[IMG][/IMG]
أختي الكريمة.. ربما لا تطاوعني الكلمات أن أقدم للإجابة إلا بالدعاء لك بالثبات في المنزلق الخطير الذي تمر به
تربيتك لابنتك التي تهيمين بحبها على قلبك، ويملأ وجدانك الإعجاب بها وبخصالها وطباعها وصفاتها.. أجازك الله يا أختاه أنت وابنتك الجميلة من هذا الخضم إلى بر الأمان بسلام.

أختي الغالية.. إن من ضروريات الحياة أن يتربى الشباب على التعود على مواجهة ظروف الحياة للتدريب العملي على التعامل مع المشكلات والأخطار التي يتعرضون لها، فالتدريب على تحمل المسئولية تجعل الابن يسمو على غرائزه وشهواته ويرتفع إلى العلياء والسمو، وتولد لديه الطموح الراقي الذي من خلاله يلتزم بعقيدته وقيمه ويبني علاقاته على أساس من الأخلاق الرفيعة السامية.
ولنا في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- النبراس لكل شاب وفتاة، فبعدما تآمر عليه إخوته وألقوه في غيابات الجب جراء محبة أبيه له.. يتعرض لفتنة سافرة من امرأة العزيز، لكنه يثبت على وفائه وكرم أخلاقه وعفته، حتى أنه آثر السجن على أن يقع في معصية.. أردت أن أصل للقول بأنه ينبغي أن تكون المسئولية التي يتربى عليها الأبناء شاملة لكل مناحي الحياة، ومن أعظم المسئوليات التي يجب أن يتربى عليها أبناؤنا مسئولياتهم أمام ربهم الذي خلقهم لهدف وغاية سامية، ولكي تنجح الأسرة في تحقيق ما تصبو إليه فلا بد من إيجاد قاسم مشترك بين أفراد هذه الأسرة لتحقيق أحلامهم وأهدافهم، فكما تحكم الدولة بدستور لا بد من وجود ميثاق ودستور للأسرة أيضًا ينظم العلاقات بين أفرادها ويحدد مسئولياتهم، ويضع قواعد لتعاملاتهم خارج نطاق الأسرة.

وربما كنت في حاجة للبدء في خطوة وضع القوانين من خلال دستور العائلة منذ فترة.. في سن الحادية عشرة مثلاً أو قبل ذلك، لكن لا بـأس، فالوقت لم ينفد بعد، وإن كنت لا أخفيك أن الأمر الآن أصعب.. ولكيلا نظل نبكي على اللبن المسكوب أقترح عليك ما يلي:

1- لا بد من تحديد أمور معينة في دستور العائلة تسري على جميع أفرادها بما فيهم الوالدين ليصبح الكل سواء في تطبيق الدستور، وعليكما أنت ووالدها الاجتماع بها وبإخوتها وتحديد موعد لهذا الاجتماع الأسبوعي –وليكن رمضان هو الانطلاقة وليكن الهدف من الخطة فيه العتق من النار مثلاً- بحيث يتم مناقشة أمور وأحوال أفراد الأسرة من خلاله، ووضع أهداف محددة لكل فترة زمنية معينة يتم متابعة تنفيذها كما يتم تحديد الآتي:

- ما هي المهام التي سيكلف بها الجميع؟
- ما هي القيم التي سيحاول كل فرد تحقيقها على حدة بخلاف الأهداف العامة؟
- ما هي الضوابط التي ينبغي ألا يتجاوزها أفراد الأسرة (كقواعد استقبال المكالمات، ولقاءات الأصدقاء، واختيار الأصدقاء، وحدود الاختلاط حتى مع أفراد العائلة...)؟

- كيف سنقضي الأوقات خارج المنزل؟
- ما هي القواعد العامة في التعامل التي لا يجب إغفالها، وعلى رأسها الصدق؟
- ما هي الأهداف العامة للأسرة؟ وما هي أهداف كل فرد؟

2 - في هذه السن 15 عامًا لا يكفي وضع القواعد –وخاصة أنها تظن أنها تضع لنفسها قواعد تظنها كافية فهي كما ذكرت "ترى أنها غير مخطئة ما داموا يتكلمون في أمور عادية ويجلسون في الأماكن العامة"- وبالتالي فإن وضع القواعد فقط لا يكفي، بل يجب أن ينبع الوازع من داخلها للانتهاء عن هذا الأمر.. واستثارة الوازع الديني داخلها هو الحل -في نظري– للمشكلة، فلا بد من توعيتها أن الإنسان قد يميل لأشياء وتستهويه أشياء كثيرة، لكن هذا لا يكفي لتبريرها وجعلها صحيحة.. ولسنا نحن من نضع القواعد، بل إن الله تعالى هو من يوضحها لنا في كتابه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.. فمن أين جاءت بقواعدها؟؟ ومن أي شيء استمدتها؟ وكيف استدلت على صحتها؟

3 - وقد تبادر إلى ذهني سؤال وهو: كيف تعرفت على هؤلاء الشباب؟ هل مدرستها مختلطة؟
إذا كان الأمر كذلك فقد أصبح لزامًا وضع قواعد صارمة تنظم التعامل مع الزملاء مثل عدم تلقي مكالمات منهم، والاستعاضة بمصاحبة الصديقات عن صداقاتهم.. حتى وإن كانت الجلسة معهم تحقق لها الترفيه والاستمتاع، فهو أمر غير جائز ولا يبرره حبها له..

أما إذا كانت تعرفت عليهم من خلال صديقاتها فيمكنك دعوة صديقاتها ومداومة الحديث معهن ومع أمهاتهن وتبادل الحديث معهن باستمرار بما يشعرهن بصداقتك لتوجيههن بشكل غير مباشر أو مباشر إن استلزم الأمر ذلك.

4 - أرى أن تحاولي إيجاد شخصية قريبة من سن ابنتك مثلاً كعمة أو خالة أو جارة أو قريبة أو معلمة أو مربيتها في المسجد.. بشرط أن تكون قريبة إلى قلبها وتثقين بها، وتبدأ هي بالحديث مع الابنة عن الأمر لتتعدد الأصوات التي تدعوها لنبذ هذا الأمر عازفة على وتر التدين وما يرضي الله عز وجل، وإن من ترك أمرًا يحبه ولا يرضاه الله أبدله الله به خيرا منه... إلخ.

5 - يجب أن يتم توجيه الابنة بشكل محبب للحلال والحرام وبثها عظمة دينها في تنظيم المجتمع بالشرائع التي تحدث إحلالا واستبدالا لكل طيب مبارك بكل غث خبيث، وإن كان الحرام واحدا فالحلال ألوف، إلى غير ذلك مما يساهم في بناء ضميرها ووجدانها بالإقناع .

6- لا بد من ملاحظتها ملاحظة دقيقة دونما تشعر وذلك لمتابعة تأثرها بالتوجيه ومنعها بلطف من هذه المقابلات الخطيرة وكشف أكاذيبها التي تحدثت عنها – إن استمرت في اختلاق الأكاذيب بعد توعيتها بخطورة وحرمة الكذب.

7 - في الحقيقة قد أجلت هذه النصيحة لآخر الإجابة؛ لأن الأمر به لبس بسيط، وهو أنها تختلق الأكاذيب لتقابل الشباب في حين إنها ترى أنها غير مخطئة فكيف أنها مقتنعة بما تصنع وكيف أنها تكذب لتخفيه؟ وكيف أنها تصارحك باقتناعها بالأمر في حين تكذب عليك لتفعله؟

في الحقيقة إن الأمر في حاجة لتوضيح، لكن أستطيع أن أقول لك إن محاولة إخفاءها للأمر بالكذب في حد ذاته نقطة بداية هامة يمكنك منها استثارة الوازع الديني لديها للانتهاء عن الأمر، فالإثم ما حاك في الصدر وخفت أن يطلع عليه الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فيمكنك توجيهها إلى وزن كل أمر بهذا الميزان، وخاصة إن كان سيدخلها في إثم آخر وهو الكذب.

كما يجب أن أؤكد عليك على ضرورة تقوية الصداقة بينك وبينها على أساس من الصدق والمصارحة لتعرفي عنها وعن صديقاتها ما استطعت –حيث إنه سيظل هناك مساحات غامضة لديها لا تحكي لك عنها بمنتهى الصراحة فلا تركني إلى الصداقة فقط – ولا بد من توجيهها وسقيها من خبراتك وتوجيهاتك. وفي نهاية الاستشارة سأورد لك مجموعة هامة من الاستشارات السابقة التي تناولت الرد على أسئلة شبيهة بسؤالك واختارت الصداقة بين الأم والابنة كحل أساسي للمشكلة وأوصيك بالاطلاع عليها.

8 – لا بد أن تواظبي على الدعاء لها في أوقات الإجابة وبإلحاح أن يعيذها الله سبحانه من الشيطان الرجيم، كما دعت امرأة عمران لابنتها مريم، وأن يرزقها الهدى والتقى والعفاف والغنى، فالله هو خير معين لك على تربية أبنائك، والدعاء سيكون من الأسباب الهامة لدرء الأخطار عن أبنائك، وحفظهم، وحمايتهم إن شاء الله تعالى.

وأخيرًا.. أختم كلامي بقصة العالم عبد القادر الجيلاني حينما كان صبيًّا والذي تاب على يديه اللصوص حين أغاروا على القافلة التي كان يرحل فيها من مكة إلى بغداد فسألوه عما معه فقال: "معي أربعين دينارًا"، وهنا سأله كبير اللصوص عن سبب صدقه فقال: "عاهدت أمي على الصدق وأخاف أن أخون عهدها"، فيصرخ اللص قائلاً: "تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله".

ما أردت قوله أيتها الأم الغالية من تلك القصة هو ما أكد عليه الأستاذ محمد قطب في كتابه "منهج التربية الإسلامية"، وهو أن الإسلام يلجأ إلى إثارة الوجدان وإنشاء الرغبة في العمل لتتحول تلك الرغبة إلى عمل واقعي له صورة محددة واضحة السمات ليلتقي الظاهر والباطن، ويتطابقا ويتكافآ من مسألة فردية إلى رباط اجتماعي.

ولكي يمكنك التعرف بشكل أكبر على المرحلة العمرية التي تمر بها ابنتك وكيفية التعامل معها يمكنك الاطلاع على الاستشارات والموضوعات التالية:
- المراهقة ...مشكلات حلولها الصداقة
- المراهقة ..أيها الآباء أنصتوا
- تعديل السلوك.. قواعد وفنون
- شبابنا رهن ما نعدهم له

ولمزيد من المعلومات المفيدة حول الموضوع يمكنك الاطلاع على الاستشارات التالية:
- الاتفاق على مصاحبة الشباب-تعقيب زائر
- صاحب ابنك المراهق..ينضبط
- كيف تعد طفلتك للبلوغ؟