسلام فلم يستطع الحسين فعل شيء فدفن بجوار أمه فاطمة في البقيع .
الحسين بعد موت الحسن رضي الله عنهما
شارك الحسين في الفتوحات وشارك في الحملة على بلاد الرومان فانظم في جيش يزيد بن معاويه وشجع كثيرا من أبطال المسلمين كابن عمروابن الزبير وابن عباس وأبى أيوب الأنصاري فقد كان يدرك أهمية فتح القسطنطينيّة ويعلم أن جده عليه الصلاة والسلام قال : (( أوّل جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لهم )) فظهرت بسالته وبطولته إلى أن سقطت عاصمة الرومان , فعرف الحسين بشجاعته ورباطة جأشه , وإقدامه كيف لا ومعلمه الحبيب عليه الصلاة والسلام اشجع الناس وأجرأهم على العدو , وعرف بالعلم والورع والتقوى والزهد والحكمة واللين والحلم والأناه , وكان انموذجا للكرم .
محاولة معاوية مبايعة أهل المدينة ليزيد ابنه
وحصل ما لم يتوقعه الحسين , وذلك أن معاويه قد عزل عامله على المدينة مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أميّة , وهو ابن عم عثمان رضي الله عنه , لرفضه أخذ البيعة من أهل المدينة ليزيد بن معاويه إذا حصل ومات معاويه , فقد أدرك ماستئول إليه الأمور إذا تولـّى يزيد بل و حرّض على عدم مبايعة يزيد لطيشه وسؤ أخلاقه , فكتب إلى معاويه يذكره بعهده مع الحسن وأن تكون الخلافة شورى , لذا عيّن معاويه سعيد بن العاص بن أميه بن عبد شمس كان وال على الكوفة في عهد عثمان رضي الله عنه , وقد كان وال لمعاويه على المدينه وعزله ثم أعاده الآن , اعتزل الخلاف بين علي رضي الله عنه ومعاويه , فعرض سعيد على أهل المدينة البيعة ليزيد بن معاوية , فرفضوا البيعة وأنها توريث للخلافة في بني أميّة , وأن ما يريده معاويه هو صوره من الصور التي يتبعها قياصرة الرومان وأكاسرة الفرس , وأنه لا يتفق مع أصول الشريعة وتحويل الخلافة إلى ملك , فكتب سعد الى معاويه أن المسلمين في المدينة يرفضون يزيد ويرغبون في الحسين وأنه أحق من يزيد .
قدوم معاويه إلى مكة
حاول معاويه إسترضاء الناس وموافقتهم على ملك إبنه , لكن عورض فقال عبدالله بن الزبير له : اصنع كما صنع رسول الله لم يستخلف أحدا من بعده وترك الأمر شورى بين المسلمين , وهذا فعل الخلفاء من بعده . وقال عبدالرحمن بن أبى بكر : لقد جعلتموها هرقليّة وكسراويّة , أي كملك هرقل وقيصر وراثة ً .
علم ذلك دون جدوى ولمّا حضرته الوفاه بعث الى ابنه يزيد وقال له : أمّا الحسين بن علي فلن يتركه أهل العراق حتى يبايعوه عليهم , فإن ظفرت به فاصفح عنه , فإن له رحما ً وحقا ً علينا , وأمّا عبدالله بن الزبير , فإذا تمكنت منه فلا تدعه , إلا أن يلتمس منك صلحا ً , فإن فعل فاقبل منه , واحقن دمه ما استطعت , وامّا عبدالله بن عمر , فإنه رجل عبادة , فإن لم يبق أحد غيره فسيبايعك .
وتوفى معاويه بن أبى سفيان سنة 60 هـ في رجب .
يزيد بن معاويه
تولى الحكم بعد أبيه وعمره 34 سنة , وتذكر ما قال له معاويه فأرسل إلى واليه على المدينة وهو الوليد بن عتبه بن أبى سفيان أن يطلب البيعة ليزيد ويقاتل من يرفض ذلك فأرسل مروان بن عبدالملك إلى الحسين فرفض البيعة وكذلك ابن الزبير واتجها إلى مكة , وقد كان أهل العراق يدركون طيش وسؤ أخلاق يزيد وانشغاله عن أمور الأمة الإسلامية وشرب الخمر والمجون , فضلا عن بطانته الذين اختارهم من رفقاء السوء وبعض المنحرفين , وبعض من قد أصابتهم لوثة الجاهلية , وفرح أهل الكوفة بموت معاويه على أمل مبايعة الحسين خليفة للمسلمين ليحق الحق بإذن الله ويقيم العدل , ويعدّل مسار الأمة الإسلامية , فتتابعت الوفود والرسل لإعلام الحسين بأن أهل العراق لايريدون يزيد وال ٍ عليهم وإنما يريدون الحسين خليفة .
الحسين يتجه نحو العراق
بعد ما علم الحسين أن أهل الكوفة يؤيدونه لأخذ البيعة واسترداد الخلافة الإسلامية إلى بيت بني هاشم , خاصة وأن معاوية قد أخل بما تعاهد به مع الحسن بأن يكون أمر المسلمين شورى , وأن يزيد ليس بأهل لخلافة أمة الإسلام , ومما زاد من معنوياته أنَّ النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبه والي الكوفة يشجع على مبايعة الحسين , وكأن أهل العراق بمبايعتهم الحسين يكفرون عما بدر منهم تجاه علي رضي الله عنه و الحسن , ولكن أراد أن يجتس النبض فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبى طالب – ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام – فسافر مسلم بن عقيل ومر على المدينة وأخذ معه رجلين خريتين يدلاه الطريق إلى الكوفة , مضوا في طريقهم إلى الكوفة واخذهم من الإعياء والظمأ ما أخذهم فمات أحد الدليلين , فما لبث أن مات الآخر وتردد بن عقيل في المواصة أو العودة , لكن صمم وعزم على المضي قدما .
ترددت أستبق الحياة فلم أجد إلىَّ حياة ً غير أن أتقدما
وبقي مسلم يواصل مشواره إلى أن وصل مشارف الكوفة وقد بلغ منه التعب والظمأ مبلغا ولجأ إلى بيت من بيوت أهل الكوفة ويدعى مسلم بن عوسجة وقص عليه قصته , فاحتفى به وأكرمه وضيَّفه , وبدأ رسالته في أهل الكوفة فبايعه خلال أيام يسيرة أكثر من 30000 مسلم من أهل الكوفة , ولعل النعمان بن بشير بلغه خبر مسلم بن عقيل فلم يتحرك وكأنه ارتضى ذلك , فبلغت الوشايات لبني أمية من بعض انصارهم لأن في ذلك تهديد لمصالحهم ووصل الخبر ليزيد بن معاويه , فا جتمع يزيد ببطانته السيئة ومستشاريه الذين لا يخافون إلا على مناصبهم ومكانتهم من يزيد , وأشار سرجون الرومي أحد مستشاريه بعزل النعمان وتولية عبيد الله بن زياد بن أبى سفيان والذي عرف بجرأته على الباطل , فهم بعضهم أولياء بعض , رغم ما كان بينه وبين عبيدالله من العداء لكن أراد أن يتخلص من حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام بصاحب المكر والخبث عبيدالله , وطلب يزيد منه أن يقتل مسلم بن عقيل ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام , فهو أهل لهذه المهمة .
ثم إن مسلم بن عقيل بعد إن اطمأن وجمع حوله الكثير من أنصار الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أبيه , أرسل إلى الحسين ليأتي إليه فقد بايعه أهل العراق على النصرة , وسار الرسول دون أن يدري مسلم عن المؤامرة التي تحاك ضدهم , وكأنه تعجّل وتسرع باستدعاء الحسين , خاصة لما علم بمقدم ابن زياد وقدومه من البصرة إلى الكوفة وان اولى مهامه هو البحث عنه وقتله , فجمع ابن زياد كبار أهل الكوفة على أن يأتوا بخبر مسلم بن عقيل أين هو وأين يسكن , فخرجوا وفارقوه دون نتيجة ولم يعد منهم أحد إليه بخبر , ولما أحسن مسلم بذلك وعلى لسان حاله حسبنا الله ونعم الوكيل , خرج من دار ابن عوسجة إلى دار هانئ بن عروه فاستطاع بطرقه الخاصة أن يتعرف على مكمن ابن عقيل فاستدعى هانئ فلم يحضر وذهب ابن زياد بنفسه إلى هانئ بن عروه فتظاهر ابن عروه بالمرض , وعلم هو ومن حوله أن ابن زياد يريد شراً فأوعزوا إلى أبن هانئ بقتله , فرفض لأنه ضيفه وآمن في داره , وعرف عصابة ابن زياد أن مسلم في البيت فدار كلام بينه وبين هانئ فهوى ابن زياد عليه بسيفه فشج جبهته وكسر أنفه وأمر بحبسه , وهرب مسلم ودعى في جماعته الذين بايعوا الحسين فاجتمع حوله 4000 رجل , وتمنى في حينه أنه لم يستعجل الرسول لاستدعاء الحسين قبل أن تتكشف له الأمور جلية واضحة , ولكن شاء الله ذلك واجتمع الرجال حول ليدافعوا عنه ثم مازل رجال ابن زياد في تحريض النساء لكي يراجعن أزواجهن بالإبتعاد عن مسلم بن عقيل , فتناقص الرجال من حوله وكان يوما عصيبا عليه وعلى الحسين إذا بلغه الرسول , ففي يوم 6 من ذي الحجة سنة 61 هـ أحيط به وعرف أنه محاصر وقد أسدل الليل ستاره وبقي مسلم وحيدا يحاول الخروج لا هروبا ولكن يحاول إبلاغ الحسين بعدم القدوم فالأرض تغلي والموت أمامه ينتظره , لكن الحصار كان محكما لكن ما فتئ أن يقدم ويجهز ويقاتل وحده مهما كلفه ذلك لكن الأسى والأسف إذا قدم الحسين , ولكن بعد قتال مرير مع عصابة زياد ويزيد أثخن بالجرح ولم يتمالك نفسه فقيد ووثق بالحديد , وذهبوا به إلى ابن زياد , واحضر له ماءا ثم ما لبث أن رأى الماء حتى أسرعت إليه يده قبل عينيه فضربه أحد الأشقياء بسهم أوقع الإناء من يده , فرق أحدهم لحاله وناوله إناء الماء فلما أراد أن يشرب نفث الدم فمه قبل أن يرتشف قطرة فآثر الظمأ , وحينها بكى , قال أحدهم أتبكي , أما تحسب ما كنت تريده ؟
قال لا أبكي على نفسي ولكن أبكي على الحسين وآل بيته إنه خرج إليكم اليوم أو بالأمس , ونظر إلى القوم لعله يرى من يعرفه , فرأى محمد بن الأشعث بن قيس بن معد يكرب المكنّى بأبى القاسم أمه أخت أبى بكر - رضي الله عنه وأرضاه – فقال يا محمّد إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لساني تأمره بالرجوع فافعل .
مقتل مسلم بن عقيل رحمه الله
أدخل مسلم بن عقيل إلى ابن زياد مكبلا بالحديد , جراحه تنزف و دماؤه تقطر , قال له ابن زياد : إني قاتلك .
قال مسلم في ثبات : فافعل .
لكن دعني أوصي ببعض وصيتي إلى بعض من قومي فأمهله ابن زياد حينا , ونظر فرأى عمر بن سعد بن أبى وقاص , وقال له :
يا عمر إن بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة إن علي دينا ً في الكوفة سبعمائة درهم . وسمى له صاحب الدين وقال له :
بع سيفي ودرعي , فاقضها عنِّي , واستوهب جثتي ابن زياد , فوارها الثرى , وابعث إلى الحسين , فإني كنت قد كتبت له الاّ يقبل , ولا أراه إلا مقبلا .
ثم أمر به زياد وصعدوا به إلى سطح القصر ولسانه يلهج بالدعاء إلى الله والسلام على رسوله , والتكبير وينادي ربه :
اللهم احكم بيننا , وبين قوم غرونا , وخذلونا .
ثم قطع رأسه الطاهر ورمي بجثته من أعلى القصر ليكون درسا على من يخرج عليهم . وقتل معه هانئ بن عروه , وبعث برأس مسلم بن عقيل إلى يزيد بن معاويه , ليثبت له ولاءه وجرأته على ما يأمر به يزيد بن معاويه
مقدم الحسين رضي الله عنه وأرضاه إلى الكوفة
عزم الحسين رضي الله عنه على المضي إلى الكوفة بعد ما جاءته رسالة مسلم بن عقيل الأولى , وهذه مشيئة الله تعالى , فمضى وحال محمد ابن الحنفيّة يكاد يتفطر أسى ولوعة بعد ما أسدى إليه من النصح بأن لا يغادر موطنه إلى بلاد اخرى لا يعلم ماذا قد ينتظره هناك , وكذلك رأي عبدالله بن عباس , لأنه يعرف أهل العراق وما قد تصير اليه الامور إذا أقبل عليهم , فقال : يابن العم إنَّ أهل العراق قومٌ غدر , فلا تغترن بهم , أقم هنا في هذا البلد , حتى ينفي اهل العراق عدوّهم , ثم اقدم عليهم وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصونا وشعابا ً , ولأبيك شيعة .. فقال الحسين له : يابن العم : إني لأعلم أنك ناصح شفيق , ولكني قد أزمعت على السير , وإنَّ أمر الله نافذ . فقال ابن عباس : إن كان ولا بد فلا تسر بأولادك ونسائك فوالله إني خائف أن تقتل , كما قتل عثمان وولده ونساؤه ينظرون إليه .
وقال ابن الزبير أتذهب إلى قوم قتلوا أباك , وأخرجوا أخاك , فوالله ما حمدتم ما صنعتم .
ونصحه جابر بن عبدالله , وكذلك عمرو بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي , وكذا أبو سعيد الخدري الأنصاري , وبعث إليه ابن عمه عبدالله بن جعفر بن أبى طالب أمه أسماء بنت عميس رضي الله عنهم وكذلك عمرو بن سعيد بن العاص عامل يزيد على مكة , فخرج وما يدري ما يخبئ له القدر , وما ينتظره موكلا أمره إلى الله مفوضا أمره إليه فلقي همام بن غالب التميمي ( الفرزدق ) الشاعر المعروف , فتجاذبا أطراف الحديث فسأله عن حال أهل العراق قال الفرزدق : القلوب معك والسيوف مع بني أميّة .وأخذ من أهل بيته من بني عبدالمطلب تسعة عشر نفر ليصحبوه إلى الكوفة , ولقيه رجل آخر جاء من العراق قال له نفس الكلام , فتوقع الحسين رضي الله عنه خيانة أهل العراق له , فقال لله الأمر من قبل ومن بعد , يفعل ما يشاء إن ينزل القضاء بما نحب , فلنحمد الله على نعمائه , وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته , والتقوى سريرته , ومضى لكي يثبت لأهل الكوفة أنه على كلامه وما وعدهم إياه مسلم بن عقيل .
فبعث مروان بن الحكم رسالة إلى ابن معاوية يزيد يخبره بتوجه الحسين بن علي - رضوان الله عليه وعلى آله – إلى الكوفة في العراق .
ولعل الرسل النصحة من قبل مسلم بن عقيل لم يصله أحد منهم ولم يعلم رضوان الله عليه بما جرى لمسلم بن عقيل إبن عم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فأرسل يزيد على اثر رسالة عبدالملك بن مروان أرسل إلى عصابته في الكوفة إلى زياد .
أرسل الحسين رضي الله عنه رسالة مع قيس بن مسهر الصيداوي يبشر أهل الكوفة بقدومه وأنه عند وعده , فلما وصل القادسيّة وجد الحصين بن نمير الأنصاري – كان عامل عمر على بن الخطّاب على الأردن – حضر غزوة تبوك وقيل أنه احد المنافقين , فأخذ الرسالة منه وبعثها إلى عبيدالله بن زياد , فغضب وبعث إلى الحصين يطلب منه أن يصعد القصر وينادي في الناس ويسب علي بن أبى طالب وابنه الحسين – قاتلهم الله أنّى يؤفكون – فساءه ما يقول ابن زياد فصعد الحصين فمدح علي وابنه الحسين - رضي الله عنهما وأرضاهما – فأمر ابن زياد به وبرجاله أن يلقوا من أعلى القصر ورموا بهم فتهشمت عظامهم فعالجوهم بقطع رؤسهم .
كل هذا والحسي في غفلة , مشيئة الله , فقدم عليه رجال نصحه أخبروه بما حصل لمسلم بن عقيل وهانئ والحصين وكيف آلت الأمور , وكان إخوة مسلم بن عقيل مع الحسين فما حفزهم ذلك إلا على المضي وليكن ما شاءه الله تعالى إمّا ندرك ثأرنا , أو نذوق ما ذاق أخونا .
علم الحسين ان الأمور فوق ما توقع لكنه يريد إظهار الحق وأن تعود الخلافة الإسلامية , وأن معاوية استن سنة ما أتى بها جده عليه الصلاة والسلام فوق ما أنه وضع أمر المسلمين في وصاية يزيد المعروف بأنه ليس أهلا لحمل تلك الأمانة , فاتجه الحسين إلى من كان معه وقال لهم : خذلتنا شيعتنا , فمن أحب منكم الإنصراف فلينصرف من غير حرج , وليس عليه منّا ذمام .فتفرق من كان حوله عدا بعض النفر أصروا على مصاحبته .
لقيهم الحر بن يزيد التميمي , فقال يا حسين ارجع , فإني لم أدع لك خلفي خيرا , وكذلك لقي عبدالله بن مطيع بن الأسود بن حارثه فقال له : يا بن بنت رسول الله ما أقدمك ؟فنصحه بأن لا يعرّض نفسه لبني أميّة , لكن استمر الحسين رضي الله عنه في تصميمه وعزمه
فلما رأى عبدالله بن مطيع إصرار الحسين انظم إليه. – لله دره -
يتبع .........