الديك
بقلم: فخري قعوار
كان أحد الديوك يعيش مع ثلاث دجاجات، في ركن صغير أمام أحد البيوت، وكان دائماً يتباهى بصوته العالي، وبسيطرته على الدجاجات، ويقول لهن:
أيتها الدجاجات الضعيفات، إن صوتي أفضل وأجمل من أصواتكن، وأنا أقوى منكن جميعاً، ويصيح على مسامعهن عدة مرات ثم ينظر إليهن باحتقار، أما الدجاجات فبقين ساكتات خوفا من بطشه بهن. وفي أحد الأيام، رأى الديك باب البيت مفتوحا، فدخل بخطوات مترددة، ونظر حوله فلم ير أحدا، ثم تقدم نحو إحدى الغرف، وقبل أن يصل إلى بابها، رأى صاحبة البيت وفي يدها سكين، تفرم بها الخضار، فخاف من منظر السكين اللامعة، ورجع إلى الوراء مرتجفا، وقلبه يدق دقات سريعة، فأحس بشيء من الاطمئنان لأن المرأة لم تلاحظ وجوده، وفكر بالخروج من البيت، لكنه لم يعرف من أي الأبواب دخل، وفي أثناء بحثه عن الباب الرئيسي وجد نفسه في غرفة فيها ديك آخر.
فتح الديك الأول فمه، وأراد أن يسأل الديك الآخر عن سبب وجوده في هذا المكان، وإذا به يفتح فمه هو أيضا.
اقترب منه قليلا، فاقترب الآخر كذلك، وبقي في حالة خوف من هذا الديك الذي يتحداه، إلى أن عرف أن ما يراه ليس سوى صورة له في المرآة. عرف ذلك، عندما رأى كل شيء في الغرفة له صورة مشابهة في المرآة.
واقترب الديك من المرآة حتى كاد منقاره يصطدم بها، ونظر إلى صورته بإعجاب شديد وقال:
ليس صوتي فقط هو الأجمل والأفضل من أصوات الدجاجات، وإنما ألواني الحمراء والخضراء والبنفسجية، أجمل من ألوانهن، كما أن هذا العرف الذي فوق رأسي، ليس للدجاجات مثله.
ورجع الديك إلى الوراء، فابتعد عن المرآة وهو مسرور بألوانه وعرفه وصوته، وأخذ يبحث عن باب البيت الرئيسي حتى وجده.
صاح ثلاث صيحات متتاليات، قبل أن يصل إلى الدجاجات، وعندما اقترب منهن كان الفرح يطل من عينيه وقال:
أيتها الدجاجات الضعيفات القبيحات، ليس صوتي هو الأجمل والأفضل من أصواتكن، وإنما هذا العرف الذي يزين رأسي، وهذه الألوان الزاهية أيضا. انظرن أيتها القبيحات، كم أنا جميل!
وصار الديك يمشي أمام الدجاجات، متباهيا بصوته وألوانه وعرفه، وأشعة الشمس تجعل ريشه يزداد لمعاناً.
وفجأة، رأي الديك عيون الدجاجات تنظر إليه بشفقة وذعر، وفجأة أيضا، رأى الديك نفسه ممسوكا من جناحيه بيد صاحبة البيت، والسكين في يدها الأخرى تلمع لمعانا مرعبا تحت الشمس.
هتف الديك قائلاً:
ماذا تريدين مني أيتها السيدة؟
قالت له المرأة بسخرية:
أريد أن اشرب معك فنجان قهوة!
ثم أضافت:
لا أريد منك شيئاً سوى لحمك كي أطبخه مع الخضار، وريشك كي أضعه في الوسائد.
أيتها السيدة الطبيبة، انظري إلى هؤلاء الدجاجات، إنهن غير جميلات، فاذبحي واحدة منهن، أما أنا فصوتي جميل وعرفي يزين رأسي، وريشي متعدد الألوان.
لم يؤثر كلامه في المرأة كثيرا، سوى أنها قالت وهي تتجه به نحو المطبخ:
الدجاجة تبيض فنستفيد منها، أما أنت فلا نستفيد من صوتك وعرفك وألوانك، سوى مرة واحدة، عندما نمضغ لحمك، وننام فوق الوسائد المحشوة من ريشك.
حسون الصغير
كان لحطاب فقير وزوجته سبعة صبيان، وكان أصغرهم أذكاهم، أسموه حسونا الصغير لأنه كان قصيراً جدا.
لم يغف حسون من جوعه، سمع أباه وأمه قائلين:" لن نقدر أن نطعم أولادنا سوف نتركهم في الغابة على الله!" نهض باكرا، ملأ جيوبه بالحصى الأبيض.
الصبيان وحدهم في الغابة:" لا تخافوا" قال حسون:" امشوا ورائي، مشى إخوانه وراءه، عرف الطريق من الحصى الذي رماه وهو قادم مع إخوانه ووالديه إلى الغابة، مرة ثانية لم يبق طعام في البيت، شرد الأولاد في الغابة، فتت حسون خبزته ليجد الطريق. أكلت العصافير فتات الخبز، وضاعت الدرب.
مشى الأولاد حتى جاء المساء، صعد حسون على شجرة ليجد طريقا، هتف: يا إخواني إني أرى نورا، مشوا صوب النور، كان هناك بيت، أطلت امرأة وقالت:" اهربوا هذا بيت الغول!" لم يقدروا أن يهربوا من التعب، ووصل الغول، قال الغول: أطعميهم حتى يسمنوا، أطعمتهم زوجة الغول، أنامتهم في سرير كبير قرب سرير بناتها السبع على راس كل بنت تاج دائم، نام الجميع، نهض حسون. أخذ تيجان بنات الغول، وضعها على رؤوس إخوانه ورأسه، وجعل مكانها قبعات إخوانه الفضية على رؤوس بنات الغول، قام الغول، ذبح بناته بدل الصبيان ونام، هرب حسون وإخوانه قبلما ينهض الغول، مشوا طويلاً، استراحوا في ظل صخرة، لحقهم الغول بجزمته السحرية، لم يبصرهم هناك، نام الغول على الصخرة، سحب حسون جزمة الغول وقال لإخوانه:" عودوا إلى البيت وأنا ذاهب إلى بيت الغول، وعائد بالمال والجواهر" عاد حسون بكيس مملوء بذهب وجواهر، لم يبق جوع في بيت الحطاب.
حجوبة الكسلانة
كانت بنت تسمى محجوبة، وكانت محجوبة تذهب للمدرسة، وكانت محجوبة كسلانة وأمها غير راضية عنها، إخوتها وأخواتها غير راضين عنها لأنها كانت تكره العمل، وكانت لا تساعد أمها في شغل المنزل، وكانت تنام في الفراش وكلما قالت لها أمها اعملي كذا. كانت تقول: لا أقدر، لا أعرف، صعب علي.. وكانت أمها تنهرها وتزجرها، ولكن محجوبة بقيت كسلانة.
كانت محجوبة تذهب للنوم في المغرب وتصحو متأخرة في الضحى، ولذلك كانت دائما تتأخر عن المدرسة، وكانت المديرة تعاقبها أمام البنات كلما ذهبت متأخرة، وكانت المديرة تطردها من المدرسة في بعض الأوقات، وبالرغم من هذا لم تترك محجوبة عادة الكسل.
وفي يوم من الأيام نامت محجوبة إلى وقت الضحى، وجاء ميعاد المدرسة وحاولت أم محجوبة أن توقظها فلم تستطع واستمرت نائمة.
وبينما كانت محجوبة نائمة رفع السرير إحدى رجليه، ثم رفع رجله الثانية، وأخذ يتحرك، ثم مشى السرير نحو الباب، وخرج من المنزل وسار في الشارع، وكانت محجوبة نائمة في كل هذا الوقت.
مشى السرير في الشارع ومحجوبة فوقه، وجاء الناس من كل مكان واجتمعوا حول السرير العجيب الذي يمشي، ووجدوا الكسلانة نائمة فيه، وكان الناس يضحكون ويشيرون إلى السرير ويقولون محجوبة الكسلانة، ثم سار السرير يمينا وشمالا حتى وصل المدرسة.
هناك فتح السرير باب الصف الذي تتعلم فيه محجوبة وقفز في داخله فلما رأى التلميذات محجوبة في السرير ضحكن وصفقن ثم قال السرير للبنات: صباح الخير لكن محجوبة الكسلانة أين مكانها؟
ورمى محجوبة على الأرض، وخرج وجرى إلى المنزل، ولما استيقظت محجوبة وجدت نفسها في الصف، والتلميذات يضكحن عليها فخجلت وندمت، ومن هذا اليوم لم تتأخر محجوبة عن المدرسة مرة أخرى، وكانت تستيقظ في الصباح الباكر، وتساعد أهلها في المنزل وتذهب إلى المدرسة في الميعاد.
قصة خالد وحبات التوت
بقلم : صطفى محمد الفار
كان خالد يزور جدته في العطلة الصيفية، وفي أحد الأيام، دعته ليذهب معها إلى السوق لشراء بعض الحوائج المنزلية، ففرح خالد بذلك فرحا عظيما، وفي وقت قصير كانا في طريقهما إلى السوق.
ودخلت الجدة إلى دكان البقالة فاستقبلها صاحبه بتحية حارة، فتقدمت منه الجدة وأخذت تطلب الحوائج التي تحتاج إليها، وكان خالد يجيل بصره هنا وهناك في الدكان، فيرى فيه كل ما لذ وطاب من الحلوى والفواكه، وكلها مرتبة ومعروضة بشكل جذاب، فهناك قناني الحليب، وصناديق الجبن والزبدة موضوعة في وعاء زجاجي كبير وعلى الرفوف كل أنواع العلب الملونة مرصوفة بطريقة رائعة.
وفي وسط الدكان كانت سلال الخضر كالجزر والفجل والقرنبيط، وإلى جانبها سلال الفواكه من كل ما تشتهيه النفس وتلذ له العين، لم يستطع خالد أن يدفع عنه كل هذا الإغراء لنفسه، فلم يشعر إلا ويده تمتد لتتناول حبة من التوت، وإذ به يسمع صوتاً من داخله يقول: لا ..لا.. يا خالد إن عملك يعتبر سرقة، ليست الأثمار لك، ولكن كان التوت شهياً، وكان خالد يحب التوت كثيرا، ولا يشبع حتى يأكل منه، وها هو الآن أمامه كميات كبيرة، فلماذا لا يأكل حبة واحدة منه ولهذا لم يسمع صوت ضميره، فمد يده وتناول حبة واحة وتذوقها، فكانت لذيذة جدا، فأخذ أخرى وكانت أيضا لذيذة.
وإذا كانت السلة ممتلئة، أخذ الحبة الثالثة والرابعة وأتبعها بالخامسة والسادسة، إلى أن أتى على كمية لا يستهان بها، وبينما هو مسرور بأكل التوت إذا به يسمع جدته تناديه بأن يستعد للذهاب، فقد اشترت كل ما أرادته.
فأسرع خالد يمسح يديه بثيابه، وينسل بين السلال إلى حين كانت جدته واقفة فسألته أن يحمل معها بعضها بعض الحوائج.
وفجأة نظرت الجدة إلى خالد وقالت له:" قف ياخالد وانظر إلي".
فتطلع إليها وحاول أن يظهر بمظهر البريء الذي لم يفعل شيئا خاطئا، فسألته:
" ما هذه العلامات السوداء التي أراها على وجهك يا خالد؟".
- أية علامات سوداء؟
- تلك التي أراها حول فمك، ليست سوداء تماما، بل هي سوداء تميل إلى الحمرة.
- لا أعلم.
- لقد أكلت توتا يا خالد.. أليس كذلك!
- نعم أكلت حبة أو حبتين.
- وأين وجدت التوت؟
- في الدكان.
- هل سمح لك صاحب الدكان بأكله؟
- كلا.
- إذن أخذته دون إذن؟
- نعم.
- إذن كنت ولداً شريرا يا خالد فإنني أخجل منك ومما فعلت.
لنرجع الآن إلى البيت، وهناك نعمل على حل المشكلة.
وفي البيت أجلست الجدة خالدا في حجرها، وأخذت تشرح له الخطأ في أخذ ما هو للغير ثم قالت له: أمامك الآن أمران لإصلاح ما ارتكبه من الخطأ وللتكفير عما تناولته من حبات التوت الحرام، أولهما أن تسال الله أن يسامحك على ما اقترفته من خطيئة، والثاني أن تعود إلى البقال، وتدفع له ثمن التوت".
فأجاب خالد باكيا: يسهل علي أن أطلب الصفح من الله، ولكن من الصعب على الذهاب إلى البقال.
- أعرف أنه صعب عليك ذلك، ولكن هذا ما يجب أن تفعل، فأذهب إلى صندوق توفيرك الآن، وأخرج منه ما معك من نقود.
- هل أدفع من مالي الخاص ثمن التوت؟
- بالتأكيد هذا ما يجب أن تفعل.
- ولكن لن تبقى معي نقود غيرها.
- ذلك لا يهم، مع أنني لا أعتقد أن ثمنها يذهب بكل ما معك من نقود، إلا أنك يجب أن تدفع، ربما الثمن خمسة قروش.
- مسح خالد دموعه بظاهر يده، وسار وهو يمسك النقود بيده يقدم رجلا ويؤخر أخرى حتى وصل إلى الدكان، فدخل وقلبه ينبض خجلا، سأله البقال: لماذا رجعت؟
- هل نسيت جدتك شيئاً؟
أجاب خالد، كلا، أنا الذي نسيت.
- ماذا نسيت؟
- يا عمي ! أرجوك.. أرجوك.
- نسيت أن أدفع لك ثمن التوت الذي أكلته، وقالت جدتي إن ثمنه خمسة قروش ولهذا أحضرت لك الثمن، ثم وضع خالد الدراهم على الطاولة ورجع راكضا، ولكنه سمع صوت البقال وهو ينادينه، ارجع يا خالد، ارجع قليلاً.
- رجع خالد ببطء كأنه ينتظر توبيخاً من البقال الذي قال له:" قد نسيت شيئا يا خالد" وناوله كيسا من الورق في داخله شيء.
- هو لك على كل حال، تأكله مع عشائك.
- ظن خالد أنه رأى دموعاً في عيني البقال، ولكنه لم يعلم السبب، ثم أطلق ساقيه للريح حتى بلغ البيت، وهناك قال لجدته:
- انظري ما أعطاني البقال، فرأت في الكيس قطعا من الشوكولاته، ثم قالت:" أرأيت كيف سر البقال من أمانتك؟".
- هذا يا حبيبي، أفضل ما يجب أن يفعله الإنسان في حالة كهذه.
{ تمت }
يتبع
الروابط المفضلة