بدءاً, يقول ماركس: "يجب دائماً أن نكشف الفضيحة عندما نكتشفها حتى لا تلتهمنا!". خطأٌ فادحٌ, الاستفاضة في تناولِ أعراض داء المجتمع بكافة أنواع هذا التناول من مجالس الشورى حتى مجالس البيوت..خطأٌ كبير, أنْ نجعل من مترتّباتٍ حتميّة لمشكلتنا الحقيقية, نجعل منها عدد كبيرٌ من المشكلاتِ الرئيسة القائمة بذاتها, فنبتدع بذلك مُحبطات تجعل من انطلاقنا للانتقال من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدماً وتطوراً, أمراً أشبه بالمستحيل!.
أتساءل كغيري من المتسائلين, لماذا نحن أكثر من يجيد إغفال المشكلة الأصل من بين شعوب الأرض كافة؟ , ولماذا يندر بيننا من يصرّح عن هذا الإغفال الذي من شأنه تعطيل كل شيء باعتباره القاعدة الأساس المفترض بها أن تكون صلبة قادرة على حمل بناء ما أردناه في يومٍ إلا شاهقاً كأبنية نشاهدها دائما وتبهرنا كل مرّة؟.
هذه الآن, لتدارك ما يمكن إدراكه, يجبُ علينا جميعاً, جميعاً بشكل مطلقٍ بلا استثناء أو إسقاط, بمعنى يجب على كل إنسان ينتمي لهذا الوطن أيا كان, يجب علينا أن نؤمن بأهمية العلم والمعرفة لبناء الإنسان الفاعل في بناء مجتمعٍ لا يقبل لوطنه الوقوف من مصافّ الدول غير المقدّمة, لا يرضَ لوطنه من مكان يشغله إلا الطليعة. إن الاهتمام بقضية العلم والمعرفة ودورها الرئيس في بناء الفرد من هذا المجتمع, وأخذها بعين الاعتبار, بل وتناولها المستمرّ بشتى الخطابات السياسية منها والثقافية والدينية والاجتماعية, هو الخطوة الأولى اللازمة للبدء في مشوارنا الطويل..
وعلى سبيل المثال, نحن نقرأ كثيراً ونسمع أكثر عن مشكلة البطالة, ولمن يهوى التأمّل مثلي يجدُ وفي وقت لن يطول, أن البطالة في حقيقتها ليست مشكلة قدر ما هي عرَض ضمن أعراض المشكلة الأساس وهي الجهل, تأمّل بسيط, يُظهر بوضوح تام, أن البطالة هذه المعضلة التي يستحيل في نظر الكثير حلّها, إذا لم تكن نتيجة لعدم المؤهل الدراسيّ, فهي لعدم التخصص المناسب لاحتياج سوق العمل. وهذا الخلل الهائل لم يكن لولا الجهل بأهمية اختيار التخصص الأنسب حسب حاجات سوق العمل, لم يكن لو لم يندلق خريجي الثانوية العامة على الجامعات لدراسة أي تخصص متاح, مشكلة البطالة لم تحدث لو لم كان ثمة ما يكفي من المعرفة والوعي لدى الخريج الذي لم يزل حتى اللحظة تائه منذ استلامه شهادته الثانوية حتى يصبح عدداً يزيد من نسبة البطالة في المجتمع.
أذكرُ يوم تخرجي من الثانوية العامة, كان صوت المرشد الطلابي ذلك الحين يدوّي في رأسي, وهو يقول بلا جدوى دخول الجامعة, ويسرد حججه التي كانت غاية في القوة والمنطق, بأن إكمال التعليم لم يعد مجدياً, لم يذهب عن خُلدي حينها وصفه للوظائف العسكرية حتى أسال لعابي وبقية الرفاق.. لم نكن ندرك لجهلنا, أننا مشروع ضخم لرفع نسبة البطالة التي كانت في ازدياد مخيف. هذه هي مشكلة البطالة التي أقظت مضاجعنا, إنها لم تكن لولا ضعف الوعي الشديد بالدرجة الأولى! وعليها يكون قياس بقية المشكلات الناتجة من ذات المشكلة الأساس التي تأتت منها مشكلة البطالة..إذاً, للبحث في أسباب أي مشكلة يعانيها المجتمع, فتّش عن الجهل أولاً..قبل كل شيء!.
إن المعرفة, والتي لا يشترط لنيلها دراسة أكاديمية أو دورات تعليمية, التي لا يشترط لاكتسابها شهادة مصدّقة من أحد, االمعرفة التي تُكتسب ذاتياً من مصادرها التي لا تحصى, كالمكتبات العامة, ومكتبات الجامعات, والانترنت والتلفاز والصحف اليومية والأندية الأدبية والصالونات الثقافية وغيرها من المصادر, إنها بحقّ حرب الإنسان المقدّسة!, فلا مجال أبداً للانسحاب منها, أو التنازل عنها بالهزيمة. يقول تعالى : "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا", إذا ما فهمنا هذه الآية فهماً إيجابيّاً كما يجب, فهي دعوة لخوض حرب مقدّسة طبيعتها السعي بدأب ونهم للحصول على المزيد من المعرفة!.. أما لو كان الفهم عكس ذلك, كما فعل بعض السلبيين من الناس, كانت عائقاً لمن أراد من العلم المزيد, إذ كان الفهم الخاطئ جدا والسلبيّ قد صوّر في أذهانهم البليدة هذا الإخبار الإلهي بأن الاكتفاء من العلم أمر لا بد منه, ومن ثمّ إنعدام جدوى كل رغبة في الاستزادة الأبدية بالعلم المعرفة..وهذه بالطبع جريمة فكرية بحق ديننا القويم, ديننا الذي لا يمكن أبداً تعارضه مع العلم للإنسان. وعليه, لابد أن نستذكر دوماً, أن الله حين اصطفى الإنسان لجعله خليفة في الأرض, ومنحه هذا التفضيل الإلهي العظيم على الملائكة وسائر الخلق, لم يكن ذلك التفضي بفارقٍ جسديّ ولا تعبّديّ حتى, بل كان بالعلم ولا غير العلم..فحين أخبر ملائكته بهذا الجعل الإلهي الجزيل, استنكروه لتقييمهم المسبق لآدم بأنه كائن مفسد لا يستحق هذه المنزلة الجليلة (خلافة الله في الأرض), أكثر منهم. ليأتيهم الله بالسبب المعلل لاستخلافه الإنسان, "وعلم آدم الأسماء كلها", ليعرف ما كانوا يجهلون, إذ "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا"!. أيضا ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام عن فضل المؤمن العالم على المؤمن الجاهل, وأن الملائكة تستغفر لطالب العلم, وغيرها كثير من الآيات والأحاديث تدل على أن العلم طريق وحيد لتبوّئ المنازل المشرفة, لكن التفضيل الأول للإنسان من الله سبحانه وتعالى هنا, يكفي في اعتقادي عن ذكر بقية الآيات الدالة على أهميّة العلم للإنسان.
وأخيراً, كم أتمنّى ألا يطول هجر الناس للمكتبات والكتاب, وكم أتمنى لو يُدرك الناس ما سوف يمنحهم العلم من قيمة لن تكتسب بأي وسيلة غيره.
كم أتمنى ذلك..
3-7-2006
أتساءل كغيري من المتسائلين, لماذا نحن أكثر من يجيد إغفال المشكلة الأصل من بين شعوب الأرض كافة؟ , ولماذا يندر بيننا من يصرّح عن هذا الإغفال الذي من شأنه تعطيل كل شيء باعتباره القاعدة الأساس المفترض بها أن تكون صلبة قادرة على حمل بناء ما أردناه في يومٍ إلا شاهقاً كأبنية نشاهدها دائما وتبهرنا كل مرّة؟.
هذه الآن, لتدارك ما يمكن إدراكه, يجبُ علينا جميعاً, جميعاً بشكل مطلقٍ بلا استثناء أو إسقاط, بمعنى يجب على كل إنسان ينتمي لهذا الوطن أيا كان, يجب علينا أن نؤمن بأهمية العلم والمعرفة لبناء الإنسان الفاعل في بناء مجتمعٍ لا يقبل لوطنه الوقوف من مصافّ الدول غير المقدّمة, لا يرضَ لوطنه من مكان يشغله إلا الطليعة. إن الاهتمام بقضية العلم والمعرفة ودورها الرئيس في بناء الفرد من هذا المجتمع, وأخذها بعين الاعتبار, بل وتناولها المستمرّ بشتى الخطابات السياسية منها والثقافية والدينية والاجتماعية, هو الخطوة الأولى اللازمة للبدء في مشوارنا الطويل..
وعلى سبيل المثال, نحن نقرأ كثيراً ونسمع أكثر عن مشكلة البطالة, ولمن يهوى التأمّل مثلي يجدُ وفي وقت لن يطول, أن البطالة في حقيقتها ليست مشكلة قدر ما هي عرَض ضمن أعراض المشكلة الأساس وهي الجهل, تأمّل بسيط, يُظهر بوضوح تام, أن البطالة هذه المعضلة التي يستحيل في نظر الكثير حلّها, إذا لم تكن نتيجة لعدم المؤهل الدراسيّ, فهي لعدم التخصص المناسب لاحتياج سوق العمل. وهذا الخلل الهائل لم يكن لولا الجهل بأهمية اختيار التخصص الأنسب حسب حاجات سوق العمل, لم يكن لو لم يندلق خريجي الثانوية العامة على الجامعات لدراسة أي تخصص متاح, مشكلة البطالة لم تحدث لو لم كان ثمة ما يكفي من المعرفة والوعي لدى الخريج الذي لم يزل حتى اللحظة تائه منذ استلامه شهادته الثانوية حتى يصبح عدداً يزيد من نسبة البطالة في المجتمع.
أذكرُ يوم تخرجي من الثانوية العامة, كان صوت المرشد الطلابي ذلك الحين يدوّي في رأسي, وهو يقول بلا جدوى دخول الجامعة, ويسرد حججه التي كانت غاية في القوة والمنطق, بأن إكمال التعليم لم يعد مجدياً, لم يذهب عن خُلدي حينها وصفه للوظائف العسكرية حتى أسال لعابي وبقية الرفاق.. لم نكن ندرك لجهلنا, أننا مشروع ضخم لرفع نسبة البطالة التي كانت في ازدياد مخيف. هذه هي مشكلة البطالة التي أقظت مضاجعنا, إنها لم تكن لولا ضعف الوعي الشديد بالدرجة الأولى! وعليها يكون قياس بقية المشكلات الناتجة من ذات المشكلة الأساس التي تأتت منها مشكلة البطالة..إذاً, للبحث في أسباب أي مشكلة يعانيها المجتمع, فتّش عن الجهل أولاً..قبل كل شيء!.
إن المعرفة, والتي لا يشترط لنيلها دراسة أكاديمية أو دورات تعليمية, التي لا يشترط لاكتسابها شهادة مصدّقة من أحد, االمعرفة التي تُكتسب ذاتياً من مصادرها التي لا تحصى, كالمكتبات العامة, ومكتبات الجامعات, والانترنت والتلفاز والصحف اليومية والأندية الأدبية والصالونات الثقافية وغيرها من المصادر, إنها بحقّ حرب الإنسان المقدّسة!, فلا مجال أبداً للانسحاب منها, أو التنازل عنها بالهزيمة. يقول تعالى : "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا", إذا ما فهمنا هذه الآية فهماً إيجابيّاً كما يجب, فهي دعوة لخوض حرب مقدّسة طبيعتها السعي بدأب ونهم للحصول على المزيد من المعرفة!.. أما لو كان الفهم عكس ذلك, كما فعل بعض السلبيين من الناس, كانت عائقاً لمن أراد من العلم المزيد, إذ كان الفهم الخاطئ جدا والسلبيّ قد صوّر في أذهانهم البليدة هذا الإخبار الإلهي بأن الاكتفاء من العلم أمر لا بد منه, ومن ثمّ إنعدام جدوى كل رغبة في الاستزادة الأبدية بالعلم المعرفة..وهذه بالطبع جريمة فكرية بحق ديننا القويم, ديننا الذي لا يمكن أبداً تعارضه مع العلم للإنسان. وعليه, لابد أن نستذكر دوماً, أن الله حين اصطفى الإنسان لجعله خليفة في الأرض, ومنحه هذا التفضيل الإلهي العظيم على الملائكة وسائر الخلق, لم يكن ذلك التفضي بفارقٍ جسديّ ولا تعبّديّ حتى, بل كان بالعلم ولا غير العلم..فحين أخبر ملائكته بهذا الجعل الإلهي الجزيل, استنكروه لتقييمهم المسبق لآدم بأنه كائن مفسد لا يستحق هذه المنزلة الجليلة (خلافة الله في الأرض), أكثر منهم. ليأتيهم الله بالسبب المعلل لاستخلافه الإنسان, "وعلم آدم الأسماء كلها", ليعرف ما كانوا يجهلون, إذ "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا"!. أيضا ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام عن فضل المؤمن العالم على المؤمن الجاهل, وأن الملائكة تستغفر لطالب العلم, وغيرها كثير من الآيات والأحاديث تدل على أن العلم طريق وحيد لتبوّئ المنازل المشرفة, لكن التفضيل الأول للإنسان من الله سبحانه وتعالى هنا, يكفي في اعتقادي عن ذكر بقية الآيات الدالة على أهميّة العلم للإنسان.
وأخيراً, كم أتمنّى ألا يطول هجر الناس للمكتبات والكتاب, وكم أتمنى لو يُدرك الناس ما سوف يمنحهم العلم من قيمة لن تكتسب بأي وسيلة غيره.
كم أتمنى ذلك..
3-7-2006