نخلة.. مباركة
لقد رفع الله -عز وجل- قيمة النخلة، ووضعها بثمارها المباركة في مكانة خاصة بين بقية الأشجار، وذكرها في كتابه الحكيم في العديد من السور، منها سورة "الأنعام"، و"الكهف"، و"طه"، و"الشعراء"، و"ق"، و"القمر"، و"الرحمن"، و"الحاقة". وركزت الأحاديث النبوية الشريفة على أهمية النخلة، ودعا الرسول الكريم لزراعتها بقوله -صلى الله عليه وسلم- "من الشجر شجرة تكون مثل المسلم وهي النخلة".
ويؤرخ المختصون للنخيل بأنها عرفت منذ 5000 عام قبل الميلاد؛ حيث يعود منشؤها إلى العراق والأحساء وجزيرة حرقان الواقعة على الخليج العربي. وتُقسم عائلة النخيل إلى عدة عائلات وأنواع وفئات؛ حيث يوجد أكثر من 2700 نوع وصنف من النخيل تختلف فيما بينها بحجمها وشكلها حسب المكان الذي تزرع فيه والتربة التي تعيش فيها، فضلاً عن أن كل نخلة نمَت من نواة تشكل صنفًا ذا سمات خاصة.
ولثمار النخيل أهمية خاصة حيث استخدمت في الكثير من الصناعات مثل الدبس (عسل التمر)، والسكر السائل، والكحول الطبي، والخل، والخميرة، والعلف الحيواني، وماء اللقاح. أما نواة التمور فيستخرج منها الزيت الصالح للأكل، ويؤكل بعد أن يلين بالماء ويدق ويغلي مع الحليب؛ فيصبح مستحضرا طبيا لعلاج أمراض الكلى والمسالك البولية.
وأثبت الطب الحديث أهمية التمور كقيمة غذائية كبيرة؛ لاحتوائها على كميات كبيرة من الأملاح المعدنية والبروتينات والسكريات البسيطة سهلة الهضم والامتصاص؛ حيث يمكن للإنسان أن يعيش على التمر والحليب فترة طويلة دون أن يعاني أية مشاكل غذائية، ويقدر المختصون نسبة البروتين في التمر بحوالي 2.4 %، والنشويات والسكريات بنسبة 68.8 % و1 % زيوت، بالإضافة إلى 3.8 % ألياف، و2 % أملاح معدنية.
ومع هذا السيل المتدفق من العلوم والمعارف والثقافات في عصرنا الحديث إلا أنني وقفت عاجزاً ومنبهراً أمام فهم النبي صلي الله عليه وسلم لقيمة التمر، حين قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أفطر أحدكم فليُفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد تمرًا فالماء فإنه طهور" رواه الترمزى.
وهذا إعجاز نبوي أثبتته الدراسات والأبحاث، فعند نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص - في نهاية الصوم - يهبط مستوى تركيز الجلوكوز والأنسولين من دم الوريد البابي الكبدي وهذا بدوره يقلل نفاد الجلوكوز، وأخذه بواسطة خلايا الكبد والأنسجة الطرفية كخلايا العضلات، وخلايا الأعصاب ويكون قد تحلل كل المخزون من الجيلكوجين الكبدي أو كاد، وتعتمد الأنسجة حينئذ في الحصول على الطاقة من أكسدة الأحماض الدهنية، وأكسدة الجلوكوز المُصنَّع في الكبد من الأحماض الأمينية والجليسرول؛ لذلك فإمداد الجسم السريع بالجلوكوز في هذا الوقت له فوائد جمَّة؛ إذ يرتفع تركيزه بسرعة في دم الوريد البابي الكبدي فور امتصاصه، ويدخل إلى خلايا الكبد أولاً ثم خلايا المخ، والدم، والجهاز العصبي والعضلي، وجميع الأنسجة الأخرى، والتي هيأها الله تعالى؛ لتكون السكريات غذاؤها الأمثل والأيْسَر للحصول منها على الطاقة، ويتوقف بذلك تأكسد الأحماض الدهنية، فيقطع الطريق على تكون الأجسام الكيتونية الضارة، وتزول أعراض الضعف العام والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي، إن وجدت لتأكسد كميات كبيرة من الدهون، كما يُوقف تناول الجلوكوز عملية تصنيع الجلوكوز في الكبد، فيتوقف هدم الأحماض الأمينية وبالتالي حفظ بروتين الجسم.
وبعض المعادن الهامة، أهمها: الكالسيوم، والفوسفور، والبوتاسيوم، والكبريت، والصوديوم، والمغنيسيوم, الكوبالت، والزنك، والفلورين، والنحاس، والمنجنيز، ونسبة من السليولوز، ويتحول الفركتوز إلى جلوكوز بسرعة فائقة ويمتص مباشرة من الجهاز الهضمي يدوي ظمأ الجسم من الطاقة خاصة بعض الأنسجة التي تعتمد عليه بصفة أساسية كخلايا المخ، والأعصاب، وخلايا الدم الحمراء وخلايا نقي العظام.
وللفركتوز مع السليولوز تأثير منشط للحركة الدودية للأمعاء، كما أن الفوسفور مهم في تغذية مهم في تغذية حجرات الدماغ، ويدخل في تركيب المركبات الفوسفاتية والتي تنقل الطاقة وترشد استخدامها في جميع خلايا الجسم.
كما أن جميع الفيتامينات التي يحتوي عليها التمر لها دور فعال في عمليات التمثيل الغذائي (أ، ب1، ب2) والبيوتين والريبوفلاتين وغيره، كما أن لها تأثيرًا مهدئ للأعصاب، كما أن للمعادن دورًا أساسيًّا في تكوين بعض الأنزيمات الهامة في عمليات الجسم الحيوية، كما أن لها دورًا هامًّا للغاية انقباض وانبساط العضلات والتعادل الحمض - القاعدي في الجسم فيزول بذلك أي توتر عضلي، أو عصبي ويعمُّ النشاط والهدوء سائر الجسم كما أكدت الأبحاث أن المغانسيوم يقاوم الشيخوخة.
وعلى العكس من ذلك لو بدأ الإنسان فطره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية فهي لا تمتص إلا بعد فترة طويلة من الهضم والتحلل، ولا تؤدي الغرض في كفاية الجسم لحاجته السريعة من الطاقة فضلاً عن أن ارتفاع الأحماض الأمينية في الجسم نتيجة للغذاء الخالي من السكريات يؤدي إلى هبوط السكر في الدم.
وبالإضافة للفيتامينات والمعادن نرى أن التمر يحتوى على الألياف وهي تعتبر عاملاً هامًّا في تنشيط حركة الأمعاء ومرونتها أي أنها مليِّن طبيعي، ويحمي من الإمساك وما يترتب عليه من عسر هضم واضطرابات مختلفة.
كما أن البلح الرطب فيه كمية من هرمون البيتوسين وهذا الهرمون من خواصه عمل انقباضة في الأوعية الدموية بالرحم، ومن ثَم يساعد على منع حدوث النزيف الرحمي؛ لذا نجد صدى ذلك في قول الله تعالى في سورة مريم: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطُبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا…" (مريم: 25،26)
كما أن التمر يبعد العصبية والنرفزه ويريح الأعصاب المتعبة ويهدئ الطفل كثير الحركة مما يجعل هذا الغذاء العظيم مناسبا لأبنائنا في أيام اختباراتهم وإعانتهم على التركيز وزيادة التحصيل، وعلينا أن نحبب أطفالنا في تناول هذه الثمرة المباركة وأن نعمل على أن لا تخلو بيوتنا منها .
وأخيرا فمن الجميل أن تأكل التمر فيصبح لك الغذاء والشفاء، ولكن الأجمل أن يؤكل بنية السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيصير لك الغذاء والشفاء والثواب إن شاء الله، ولا تنسَ أن تحمد الله وتشكره على هذه النعمة".
مع تحيات شعاع المستقبل
مجموع مو منقول
الروابط المفضلة