تحتفل دول العالم الغربي في الواحد والعشرين من مارس في كل عام بما يسمى "عيد الأم" ، يصاحب هذه الاحتفالية صخب إعلامي في الصحف والفضائيات والإذاعات عن الأمهات ودورهن في المجتمع ... لكن بانتهاء هذا اليوم تنتهي هذه المهرجانات وتعود الأم إلى دائرة النسيان مرة أخرى في انتظار احتفالية العام القادم.
هذا هو أقصى ما تطمح إليه الأم من حقوق في ظل المدنية المعاصرة المزعومة ، وكان من نتاج ذلك أن امتلأت دور العجزة والمسنين بالأمهات اللاتي غاية أمنياتهن هو الموت ، نظرا لحياة الوحدة والعزلة والقهر والحزن والأسى بعد أن تخلى عنهن فلذات أكبادهن .
لكن الأمر في الإسلام يختلف ، فديننا يأمرنا بالبر إلى الأمهات ، والإحسان إليهن طوال السنة، وعدم الاكتفاء بيوم واحد فقط ، فمن حق الأم علينا أن تكون في قلوبنا دائماً.. في كل لحظة.. وكل ساعة.. مع كل ضحكة.. وكل همسة، فهي تستحق هذا ـ وأكثر
فالإسلام جعل حق الأم أوكد من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية ، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثمأحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : قال ابن بطال : مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر ، قال : وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية ، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين } ، فسوَّى بينهما في الوصاية ، وخص الأم بالأمور الثلاثة ، قال القرطبي : المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر ، وتقدَّم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة ، وقال عياض : وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب".
والتاريخ لا يعرف دينا ولا نظاما كرم المرأة باعتبارها أما وأعلى من مكانتها مثل الإسلام، حتى أنه جعل الوصية بالأم تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برها من أصول الفضائل, و بر الأم في الإسلام يعني: إحسان عشرتها وتوقيرها وخفض الجناح لها, وطاعتها في غير المعصية, والتماس رضاها في كل أمر, حتى الجهاد إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها, فإن برها ضرب من الجهاد.
وجعل من برها البر بقرابتها , فأوصى بالأخوال والخالات، أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أذنبت, فهل لي من توبة؟ فقال: "هل لك من أم؟" قال: لا. قال: "فهل لك من خالة؟" قال: نعم. قال: "فبرها""رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي".
و من رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها وأولى بهم من الأب، بل وحتى الأم المشركة فإن الشرع المطهر الحكيم رغَّب بوصلها : فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال : نعم صِلِي أمَّك ." رواه البخاري".
ومن حق الأم الإنفاق عليها إن أعوزت ولم يكن لها زوج ينفق عليها أو كان زوجها معسراً، بل إن النفقة عليها أو إطعامها عند الصالحين أحب إليهم من أن يطعموا أبناءهم.
لذلك ، وبعد هذا التكريم للأم ، فمن غير المقبول دينيا ولا اجتماعيا أن يختصر ويختزل حق الأم في الرعاية والبر في مجرد احتفال سنوي وهدية معتذرة عن إهمال عام مضى تعيشه في وحدتها وآلامها وغربتها بين جيل تنكر لمبادئه و قيمه الجميلة التي طالما حسدنا عليها الآخرون !

منقول من موقع وفاء لحقوق المرأة