انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض مغذي RSS

ام البنين1977

.•´♥ أســـــــطـورة النـصــــــــــر .•´♥

قيِّم هذا السجل

بسطّت ذراعي وركضت...تخيلت بأني أحلّق في السماء، أركض في بياراتنا على أرض جنين الحبيبة، في فصل الربيع البديع، صرت ألف حول زهور شقائق النعمان، فتحسدني على نعمة الطفولة، أركض وأضرب الأرض بقدمي ضربات تهز الورد، فقبّلني الندى، وحياني نوّار اللوز ببسمة عذبة على ثغره، تأملت الشجرة التي تحتويه، وقد عاشت شجرة اللوز طوال فصل الشتاء متجرّدة من الثياب، وحينما ارتدت، اختارت أجمل الثياب، الثوب الأبيض "رمز النقاء" .


عدت من أحلام اليقظة إلى الأرض، ولمحت شجرة الليمون الحبيبة، التي تقف قُرب دارنا، أنزلت ذراعي وتأملتها، ثابتة في الأرض شامخة نحو السماء، قررت تسلّقها، أمسكت ساقها بإحكام، واحتضنتها، ثم رفعت قدمي الصغيرتين، وثبتهما حول ساق الشجرة، ورفعت جسدي الغض الصغير، لأتسلق شجرتي الحبيبة، حتى وصلت إلى غصن عالٍ ومتين، استلقيت على بطني فوق الغصن، بسطت ذراعي مرة أخرى...فتحوّلت الذراعين إلى جناحين ذهبيين، وصرت حمامة ذهبية تحلّق في السماء.


حلّقت فوق أشجار الليمون واللوز والزيتون، تأملت حدائقها وشممت عبير زهر الليمون فيها، حلقت فوق حقول القمح الخضراء، تلمع عندما تعكس ضوء الشمس، فتتلألأ مثل تلألأ البحر ليلة البدر، يحرّكها النسيم، فتميل مثل الراكعين، وكأنها تسبح بحمد الله العظيم، ثم حلقت أعلى فوق سماء جنين وقد سماها القدماء"عين جنيم" ومعناها عين الجنائن.


حلقت عاليا، فداعبني رذاذ المطر المختبئ بين الغيوم، ولمست بجناحيّ أكوام السحاب، كانت تشبه جبالا شامخة من القطن البيضاء، تحلّق فوق سهول جنين، وقرى جنين، وحدائق جنين، وإذا بنفسي تردد: سبحان الخالق، الذي صنع العطر فأبدع، وسبحان من خلق الجنائن فأتقن، وصنع السحاب فجعلنا نحلّق ونفكّر ونبدع.



وتمايلت بذراعي وتذكرت تاريخ بلدتنا العظيم في معركة عين جالوت، وصاحبها العظيم قطز، التي كانت أول معركة تحطّم أسطورة المغول، ونادت بكلمة أسطورة النصر،"وا إسلاماه"، ولمحت الشهيد عز الدين القسام يجتمع مع شباب صانور وجبع وصير، وتخيلت الشباب المجاهد يلف حول عز الدين القسام، ينتظرون أوامره، أو يصلّون خلفه، ولمحت حينما تعطّرت جنين بدمه الزكية، وروحة الطاهرة حينما استشهد فيها.
بل حلّقت بعيدا فوق جامع جنين الكبير، أهم معالم جنين، ودير اللاتين، ورأيت الناس مشغولة تتسوق في سوق السيباط عند مدخل المدينة القديمة.


وأردت أن أحلق إلى بلدان أخرى في عالمنا العربي، لأكتشف وأرى إخوتي في وطننا العربي، ولكني اصطدمت بحائط الحدود الوهمي...
فاستيقظت فزعة..
فجنين محتلة..
فلسطين..
ثم..



وإذا صوت انفجار مدوي أفزعني، وطار صوابي، فاستيقظت من أحلام اليقظة.... نحن في فصل الشتاء لا الربيع، والبرد قارص، والغيوم لم تكن بيضاء، بل يكسوها السواد، فسقط جسدي ولكني أمسكت بالغصن العالي وتعلّقت به ثم صرخت: النجدة، أبي أنجدني.


حاولت التمسّك بشكل أقوى لكن ذراعي لم تحملاني، الخوف تملكني فصوت الانفجارات يتابع، ويهز الأرض، أما يداي الصغيرتان بدأتا ترتجفان، أغمضت عيني، وقررت السقوط، مهما كانت النتيجة، وسقطت ولكن بين ذراعي أبي، ففرحت وحمدت الله عز وجل، بدأت أمسح وجهي على صدره، أحسست بأني أغسل وجهي في نبع حنان متدفق، ثم صرت أنصت إلى دقات قلبي أبي، مستمتعة بلحظات الأمان رغم قسوة الزمان، ثم التفت إلى أبي، فلم أفهم ملامحه، لأول مرة يحملني دون أن يداعب طفلته ذات الأربع سنوات، أوصلني إلى المنزل، رأيت أمي والخوف قد تسلل إلى قلبها، ولكنها أظهرت الصمود، قبلني أبي قبله وداع، ونظر إلى أمي نظرة مودع فقالت أمي وقد سحّ الدمع من مقلتيها: احذر يا حبيبي.


فأجاب: إن مت مت شهيدا يا وردة وإن عشت عشت عزيزا.
ثم نظر إلي، نظر إلى طفلته وتأمل كأنه يستعرض فيلم الذكريات، حينما كُنت فرحته الأولى، وحينما قلت أول كلمة "بابا"، وحينما مشيت أول خطوة ......
قلت وقد تعلّقت بذراعه: بابا ...لا تتركنا..
مسح دمعة نزلت من مقلتي وقال: أحبك يا فاطمة، ولكنها فلسطين، إنه المسجد الأقصى، إنها الأمة بأسرها..
ثم أردف بكلمات قوية هزت كياني: إنها المعركة الفاصلة يا ابنتي..
ودعته بدموع حزينة..


ومضى..




لم أعدّ ليالي "الحرب الفاصلة"، ولم تكن فلسطين وحدها تنتفض، كانت الأمة كلها، كان شباب الأمة بأسرها، وقفوا وقفة واحدة ونادوا، "آن الأوان أيها المسجد الأقصى لتتحرر" آن الأوان لنصلي في المسجد الأقصى فاتحين"، "آن الأوان أيتها الأمة حتى تستيقظي"
حرب شاملة، بين المسلمين والصهاينة، قد اتخذت الأمة قرارها، آن الأوان لنحسم الصراع، وليرجع الحق لنا.


هرب اليهود من فلسطين، وتحطمت أسطورة الصهيونية، انتصر اسم فلسطين، وظهر على الخرائط، ومات اسم إسرائيل ومحي من كل الخريطة، تحرر المسجد الأقصى فدخله المسلمون فاتحون، يكبرون وتكبّر الأرض معهم، ينادون وتنادي الأرض معهم، الله أكبر ...الله أكبر...
بل صار اسم الخريطة "خريطة الأمة الإسلامية"
وارتفعت رايات النصر، فوق أرجاء الأمة، حتى الطفل الرضيع ينادي: لا إله إلا الله..
ما عادت الدنيا دويلات، بل صارت دولة واحدة، ويحمل أبنائها همّ واحد، لنعمر الأرض بالخير، وتحيا الأمة بظل الإيمان، ومات الظلم، وماتت معها الأخلاق الدنيئة، وعاش الإخلاص وحب الله والوطن..
وكانت أرض الأمة كلها....
هي كل الوطن....


أما أبي ...
وفي آخر يوم من الحرب الفاصلة، جاء أبي محمّلا على الأكتاف، مروا بالقرب من شجرة الليمون، فأحسست بأنها تبكي، ثم دخل المنزل...مددوه على الأرض، كانت النساء يبكين حوله.
كان مكوث أبي في المنزل، نصف ساعة فقط، فيها تعلمت مصطلحات من مدرسة الحياة، موت وحياة، زغاريد، بكاء، صمود، صبر، جهاد، فراق، وداع، شبح المستقبل، أحسست بأن طفولتي ماتت وحلّت مكانها الشيخوخة.
وضعت رأسي على صدر أبي، لأغسل وجهي في نبع الحنان، فإذا بزلزال الخوف قد اعتصرني، وأنصت لعلي أسمع دقات قلب أبي، فلم تدق..فتسائلت: هل انتهت لحظات الأمان، ولم تعد إلا قسوة الزمان؟
لكن مصطلحا رن في خيالي..نزع الخوف من قلبي..ولم أعد أشعر بقسوة الزمان..
إنه مصطلح أسطورة النصر الذي تحقق، وكانت دماء أبي من حقق هذه الأسطورة..


()()()()()()()()()
-هيا يا أولاد أسرعوا لنذهب إلى المسجد الأقصى، قبل أن تفوتنا صلاة العيد..

قالتها فاطمة وهي تخرج من دارها بعد أكثر من عشرين سنه، من المعركة الفاصلة، ثم لمحت شجرة الليمون، وبدأت تتذكر أجنحة الطفولة....وأبيها ...
أما الأطفال فخرجوا يتسابقون ويتضاحكون نحو العربة، وهم يلبسون ثياب العيد، التفت شهاب زوج فاطمة، نحو أطفاله وقال: والآن سنعلمكم سير الرحلة، اليوم في المسجد الأقصى، وغدا بحر حيفا، ثم سوف نمضي إلى بيروت، وثم إلى جبال رم ثم إلى دمشق، ثم إلى مصر.
فرح وقد تنهدت سعيدة: يااااه رحلة سياحية طويلة.
شهاب بحماس: هيا لنبدأ المسير وننطلق إلى المسجد الأقصى
عامر: هل سأرى صديقي المغربي عبد الله، والسوداني عمر، والمصري كريم، والألباني حسن هناك؟
شهاب ضاحكا: هل أنت ذاهب إلى المسجد الأقصى لتصلّي أم لتلعب أيها المشاكس الصغير؟
عامر: لا ...إنما لأصلي، ولكني أحببتهم لما رأيتهم العيد الماضي، يصلون هناك، هل يقدرون على المجيء مرة أخرى.
فاطمة: طبعاً، بإذن الله.
ثم أردفت: احمدوا الله يا أبنائي، أننا سنزور المسجد الأقصى، فحينما كنت بعمركم كانت فلسطين الحبيبة محتلة.
عامر: الحمد لله على تحريرك يا فلسطين.
شهاب: لقد تحررت وتحققت الوحدة، ثم تحررت البلاد العربية الأخرى من شيء اسمه الحدود.
فرح: وكيف يا أبي كان شكل هذه الحدود؟
شهاب: خط مقيت يا أبنائي يمنعنا المرور والعبور إلا بشيء اسمه جواز سفر، كان يمنعنا من المضي إلى إخواننا، عاش أكثر من مئة سنه، ثم قمنا بتحطيمه كما حطم الألمان حائط برلين.
فرح: كيف؟
فاطمة: كانت البداية بأن حطمت الشعوب هذا الحائط في قلوبهم أولاً...ثم أمسكوا المعاول وحطموه بأيديهم.
()()()()()()()

لقد عادت دقات الأمان في هذا الزمان...

ما أجمل" النشيد السماوي" صوت التكبير! ينبعث من المسجد الأقصى قويا مجلجلا، مثل هدير شلالٍ إيماني يصل صوته إلى أرجاء الدنيا.....
وكأن جدران المسجد الأقصى يهتز فرحا وهو يسمع صوت التكبير، يرقب المصلين المكبرين المهللين، ولكن الصوت أعلى وأعذب، مع النصر ...


الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر كبيرا
والحمد لله كثيرًا
وسبحان الله بكرة وأصيلا
لا إله إلا الله وحده ... صدق وعده .. ونصر عبده .. وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده
لا إله إلا الله .. ولا نعبد إلا إياه .. مخلصين له الدين ولو كره الكافرون

اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد
وعلى أزواج سيدنا محمد
وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا ..

تمت
التوقيع
وعود الخير ولونلي
أم البنين 1977
وفي الفقرات الأخيرة كلمات مقتبسة من كتاب حديث النفس لعلي الطنطاوي رحمه الله



Submit ".•´♥ أســـــــطـورة النـصــــــــــر .•´♥" to Google Submit ".•´♥ أســـــــطـورة النـصــــــــــر .•´♥" to facebook Submit ".•´♥ أســـــــطـورة النـصــــــــــر .•´♥" to twitter

العبارات الاستدلالية: بدون تعديل العلامات الاستدلالية
Categories
غير مصنف

التعليقات

لكِ | مطبخ لكِ