حُلوتي, كنت أكتب لك منذ حملتكِ داخل روحي.. كتبتُ لك هواجسي ومخاوفي.. أخبرتك عن كل زيارة طبيبة وعن كل تطور كان يحدث معك منذ اليوم الأول الذي عرفت فيه أنك فتاة.. وكم كنت أتمنى أن يكون أول مولود لي فتاة صغيرة, أسرح لها شعرها و ألبسها أجمل الثياب .. أرتدي أنا وهي نفس الملابس.. أمشط شعرنا نفس التسريحة وأذهب معها مدرستها وأسأل معلماتها عنها.. تبهر من حولها بحفظها القرآن .. وتتمايل على أعذب الأناشيد والألحان وتبعث الحياة في كل مكان تطير إليه…
من أجل ذلك طرت فرحاَ بك وأخذت أتحدث معك كثيرا وكم كنت أرتاح بعدها..كتبت لك حتى آخر يوم قبل ولادتك.. وللأسف كل تلك الأحاديث ذهبت مع الريح,فقد تعطل الهاردسك الذي كتبت فيه كل تلك الأحاديث وقمنا بمحاولات مستميتة لإصلاحه دون نتيجة.. ولعلها إرادة الله لسبب معين لا نعرفه فالحمد لله على كل حال.
حبيبتي تولين .. لقد كبرت الآن كثيييرا.. ولي فترة طويلة لم أكتب لك فيها.. وقد أصبح عمرك الآن 45 يوماَ..
كنتُ قبلها في بيت جدتك حتى تعافيت وها أنا قد عدت لمنزلنا .. وسبحان الله كم تغيرت حياتنا بقدومك.. أصبح لها طعم جديد ونكهة مميزة معك, كم أحبك … هههههه ,أكتب الآن وأنت تصدرين همهمة لذيذة..ما أروعك..
سأسرد لك الآن أهم الأحداث التي حدثت لك وبالطبع سنبدأ بولادتك.
لم أكن أريد الكتابة عن هذا اليوم وعذابه.. فهو أمر كُتب على كل حواء يكرمها الله بنعمة الذرية.. ولكني فكرت .. هو أيضا يومٌ في حياتك وربما يهمك معرفة أحداثه..ولادة تولين
كنت قد انتهيت من الشهر التاسع ودخلت في شهري العاشر.. ونصحتنا الطبيبة أن ننتظر أسبوعا واحدا.. فقد كنت أشعر بآلام الطلق ولكنها ليست قوية للدرجة التي تشجعك على الخروج إلى الحياة.. فإذا لم تحضرني الولادة بعد أسبوع علي أن أدخل المستشفى حتى يحفزونني بإعطائي طلقاً صناعيا.. لم أفهم حينها ماذا يعنون بالطلق الصناعي ولماذا خاف الجميع وبدأ الدعاء من أجلي ليل نهار!! ولكني كنت سعيييدة للغاية فاللحظة التي انتظرتها طيلة 9 شهور وأخيرا قد اقتربت..كم كنت مشتاقة لرؤيتك.. كم كنت ملهوفة لضمك وشمك.. وكم أمضينا ساعات وساعات أنا ووالدك نتخيل فيها شكلك وملامحك.. حركاتك ومشاغباتك.. نتصور كيف سيكون هذا النسيج العجيب الذي تشكل بمزيج من روحي وروحه.. بل كم كنا نتخاصم بسببك من قبل مجيئك..
كنا إذا سافرنا يقول:ودّعي السفريات بمجرد ولادتك, فالسفر بصحبة الأطفال أمر مرفوضٌ تماما ولا نقاش فيه, ودّعي الأكل في المطاعم, سنأخذ أكلنا للبيت ونتناوله.. في الليل حين تبكي وتصيح طفلتنا ويكون لدي موعد عمل فأنت تعرفين مهمتك طبعا.. ستأخذينها للغرفة المجاورة حتى تنام!!
كلها أمور كان يستفزني بها سواء كان يُمازحني أو يتحدث بجدية.. ولكن هيهااااات.. كلها أفكار تغيرت تماما بعد ذلك وسأحكي لك التفاصيل لاحقاً..
كنت في آخر الشهر التاسع قد انتقلت لبيت جدتك حتى يحين موعد الولادة..وحين بدأ الأسبوع الأول في الشهر العاشر ازداد قلق الجميع ولكنهم حاولوا تشجيعي.. كان ذلك الأسبوع أطول أسبوع عشته في حياتي.. أسبوع التفكير والقلق والتوتر الشديد.. دعاء وابتهال طيلة الوقت حتى تكون الولادة طبيعية ولا أحتاج لمساعدة الأطباء.. انقضى الأسبوع بصعوبة بالغة.. كانت نفسيتي متعبة جدا ومزاجي متعكر طيلة الوقت.. كان كل من حولي في قمة الهلع,ويكررون هذا السؤال الذي كرهته:هل تشعرين بأي ألم؟فأرد بالاجابة التي كرهتها أكثر: أشعر بألم عادي أستطيع تحمله..-السؤال المزعج
كانوا يرهقونني بتلك الأسئلة فأزداد قلقاَ فوق قلقي.. وأشعر بأن هناك شيئاَ ليس طبيعيا يحدث معي.. فلماذا لم أشعر بعد بالألم الشديد كباقي النساء؟!!
يوم الجمعة بتاريخ 4-7-2008م هو آخر يوم لي في منزل والدتي.. انفجرتُ ليلتها كالقنبلة الموقوتة وطلبت من الجميع وأنا أصرخ ألا يتحدثوا معي.. أغلقتُ الباب على نفسي وأخذت أصلي وأشهق في البكاء ..-الليلة الأخيرة
في الليل جاء والدك عندي حتى ننام وفي الصباح نذهب مع الوالدة لموعد اليوم المنتظر.. وبمجرد دخوله ارتميتُ في حضنه وأخذت أبكي بكاء مريرا..لم ينطق, ضمني بقوة وأخذ يمسح على كتفي وظهري.. كان والدك هو شمعة أملي في كل تلك الظلمة .. وقف بجانبي وقفة رجل لن أنساها له طيلة حياتي.. حين أفرغتُ ما بصدري وهدأت .. بدأ يحدثني مطولا بصوت هادئ واثق ويذكرني بأمور كدت أنساها من فرط جزعي.. ذكرني بهذه النعمة العظيمة التي حُرم منها الكثير وهي نعمة الإنجاب.. ذكرني بالقضاء والقدر وأنه لن يُصيبني إلا ما كتب الله لي..ذكرني بأمور كثيرة فانتعشتُ بعدها وشعرت بعد حديثه براحة عظيمة,قمت بعدها وتسامحت مع الجميع ..
- النوم في الشارع!في تلك الليلة حدث موقف طريف.. فأنا ووالدك لم نكن ننام جيدا في تلك الفترة..وليلة دخولي للمشفى حاولنا النوم كثيرا ولكن القلق كان يمنعنا.. أخذنا نتحدث حتى آذان الفجر..ذهب والدك للمسجد وكان قد طلب مني أن أنتبه لهاتفي لأنه سيتصل بي فور انتهائه من الصلاة لأفتح له الباب..
ودون أن أشعر غرقت في النوم.. تعب فوق تعب وسهر فوق سهر فلم أشعر بأي شئ حولي.. بعد فترة انتفضت من السرير بقوة وقلبي يرفرف وأنا أبحث عن الجوال لأجد 12 مكالمة فائتة والساعة 7:5 ص!!!
اتصلت عليه وأخذت أصيح:حبيبي سامحني,ياعيوني سامحني, والله ماني عارفة كيف نمت.. العجيب في الموضوع أنه كان هااادئا وقال:يعني نمت الحمدلله.. أنا خلاص رجعت بيتنا..الساعة 8 أجيكي.. - وهذا موعدي مع المستشفى-.. أخذت أبرر له وأشرح أنني من تعبي لم أسمع صوت الجوال وأني أشعر بالخجل من نفسي وأصيح وأكرر ليييش ما دقيت جرس باب أهلي.. وهو يقول: تبيني أصحي الكل من نومه؟!!وفجأة قاطعني في منتصف الحديث وهو يقول:سارة,افتحي الباب!!..فتحت الباب وأنا مذهولة لأجده أمامي..حضنته وبكيت.. اكتشفت ُبعدها أنه كان ينتظر في سيارته!!
أبوك طيب يا تولينا...
الروابط المفضلة