)(_: قلب ذلك الانسان :_)(

( دع ما يريبك الى ما لا يريب )

( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

قضيت دهراً من عمري وأنا أشعر أني إنسان هش للغاية ،
دليل ذلك أنه كانت تؤثر عليّ كل نسمة تمر بي .. !
شاب ليست عنده روح المقاومة لأي شيء ، ولا لأي فكرة ،
أشبه بالقشة تسير مع التيار حيثما سار ، لا تملك من أمرها شيء ..
استسلم بسرعة كبيرة لكل فكرة ، لاسيما إذا سالت هذه الفكرة من فم نجم
_ سواء كان نجماً فنياً ورياضياً أو سياسياً أو ثقافياً _ !!
وكنت أعتبرها كلمة الفصل التي لا تقبل نقضاً ولا مراجعة ..!
وحتى حين أعرف أن صاحب الفكرة نفسه قد تراجع عنها ،
فإني أبقى لفترة طويلة متمسكاً بها ، كأني لمن أصدق أنه تراجع عنها ..!
غير أني مع الأيام أجد نفسي قد اتجهت

في ذات الاتجاه الذي أخذ يسير فيه ذلك النجم ..!
ومرض والدي مرضاً أبقاه في المشفى ، وكان لابد من بقاء مرافق معه ،

ولم يكن ذلك المرافق إلا أنا ..!
فكانت عزلة إجبارية ، تأففت منها في البداية وسخطت وضجرت ،

ثم حمدت الله بعد ذلك عليها وفرحت ..!!

( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ

وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )

ذات يوم .. زار أبي شيخ جليل ، أحسب أنه دخل الحجرة ، وأدخل النور معه ..!
كان والدي يومها أحسن حالاً من كل يوم ، رغم معاناته التي تتجلى على وجهه ،
أخذ الشيخ يتحدث بفيض من النور حول معانٍ إيمانية راقية خالصة ،
أكاد أقسم أني لم اسمعها إلا في ذلك اليوم ..
تحدث عن حقيقة الدنيا ، وحقيقة الآخرة ..

وعما أعد الله جل جلاله للصابرين من جزاء لا يتصوره إنسان ،
وتحدث عن الجنة ونعيمها ومباهجها ، ونحو هذا ..
وسكت ونظر إلى ساعته وهم بالقيام مودعاً غير أنه قال لي :
يا بني ، اعتبر نفسك في خلوة مع ربك ،

وفي الخلوة إغراء بإطلاق الفكر للمراجعة الشاملة لما سلف من حياتك .
لا أدري ما الذي دعا الشيخ لتوجيه مثل هذه الملاحظة لي ،

ولكني أحسب أنه لاحظ وجود سلسلة في عنقي ..!!
وانصرف الشيخ ولم تنصرف من رأسي نبراته ، وهو يبحر بنا ذلك الإبحار الشائق ..
بقيت في تلك الليلة أفكر طويلاً فيما سمعت ،

وأعود بنظري إلى ما مضى من عمري
فلا أرى إلا سراباً ، رأيتني تافهاً ضائعاً لا قيمة له ، ولا جدوى منه ،

ولا هدف له في الحياة ..!
كان والدي قد عاودته النوبة المرضية فحقن بإبرة نوم ، فاستغرق ،

وتركني وحيداً أنظر إليه متأملاً ، وأعود بذاكرتي إلى الوراء
لأرى أبي بنشاطه وفتوته وقته وصولته وصولجانه ..
وهاهو اليوم لا يملك حولاً ولا قوة ..!
لم تمض سوى ساعة حتى وجدت نفسي أقوم للوضوء في جوف تلك الليلة الباردة ،
وأخذت أركع وأسجد وأبكي ، وأتوسل إلى الله أن يغفر لي ويقبلني ،
ثم تناولت المصحف ولأول مرة أشعر أن للقرآن تأثيراً عجيباً على القلب ..
لا أدري كم بقيت على تلك الحال ، والذي أدريه أنني غفوت على سجادة الصلاة ،
وحين تردد صدى أذان الفجر قمت _ لأول مرة _ مفزوعاً

خشية أن تكون الصلاة قد فاتتني ..!
وأحسب أنني لم أصل صلاة مثل صلاة الفجر في ذلك اليوم ..
وعدت إلى حجرة أبي وأنا أشعر أنني إنسان جديد ،

اغتسل بنور السماء في بيت من بيوت الله ، وخرج إلى الدنيا جديداً ..!
مع مرور الأيام ، ومن خلال الإقبال على الله بألوان من الطاعات ،

أخذت أشعر بوضوح لا لبس فيه أني تغيرت من الداخل كلياً ،
انتهت تلك الهشاشة ، وأصبح لي هدف واضح محدد ،
هو السعي لتحصيل رضا الله تعالى ،
بل وأحسست أن لي وزناً وكلمة مسموعة ، وأثر واضح ،
وقدرة على الاستعلاء ، وشعور بالعزة والكرامة ..الخ
والحمد لله الذي من علي بالهداية وأنقذني من تلك الظلمات التي كنت أعيش فيها

************************************************** **********************