
السلام عليكن أخواتي
ها أناذي أعود تدريجيا إلى فتح نافذتنا الاجتماعية الحبيبة بعد شوق كبير
ولم يمنعني عنها إلا ظروف شديدة قاسية
بدأت مع هلول شهر رمضان، حيث تعرضت حماتي لأزمة صحية خطيرة
وبشكل مفاجئ أذهل الجميع
تسارعنا إلى حملها إلى المستعجلات ، فسارع الأطباء إلى نقلها إلى غرفة الانعاش
مضت الدقائق ثقيلة بطيئة ، ولحقتها ساعات مميتة
ولم يسمح لها الأطباء بالخروج إلى غرفة خاصة إلا بعد أسبوع ، بدا كأنه الدهر
وكانت المفاجأة أن فقدت حماتي قدرتها على التكلم ، وحتى قدرتها على تحريك جسمها
ما عدا أصابع يديها، ترفع منها السبابة لنفهم متطلباتها

في إزاء هذه الظروف الصعبة القاسية التي تفاجأ بها جميع أفراد العائلة
كانت مفاجأتي مضاعفة ، ففاجأني الأمر
ولتفهموا قصدي ، فنورس كانت تربية معلم جليل هو والدي
رباني على قيم ومبادئ إسلامية راقية
تركز على التسامح والطيبة وخلق الأعذار لكل مسيء ...
فعشت طفولتي ومرحلة دراستي بتفوق
وبهذه المثل تميزت عن قريناتي ونجحت في علاقاتي
حتى تزوجت ، وعشت أربع سنوات مع زوجي بكل حب ومودة وسكينة
ساعدني للوصول إليها شتائل الأخلاق التي غرسها والدي في نفسي
فكنت أسعد زوجة لأسعد رجل
وشاءت الظروف أن قرر أهل زوجي الانتقال للسكن معنا
وهنا تعرضت لمعاملة غير انسانية من حماتي وابنتها
فعوملت كالخادمة رغم أنني سيدة موظفة ، وأهنت بشتى الطرق الكلامية والفعلية
أنجبت مولودي الثاني فلم يفرح بي ولا به أحد ، ولم يجالسني في غرفتي أحد
ونهضت من فراشي بعد اليوم الثالث من عودتي من المستشفى بعد عملية قيصرية لانجاز واجباتي المنزلية
وفي كل يوم أسمع من الكلام وأرى من الإساءات ما غير نفسيتي
وكاد أن يقلب سعادتي مع زوجي الذي يدعوني دوما إلى الصبر وإلى الصمت
وإلى عدم مجاراة أمه وأخته في أسلوبهما...
فصمت وكبت كل آلامي .. لا أشكوها إلا لصديقتي أوأختي
حتى وصلت مرحلة انهيار عصبي دخلت على إثره إلى المستشفى
واكتشفت حينها أن صفاء نورس وطيبتها وروحها الصادقة بدأت تختلط عليها ومعها مشاعر الكره
التي لم يعهدها قلبي ولم يعرفها قاموسي
وبدأت أدافع عن نفسي بالصمت مع كل ما يحصل لي منهن من شر
ومضت السنون الست على هذا الحال
فصرت أفرح يوم تسافر حماتي عند أهلها ، أو حين تخرج من البيت لقضاء حوائجها
وأشعر بالضيق والكآبة والتعب في حضورها
فأضطر للخروج إلى أي مكان بدل القعود في البيت والشعور بهذه الأحاسيس الكريهة
التي بدأت صغيرة جدا ويوما عن يوم وإساءة بعد إساءة بدأت تكبر
كأنها خلية سرطانية تتوسع وتنتشر في كل نفسي
فخفت على سنوات قضاها والدي لتجميل روحي أن تضيع سدى
وأنا أرى نفسي تتلوث بهذا الشعور الكريه :
شعور الكراهية
فأصررت على الدعاء وألححت فيه وعليه دبر كل صلاة أن يطهر الله نفسي ويرجعها إلى سابق عهدها
فيزيل الكراهية والبغضاء المشحونة في البيت
ولأسباب تافهة واللـــه !

لم أقل بعد لماذا مفاجأتي كانت مضاعفة !!
لقد فوجئت أولا مثلي ومثل بقية العائلة بهذا المرض المفاجئ الذي أصاب حماتي
ومن دون سابق إنذار
لكنني فوجئت ثانيا بروحي ومشاعري ونفسي ..!!!
لقد وجدتني أبكي وبحرقة وأنا أرى حماتي في غرفة الإنعاش
وتألمت وصليت ودعوت الله أن يشفيها عاجلا غير آجل
ولازمتها ولم أشأ مفارقتها ، وأحسست بها أمي ـ رحمها الله ـ فلم أشأ أن تموت للمرة الثانية
وكلما عدت إلى البيت لأغير ملابسي أو لأستقبل أولادي العائدين من المدرسة
أجد البيت كئيبا من دونها
وأنا التي كنت دوما أتمنى عدم وجودها فيه !!!
فأبكي وأبكي وأتألم لغيابها ، وأدعو الله أن يعيدها إلي بيتها وليصدر منها ما يصدر ..
وأنيم أولادي وأجري إلى المستشفى لأراها وأكلمها ولو لآخر مرة قبل وفاتها
وجدتني أحبها حقا
واكتشفت أنني لم أكن أكرهها بل كنت أكره تصرفاتها وإساءاتها
أما هي كشخص ، كأم ، كوالدة زوجي، فأنا أحبها
ولا أريدها أن تموت ولا أن تتعذب
فوجدتني في المستشفى أصرخ في وجه حماي وزوجي
وأطالبهما بنقل حماتي إلى العاصمة حيث أفضل الأطباء والمستشفيات
وذاك ما كان
وطيلة يوم سفرهم بها كنت لاأفارق الهاتف ، أتصل باستمرار بزوجي أطمئن على حالة حماتي
وأتخوف من كلمة واحدة وهي "لقد ماتت"
فلا أريدها أن تموت ولا أن يفرغ البيت من وجودها

مضت الأيام ثقيلة كنت أصوم نهارا لأنه رمضان
وأصوم ليلا لفقداني لشهية الطعام، كنت أكتفي بالماء والحليب ،
وما دون ذلك كان كالاسفنج أمضغه وأمضغه ولا أقدر على بلعه..
عادت حماتي من العاصمة كما ذهبت
مازالت لا تقوى على الكلام وجسمها ضعيف لا يقوى على الحركة
لازمتها ، أرعى متطلباتها وبشكل مبالغ فيه
وندمت على سنوات لزمت فيها الصمت ردا على إساءاتها
يـــــاه ! كم ضيعت من الوقت لم أحسن فيه إليها
صحيح لم أكن أؤذيها بشيء
ولكن صمتي واكتفائي بالتحية والسؤال عنها وإجابة طلباتها وأوامرها لم يكن كافيا
كان ينبغي أن أرد إساءاتها بأفعال خيرة لأفوز برضا وحسنات وأجر من الله
لم يفت الأوان بعد ، ها أناذي أرعاها وأفعل كل كبيرة وصغيرة لأجلها
ويوما لمحت دمعة تترقرق في عينيها
حسبتها خائفة من الموت فهدأتها وطمأنتها
وقلت لها بالحرف: لا تخافي شيئا ، ستتعافين وسيمضي الأمر حتى أنك ستحكينه لأحفادك
وسيصبح الأمر مجرد ذكرى "
حركت رأسها نفيا
وذرفت بدل تلك الدمعة دموعا وعبرات
فتيقنت أنها تحس بحالها وقرب أجلها فخفت وبكيت
وارتميت على حضنها أعانقها وأقبلها وأدعو لها بالشفاء
فاختلطت دموعنا وأمسكت بكفها أقبلها وأمسح بها دموعها ودموعي
فلمحت على شفتيها ابتسامة حزينة لم أدر مغزاها فهي لا تتكلم !!!
مضت الأيام هكذا قاسية عليها وعلينا
وبعد مرور شهر بدأت تتكلم بصوت متقطع خافت فزاد أملنا وتفاؤلنا بالشفاء
وما شيء على الله بعسير، خصوصا ونحن في شهر رمضان وحتى الآن في شوال صائمون قائمون ندعو الله ليلا ونهارا
وفعلا هذا الأسبوع بدأنا نساعدها على المشي
وأصبح نطقها سليما
والأجمل والأحلى صارت علاقتنا حميمة صافية ملؤها الحب والود والرحمة
وانقضى عهد الإساءات والازعاجات لا رده الله إلينا

حبيبات قلبي
لم أسرد لكن هذه الوقائع لأطلعكن على أخباري ، ولا لأمتعكن بخصوصياتي
وإنما لتستفدن من تجربتي كما استفدت
إن كنت تشعرين بالكراهية تجاه أي شخص تأكدي إن كنت حقا تكرهينه لشخصه
فلربما يكون حالك من حالي فتكتشفين أنك تحبينه
وإنما تكرهين فقط سلوكاته وتصرفاته
إن كان الأمر هذا أو ذاك ،
والله والله لاشيء يستحق أن يدنس الانسان روحه ونفسه بهذه المشاعر القبيحة
فلندفع بالتي هي أحسن ليصبح أعداؤنا أحباء وأصدقاء
ولنتذكر دوما أن الإسلام دعا ويدعو إلى اقتلاع الكره من نفوسنا
واستبداله بشعور المحبة والأخوة الصادقة
فلنفعل ذلك قبل فوات الأوان
وليكن نهجنا " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "
تعليق