
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخواتي الحبيبات....
اتمنى ان تكونوا جميعا بكل خير
في الشارع الرئيسي المقابل لمنزلنا
حيث اسكن.. و حيث يعتبر الممر الرئيسي في اغلب مشاويرنا
كلما خرجنا انا و زوجي لقضاء حاجة ما
كنا نصادف في احدى زوايا الشارع
بعد فترة من المشي...
رجل مسن يجلس على باب محل يبدو قديما جدا
حتى اني عجزت حتى اللحظة عن ان اعرف ما يمكن ان يباع فيه
كنا كلما مررنا نجد العم العجوز جالسا ..
و قد رسم الدهر عليه من خطوط و الاثار
فيصعب تبين ملامحه النحيلة
الا انه كان دائما ينظر الى المارة و نحن منهم
بكل تأمل و شفافية و طيبة...
لا تعود الى الانسان الا بعد ان يصبح الطفل العجوز
و كان زوجي يبادره السلام دائما
و لا يمكن لكن عزيزاتي ان تتخيلن
مدى السعادة التي كانت ترتسم بوضوح على وجه العم المسكين
رغم ان العم لا يعرف زوجي و لا زوجي يعرفه
حتى انها اصبحت عادة كلما مررنا منه
و تكرر هدا الامر كثيرا الحمدلله...
و كنت اوصي زوجي ان مررنا من هناك و كان غير منتبه
و كنت الفت انتباهه الى ان يسلم على العم و ينظر اليه...
و مضت الايام و في يوم كنا ذاهبين لقضاء مصلحة ما
الا اننا عندما مررنا من ذات المحل و المكان
لم نجد العم العجوز هناك...
بل و وجدنا المحل مغلق و لا اثر له
استغربنا جدا و تساءل زوجي قائلا :اين العم اليوم
الحقيقة ان الافكار السيئة كعادتها بدأت تلاحقنا
و القلق ساورنا بأن يكون قد حدث مكروه لهدا الرجل العجوز
و بعد عدة ايام مررنا من نفس المكان و ايضا لم نجده
و هنا زاد القلق و تصاعد....
و كان العم يخطر ببالنا كل فترة حتى و لو لم نمر بمحله الصغير...
بعد فترة مررنا من نفس المكان و كنا نترقب المنطقة المحيطة بالمحل
و حين اقتربنا من هناك تفاجانا
و سررنا جدا ان وجدنا العم العجوز جالسا
و ينظر الينا كما هي العادة ...
و الله اعلم ان كان يستطيع تمييزنا
بعينيه الغائرتين الغارقتين وسط وجهه...
الصراحة انني سعدت لكونه سالما و لعودته الى وضعه
لم ندرك بالطبع سبب غيابه الفترة الماضية
ربما كان مريضا.. او تعبا.. او به امر ما....
الا انني بعد ذلك اخذت افكر
ترى ما الذي جعلنا نفكر بهذا العم
و نتفقده عند غيابه بل و نقلق عليه
و نحن لا تربطنا به اي علاقة او حتى معرفة...
ما الذي يجعلنا نحمل همه و هو الذي
قد لا يكون اولاده يدرون عنه و عما يفعل و كيف يقضي وقته
و تمضي الايام و العم المسكين جالس في مكانه
نمر عليه فيسلم عليه زوجي
و نشعر بالسعادة تشع من عينيه لقاء هذا السلام العابر
كان ذلك حتى اخر مرة مررنا به من هناك...
مررنا من عند المحل ووجدنا العم
الا انه هذه المرة لم يكن ينظر الينا
بل انه لم يرنا و لم يلاحظ وجودنا اصلا
اتعرفون لماذا.......
لانه كان مشغولا باطعام الحمام العابر
يبلل له الخبز البائت و يفتته بكل رقة و اهتمام
و ينثره للحمام بخفة و حرص...
و كأنهم ابناءه او اطفاله الصغار...
ماشاء الله .........
منظر جميل و معبر...
حينها فقط عرفت لماذا سخر الله لهذا الرجل
من يتذكره و يفتقده في غيابه و يدعو له بالخير
لان العم هو ايضا تفقد الحمام عابر السبيل...
لانه رحم الضعيف رغم ضعفه هو ايضا...
سبحان الله .........
الرحمة متجلية في هذا الموقف بشكل عميق
رحمة الله اولا الاوسع و الاكبر
رحمته تعالى بالحمام ....
و تذكرت قول الرسول عليه الصلاة و السلام :
لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ,
لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خماصاً, و تعود بطانا.
و رحمته عز وجل بضعف العم الطيب
سخر له من يسآل عنه و يفتقده و يدخل السرور على نفسه
قد يكون مثلنا اخرين غيرنا....
و اخيرا رحمة العم بالحيوان
كما اوصانا ديننا الحنيف
يقول صلى الله عليه وسلم:
(بينما رجل يمشي بطريق
اشتد عليه العطش فوجد بئرًا
فيها فشرب ثم خرج
فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش
فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش
مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر
فملأ خُفَّه بالماء ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب
فشَكَرَ اللهُ له فَغَفَر له).
و نرى اليوم القسوة المتجلية في تعاملاتنا اغلبها الا من رحم ربي...
قسوتنا على بعضنا في جرح مشاعر الاخرين...
قسوتنا في الحكم على الاخر دون دليل او اثبات...
قسوتنا في الظلم و اكل حقوق الاخرين...
قسوة الاطفال منا على الحيوانات و جرها من ذيلها او رجلها....
قسوتنا على اولادنا احيانا لاسباب تافهة....
سبحان الله ........
ما رافق اللين شيئا الا زانه
و ما نزع من شيء الا شانه
نحن نبطش و نظلم و نقسو
و ننسى ان هناك من يحاسبنا
و يسلط علينا باعمالنا....
و احيانا نرحم و نرفق و نحنو
و ننسى ايضا اننا بعملنا البسيط هذا
قد ييسر الله تعالى لنا الخير الكثير
او يحفظنا من الشر و المصائب به
او يسخر لنا من يرحمنا وقت ضعفنا...
الا يستحق منا الامر وقفة مع انفسنا
و اعادة جدولة لحساباتنا......
يقول الرسول عليه الصلاة و السلام :
ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء
صدق رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة و اتم التسليم
دمتم في رعاية الله..........
تعليق