ذكرت فيما سبق إجمال حدود الحرم ، والتي تشملها الأحكام السابقة ، وحدود الحرم ذكرها غير واحد ، كالأزرقي في أخبار مكة ، وكذا الشيخ ابن منيع في مجموع فتاواه . وحدود الحرم :
1- التنعيم : في طريق المدينة الغربي ، وهو أدنى الحل . ويبعد عن الكعبة مسافة ثلاثة أميال . وهو الذي أحرمت منه عائشة رضي الله عنها لعمرتها في حجة الوداع .
2- الحديبية : في طريق جدة . وهو أبعد الحل .
3- أضاءة لبن : في طريق اليمن .
4- ذات السليم : في طريق عرفات والطائف واليمن من جهة جبل كرا . وقد قدمت بأن عرفات ليست من الحرم . ومنى داخل حدوده .
5- المقطع أو الصفاح : في طريق نجد والعراق .
6- المستوفرة : في طريق الجعرانة .
وقد قامت لجنة بالتعرف على أبعاده ووضع علامات له ، كان فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع ضمن تلك اللجنة .
والحرم -بحمد الله- معروف الآن بحدود وعلامات واضحة ، فجزا الله ولاة الأمر في بلاد الحرمين وعلماءنا خير الجزاء ، وهداهم إلى الحق وثبتهم عليه .
بقي من مباحث هذا الموضوع ما يتعلق بماء زمزم ، والكلام على ماء زمزم يتضمن أموراً :
أولاً- ماء زمزم تكرمة من الله تعالى لأمنا هاجر وابنها أبينا إسماعيل عليهما السلام ، وقد قدمت حديث ابن عباس في الصحيح ، وفيه جاء ذكر سبب تسميتها بزمزم . ثم كانت منقبة لجد النبي صلى الله عليه وسلم شيبة الحمد المعروف بعبد المطلب ؛ إذ جددها في قصة معروفة ذكرها أهل السير والتاريخ .
ثانياً- ماء زمزم أشرف مياه الدنيا وأفضلها .
وقد قدم أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ومكث أربعين ليس له طعام إلا ماء زمزم ، يقول رضي الله عنه : (فسمنت حتى تكسرت عكن بطني)! ، و في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ((إنها طعام طعم)) أخرجه مسلم . وجاء عند الطيالسي والبزار وغيرهما زيادة : ((وشفاء سقم)) وقد صححها المنذري والهيثمي رحمها الله .
والاستشفاء بماء زمزم ثابت في النقل -بما قدمت- وفي الواقع المشاهد . يقول ابن القيم رحمه الله : وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة ، واستشفيت به من عدة أمراض ، فبرأت بإذن الله .. أ.هـ
قلت : وقد سمعت الطبيب الفاضل د. خالد الجبير استشاري جراحة القلب يذكر قصة عايشها بنفسه عن فتاة كان معها فشل كلوي-نسأل الله السلامة- وقد قرر لها إجراء زراعة كلية من أمها ، وأن أباها أخذها إلى مكة ولم يجعل لها أكلاً ولا شرباً إلا ماء زمزم ، وكان نتاج ذلك أن مَنَّ الله عليها بالشفاء التام !! ، فسبحان الله العظيم !!
ذكر د. خالد هذه القصة في شريط له بعنوان (أسباب منسية) .
ومما ينبغي أن ينتبه له في هذا المقام بأن الشفاء بيد الله تعالى ، وأن الاستشفاء بماء زمزم وغيره إنما هي أسباب ، والأمر بيد الله تعالى ، فلا بد من بذل السبب مع التوكل على الله تعالى واللجوء إليه ؛ إذ بيده تعالى الشفاء وحده لا شريك له .
وينتبه أيضاً إلى أنه ينبغي الإيمان التام بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم وأنها طعام طعم وشفاء سقم ، وعليه فعندما يستعمله الواحد منا يوقن في نفسه بالشفاء بإذن الله تعالى ، ولا يأخذ هذا من باب التجربة ، كما يقول بعضهم : (إذا ما نفع ما ضر) ،، لا ، بل فيه المنفعة بإذن الله تعالى .
ثالثاً- ماء زمزم لما شرب له ، جاء هذا في حديث أخرجه ابن ماجه وضعفه غير واحد بعبد الله بن المؤمل ، والصواب أن الحديث حسن محتج به . وقد ذُكر أن ابن المبارك عندما حج أتى زمزم ثم قال : اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((ماء زمزم لما شرب له)) ، وإني أشربه لظمأ يوم القيامة .
قلت : ابن أبي الموال هو عبد الرحمن ، وأبو الموال اسمه زيد ، قال عنه الحافظ : صدوق ربما أخطأ .
والحديث قد رواه ابن المؤمل -كما قدمت- وتابعه عليه ابن أبي الموال عن ابن المنكدر عن جابر .
وتابع ابن المنكدر عليه عن جابر أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أحد الثقات ، رواه عنه إبراهيم بن طهمان وهو ثقة وإن كانت عنده تفردات، وأخرج رواية أبي الزبير هذه البيهقي في سننه . ولذا يرتقي الحديث بمتابعاته .
والحديث قد صححه الحاكم والمنذري والدمياطي ، وحسنه ابن القيم وابن حجر .
ومن هنا فيستحب عند الشرب من ماء زمزم الدعاء بخيري الدنيا والآخرة .
رابعاً- يسن لمن أتم طواف الإفاضة في الحج أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه-أي يشرب شرباً كثيراً- ؛ كما فعل صلى الله عليه وسلم .
خامساً- هل يجوز نقل ماء زمزم ؟
جاء في حديث عائشة عند الترمذي وحسنه أنها رضي الله عنها كانت تحمل من ماء زمزم ، وتخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمله . وجاء عند البخاري في التاريخ الكبير-وهو كتاب في التراجم وليس هو بالجامع الصحيح- عن عائشة رضي الله عنها أنها حملت ماء زمزم في القوارير ، وقال : حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوى والقرب ، فكان يصب على المرضى ويسقيهم .
وعليه فيجوز نقل ماء زمزم من مكة .
سادساً- ماء زمزم ماء مبارك ، وقد اختلف العلماء رحمهم الله : هل يجوز رفع الحدث-وضوء أو غسل- ، وإزالة الخبث والاستنجاء بماء زمزم ؟
المسألة فيها أقوال ما بين التحريم والكراهة والحل ، وبين التفريق بين رفع الحدث وإزالة الخبث . والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يكره استعممال ماء زمزم لرفع الحدث أو إزالة الخبث .
ولعل الأحوط تركه إن وجد غيره ؛ لشرفه . والله تعالى أعلم .
هذا ما تيسر لي جمعه في هذه التأملات ، وأسأل الله تعالى أن يمن علي وعليكم بالقبول ، وأن يحفظ حرمه ومن ورائه بلاد المسلمين آمناً مطمئناً سخاء رخاء ، إنه سميع قريب مجيب ، والحمد لله رب العالمين ...
بقلم الأخ الفاضل همام
جزاه الله عنا كل خير
1- التنعيم : في طريق المدينة الغربي ، وهو أدنى الحل . ويبعد عن الكعبة مسافة ثلاثة أميال . وهو الذي أحرمت منه عائشة رضي الله عنها لعمرتها في حجة الوداع .
2- الحديبية : في طريق جدة . وهو أبعد الحل .
3- أضاءة لبن : في طريق اليمن .
4- ذات السليم : في طريق عرفات والطائف واليمن من جهة جبل كرا . وقد قدمت بأن عرفات ليست من الحرم . ومنى داخل حدوده .
5- المقطع أو الصفاح : في طريق نجد والعراق .
6- المستوفرة : في طريق الجعرانة .
وقد قامت لجنة بالتعرف على أبعاده ووضع علامات له ، كان فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع ضمن تلك اللجنة .
والحرم -بحمد الله- معروف الآن بحدود وعلامات واضحة ، فجزا الله ولاة الأمر في بلاد الحرمين وعلماءنا خير الجزاء ، وهداهم إلى الحق وثبتهم عليه .
بقي من مباحث هذا الموضوع ما يتعلق بماء زمزم ، والكلام على ماء زمزم يتضمن أموراً :
أولاً- ماء زمزم تكرمة من الله تعالى لأمنا هاجر وابنها أبينا إسماعيل عليهما السلام ، وقد قدمت حديث ابن عباس في الصحيح ، وفيه جاء ذكر سبب تسميتها بزمزم . ثم كانت منقبة لجد النبي صلى الله عليه وسلم شيبة الحمد المعروف بعبد المطلب ؛ إذ جددها في قصة معروفة ذكرها أهل السير والتاريخ .
ثانياً- ماء زمزم أشرف مياه الدنيا وأفضلها .
وقد قدم أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ومكث أربعين ليس له طعام إلا ماء زمزم ، يقول رضي الله عنه : (فسمنت حتى تكسرت عكن بطني)! ، و في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ((إنها طعام طعم)) أخرجه مسلم . وجاء عند الطيالسي والبزار وغيرهما زيادة : ((وشفاء سقم)) وقد صححها المنذري والهيثمي رحمها الله .
والاستشفاء بماء زمزم ثابت في النقل -بما قدمت- وفي الواقع المشاهد . يقول ابن القيم رحمه الله : وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة ، واستشفيت به من عدة أمراض ، فبرأت بإذن الله .. أ.هـ
قلت : وقد سمعت الطبيب الفاضل د. خالد الجبير استشاري جراحة القلب يذكر قصة عايشها بنفسه عن فتاة كان معها فشل كلوي-نسأل الله السلامة- وقد قرر لها إجراء زراعة كلية من أمها ، وأن أباها أخذها إلى مكة ولم يجعل لها أكلاً ولا شرباً إلا ماء زمزم ، وكان نتاج ذلك أن مَنَّ الله عليها بالشفاء التام !! ، فسبحان الله العظيم !!
ذكر د. خالد هذه القصة في شريط له بعنوان (أسباب منسية) .
ومما ينبغي أن ينتبه له في هذا المقام بأن الشفاء بيد الله تعالى ، وأن الاستشفاء بماء زمزم وغيره إنما هي أسباب ، والأمر بيد الله تعالى ، فلا بد من بذل السبب مع التوكل على الله تعالى واللجوء إليه ؛ إذ بيده تعالى الشفاء وحده لا شريك له .
وينتبه أيضاً إلى أنه ينبغي الإيمان التام بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم وأنها طعام طعم وشفاء سقم ، وعليه فعندما يستعمله الواحد منا يوقن في نفسه بالشفاء بإذن الله تعالى ، ولا يأخذ هذا من باب التجربة ، كما يقول بعضهم : (إذا ما نفع ما ضر) ،، لا ، بل فيه المنفعة بإذن الله تعالى .
ثالثاً- ماء زمزم لما شرب له ، جاء هذا في حديث أخرجه ابن ماجه وضعفه غير واحد بعبد الله بن المؤمل ، والصواب أن الحديث حسن محتج به . وقد ذُكر أن ابن المبارك عندما حج أتى زمزم ثم قال : اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((ماء زمزم لما شرب له)) ، وإني أشربه لظمأ يوم القيامة .
قلت : ابن أبي الموال هو عبد الرحمن ، وأبو الموال اسمه زيد ، قال عنه الحافظ : صدوق ربما أخطأ .
والحديث قد رواه ابن المؤمل -كما قدمت- وتابعه عليه ابن أبي الموال عن ابن المنكدر عن جابر .
وتابع ابن المنكدر عليه عن جابر أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أحد الثقات ، رواه عنه إبراهيم بن طهمان وهو ثقة وإن كانت عنده تفردات، وأخرج رواية أبي الزبير هذه البيهقي في سننه . ولذا يرتقي الحديث بمتابعاته .
والحديث قد صححه الحاكم والمنذري والدمياطي ، وحسنه ابن القيم وابن حجر .
ومن هنا فيستحب عند الشرب من ماء زمزم الدعاء بخيري الدنيا والآخرة .
رابعاً- يسن لمن أتم طواف الإفاضة في الحج أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه-أي يشرب شرباً كثيراً- ؛ كما فعل صلى الله عليه وسلم .
خامساً- هل يجوز نقل ماء زمزم ؟
جاء في حديث عائشة عند الترمذي وحسنه أنها رضي الله عنها كانت تحمل من ماء زمزم ، وتخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمله . وجاء عند البخاري في التاريخ الكبير-وهو كتاب في التراجم وليس هو بالجامع الصحيح- عن عائشة رضي الله عنها أنها حملت ماء زمزم في القوارير ، وقال : حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوى والقرب ، فكان يصب على المرضى ويسقيهم .
وعليه فيجوز نقل ماء زمزم من مكة .
سادساً- ماء زمزم ماء مبارك ، وقد اختلف العلماء رحمهم الله : هل يجوز رفع الحدث-وضوء أو غسل- ، وإزالة الخبث والاستنجاء بماء زمزم ؟
المسألة فيها أقوال ما بين التحريم والكراهة والحل ، وبين التفريق بين رفع الحدث وإزالة الخبث . والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يكره استعممال ماء زمزم لرفع الحدث أو إزالة الخبث .
ولعل الأحوط تركه إن وجد غيره ؛ لشرفه . والله تعالى أعلم .
هذا ما تيسر لي جمعه في هذه التأملات ، وأسأل الله تعالى أن يمن علي وعليكم بالقبول ، وأن يحفظ حرمه ومن ورائه بلاد المسلمين آمناً مطمئناً سخاء رخاء ، إنه سميع قريب مجيب ، والحمد لله رب العالمين ...
بقلم الأخ الفاضل همام
جزاه الله عنا كل خير
تعليق