
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد يخطىء البعض في الحديث وقد يخطىء البعض الآخر في الاستماع ولقد تعودنا أن نرى ونقابل أشخاصا من شتى الأشكال والاصناف فمنهم من يسمع ومنهم لا يسمع ومنهم يسمع ولكن لا يفهم ما يسمع فمن هنا أبدأ سلسلتي التي بعنوان حوار طرشان والتي سأناقش معكم فيها قضايا اجتماعية وأسرية ومشاكل نفسية وسأكشف الغطاء عن أخطائنا اليومية التي نواجهها ونقع بها كل يوم وسنحاول تعديل الصورة وتوضيح الألوان والتوصل معا إلى الحل .

موضوع الحلقة اليوم هو:تعليم أم تحطيم

حوار الطرشان
دق جرس المدرسة استعدادا لبدء الحصة الاولى
دخلت معلمة الرياضيات إلى غرفة الصف العاشر وألقت عليهم التحية ثم بدات تشرح الدرس وتكتب المعادلات والنظريات على اللوح وبعد ان انتهت من الشرح سألتهم: فاهمين الدرس ولا أعيده
الطالبات: ايوا فاهمين
وضعت المعلمة المسائل على اللوح وطلبت من الطالبات أن يحلوها ، ارتفعت الايادي وكانت المعلمة تختار واحدة تلو الاخرى ليحللن المسائل فلاحظت أن ميسون لم ترفع يدها أبدأ فقالت لها: ميسون قومي حلي المسأله
تفاجأت ميسون من المعلمة واحمر وجهها لأنها لا تعرف حل المسأله
المعلمة: انتي ما تسمعين أقلك قومي
قامت ميسون من مقعدها وأمسكت بالطبشورة ولكنها لم تستطع أن تكتب شيئا
المعلمة: منتي فاهمة الدرس صح؟ أنا كم مرة قلتلك ركزي معايا في الحصة خلي هذا العقل يشتغل مرة ، وين كان عقلك لما كنت أشرح ؟ ولا كنتي نايمة ما تدرين عن شي؟
هنا ضحكت جميع الطالبات على ميسون وشعرت المسكينة بالاحراج الشديد والقهر وقالت: أبلة ....أنا...ما اعرف أحل المسألة
المعلمة: أكيد ما تعرفي حلها لأنك هنا زيادة عدد ، روحي اقعدي مكانك وشوفي زميلتك كيف تحلها وركزي معاها.
عادت ميسون إلى مقعدها وكادت دمعتها على وشك أن تسقط ولكنها أخفت ضعفها ونظرت الى اللوح بكل حزن.
انتهت حصة الرياضيت وكان بعدها حصة اللغة العربية ، دخلت المعلمة الى الصف وأخذت تشرح للطالبات درسا في الاعراب وبعد أن انهت الشرح كتبت جملاً على اللوح ووضعت تحت بعض الكلمات خطا وطلبت من الطالبات أن يعربن ما تحته خط .
كان هناك حماس ومشاركة جيدة من الطالبات ولكن المعلمة لم تختار واحدة منهن بل اختارت ميسون (يال حظها السيء)
المعلمة: ميسون اعربي أول كلمة
ميسون: فاعل مرفوع
المعلمة: هذا فاعل ؟؟؟
ميسون: مفعول به ....مرفوع
الملعمة: مفعول به مرفوع ؟ ما شا الله ما شاء الله الظاهر انا كنت اشرح للحيط ، نفسي مرة أسألك سؤال وتعرفي تجاوبين عليه ، ماتستحين من نفسك لما تقولي مفعول به مرفوع ؟ كيف ترضينها على نفسك تكوني أكسل وحدة بالصف ؟ اقعدي مكانك وركزي معانا.
جلست ميسون وكانت تتمنى أن تنشق الارض وتبتلعها بدلا من هذا الاحراج والتجريح .
انتهت الحصة الثانية والثالثة والرابعه وانتهى الدوام وعادت كل فتاة لمنزلها .
دخلت ميسون المنزل واستقبلتها زوجة أبيها بكل استهزاء: هلا والله بالطالبة الذكية أنا ما دري ليش تغلبي نفسك وتروحي عالمدرسة كل يوم ؟ روحي بدلي ملابسك بسرعه واشتغلي في البيت وخذي بالك من اخوانك الصغار انا طالعه مشوار ودي أرجع الاقي البيت نظيف سامعه ؟
ميسون: ان شا الله
في التالي ذهبت ميسون الى المدرسة وحصل معها نفس الاحراج في كل حصة ،بقيت ميسون على هذا الوضع فترة طويلة في المدرسة ولاحظت المعلمات تدنّي مستواها الدراسي وقرروا أن يشتكوها للمديرة (طبعا لم يكن هناك أي دور او وجود لمرشدة المدرسة).
استدعت المديرة ميسون لغرفتها وقالت: كل المعلمات يشتكون منك ويقولون انك كسلانة في كل المواد ابغى اعرف ليش ووش السبب؟
ميسون: أبلة .... أنا ما عندي وقت ادرس
المديرة: يا سلام ليش؟ مستلمة ادارة شركات وانا مادري؟
ميسون: أنا أمي متوفية وابوي تزوج وحدة ثانية وكل شغل البيت على راسي طول اليوم اهتم بالبيت واخواني الصغار وما عندي مين يهتم فيني
المديرة أمك توفت الله يرحمها بعدين في كثير بنات امهاتهم متوفيات بس يدرسون حالهم حال البنات انتي منتي صغيرة ودك مين يدرسك انت الحين عاشر لازم تعتمدي على نفسك ، يعني ما هي حلوة يقولوا عنك كسلانة
ميسون: ابلة انا ما اقدر افهم المواد واحيانا اكون فاهمة بس تسألني المعلمة تطير الملعومات كلها من راسي
المديرة : هذا مو عذر اللي يبغى ينجح يسوي المستحيل
ميسون: بس ابلة....
المديرة: خلاص ما ابغى اسمع اعذار من اليوم ورايح لازم تحسنين مستواك لانك اذا استمريتي على هذا الحال انتي السنة راسبة، يلا روحي لصفك.
خرجت ميسون من غرفة الادارة والحقد يملأ قلبها على المديرة والمعلمات والطالبات والمدرسة بأسرها ، شعرت أنها ضحية هذا المجتمع القاسي الذي لم يستوعبها كإنسانة لها مشاعر واحاسيس.
فبينما هي في طريقها الى الصف كانت تحوم حول رأسها كل الكلمات السلبية التي تلقتها من المعلمات: انتي زيادة عدد ، انتي راسبة ، انتي كسلانة ، ما تستحي على نفسك تكوني أكسل بنت في االصف ، خلي عقلك يشتغل مرة...... وغيرها من الكلمات السلبية التي عششت في رأسها والتي ستبقى معها طوال عمرها .
فقررت ميسون ان يكون هذا اليوم هو آخر يوم لها في مقاعد الدراسة .
تركت ميسون المدرسة بلا حسرة ولا ندم لأنها تعلم ان وجودها في المدرسة وعدمه لن يغير أي شيء في المدرسة ولن تتأثر أي معلمة لذهابها ، وبالفعل هذا ما حصل .
الملعمة: مفعول به مرفوع ؟ ما شا الله ما شاء الله الظاهر انا كنت اشرح للحيط ، نفسي مرة أسألك سؤال وتعرفي تجاوبين عليه ، ماتستحين من نفسك لما تقولي مفعول به مرفوع ؟ كيف ترضينها على نفسك تكوني أكسل وحدة بالصف ؟ اقعدي مكانك وركزي معانا.
جلست ميسون وكانت تتمنى أن تنشق الارض وتبتلعها بدلا من هذا الاحراج والتجريح .
انتهت الحصة الثانية والثالثة والرابعه وانتهى الدوام وعادت كل فتاة لمنزلها .
دخلت ميسون المنزل واستقبلتها زوجة أبيها بكل استهزاء: هلا والله بالطالبة الذكية أنا ما دري ليش تغلبي نفسك وتروحي عالمدرسة كل يوم ؟ روحي بدلي ملابسك بسرعه واشتغلي في البيت وخذي بالك من اخوانك الصغار انا طالعه مشوار ودي أرجع الاقي البيت نظيف سامعه ؟
ميسون: ان شا الله
في التالي ذهبت ميسون الى المدرسة وحصل معها نفس الاحراج في كل حصة ،بقيت ميسون على هذا الوضع فترة طويلة في المدرسة ولاحظت المعلمات تدنّي مستواها الدراسي وقرروا أن يشتكوها للمديرة (طبعا لم يكن هناك أي دور او وجود لمرشدة المدرسة).
استدعت المديرة ميسون لغرفتها وقالت: كل المعلمات يشتكون منك ويقولون انك كسلانة في كل المواد ابغى اعرف ليش ووش السبب؟
ميسون: أبلة .... أنا ما عندي وقت ادرس
المديرة: يا سلام ليش؟ مستلمة ادارة شركات وانا مادري؟
ميسون: أنا أمي متوفية وابوي تزوج وحدة ثانية وكل شغل البيت على راسي طول اليوم اهتم بالبيت واخواني الصغار وما عندي مين يهتم فيني
المديرة أمك توفت الله يرحمها بعدين في كثير بنات امهاتهم متوفيات بس يدرسون حالهم حال البنات انتي منتي صغيرة ودك مين يدرسك انت الحين عاشر لازم تعتمدي على نفسك ، يعني ما هي حلوة يقولوا عنك كسلانة
ميسون: ابلة انا ما اقدر افهم المواد واحيانا اكون فاهمة بس تسألني المعلمة تطير الملعومات كلها من راسي
المديرة : هذا مو عذر اللي يبغى ينجح يسوي المستحيل
ميسون: بس ابلة....
المديرة: خلاص ما ابغى اسمع اعذار من اليوم ورايح لازم تحسنين مستواك لانك اذا استمريتي على هذا الحال انتي السنة راسبة، يلا روحي لصفك.
خرجت ميسون من غرفة الادارة والحقد يملأ قلبها على المديرة والمعلمات والطالبات والمدرسة بأسرها ، شعرت أنها ضحية هذا المجتمع القاسي الذي لم يستوعبها كإنسانة لها مشاعر واحاسيس.
فبينما هي في طريقها الى الصف كانت تحوم حول رأسها كل الكلمات السلبية التي تلقتها من المعلمات: انتي زيادة عدد ، انتي راسبة ، انتي كسلانة ، ما تستحي على نفسك تكوني أكسل بنت في االصف ، خلي عقلك يشتغل مرة...... وغيرها من الكلمات السلبية التي عششت في رأسها والتي ستبقى معها طوال عمرها .
فقررت ميسون ان يكون هذا اليوم هو آخر يوم لها في مقاعد الدراسة .
تركت ميسون المدرسة بلا حسرة ولا ندم لأنها تعلم ان وجودها في المدرسة وعدمه لن يغير أي شيء في المدرسة ولن تتأثر أي معلمة لذهابها ، وبالفعل هذا ما حصل .

هذه نهاية ميسون ضحية مدرسة الطرشان ، دعونا نعكس الصورة ونعيد الشريط من البداية ليس لنرى ميسون في حوار الطرشان بل ميسون في الحوار البناء.
الحوار البناء

دق جرس المدرسة استعدادا لبدء الحصة الاولى
دخلت معلمة الرياضيات إلى غرفة الصف العاشر وألقت عليهم التحية ثم بدات تشرح الدرس وتكتب المعادلات والنظريات على اللوح وبعد ان انتهت من الشرح سألتهم: فاهمين الدرس ولا أعيده
الطالبات: ايوا فاهمين
وضعت المعلمة المسائل على اللوح وطلبت من الطالبات أن يحلونها ، ارتفعت الايادي وكانت المعلمة تختار واحدة تلو الاخرى لتحل المسائل فلاحظت أن ميسون لم ترفع يدها أبداً فقالت لها:ميسون ليش مش رافعة يدك ؟ ما تعرفين الحل؟
تفاجأت ميسون من المعلمة واحمر وجهها وقالت: لا... أبلة.... ما اعرف احلها
المعلمة: بس المسألة مرة سهلة وحتعرفي تحليها اطلعي على اللوح وحفهمك كيف تحليها
حاولت ميسون حل المسألة مع المعلمة وشيئا فشيئا استطاعت أن تحلها فشعرت ميسون بالسعادة والثقة بالنفس
المعلمة: ممتازة شفتي كيف انها سهلة ؟ شكلك حتطلعي معلمة رياضيات
ابتسمت ميسون وقالت: ان شا الله ابلة
المعلمة: ميسون اذا ما فهمتي اي شي لا تستحي تقوليلي انا هنا اشرح علشانكم مو علشاني
ميسون: حاضر ابلة
جلست ميسون في مقعدها وكلها آذان صاغية للدرس
انتهت حصة الرياضيت وكان بعدها حصة اللغة العربية ، دخلت المعلمة الى الصف وأخذت تشرح للطالبات درسا في الاعراب وبعد أن انهت الشرح كتبت جملاً على اللوح ووضعت تحت بعض الكلمات خطا وطلبت من الطالبات أن يعربن ما تحته خط .
كان هناك حماس ومشاركة جيدة من الطالبات ولكن المعلمة لم تختار واحدة منهن بل اختارت ميسون وقالت: ميسون اعربي الكلمة الأولى
احمر وجه ميسون وقالت: فاعل مرفوع ...
المعلمة: لو ركزتي في الجملة شوي حتعرفي انها مو فاعل فكري مرة ثانية .
ميسون: مفعول به مرفوع
المعلمة: اجابتك صحيحة بس يبغالها تعديل مفعول به اييييييش؟
ميسون: مممفعول به منننصوب وعلا مة نصصصبه الفتحة
المعلمة: ممتازة مفعول به منصوب ليش مستحية تقوليها احسنت
جلست ميسون في مقعدها وهي مسرورة من نفسها لانها اجابت صح.
بعد ان انتهى الدوام عادت ميسون الى المنزل واستقبلتها زوجة ابيها بكل استهزاء: هلا والله بالطالبة الذكية أنا ما دري ليش تغلبي نفسك وتروحي عالمدرسة كل يوم ؟ روحي بدلي ملابسك بسرعه واشتغلي في البيت وخذي بالك من اخوانك الصغار انا طالعه مشوار ودي أرجع الاقي البيت نظيف سامعه؟
ميسون: ان شا الله
كانت ميسون تذهب الى المدرسة كل يوم وبدأ مستواها الدراسي يتحسن قليلا لكن لاحظت المعلمات ان هناك شيئا غريبا في ميسون فهي خجولة جدا ومشاركتها قليلة في الصف رغم انها احيانا تعرف الاجابة ولكن عدم ثقتها بنفسها تمنعها من المشاركة فشعرن ان لديها مشكلة ما فأخبرن مرشدة المدرسة عن حالتها وقررت المرشدة أن تستدعيها وتجلس معها على انفراد.
طرقت ميسون باب غرفة المرشدة بخجل.
المرشدة: تفضلي ميسون حياك
سألت المرشدة عن حالها وعن صحتها ودراستها وهيأت لها جوا مريحا ثم دخلت في صلب الموضوع وقالت: ميسون معلماتك خبروني انه مستواك ابتدا يتحسن وهذا الشي يسعدني مرة ، ولانه معلماتك يبغون مصلحتك يقولون انه عندك خجل واضح في الصف ومشاركتك قليلة ابغى اسمع منك هل فيه عندك مشكلة معينة مع احد المعلمات او الطالبات في شي زاعجك؟
ميسون: لا ابلة ابدا
المرشدة: طيب ليش ما تتفاعلين مع الطالبات وتشاركين في الصف ؟
ميسون: ما دري ابلة
المرشدة: انتي تدري بس انتي مستحية تقولين مشكلتك ، طيب ابغى أسألك عن حياتك في البيت خبريني عنك اكثر
حدثتها ميسون عن حالتها وعن امها التي توفت منذ ان كانت صغيرة وكيف اتت زوجة ابيها وسيطرت عليها وجعلتها خادمة لها ولأولادها وكيف انها مهملة لا يوجد من يهتم بها ويقيت المرشدة تسمعها بانصات تام فتعاطفت معها كثيرا وأشعرتها بالاهتمام والحنان وقررت المرشدة ان تستدعي والدها الى المدرسة لتتناقش معه بخصوص ابنته المسكينه وبالفعل حضر والدها في اليوم التالي وأخبروه عن وضع ميسون مع زوجته وطلبوا منه ان يهتم بها اكثر لتصبح شخصية سوية في المستقبل .
احترم الاب كلام المرشدة والمديرة ووعدهم أنه سيهتم بابنته من اليوم فصاعدا ولن يسمح لأي كان ان يتحكم بها
تغيرت حياة ميسون للأفضل وتحسن مستواها الدراسي وكان التغيير واضحاً جدا ونجحت في الصف العاشر وأكملت تعليمها في الجامعه وتخرجت وتفوقت .

هذه هي المدرسة الحقيقة التي تصنع أجيال المستقبل وهذه هي التربية والتعليم بكل معنى الكلمة .
لا يوجد هناك أغبياء بل نحن من نجعلهم أغبياء
الى هنا أكون قد انتهيت من الحلقة الثالثة من سلسلة حوار طرشان أتمنى أن تنال اعجابكم وتصل رسالتي عبرها.
أراكم في الحلقة القادمة مع قصة جديدة وأبطال جدد ترقبوني

تعليق