مليح
24-07-2007, 12:55 AM
آداب التوبة
1: الإخلاص فيها:
وذلك بأن تكون التوبة خالصة لوحه الله تعالى ، وليس مخافة العقوبة الدنيوية ، أونحو ذلك . وإنما يكون الباعث عليها الاستجابة لأمره تعالى ، والتماس مرضاته ، ومخافة عقابه ، كما قال تعالى : {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [ النور : 31] ، وقال عز وجل : { ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ...} [ التحريم: 8]. ومن المعلوم أن الإخلاص شرط في قبول كل الأعمال الصالحة، قال تعالى: { قل أني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } [ الزمر: 11 ].
2 : أن تكون التوبة من جميع الذنوب :
وليست من ذنب واحد فقط، بل يجب على المسلم أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب كما سبق، لا أن يتوب من البعض، ويصر على البعض الآخر.
3: أن تكون التوبة في وقت قبولها:
ووقت قبول التوبة على التفصيل التالي :
(1) وقت خاص في عمر كل شخص، وهو ما قبل الغرغرة، وهي بلوغ الروح الحلقوم
(2) وقت عام في عمر الدنيا، وهو ما قبل طلوع الشمس من مغربها. ولكل هذين الوقتين دليله .
أما التوبة قبل الغرغرة فلقوله تعالى : {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } [ النساء 18 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر " [ احمد (2/153) والترمذي (3537) وحسنه ، وابن ماجة (4253) وابن حبان (627) إحسان ، والحاكم (4/257) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي في الشعب ( 7063) جميعهم عن ابن عمر . صحيح الجامع ( 1903) ]. وقال صلى الله عليه وسلم : " من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه " [ احمد (5/362) والحاكم ( 4/257) عن رجل من الصحابة . صحيح الجامع (6132 ). والدليل على قبول التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها قوله صلى الله عليه وسلم : " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " [ مسلم (2703 ) ، وقد دل على ذلك أيضا قوله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا } [ الأنعام : 158 ] وتفسير الآية عند أهل العلم : هو طلوع الشمس من مغربها .
4 : التعجيل بالتوبة :
وهذا مما يتأكد وجوبه على المسلم ، فإن الشيطان قد يزين للإنسان التسويف والمماطلة بالتوبة ، حتى يأتي أجله ، ويموت على غير توبة ، لكن الواجب أن يستعجل المسلم بالتوبة ، فإنه لا يدري منى يفاجئه الأجل ، وقد قال تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما } [ النساء : 17 ] .
5 : الندم على الذنب والمعصية :
وهذا واجب على المسلم ، أن يندم على معصيته ، وعلى ما فرط في جنب الله ، ويندم على إتباعه للهوى ، وطاعته للشيطان ، ومعصيته لربه ، وهذا من شروط صحة التوبة فقد قال صلى الله عليه وسلم : " الندم توبة " [ احمد (1/376) وابن ماجة ( 4252 ) والحاكم (4/243) والبيهقي في الشعب ( 7029) وغيرهم ، عن ابن مسعود . وأخرجه الحاكم ( 4/243 ) وصححه، ووافقه الذهبي، عن انس. صحيح الجامع (6802).
6 : العزم على عدم العودة إلى المعصية :
وهذا من شروط صحة التوبة كذلك ، أن يعزم المرء على عدم العودة إلى المعصية ، وإذا فقد هذا الشرط ، لم تصح التوبة ، لأن صاحبها يكون في هذه الحال مصرا ، على معصيته ، وقد قال تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلى الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } [ آل عمران 135_ 136 ]
7 : الانكسار بين يدي الله تعالى :
فيجب على التائب أن يظهر لله تعالى الانكسار ، والفاقة والافتقار إلى رحمته تعالى ، والانطراح ببابه ، وأن يوقن الإنسان بالهلكة والخسران إذا لم يتب عليه ربه سبحانه وتعالى وكذلك يرى من نفسه العصيان والذنب ، ويرى بقلبه من الله تعالى الإمهال ، والحلم ، فيزداد خشوعا وانكسارا لله .
8 : أن تكون التوبة بالقلب وللسان والجوارح :
فينبغي للتائب من الذنب أن يتوب بقلبه، فيندم على ما فات، ويعزم على عدم العودة إليه. ويتوب بلسانه ، فيستغفر الله ويتوب إليه . ويتوب بجوارحه فلا يعود للمعصية . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الاستغفار والتوبة بلسانه، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا أيها الناس ! توبوا إلى الله ، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة " [ مسلم (2702) عن الأغر المزني ] وفال ابن عمر رضي الله عنهما : إن كنا لنعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول مائة مرة : رب اغفر لي وتب عليّ ، إنك أنت التواب الغفور . [ أحمد (2/21) والترمذي (3434) وصححه ، وأبو داود ( 1516) وابن ماجة (3814) وابن السني في عمل اليوم والليلة ( 370 ) والبغوي في شرح السنة ( 5/71 ) عن ابن عمر . السلسلة الصحيحة ( 556 )]
9 : الإقلاع عن المعصية :
وذلك بتركها بالفعل، وعدم العودة إليها، وهذا الإقلاع لا تصح التوبة بدونه. غير أن المرء إذا تاب واستوفى شروط التوبة، ثم عاد لضعف عزيمته، وغلبة شهوته. فوقع في المعصية ثانية، لم تنتقض توبته الأولى، ولكن يلزمه التوبة من الذنب الجديد. ويدخل في هذا إسلام الكافر ن فإن توبته من الكفر تكون بالدخول في الإسلام كما قال تعالى : { إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما } [ الفرقان : 70 ]
10: رد المظالم إلى أهلها، أو استحلالهم:
فلابد أن يرد للمظلومين حقوقهم، إذا كانت معصيته متعلقة بحقوق الناس، فيرد المال المسروق أو المغصوب لصاحبه، أو يستحله، وكذلك يستحله إذا كان انتهك عرضه، أو اغتابه، أو فضحه، أو غير ذلك. فقد قال صلى الله عليه وسلم : " من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال ، فليتحلله اليوم ، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل صالح ، أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه " [ البخاري ( 2449 ) عن أبي هريرة ] وهذا الشرط لا بد منه لصحة التوبة ، إذا كانت تتعلق بحقوق الناس ومظالمهم ، من دماء وأعراض وأموال . فإن خشي عاقبة ذلك استحله بدون أن يذكر أسمه. وقد أجاز بعض أهل العلم أن يستغفر الإنسان لمن اغتابه، إذا خشي عاقبة استحلاله.
11 : أن يبدل بعد السيئات إحسانا :
وقد قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود: 114 ]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “. . . وأتبع السيئة الحسنة تمحها. . . " [ احمد (5/153) والترمذي (1987 ) وصححه ، والبيهقي في الشعب ( 8026 ) والحاكم ( 1/54 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، عن أبي ذر . وأخرجه أحمد (5/236 ) والترمذي ( 1987 ) والبيهقي في الشعب (8023 ) عن معاذ . صحيح الجامع ( 97 ). فينبغي للتائب أن لا يدع موضعا عصى الله فيه إلا أطاعه فيه، وألا يدع معصية ركبها إلا أتى بعكسها من خصال الخير، وبضدها من أعمال البر. وهكذا.ن كانت معصيته الكذب يبدل مكانها الصدق ، ومن كانت معصيته الزنا يبدل مكانها العفة . وهكذا . قال تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 ) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } [ البقرة : 159 _ 160 ] فجعل سبحانه من كمال توبتهم من ذنبهم – وهو كتمان الحق – أن يأتوا بضده من عمل الخير ، وهو بيان الحق للناس ، وبيان ما أنزل الله . فالآية تدل صراحة على ما ذكر في هذا الأدب.
12: أن يعود بعد التوبة خيرا مما كان إجمالا:
في سلوكه ومعاملاته، وفي شأنه كله، وهذا من علامات التوبة النصوح، وهذا المقصود بها، أن يصبح الإنسان بعدها خيرا مما كان قبلها، فينبغي للتائب أ ن يحرص على ذلك. وأن يصبح بعد التوبة إنسانا جديدا مختلفا عما كان، بحيث تكون التوبة نقطة تحول في حياته.
13 : الاستتار بستر الله ، وعدم فضح النفس :
فإن هذا من أدب الإ سلام ، ألا يفضح العاصي نفسه ، بل يكتم معصيته ، ويستر على نفسه ، ولا يحدث بها أحدا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها ، فمن ألم بشئ منها فليستتر يستر الله ، وليتب إلى الله . . . " [ الحاكم ( 4/244 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي ( 8/330 ) عن ابن عمر ز صحيح الجامع ( 149 ) ] ولا يجوز للعاصي أن يجهر بالمعصية بين الناس فيسمّع بها ، ويتحدث بها بينهم ، لأن هذا يعتبر من إشاعة الفجور والفاحشة في المجتمع ن وقد يكون فيه نوع من التفاخر بالمعصية ن وقد حرم الإسلام المجاهرة بالمعصية ، وجعل ذلك من أسباب الهلاك ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ، ثم يصبح قد ستره ربه فيقول : يا فلان ! قد عملت البارحة كذا وكذا . وقد بات يستره ربه ن ويصبح يكشف ستر الله عنه " [البخاري (6069 ) ومسلم ( 2990 ) عن أبي هريرة ]. فالواجب على المسلم ألا يفضح نفسه بذكر معصيته، والله أعلم.
14 : تجديد التوبة على الدوام :
فإن الإنسان قد يتوب، ثم يعود إلى الذنب ثانية، فيلزمه التوبة مرة أخرى، ولهذا فينبغي تجديد التوبة على الدوام، بالقلب واللسان، وقد سبق ذكر أحاديث تبين مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على ذلك. فمن تأدب بهذه الآداب ، واستوفاها في توبته ، رجونا له أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم : { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ( 70 ) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا } [ الفرقان : 70-71 ].
فهذا ما يسر الله به من آداب التوبة ن وعدتها أربعة عشر أدبا، والحمد لله رب العالمين.
للاستزادة : المستدرك للحاكم ( 4/240 ) وما بعدها ، الآداب للبيهقي (ص443) وما بعدها ، الآداب الشرعية لابن مفلح (1/55 ) وما بعدها ، الخلاق الإسلامية 01/626 ) وما بعدها ، جامع الأصول ( 2/508،171 ) ، الداء والدواء لابن القيم ( ص256 ) ، كتاب التوابين لابن قدامة ، مختصر منهاج القاصدين ( ص321،119 ) ، دليل الفالحين شرح رياض الصالحين ( 1/87 ) وما بعدها ، وغير ذلك.
.....
من موسوعة الآداب الإسلامية / لـ عبد العزيز بن فتحي السيد ندا
منقول
1: الإخلاص فيها:
وذلك بأن تكون التوبة خالصة لوحه الله تعالى ، وليس مخافة العقوبة الدنيوية ، أونحو ذلك . وإنما يكون الباعث عليها الاستجابة لأمره تعالى ، والتماس مرضاته ، ومخافة عقابه ، كما قال تعالى : {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [ النور : 31] ، وقال عز وجل : { ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ...} [ التحريم: 8]. ومن المعلوم أن الإخلاص شرط في قبول كل الأعمال الصالحة، قال تعالى: { قل أني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } [ الزمر: 11 ].
2 : أن تكون التوبة من جميع الذنوب :
وليست من ذنب واحد فقط، بل يجب على المسلم أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب كما سبق، لا أن يتوب من البعض، ويصر على البعض الآخر.
3: أن تكون التوبة في وقت قبولها:
ووقت قبول التوبة على التفصيل التالي :
(1) وقت خاص في عمر كل شخص، وهو ما قبل الغرغرة، وهي بلوغ الروح الحلقوم
(2) وقت عام في عمر الدنيا، وهو ما قبل طلوع الشمس من مغربها. ولكل هذين الوقتين دليله .
أما التوبة قبل الغرغرة فلقوله تعالى : {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } [ النساء 18 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر " [ احمد (2/153) والترمذي (3537) وحسنه ، وابن ماجة (4253) وابن حبان (627) إحسان ، والحاكم (4/257) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي في الشعب ( 7063) جميعهم عن ابن عمر . صحيح الجامع ( 1903) ]. وقال صلى الله عليه وسلم : " من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه " [ احمد (5/362) والحاكم ( 4/257) عن رجل من الصحابة . صحيح الجامع (6132 ). والدليل على قبول التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها قوله صلى الله عليه وسلم : " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " [ مسلم (2703 ) ، وقد دل على ذلك أيضا قوله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا } [ الأنعام : 158 ] وتفسير الآية عند أهل العلم : هو طلوع الشمس من مغربها .
4 : التعجيل بالتوبة :
وهذا مما يتأكد وجوبه على المسلم ، فإن الشيطان قد يزين للإنسان التسويف والمماطلة بالتوبة ، حتى يأتي أجله ، ويموت على غير توبة ، لكن الواجب أن يستعجل المسلم بالتوبة ، فإنه لا يدري منى يفاجئه الأجل ، وقد قال تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما } [ النساء : 17 ] .
5 : الندم على الذنب والمعصية :
وهذا واجب على المسلم ، أن يندم على معصيته ، وعلى ما فرط في جنب الله ، ويندم على إتباعه للهوى ، وطاعته للشيطان ، ومعصيته لربه ، وهذا من شروط صحة التوبة فقد قال صلى الله عليه وسلم : " الندم توبة " [ احمد (1/376) وابن ماجة ( 4252 ) والحاكم (4/243) والبيهقي في الشعب ( 7029) وغيرهم ، عن ابن مسعود . وأخرجه الحاكم ( 4/243 ) وصححه، ووافقه الذهبي، عن انس. صحيح الجامع (6802).
6 : العزم على عدم العودة إلى المعصية :
وهذا من شروط صحة التوبة كذلك ، أن يعزم المرء على عدم العودة إلى المعصية ، وإذا فقد هذا الشرط ، لم تصح التوبة ، لأن صاحبها يكون في هذه الحال مصرا ، على معصيته ، وقد قال تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلى الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } [ آل عمران 135_ 136 ]
7 : الانكسار بين يدي الله تعالى :
فيجب على التائب أن يظهر لله تعالى الانكسار ، والفاقة والافتقار إلى رحمته تعالى ، والانطراح ببابه ، وأن يوقن الإنسان بالهلكة والخسران إذا لم يتب عليه ربه سبحانه وتعالى وكذلك يرى من نفسه العصيان والذنب ، ويرى بقلبه من الله تعالى الإمهال ، والحلم ، فيزداد خشوعا وانكسارا لله .
8 : أن تكون التوبة بالقلب وللسان والجوارح :
فينبغي للتائب من الذنب أن يتوب بقلبه، فيندم على ما فات، ويعزم على عدم العودة إليه. ويتوب بلسانه ، فيستغفر الله ويتوب إليه . ويتوب بجوارحه فلا يعود للمعصية . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الاستغفار والتوبة بلسانه، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا أيها الناس ! توبوا إلى الله ، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة " [ مسلم (2702) عن الأغر المزني ] وفال ابن عمر رضي الله عنهما : إن كنا لنعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول مائة مرة : رب اغفر لي وتب عليّ ، إنك أنت التواب الغفور . [ أحمد (2/21) والترمذي (3434) وصححه ، وأبو داود ( 1516) وابن ماجة (3814) وابن السني في عمل اليوم والليلة ( 370 ) والبغوي في شرح السنة ( 5/71 ) عن ابن عمر . السلسلة الصحيحة ( 556 )]
9 : الإقلاع عن المعصية :
وذلك بتركها بالفعل، وعدم العودة إليها، وهذا الإقلاع لا تصح التوبة بدونه. غير أن المرء إذا تاب واستوفى شروط التوبة، ثم عاد لضعف عزيمته، وغلبة شهوته. فوقع في المعصية ثانية، لم تنتقض توبته الأولى، ولكن يلزمه التوبة من الذنب الجديد. ويدخل في هذا إسلام الكافر ن فإن توبته من الكفر تكون بالدخول في الإسلام كما قال تعالى : { إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما } [ الفرقان : 70 ]
10: رد المظالم إلى أهلها، أو استحلالهم:
فلابد أن يرد للمظلومين حقوقهم، إذا كانت معصيته متعلقة بحقوق الناس، فيرد المال المسروق أو المغصوب لصاحبه، أو يستحله، وكذلك يستحله إذا كان انتهك عرضه، أو اغتابه، أو فضحه، أو غير ذلك. فقد قال صلى الله عليه وسلم : " من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال ، فليتحلله اليوم ، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل صالح ، أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه " [ البخاري ( 2449 ) عن أبي هريرة ] وهذا الشرط لا بد منه لصحة التوبة ، إذا كانت تتعلق بحقوق الناس ومظالمهم ، من دماء وأعراض وأموال . فإن خشي عاقبة ذلك استحله بدون أن يذكر أسمه. وقد أجاز بعض أهل العلم أن يستغفر الإنسان لمن اغتابه، إذا خشي عاقبة استحلاله.
11 : أن يبدل بعد السيئات إحسانا :
وقد قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود: 114 ]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “. . . وأتبع السيئة الحسنة تمحها. . . " [ احمد (5/153) والترمذي (1987 ) وصححه ، والبيهقي في الشعب ( 8026 ) والحاكم ( 1/54 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، عن أبي ذر . وأخرجه أحمد (5/236 ) والترمذي ( 1987 ) والبيهقي في الشعب (8023 ) عن معاذ . صحيح الجامع ( 97 ). فينبغي للتائب أن لا يدع موضعا عصى الله فيه إلا أطاعه فيه، وألا يدع معصية ركبها إلا أتى بعكسها من خصال الخير، وبضدها من أعمال البر. وهكذا.ن كانت معصيته الكذب يبدل مكانها الصدق ، ومن كانت معصيته الزنا يبدل مكانها العفة . وهكذا . قال تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 ) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } [ البقرة : 159 _ 160 ] فجعل سبحانه من كمال توبتهم من ذنبهم – وهو كتمان الحق – أن يأتوا بضده من عمل الخير ، وهو بيان الحق للناس ، وبيان ما أنزل الله . فالآية تدل صراحة على ما ذكر في هذا الأدب.
12: أن يعود بعد التوبة خيرا مما كان إجمالا:
في سلوكه ومعاملاته، وفي شأنه كله، وهذا من علامات التوبة النصوح، وهذا المقصود بها، أن يصبح الإنسان بعدها خيرا مما كان قبلها، فينبغي للتائب أ ن يحرص على ذلك. وأن يصبح بعد التوبة إنسانا جديدا مختلفا عما كان، بحيث تكون التوبة نقطة تحول في حياته.
13 : الاستتار بستر الله ، وعدم فضح النفس :
فإن هذا من أدب الإ سلام ، ألا يفضح العاصي نفسه ، بل يكتم معصيته ، ويستر على نفسه ، ولا يحدث بها أحدا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها ، فمن ألم بشئ منها فليستتر يستر الله ، وليتب إلى الله . . . " [ الحاكم ( 4/244 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي ( 8/330 ) عن ابن عمر ز صحيح الجامع ( 149 ) ] ولا يجوز للعاصي أن يجهر بالمعصية بين الناس فيسمّع بها ، ويتحدث بها بينهم ، لأن هذا يعتبر من إشاعة الفجور والفاحشة في المجتمع ن وقد يكون فيه نوع من التفاخر بالمعصية ن وقد حرم الإسلام المجاهرة بالمعصية ، وجعل ذلك من أسباب الهلاك ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ، ثم يصبح قد ستره ربه فيقول : يا فلان ! قد عملت البارحة كذا وكذا . وقد بات يستره ربه ن ويصبح يكشف ستر الله عنه " [البخاري (6069 ) ومسلم ( 2990 ) عن أبي هريرة ]. فالواجب على المسلم ألا يفضح نفسه بذكر معصيته، والله أعلم.
14 : تجديد التوبة على الدوام :
فإن الإنسان قد يتوب، ثم يعود إلى الذنب ثانية، فيلزمه التوبة مرة أخرى، ولهذا فينبغي تجديد التوبة على الدوام، بالقلب واللسان، وقد سبق ذكر أحاديث تبين مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على ذلك. فمن تأدب بهذه الآداب ، واستوفاها في توبته ، رجونا له أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم : { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ( 70 ) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا } [ الفرقان : 70-71 ].
فهذا ما يسر الله به من آداب التوبة ن وعدتها أربعة عشر أدبا، والحمد لله رب العالمين.
للاستزادة : المستدرك للحاكم ( 4/240 ) وما بعدها ، الآداب للبيهقي (ص443) وما بعدها ، الآداب الشرعية لابن مفلح (1/55 ) وما بعدها ، الخلاق الإسلامية 01/626 ) وما بعدها ، جامع الأصول ( 2/508،171 ) ، الداء والدواء لابن القيم ( ص256 ) ، كتاب التوابين لابن قدامة ، مختصر منهاج القاصدين ( ص321،119 ) ، دليل الفالحين شرح رياض الصالحين ( 1/87 ) وما بعدها ، وغير ذلك.
.....
من موسوعة الآداب الإسلامية / لـ عبد العزيز بن فتحي السيد ندا
منقول