السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

* "شواكيش تدق فى نافوخى"..."عينىّ ستخرج من مكانها".."لاأستطيع حتى أن أتلفت"

...كل هذه التعبيرات وغيرها هى نشيد الصباح اليومى لـ 200 مليون مواطن على مستوى العالم يعانون من أخطر أنواع الألم ألم "الصداع النصفى" migraine ذلك الصديق الرذل الغلس الذى يهبط عليك بدون إستذان ويخبط على جمجمتك بكرة من الحديد الملتهب وأنت لا تستطيع أن تمنعه من الإقتحام فهو ضيف ثقيل لا ينتظر عزومة!، والمأساة التى يحس بها مريض الصداع النصفى هى أن من حوله لا يأخذون شكواه مأخذ الجد ويعتبرونها من قبيل الدلع أو قلة الإحتمال فيطلبون منه أن يمارس حياته العادية معهم بل إنهم فى بعض الأحيان يخاصمونه إذا لم يتفاعل بالشكل المطلوب، وكل ذلك ناتج من أن الشكوى هى ذاتية وليست لها علامات خارجية موضوعية يستطيع ملاحظتها من هم حول المريض فيظل المريض دائماً فى قفص الإتهام يعانى من توتر تبرير وشرح حالته للآخرين مما يزيد الحالة تفاقماً ويدخل المريض فى دائرة مغلقة...

ومما سبق نستطيع أن نصف الصداع النصفى بأنه مرض عضوى وإجتماعى، ولنستمع إلى نموذج لشكوى من ملفات إحدى العيادات الأمريكية المتخصصة فى علاج الصداع لنقترب أكثر من ملامح هذا الضيف الثقيل وذلك على لسان إمرأة فى الثانية والأربعين تقول إنه يحطمنى، ينبض داخل جمجمتى مع كل دقة قلب، إنه يصاحبنى مع كل دورة شهرية منذ البلوغ علاوة على مرات أخرى خلال الشهر، يسبقه دائماً فلاشات ضوء مثل الشرار، ومن الممكن أن تستمر الهجمة ثلاثة أيام، جربت كل شئ، لجأت إلى الأبر والمساج وحتى الهورمونات التى لجأت إليها لتبكير سن اليأس، تناولت 180 نوعاً من الدواء بداية من مضادات الحساسية والقئ حتى مضادات الإكتئاب والألم ومنها المورفين كل ذلك بلافائدة..

وطبقاً للإحصائيات الأمريكية فإن الصداع النصفى يصيب 25 مليون أمريكى وثلاثة أرباع هذا العدد هو من النساء، والخطير أن نصف هذا العدد لا يعرف مما يعانى مما جعل مجلة النيوزويك فى عدد 11 يناير تفرد الغلاف لهذا المرض وتطلق على عام 1998 عام الصداع النصفى نظراً لما حدث فيه من ثورة فى فهم وعلاج هذا المرض.

وليس كل ألم فى الرأس صداعاً نصفياً فالصداع النصفى ليس مجرد وصف لألم بل أنه تشخيص دقيق ومحدد لألم يبدأ فى أحد جانبى الرأس ومصحوب عادة بغثيان وحساسية شديدة للضوء والصوت، وقد إستطاع العلماء تصنيف واحد وعشرين نوعاً من ألم الرأس بداية من صداع التوتر إلى الصداع الناتج عن الأورام، والمتهم المذنب فى حالة الصداع النصفى هو الأوعية الدموية المحيطة بالمخ والتى تتمدد وتضغط على الأعصاب المجاورة ومن ضمن الدلائل العلمية على ذلك هو الصداع الناشئ عن سحب الكافيين الذى يتسبب تناوله إنقباضاً للأوعية الدموية وعندما يوقف فجأة تتمدد الشرايين ويحدث الصداع.

يسبق الصداع النصفى فى حوالى 15% من المرضى إنذار أو مايسمى بالـ aura والتى من الممكن أن تكون على صورة إضطرابات فى الرؤية أو ضعف وتنميل فى ناحية من الجسم أو بطء فى الكلام ...الخ.... إنه يحدث فى أى وقت ولكنه بالنسبة للسيدات يحدث غالباً مع التغيرات الهورمونية مثل العادة الشهرية والتبويض، وكما أن الصداع لا يحترم الوقت فهو لا يحترم أيضاً الجنس أو السن فهو يصيب الرجال والنساء على السواء بنسبة 1:3 كما ذكرنا ويصيب أيضاً أى سن حتى الأطفال ولكن معظم الحالات تنحصر مابين الثلاثين والأربعين.

ولأن الغموض صفة أساسية فى هذا المرض فإن أسرى الصداع يحاولون أن يخترعوا أسباباً مختلفة يعزون إليها الصداع كآخر طوق نجاة فيتهمون تارة الطعام مثل المكسرات والشيكولاتة والجبنة والمكسرات وتارة أخرى يرجعونه إلى قلة النوم أو الجوع أو الرطوبة وعلى العكس يرجعه البعض إلى زيادة النوم أو الشبع أو الجفاف، وفى وسط هذه الأمواج المتلاطمة حاول العلماء البحث عن شاطئ مما أدى بطبيب إسمه ميشيل فيرارى من جامعة ليدن بهولندا أن يصرح "إننا قد خلقنا مرضى رافضين لفعل أى شئ، رافضين للأكل والشرب وحتى النوم، وبالرغم من ذلك فالصداع النصفى مازال ضيفاً عليهم".

وأصعب الأمواج العاتية التى تواجه العلماء فى أبحاثهم هى أن الصداع لا يمكن توقعه ولاتحديد قوته بالقياسات المعملية أو حتى بصور الأشعة، وحتى الأساس الوراثى الذى كان متهماً على الدوام لم يتمكن العلماء من تحديدى إلا فى نوع واحد فقط ونادر وهو النوع الذى يبدأ إنذاره بشبه شلل نصفى .

وتاريخ الصداع حافل بالأساطير والحكايات، ففى كتب الطب القديمة يوصف الصداع النصفى على أنه مرض الأرستقراطيات الفارغات ولكن أتضح فيما بعد أنه برئ وليس مرضاً طبقياً على الإطلاق.

وإذا كان تاريخ الصراع مع الصداع تاريخ فشل فى الماضى فإن الحاضر والمستقبل هما تاريخ نجاح وإنتصار على هذا الوحش الكاسر، وأهم هذه النجاحات والإنتصارات هو دواء الـ imitrex الذى إنتصر على الـ ergot الدواء القديم الذى لا يستجيب إليه الجميع ولا يحتمل أغلب من يتناولونه أعراضه الجانبية، وهذا الـ imitrex والذى يعد ثورة بكل المقاييس تتلخص نظرية عمله فى تثبيط المستقبلات العصبية التى تتسبب فى تمدد الأوعية الدموية وبالتالى تتسبب فى ألم الصداع النصفى، وفى سنة 1997 وحدها كتب هذا الدواء فى ستة مليون روشتة بالرغم من سعره المرتفع البالغ 14 دولار للقرص وقد نزلت إلى الأسواق حقنة منه يبلغ ثمنها ثلاثة أضعاف هذا الثمن، ولم يتوقف العلماء فى أبحاثهم عند هذا الدواء بل إنهم أضافوا من عام 2000 إلى 2005 أدوية أخرى منها الـ zomig والـ amerga والـ maxalat وغيرهم الكثير فى طريق القضاء على أكثر الأمراض إزعاجاً وقلقاً.

أطعمة فى قفص الإتهام

* تقول الإحصائيات أن حوالى20% من من مرضى الصداع النصفى هم حساسون لبعض أنواع الطعام، ومن ضمن هذه الأطعمة التى يحوم حولها الشك :

-الكحوليات.

-منتجات الألبان.

-الشيكولاتة.

-الفواكه المجففة.

-العدس والبازلاء والفول.

-الأطعمه المملحه والمخللات.

-الفول السودانى والتوابل والبهارات.

الفرق بين صداع الأطفال والكبار

* المدة: صداع الأطفال يميل إلى أن يكون أقصر لايستمر أكثر من نصف ساعة .

* المكان: صداع البالغين يكون فى جانب من الرأس، أما الأطفال فغالباً مايكون فى مقدمة الرأس عند الجبهة.

* الأعراض: الأطفال إما حساسون للضوء أو للصوت وليس للإثنين ومشاكل المعدة عندهم أقل.