
للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند كل مسلم مهما اختلفت موطنه أو لغته , وارتبطت بعقيدتنا الثابتة التي لا تدع مجالا للشك من العهد النبوي إلى أن تقوم الساعة.
فهو قبلة الأنبياء جميعاً قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة.
قال تعالى : " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون" البقرة 144
وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أنه أسرى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماماً بالأنبياء ومنه عرج رسول الله إلى السماء , وفي السماء العليا فرضت عليه الصلاة.
وذكر القرآن الكريم واصفاً ليلة الإسراء والمعراج:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} الإسراء 1
ووصف الله سبحانه وتعالى المسجد الأقصى بـعبارة "الذي باركنا حوله" دليل على بركة المسجد ومكانته عند الله وعند المسلمين.
فالأقصى هو منبع البركة التي عمت كل المنطقة حوله.
والمسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد , مسجد الحرام ، مسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " . رواه البخاري ومسلم
وقد بات معروفاً بين الباحثين والمختصين في العمارة الإسلامية أن مبنى المسجد الأقصى المبارك الحالي هو المسجد الأقصى الثاني، باعتبار أن المسجد الأقصى الأول (القديم) هو ذاك الذي بناه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (13-23 هجرية/ 634-644 ميلادية) بعد الفتح الإسلامي لبيت المقدس سنة 15هجرية/ 636 ميلادية حيث كان يقوم في الجهة الجنوبية الشرقية للحرم الشريف ، والذي امتاز بناؤه بالبساطة المتناهية ، ويبدو أن هذا المسجد لم يصمد طويلاً أمام تقلبات العوامل الطبيعية المؤثرة وذلك لبدائية إنشائيته، حتى قام الأمويون بتأسيس وبناء المسجد الأقصى الحالي .

كان فتح بيت المقدس من أهم أهداف الدولة الإسلامية , وجاء في المرحلة الثالثة من مراحل فتحها بلاد الشام , فقد أكمل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم , وأرسل الجيش بقيادة أسامة بن زيد وزوده بالنصيحة الخالدة
"لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله , وسوف تمرون بأقوام فرّغوا أنفسهم في الصوامع , فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له " .
ثم استنفر أبو بكر العرب ، وجهّز أربعة جيوش لفتح بلاد الشام , خصص واحداً منها لفلسطين بقيادة عمرو بن العاص .
ونجح عمرو بن العاص في فتح معظم أرض فلسطين , غزة وسبسطية ونابلس ، ثم اللد ويُبنى وعمواس وبيت جبرين و يافا و رفح ، ثم حاصر القدس . وحين تولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد وفاة الصديق عام 13 هـ , أوعز إلى أبي عبيدة بن الجراح , بعد أن فتح قنسرين في شمال سورية ، أن يزحف إلى القدس ، وسيّر إلى الشام سبع فرق , بخمسة وثلاثين ألفاً من الجند , وسبعة قواد هم :
خالد بن الوليد و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة و المرقال بن هاشم و قيس بن المرادي و عروة بن مهلهل بن يزيد الخليل .

بعثأبو عبيدة بن الجراح الرسل إلى أهل إيلياء برسالة الفاتح المسلم المتضمنة الدعوة إلى الإسلام وأخوَّته
" فإن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم ، وكنتم لنا أخوانا ً"
أو الإقرار بأداء الجزية ، أو القتال .
وقد وقع القتال من قبل جيش الروم المرابط في المدينة , ونشبت معركة دامية حتى اليوم العاشر
وفي اليوم الحادي عشر أشرقت راية أبي عبيدة ، وفي رفقته عبد الرحمن بن أبي بكر ، ونفر من الأبطال المجاهدين , فاستقبله المسلمون بالتهليل والتكبير , فدب الرعب في قلوب الروم .
ودام الحصار أربعة شهور , فرأوا التسليم وخرجوا إلى أبي عبيدة مستأمنين , يتقدمهم البطريرك صفرنيوس , حاملاً على صدره الصليب ، وعلى جانبيه القسس والرهبان , كل منهم يحمل إنجيلاً ، فطلبوا الصلح .
فتلقاهم أبو عبيدة بالترحيب , واشترطوا أن لا يسلموا المدينة إلا لشخص الخليفة فوافقهم , فسارت هدنة استمرت إلى أن جاء عمر بن الخطاب بعد مشاورته الصحابة ، وأخذ برأي علي بن أبي طالب بالسفر ، ونزوله بالجابية من قرى حوران بالجولان , واستقباله فيها وفداً من أهل إيلياء , على رأسهم "العوام" ، وتوجهه من ثم إلى بيت المقدس ليتسلمها – صلحاً - .
وسار عمر رضي الله عنه بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب، وسار العباس بن عبد المطلب على مقدمته، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء - كخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان - فترجل أبو عبيدة، وترجل عمر.
ودخل عمر بن الخطاب المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله ليلة الإسراء.
ويقال: إنه لبى حين دخل بيت المقدس، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى بسورة ص، وسجد فيها والمسلمون معه .
وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، فأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه، فقال: ضاهيت اليهودية، ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائة، ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود.

العهدة العمرية
العهدة العمرية : هي كتاباً كتبه الخليفة عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (القدس) عندما فتحها المسلمون عام 638 للميلاد، أمنهم فيه على كنائسهم وممتلكاتهم.
وقد اعتبرت العهدة العمرية واحدة من أهم الوثائق في تاريخ القدس وفلسطين وأقدم الوثائق في تنظيم العلاقة بين الأديان
نص العهدة العمرية كما ذكره الطبري في تاريخه
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين، أهلَ إيليا (القدس) من الأمان :
أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملته؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حيِّزها ، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يضارّ أحد منهم ، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيليا أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن .
وعليهم أن يُخرِجوا منها الرومَ واللصوصَ .
فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم .
ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية .
ومن أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعَهم ( أي كنائسهم ) وصُلُبَهم ( أي صلبانهم )، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعِهم وصُلُبهم حتى يبلغوا مأمنهم .
ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان ، فمن شاء منهم قعد وعليه مثلُ ما على أهل إيليا من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رحل إلى أهله ، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم .
وعلى ما في هذا الكتاب عهدُ الله ، وذمّةُ رسوله ، وذمّةُ الخلفاء ، وذمّةُ المؤمنين ، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية
شهد على ذلك :
خالد بن الوليد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان , وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة .

وبعد أن تم لعمر بن الخطاب فتح بيت المقدس ، أول عمل قام به هو زيارة كنيسة القيامة وفي أثناء الزيارة حان وقت الصلاة ، فأشار عليه البطريرك صفرونيوس أن يصلي في داخلها : " قائلا مكانك صل "
لكن عمر أبى وخرج من الكنيسة وصلى في مكان قريب منها لجهة الجنوب ، وبعد أن أتم صلاته قال للبطريرك :
" آذن لي أيها الشيخ،أنني لو أقمت الصلاة في كنيسة القيامة لوضع المسلمون عليها الأيدي من بعدي في حجة إقامة الصلاة فيها ، وإني لأبى أن أمهد السبيل لحرمانكم منها وأنتم لها أحق وأولى"
ثم طلب من البطريرك أن يريه مكان الهيكل ، فوجد المكان مهجورا إلا من بعض الآثار البالية لمبان قديمة يرجع عهدها إلى أزمنة بعيدة ، ولم يكن هناك أي أنواع من أنواع البناء وإنما كان المكان مغطى بالأقذار لأنهم كانوا قد اتخذوا موضعا لجمع قمامات المدينة ، فأخذ عمر يعمل على رفعها من مكانها ويلقيها في الأودية ثم اقتدى به قادة المسلمين ورؤساء الجند حتى طهروا المكان ، ثم خط بها محرابا من جهة الشرق وهو موضع مسجده فتقدم وصلى هو وصحبه.

وبعد أن تم لعمر بن الخطاب فتح بيت المقدس ، أول عمل قام به هو زيارة كنيسة القيامة وفي أثناء الزيارة حان وقت الصلاة ، فأشار عليه البطريرك صفرونيوس أن يصلي في داخلها : " قائلا مكانك صل "
لكن عمر أبى وخرج من الكنيسة وصلى في مكان قريب منها لجهة الجنوب ، وبعد أن أتم صلاته قال للبطريرك :
" آذن لي أيها الشيخ،أنني لو أقمت الصلاة في كنيسة القيامة لوضع المسلمون عليها الأيدي من بعدي في حجة إقامة الصلاة فيها ، وإني لأبى أن أمهد السبيل لحرمانكم منها وأنتم لها أحق وأولى"
ثم طلب من البطريرك أن يريه مكان الهيكل ، فوجد المكان مهجورا إلا من بعض الآثار البالية لمبان قديمة يرجع عهدها إلى أزمنة بعيدة ، ولم يكن هناك أي أنواع من أنواع البناء وإنما كان المكان مغطى بالأقذار لأنهم كانوا قد اتخذوا موضعا لجمع قمامات المدينة ، فأخذ عمر يعمل على رفعها من مكانها ويلقيها في الأودية ثم اقتدى به قادة المسلمين ورؤساء الجند حتى طهروا المكان ، ثم خط بها محرابا من جهة الشرق وهو موضع مسجده فتقدم وصلى هو وصحبه.

وهكذا يتضح لنا من خلال قراءتنا للتاريخ الإسلامي مدى عظمة الدين ليس فقط على عهد النبي ومعاملاته لأهل الكتاب أو غير المسلمين عامة , ولكن يمتد بامتداد الأجيال والأزمنة والأمكنة , لأن الدين قائم إلى أن تزول الدنيا ومن عليها , فيسير من اهتدى بهداه على نهجه القويم محافظا على الأرواح والعبادات لغير المسلمين في صورة جلية تعبر عن عظمة الدين ومن اقتدى به .

تعليق