صاحب تغير إيقاع الحياة ومتطلباتها خلال العقد الماضي تغير في سلوكيات أفراد المجتمع العالمي، فالتطور المذهل والمتلاحق في عالم التقنيات الحديثة قلب حياة الكثيرين رأسا على عقب وبدل الكثير من التصرفات التي كانت تمثل في الماضي الإطار الأوحد للتصرف والتفاعل. هناك رأي شهير قد يلخص كل معناة أبناء القرن الحادي والعشرين وهو أن التكنولوجيا أفسدت البشرية، مما يعني أن الرفاهية المطلقة التي وفرها التقدم التقني لها آثارها السلبية وأن ما قدمته لن يكون دون مقابل. انتشرت السمنة المفرطة بين الشباب في مقتبل العمر وارتفعت نسبتها بينهم بصورة ملحوظة فرضت نفسها على واقعنا المعاصر ولا أحد يمكنه تجاهلها. تؤكد العديد من بلدان العالم أن ثلث سكانها من المراهقين يعانون من زيادة في الوزن، الأمر الواجب تدارك أسبابه وتحديد عواقبه خشية الوقوع في أزمات لا تحمد عقباها، فالشباب هم أمل الأمم وبناة المستقبل وافتقارهم إلى اللياقة البدنية قد يتسبب في العديد من الأزمات، خاصة وأن البدانة تحتاج إلى علاج طبي مكلف مما قد يشكل إهدارا لطاقات الأمة المادية.
يبالغ البعض في وصف البدانة عند المراهقين بالوباء، إلا أن الوصف الأدق لتلك المشكلة هو أنها تنذر بأزمة لابد من تداركها بالطرق السليمة. أسهم انتشار استخدام الحواسب في تسيير معظم المهام اليومية في ازدياد فترات الجلوس وعدم الشعور بحاجة للحركة طالما هناك البديل. تنتشر هواية ممارسة الألعاب الإلكترونية بين المراهقين وما أطول ساعات الجلوس أمام الحاسوب لتصفح مواقع الإنترنت، الأمر الذي قد يصاحبه تناول بعض المسليات والمشروبات الغازية، وما قد يفاقم المشكلة هو تناول بعض الوجبات السريعة الغنية بالشحوم الزائدة والخالية من أية مواد مفيدة للجسم.
تبين حديثا أن البدناء من المراهقين أحيانا ما ينخرطون في بعض السلوكيات الضارة، مثلهم كمثل الأصحاء من أقرانهم، وإن كان من المعتاد أن يقوم البدناء بسلوكيات أكثر خطورة. تناولت الأبحاث الممولة حكوميا الأخطار المترتبة على تعاطي المخدرات والمواد الكحولية ونسبة الإقبال على الانتحار بين طلاب المرحلة الثانوية ليتبين أن للبدناء نصيبا كبيرا من بين المراهقين المتورطين في مثل تلك الأعمال. تبين أيضا أن المراهقين عادة ما يرغبون في تجربة تناول المخدرات والتدخين وقد يقلعون عنها إذا ما وجدوا فيها ضررا على صحتهم، أما المصابون منهم بحالات نفسية سيئة فمن الصعب عليهم نبذ تلك العادات الضارة، بل والمميتة أحيانا، وما أكثر ما يصاب البدناء من المراهقين بحالات من التوتر والحساسية المفرطة، وقد يتطور الأمر معهم إلى حد الاكتئاب. عادة ما يقدم المصاب بالسمنة على الانزواء وعدم المشاركة في الحياة الاجتماعية مما يزيد من رغبة المراهق البدين في ممارسة عادات ضارة دون وعي، خاصة مع غياب البديل النافع من العادات.
لا يتوقف الأمر عند التدخين وتناول المخدرات، بل قد يمتد إلى اتباع سلوكيات عدوانية والرغبة في إلحاق الأذى بالذات والآخرين، فمثلا قد يتعامل المراهق البدين بعنف مع أقرانه عند تعرضه للإيذاء، وعادة ما يكون البدين هو المتهم بتوجيه الإساءة. قد يجد المراهق البدين نفسه محاصرا في عالمه مما يدفعه إلى ارتكاب حماقات غير مبررة آثارها السلبية تعود عليه دون تدخل المحيطين لإنقاذه من مشكلاته. اختراق نفسية المراهق من أصعب ما يمكن على الطبيب النفسي، فما الحال إذا مع المصاب منهم باضطرابات نفسية، ولذلك قد يكون من الصعب إنقاذه من اتباع السلوكيات الضارة. يتعرض المراهق البدين إلى عزلة في مجتمعه يفرضها عليه الآخرون برفضهم التعامل معه بوصفه فردا عاديا من أفراد المجتمع، وعندها تبدأ المشكلة تتفاقم وقد تتدهور إلى حد الانتحار، وهنا تبرز أهمية احتواء المجتمع لجميع أفرادها على حد سواء. مع ذلك، قد لا يأبه الكثيرون بمعاناة المراهقين عند تغير حالاتهم المزاجية وتعرضهم للضيق وانفعالاتهم غير المبررة أحيانا، فما الحال إذا مع من يمرون منهم بنفس تلك المشكلات بجانب المشكلات المترتبة على السمنة؟!
منقول
الروابط المفضلة