ضعف النظر مرتبط بالنظام الغذائي العصري

جريدة البيان

لماذا كان الناس في القدم في مجتمعات التقاط الثمار يتمتعون بقوة بصر درجتها 20 على 20 في حين ان ضعف البصر يصيب في المجتمعات الحديثة ثلث عدد السكان.
وقد القى في السابق باللائمة في ذلك على التعليم والقراءة ومؤخراً على أعمال الكمبيوتر.
لكن دراسة جديدة تدحض هذه النظرية وتقول ان النظام الغذائي العصري يلعب دوراً سلبياً من خلال تغيير شكل مقلة العين في فترة الطفولة.
فالانظمة الغذائية الغنية بالسكر والنشأ المصفى بما في ذلك الخبز والكورن فليكس ترفع معدلات الانسولين ويرجح فريق من العلماء بقيادة لورين كوردين وهي من جامعة ولاية كولورادو ان ذلك يتسبب بنمو مقلة العين بشكل شاذ سيما لدى الاشخاص المعرضين وراثياً لذلك.
وقوة النظر أمر أساسي من أجل بقاء جميع الحيوانات الثديية على قيد الحياة خاصة في أداء مهام الصيد بنجاح وتجنب الحيوانات المفترسة. ولكن ضعف البصر يقتصر فقط على البشر والكلاب المنزلية.
وتقول كوردين ان وباء ضعف البصر تم ارجاعه لكثرة القراءة مع ان هناك عوامل كثيرة لم يتم وضعها في الاعتبار. ونموذج قبيلة اينويت استخدم اصلا لتوضيح كيفية تأثير القراءة على قوة البصر.
فخلال القرن العشرين انتقلت قبيلة اينويت من نمط الحياة التقليدي والمعتمد على جمع الثمار الى حياة متحضرة وانتظموا في صفوف الدراسة فزادت حالات الاصابة بضعف البصر من 2% الى حوالي 50%.
بيد أنه تم أيضا الأخذ في الاعتبار ان الأجيال الأكبر سناً اشتغلت بأعمال مرهقة للعين كالخياطة وصنع الأدوات والأشغال الفنية على مدى ساعات طويلة في أكواخ ثلجية تحت أضواء معتمة خلال مواسم جليدية طويلة دون ان تتأثر قدرتهم على النظر بذلك. وذلك يشكك في فرضية ان الاعمال الدقيقة مسئولة بشكل رئيسي عن ذلك.
وحقيقة ان العديد من مجتمعات جمع الثمار انتقلت من العصر الحجري الى الفضائي في غضون جيل واحد او اثنين يلمح الى وجود صلة بشكل او آخر بالنظام الغذائي كما يتضح من دراسة كوردين الحديثة.
وفي دراسة سابقة نشرت في مجلة التغذية الاكلينيكية الامريكية في العام 2000 توصل فريق كوردين الى انه بالرغم من ان الحبوب المصفاة كالكورن فليكس وما شابهه الى جانب السكاكر نادراً ما كانت تستهلك من قبل الجماعات التي تعيش انماط حياة تقليدية الا ان مثل هذه الاغذية لم يصبح وجودها ثابتاً الا بعد اتباع نمط الحياة الغربي.
فعلى سبيل المثال زادت قبيلة اينويت من استهلاكها السنوي للسكر من حوالي 12 كيلوجراماً للشخص في اواخر عقد الخمسينيات الى اكثر من 47 كيلوجراماً بعد 18 عاما تلتها وفي الفترة نفسها زاد استهلاكهم ايضا للأغذية المعتمدة على الدقيق والكورن فليكس او حبوب الافطار بحوالي 12%. وقبل اتصالهم بعالم الغرب لم تكن قبيلة اينويت تستهلك اياً من هذه الأنواع من الكربوهيدرات.
والدراسات التي أجريت حول مجتمعات التقاط الثمار التي تبنت انماط التغذية الغربية تكشف كذلك عن معدلات مرتفعة لمقاومة الانسولين والسكري.
ففي جزر فانواتو في جنوب المحيط الهاديء فان اليوم الدراسي يمتد ليوم كامل حسب القوانين التي تفرضها السلطات هناك ورغم ذلك فان 2% من الناس مصابون بضعف البصر. والنظام الغذائي لأهل الجزيرة يتألف من السمك وجوز الهند والبطاطا الحلوة ولا وجود للحبوب.
كما تم دراسة جماعتين من أصول جينية متشابهة في النيبال وتشتركان في النظام الدراسي ذاته وهما مجتمع شيربا الريفي الذي لم يتأثر بنمط الحياة الغربي الذي تبلغ نسبة الاصابة بضعف البصر فيه 2.9% في حين ان ابناء عمومتهم في كاتاماندو ذات الطابع المدني الغربي التي تتوفر فيها الاطعمة الغربية المعالجة بشكل واسع تصل نسبة الاصابة بضعف البصر فيها الى 21.7%.
والتفسير المادي لهذا الأمر محير فالاستهلاك المتكرر للكربوهيدرات المصفاة والسكاكر تؤدي الى ارتفاع معدلات الانسولين. وذلك يؤدي الى انخفاض في البروتين ـ 3 اللاحم والشبيه بالانسولين الذي بدوره يرفع من مستويات عوامل النمو المتنوعة.
وتؤمن كوردين ان سلسلة الأحداث او التفاعلات هذه تتسبب بخلل في التوازن الدقيق الذي ينظم عملية استطالة مقلة العين. وهناك مركبات أخرى تعرف باسم الريتينويد مصنوعة من فيتامين الف يكون لها تأثير مبطيء للنمو المفرط. لكن مستويات الانسولين المرتفعة تؤثر على قدرة مركبات الريتينويد على الالتحام بالعين ما يعني الغاء عملية الحد من النمو التي تعمل على استطالة مقلة العين.
وقد استخدمت صلة الريتينويد أيضا لتفسير تأثير الأعمال اليدوية الدقيقة المرهقة للعين في عملية تدهور البصر من خلال جعل العين تنتج كمية ضئيلة من حامض الريتينويك وهناك ادلة مادية اكثر، فأحد عوامل النمو الذي يرمز له ب: «أي جي إف ـ أي» يؤثر على معدل ارتفاع ونمو وسرعة ونضج الانسجة وبالتالي فان المتوقع من قصار النظر ان يكونوا أطول قامة ويبلغون سن النضج في مرحلة ابكر وتزداد احتمالات اصابتهم بالسكري بالمقارنة بالأشخاص ذوي القدرة الطبيعية على البصر. وقد أثبتت الدراسات صحة ذلك.
وهناك عامل مهم اخر هو الصلة الجينية فالاشخاص الذين ينحدرون من أصول اسيوية لديهم معدلات عالية من الاصابة بقصر النظر حيث تزيد النسبة عن 50% ولكنهم ايضا معرضون اكثر للاصابة بالسكري.
ويرجح ان الصفات الوراثية التي تحدد المرض الأول اي ضعف البصر تجعل المرض الثاني اقرب احتمالا.
ولذلك فإنه بدلاً من الاعتماد على فرضية أن القراءة والأعمال الدقيقة المرهقة للعين تتسبب بضعف البصر فان هناك نموذجاً أكثر تعقيداً للتفاعل بين الجينات المورثة والنظام الغذائي والتعليم يتم نسجه حالياً.
وللأسف فان تغيير النظام الغذائي لا يمكن استخدامه لإصلاح التلف فبمجرد ان يحدث ذلك فليست هناك وسيلة للعودة للوراء على حد قول كوردين لكنه قد يسمح بتجنب المزيد من التلف.
ففي احدى الدراسات التي رجع اليها فريق كوردين وجد ان زيادة مستويات البروتينات في النظام الغذائي للأطفال ضعاف البصر الذي ساهم في احداث توازن بين البروتينات والكربوهيدرات احدث تأخراً في تقدم عملية ضعف البصر بالمقارنة بالاطفال الذين لم يتم تحسين نظامهم الغذائي. البروفيسور بيل ستيل من جامعة كالجاري في كندا والذي ظل يعمل على دراسة عوامل النمو داخل العين قال ان صلة الغذاء بضعف البصر هو امر معقول وقابل للتصديق.
والدراسات التي اجريت على نماذج من الحيوانات تساند هذه المقولة ولكن ما نحتاج اليه على حد قوله هو دراسة شعب جزيرة فانواتو على سبيل المثال ومتابعته خلال الاعوام القليلة المقبلة لمعرفة ما يحدث لأولئك الذين حافظوا على نظام غذائهم التقليدي بالمقارنة بالاشخاص الذين تبنوا نظام التغذية الغربي السييء.

تسلمين ياعمرى و ما قصرتى

جزاك الله خير الجزاء.