PDA

View Full Version : الخوف من الرياء






مودع الحب
25-07-2007, 12:04 AM
الخوف من الريـــاء




إن الإخلاص سر عظيم يقذفه الله في قلوب من اصطفى من عباده؛ ليقودهم به إلى جلائل الأعمال، ويحببهم في أحسن الفعال، يبعث فيهم الهمم العالية، والعزيمة الصادقة، والإرادة القوية، ويربي فيهم روحًا طيبة طاهرة، وضميرًا سليمًا حيًا، فهو الذي يبرئ العمل من العيوب، ويخلصه من المساوي والذنوب، وهو عماد الأعمال، وسر النجاح، فما نهضت أمة من الأمم إلا على أساس الإخلاص، الذي يملك قلوبها، فيوحِّد صفوفها، ويجمع كلمتها، ويكسبها سدادًا في العمل وإحكامًا، ويُورْثها نصرًا على الأمم ونجاحًا.
أما عدم الإخلاص والاتصاف بالرياء فهو سبب لحرمان أصحابه من النجاح العملي في أمور دينهم ودنياهم؛ لأنه مبني على الخداع والمراوغة، ومخالفة ظاهره لباطنه، فهو {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[النور:39].
نعم، إن الله يحاسب عباده يوم القيامة على حسب نياتهم وإخلاصهم في أعمالهم، فهو سبحانه الذي يعلم السر وأخفى، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد في سبيل الله، فأُتِي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحِب على وجهه، حتى أُلِقي في النار. ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِي به، فعرَّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرأت القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلَّمت ليقال هو عالم، وقرأت ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحِب على وجهه، حتى أُلِقي به في النار. ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأُتِي به، فعرَّفه نعمه، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ فقال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أُمِر به، فسُحِب على وجهه، حتى ألقي في النار). إن الموفَّق هو الذي يعمل العمل خالصًا لوجه الله، لا لأجل الخلق ولا لأجل النفس، وإلا دخل عليه شيء من محبة الثناء أو تشوق إلى حظ من حظوظ الدنيا. إنه ينبغي للمؤمن أن يحرص على إخفاء أعماله الصالحة من النوافل؛ لأن الجزاء عند من يعلم السرائر لا إله إلا هو؛ لكن إذا ترجحت مصلحة إظهار العمل على إخفائه لغرض صحيح، كأن يحصل الاقتداء به في الصدقات، أو الزكوات، ويبادر الناس إلى التأسي والاقتداء به، فقد قال الله – عز وجل -: {إن تبدو الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم}[البقرة:271].

وعن أنس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض)) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
قال بعض السلف: لا يزال العبد بخير ما علم ما الذي يفسد عمله عليه، فلا غنى للعبد عن معرفة ما أمرنا باتقائه من الرياء وغيره، لا سيما وقد وصف الرياء بالخفاء، ففي الحديث أنه أخفى من دبيب النمل، فما خفي لا يعرف إلا بشدة التفقُّد ونفاذ البصيرة بمعرفته حين يعرض، فبالخوف والحذر يتفقد العبد الرياء، وبمعرفته ببصيرته حين يعرض له، فيبتعد العبد عن التصنع للمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو معنى من المعاني، سوى التقرب إلى الله، وليتذكر وقوفه بين يدي الله يوم القيامة: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ َمَا لَهُ*مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}[الطارق:9-10].
وليحذر المؤمن أن يتصف بصفة من صفات أهل النفاق، الذين ذكرهم الله – عز وجل – بقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}[النساء:142].
فاتقوا الله وأطيعوه، واسلكوا سبيل عباده الصالحين، الذين يعبدونه على بصيرة، وعلم، وصراط مستقيم، وإخلاص لله في أعمالهم وأقوالهم، واحذروا من الرياء والسمعة فيما تقومون به من صالح الأعمال، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حذَّر من ذلك غاية التحذير، كما جاء في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به). قال الإمام الخطابي –رحمه الله -: أي من عمل عملًا على غير إخلاص إنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جُوزي على ذلك بأن يشهِّره الله ويفضحه، فيبدو عليه ما كان يبطنه ويسره من ذلك، وقد قال بعض المفسرين على قوله تعالى:{وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]: كانوا قد عملوا أعمالًا كانوا يرونها في الدنيا حسنات، بدت لهم يوم القيامة سيئات.

وقال الإمام سفيان الثوري –رحمه الله – على هذه الآية: ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء، هذه آيتهم وقصتهم.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- للمرائي علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أُثْنِي عليه، وينقص إذا ذُم به.
وقال بعض السلف: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب.
إن الرياء أمره عظيم، وخطره جسيم، وإن من مظاهره: أن بعض الناس يتحدث عن أعماله الصالحة عند الآخرين، من صلاة وصدقة وصيام، وربما ذكر كم حجة حجَّها، وكم عمرة اعتمرها، وهو لم يُسأل عن ذلك. وربما ذكر مساعدته للناس بجاهه أو ماله يريد بذلك المنزلة عند الناس، وأنه من المحسنين، وهذا غلط فاحش عظيم، وضرر عليه كبير، فما دام يعمل لله فما الداعي للتحدث بأعماله عند من لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، ولا يملكون موتًا، ولا حياة، ولا نشورًا.




للشيخ: محمد بن عبد الله السبيل
نقلًا من موقع المنبر

حمامة الجنة
25-07-2007, 06:09 AM
وقال بعض السلف: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل..

أثابكِ الرحمن.. وجنّبنا وإياكم الرياء..

منارة الحياة
25-07-2007, 07:05 AM
جزاكي الله كل خير اختي

مودع الحب
25-07-2007, 11:33 AM
سلمتي غاليتي حمامة الجنة على مرورك الكريم رزقنا الله وإياك الإخلاص في العمل

مودع الحب
25-07-2007, 11:34 AM
وإياك أختي منارة الحياة رزقنا الله الاخلاص في العمل