وقفات من حياة الشخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( 1 )

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الفودري
    كبار الشخصيات
    • Oct 2000
    • 874

    وقفات من حياة الشخ ابن عثيمين - رحمه الله - ( 1 )

    كتبها الشيخ احسان العتيبي

    =====

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    وبعد

    فبينما كنت أعدِّل كتاباً لي وأنظر فيه من جديد ، إذ اضطررتُ لتغيير دعائي كلما مرَّ ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز من " حفظه الله " إلى رحمه الله " !
    وما أن انتهيتُ وأصبح الكتاب جاهزاً حتى فوجئنا بوفاة الإمام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، ففعلت الأمر نفسه في كتابي سالف الذكر .
    وبينما كنتُ أعدِّل في الكتاب وقعت عيني أول أمس – أثناء التعديل – على اسم الشيخ ابن عثيمين وكان الدعاء بعد اسمه هو هو – أي : " حفظه الله " - فقلتُ في نفسي : ترى هل سيخرج الكتاب من غير تعديل الدعاء ؟
    ولم تمر إلا ساعات معدودة حتى جاءنا الخبر المؤلم المحزن بوفاة الإمام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
    وإن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
    ولما كنتُ قد كتبتُ في حياة الشيخين ابن باز والألباني – وقد مات الثلاثة بمرض السرطان - أحببتُ أن أشارك من كتب في حياة أخيهما الثالث الشيخ ابن عثيمين ، فكانت هذه الوقفات .

    اسمه ومولده

    هو الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين ، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، وأستاذ بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ، وإمام وخطيب الجامع الكبير بمدينة عنيزة .
    وهو متزوج من امرأة واحدة ، وله من الأولاد الذكور : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وإبراهيم ، وعبد العزيز ، وعبد الرحيم .
    مولده : ولد في مدينة عنيزة في 27 رمضان عام 1347 هـ .
    وعليه : فيكون الشيخ قد عمِّر ( 74 ) عاماً .

    علمه

    حفظ الشيخ رحمه الله كتاب الله في سن مبكرة ، وقبل أن يتجاوز الخامسة عشر من عمره كان يحفظ – بالإضافة إلى كتاب الله – " زاد المستقنع " و" ألفيَّة ابن مالك " – كما أخبر بذلك هو عن نفسه .
    وقد جدَّ الشيخ ونشط في طلب العلم على قلة ذات اليد في ذلك الزمان ، وقد حدَّث عن نفسه فقال إنه كان لا يملك إلا " الروض المربع " يقرأ فيه ، في غرفة من طين تطل على " زريبة بقر " !

    زهده

    والشيخ عرف عنه زهده في هذه الفانية ، ومن ذلك :
    أ . أنك تجده على لباس واحد لا يتغير طوال الأسبوع ، تبدأ " غترته " بالتناقص من بياضها يوماً فيوم ، حتى ترجع إلى بياضها في يوم الجمعة .
    ب . ولما أهديت له عمارة من الملك خالد بن عبد العزيز جعلها وقفاً على طلبة العلم ، وصار هو القيم عليها .
    ت . ولم يخرج من بيته الطيني إلا من قريب .
    ث . وكانت تعطى له الأعطيات الكبيرة فيعلن على الملأ مباشرة أنها لطلبة العلم .

    تعليمه

    عرف عن الشيخ أسلوبه النادر في التعليم ، فهو يوصل المعلومة بأسهل طريق إلى المتعلمين والسامعين.
    ولا يكاد يغيب ذهن الواحد من الجالسين في درسه حتى يوقفه الشيخ ليجيب على سؤال أو ليعيد آخر كلام قاله .
    وعرف عنه طريقة السؤال والجواب – لا السرد – وهي طريقة نافعة يترقب الطالب فيها كل لحظة أن يتوجه له سؤال .
    وهي طريقة تحيي المجلس وتجعل الطالب دائم التحضير والمتابعة .
    ويعطي الشيخ رحمه الله الدرس حقَّه ومستحقه من الشرح والبيان ولا ينتقل بالطالب إلى موضوع جديد حتى يكون قد فهم ما مضى .
    ويعيد على الطلبة في الدرس التالي – بطريقة السؤال والجواب – ما أُخذ في الدرس الماضي ، وهكذا يتأهب الطالب لدرس اليوم ، ويعيد قراءة ما سلف من الدروس الماضية .
    وللشيخ رحمه الله شروح كثيرة لكتب عديدة – سواء من تأليفه أو من تأليف غيره – ومن فضل الله عليَّ أنني قد سمعت مادة علميَّة منها كثيرة ، وقمت بشرح كل ما سمعته من الشيخ تقريباً .
    ومن هذه الدروس والشروح ما يتكرر أكثر من مرة ، منها :
    أ . " شرح الأصول من علم الأصول " .
    ب . " شرح زاد المستقنع " .
    ت . " شرح أبواب من صحيح البخاري " .
    ث . " شرح أبواب من صحيح مسلم " .
    ج . " شرح ألفية ابن مالك " .
    ح . " شرح الآجرومية " .
    خ . " شرح العقيدة السفارينية " .
    د . " شرح كتاب التوحيد " .
    ذ . " شرح الواسطية " .
    ر . " شرح التدمرية " .
    ز . " شرح الحموية " .
    س . " شرح البيقونية " .
    ش . " شرح نخبة الفِكَر " .
    ص . " شرح الأجزاء الأخيرة من القرآن " .
    ض . " شرح بعض السور ، مثل البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والأحزاب ، وسبأ .. وغيرها بطريقة التفصيل واستنباط الفوائد والأحكام " .
    ط . " شرح بلوغ المرام " .
    وغير ذلك كثير ، يصعب حصرها وتعدادها الآن .

    مواقف مع تلامذته

    وقد كان الشيخ رحمه الله على علمٍ بأحوال تلامذته ، يتفقد غائبهم ، ويحرص على تفهيم حاضرهم ، ويزود محتاجهم لما يريد من المال أو الكتب ، وكان يكلف بعضهم بمراجعة الأحاديث أو تحرير بعض المسائل ، وينظر في ذلك كله ويتابعه ، بل كان يجعل بعضهم يدرِّس بعض المبتدئين .
    ومن صور عظم خلقه ودينه أنه كان يعرض على بعضهم التزوج من بناته ، فكان ذلك وتزوج بعضهم من بناته فرحم الله ذلك الإمام .
    وله مع تلامذته مواقف كثيرة يمكن تتبعها وجمعها في كتاب ، سواء تمَّ جمعها من أشرطته أو من خلال تجميعها من أفواه تلامذته ، وقد اخترت – لهذا المقال موقفين - :
    أ . المعروف عن الشيخ – رحمه الله – الذكاء ، وكان يتابع تلامذته أثناء الدرس حتى لا يشرد ذهن أحدهم فتضيع عليه الفائدة ، وفي مرة رأى بعض تلامذته غير حاضرِ الذهن في الدرس ، ويبدو أنه غير فاهم لما قاله الشيخ فشرد ذهنه ، فأوقفه الشيخ !
    الشيخ : هل أنت فاهم لما قلتُه ؟
    الطالب : إن شاء الله ! يا شيخ .
    الشيخ – ولم تمش عليه هذه العبارة ! - : هل على رأسك " شماغ " ؟!
    الطالب : نعم ! يا شيخ .
    الشيخ : لمَ لمْ تقل : إن شاء الله ؟!! لكن لما كنتُ غير فاهمٍ للدرس قلتَ : " إن شاء الله " ، ولما كنتَ متأكداً من وجود " الشماغ " على رأسك جزمتَ ولم تقل إن شاء الله .
    فعرفَ الطالب أنه لم ينطل قوله على شيخه ولم يمش عليه ، فأعاد الشيخ المسألة حتى تأكد من فهم الطالب لها .

    ب . ورأى الشيخ – رحمه الله – بعض الحضور في درسه ممن لا يشارك معهم ، فعرف الشيخ أن هذا الطالب غير فاهم ، فأوقفه الشيخ !
    الشيخ : هل أنت فاهم لما أقوله ؟
    الطالب : لا يا شيخ !!
    وهنا غضب الشيخ ! : فقال : إذا كنتَ غير فاهم لمَ تأتي وتحضر معنا ؟!
    الطالب : لأحصِّل ثواب قوله تعالى في نهاية المجلس " قوموا مغفوراً لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات " !!!
    فتوقف الشيخ عن لوم الطالب تعظيماً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقوة حجة الطالب !
    قلت : والطالب يشير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " ما جلس قوم يذكرون الله عز وجل إلا ناداهم مناد من السماء :قوموا مغفورا لكم ،قد بدلت سيئاتكم حسنات " .
    رواه أحمد ( 12045 ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه في " السلسلة الصحيحة " ( 2210 ) .
    هذا ، وللشيخ مئات التلاميذ في المملكة – منهم القاضي والدكتور والإمام وطالب العلم والداعية - وآلاف التلاميذ خارج المملكة تتلمذوا على أشرطته وكتبه .

    تنوع طرق تعليمه

    والشيخ رحمه الله بذل جهداً عظيماً متنوعاً في التعليم :
    أ . فهو إمام وخطيب يعلم أهل المسجد .
    ب . وهو مدرِّس في الجامعة يعلِّم الطلبة .
    ت . وهو مدرِّس في مواسم الخير – مثل الحج والعمرة – في المسجد النبوي والمسجد الحرام فيعلِّم الناس كافة من جميع بلدان العالم .
    ث . وهو مدرِّس ومفتٍ في المذياع .
    ج . وهو من " هيئة كبار العلماء " التي تنظر في المسائل المشكلة والنوازل .
    ح . وهو مؤلف لكتب ورسائل ومطويات منتشرة في العالم كله .
    خ . وهو مدرِّس للمسلمين خارج المملكة وذلك عن طريق الهاتف ، وقد حدَّثني بعض الشباب في " أمريكا " أنه للتو قد حضر درساً هناك للشيخ ابن عثيمين ، وقد ربط عن طريق الهاتف مع حوالي مائة مركز إسلامي !!!
    د . بل وحتى داخل المملكة فإنه يفتي للناس عن طريق الهاتف في وقت مخصص ، وقد رأيناه في الحرم كلما انتهى الإمام من جزء من الصلاة رفع هاتفه ليجيب على أسئلة الناس في هذا الوقت !
    ذ . وله محاضرات ودروس ومواعظ في مساجد المملكة كلما ذهب لزيارة أحد مناطقها .
    ر . وله موقع في " الإنترنت " حديث النشأة فيه كتب الشيخ وأشرطته ، ولو اعتني به حق العناية – كما فعل بموقع الشيخ ابن باز – لكان فيه مادة دعوية كبيرة .

    التأليف

    كان الشيخ قد أراد أن يتفرغ للتأليف ، فنصحه بعض إخوانه أن الناس بحاجة إلى التعليم ، وأن الله تعالى قد يهيئ لك من يجمع علمك الذي تعلِّم فيُجمع لك الأمران ! وكان ذلك وأخرجت أشرطته المسموعة إلى كتب مقروءة بعناية وترتيب فائق .
    ولم يكن الشيخ رحمه الله حريصاً على " حفظ حقوق الطبع " ولا متأكلاً بعلمه وكتبه ، ولو أراد وطلب " ريالاً واحداً " على كل كتاب لصار مليونيراً ! فقد طبع للشيخ رحمه الله أكثر من " مليون " كتاب في حياته ، ولكتابه " الشرح الممتع " نصيب الأسد من كتبه تلك فقد طبع منه – كما بلغنا – عشرات الآلاف من النسخ .

    توقيره لأهل العلم

    والشيخ رحمه الله من الموقرين لأهل العلم ، وكيف لا والعلم رحمٌ بين أهله ، ومن ذلك :
    أ . أنه دعيَ لافتتاح " تسجيلات إسلامية " ضخمة ، وبينما هو يتجول في أنحائها إذ يلاحظ أنه قد جعل لكل صاحب أشرطة من المشايخ لوحة كبيرة فيها اسمه ، وبمروره على " زاوية " الشيخ الألباني رحمه الله رأى أن لوحته صغيرة ! فأنكر عليهم الشيخ رحمه الله غاية الإنكار ! وأمرهم بتكبير لوحة الشيخ أو تصغير لوحات المشايخ الآخرين .
    وكان ذلك ، ففي اليوم التالي جاء الناس إلى " التسجيلات " وقد جعلوا لوحة الشيخ مثل أخواتها !
    ب . ومن تواضعه وتوقيره لأهل العلم : تدريسه كتاب " حلية طال العلم " للشيخ بكر أبو زيد وهو معاصر للشيخ وأصغر منه سنّاً ، فضرب الشيخ رحمه الله أروع الأمثلة في التواضع والتوقير لأهل العلم ، وخاصة للمتعاصرين الذين يكون بينهم – عادة – التنافس والعداوة – أحياناً - .
    ت . ولما بشَّره بعض الشباب برؤيا رآها بعض المجاهدين في الشيخ الألباني فرح بها الشيخ رحمه الله وطلب من ناقلها له أن يتصل بالشيخ الألباني من بيته ليبشره بها ، لكن قدَّر الله أن لا يكون الشيخ حينذاك في بيته .
    وقدَّر الله تعالى أن أخبِّر – أنا - الشيخ الألباني بالرؤيا فلما سردتها له بكى الشيخ رحمه الله كثيراً .
    وملخص الرؤيا : أن الرائي قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله إذا أشكل عليَّ شيءٌ في الحديث من أسأل ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : سل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني !!
    ث . والشيخ رحمه الله يذكر شيوخه بمزيد من الاحترام والتبجيل أمثال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ ابن باز ، وأكثر منهما من كان له عظيم الأثر في حياته وهو الشيخ عبد الرحمن السعدي .


    ========

    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما على الأرض رجل يقول لا اله الا الله , والله أكبر , وسبحان الله , والحمد لله , ولا حول ولا قوة الا بالله , الا كفرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر )) رواه الترمذي
يعمل...