رمضان كريم

ميزة رمضان انه في كل عام له نكهة مختلفة لأنه متنقل بين الفصول. يزورنا هذا العام بين الصيف والشتاء، حيث النهار قصير، والطقس يتجه نحو الشتاء على مهل. اللهم اجعله خفيفا على الناس..
هذا الخريف لرمضان، يتمطى فيه بين أيلول وتشرين مستمتعا بالترحيب الذي يلقاه بين الناس، يمر على بيوتنا بيتا بيتا، يتفقد التمر والزبيب واللوز والفستق والتمر هندي والعرق سوس.. والقمردين.

القمردين

رمضان على وفاق مع القمردين منذ أيام الخليفة الأموي هشام ابن عبد الملك، ففي أوج ازدهار الدولة الأموية، حاول صاحب بستان مشمش في حماة اسمه ( قمر الدين ) أن يجد طريقة لحفظ المشمش غير تجفيفه، فقام بعجنه وإزالة النوى والقشور منه، وأضاف إليه قليلا من النشا، وصنع من معجون المشمش والنشا صفائح نشرها في الظل على ملاءة شاش أبيض منقوع بالزيت، ولما نجحت تجاربه حمل من تلك الرقائق شيئا للأمير، ومرسها بالماء إلى أن ذابت، فتجلت عن شراب سائغ لذيذ، يزيل العطش، ويحلي الفم، ويملأ الجوف، فشكره الأمير وكافأه، وظل هذا الشراب خاصا بالأمير وحاشيته بضعة أشهر إلى أن هل هلال الشهر الفضيل .. فإكراما لرمضان، أمر الأمير ببذل شراب المشمش لعامة الناس، وقام المنادي ينادي بالناس أن هلموا إلى شراب قمر الدين.. ( قمر الدين هو صاحب الاختراع)
فقامت الشام ولم تقعد احتفالا بهذا الشراب الجديد، ونشط التجار من أجله، وبرع أهل الشام في صناعته، فكانت تقام له الأحواض الكبيرة يدار فيها المشمش الناضج، وتمعسه أرجل الصبايا الشاميات حتى يصير كلا متجانسا.. ( يقال أنه بسبب السيد قمر الدين، اكتسبت النساء الشاميات بشرة بلون المشمش ونعومته).

سر المشمش
المشمش شامي بامتياز.. ولأن موسمه قصير، يقول أهل الشام عن الخير سريع الزوال: جمعة مشمشية أي فترة قصيرة ولذيذة.
واستعار المصريون من أهل الشام المشمش ليكنوا به عن الموعد الذي يصعب الوفاء به: قابلني في المشمش .
وشبه محمود درويش جمال المرأة الأربعينية اللذيذ قصير الأجل بالمشمش حين قال: وامرأة تعبر الأربعين بكامل مشمشها!

الجمال جمعة مشمشية.. نسمة صباح طرية.. زهرة حنظل في البرية.. شهاب مضيء يهبط شاقا الظلمة، وفي اللحظة التي يزدهي فيها، يسقط وينطفئ. الجمال يكمن في الأشياء التي تبهج دون أن تدهش.. الأشياء الوامضة التي تبدو بريئة في حضورها، وسعيدة بسرعة أفولها.
لا أعرف شيئا تستقر تفاصيله في الذاكرة مثل شهر الصوم: موسم قصير، يحس المرء خلاله بالسرور والقلق في الوقت نفسه، لأن كل شيء يمر بتميز وبسرعة، ويجب أن يكون كذلك، فالذي يستمر طويلا يصبح أقل جمالا.


خواطر للكاتب هشام غرايبة اعجبتني فنقلتها لكم