إحدى الصحف الإنترنتية نشرت خبراً يقول: (أشاعَت بعض النساء في أسواق عسير، أن حشرة القمل تنافس بول الإبل في إطالة الشعر، الأمر الذي رفع سعرها إلى 35 ريالاً للحشرة الواحدة ) وتواصل الصحيفة: (ظهرت الصرعة الجديدة لعرض حشرات القمل للبيع لنفس الغرض في السوقين النسائيين في أبها وخميس مشيط، والإقبال على حشرات القمل في تزايد، بعد ترويج الإشاعات حول فائدتها، والكثير من الباعة بدأ يجتهد في الحصول عليها، وبيعها بطريقة سرية خوفاً من المساءلة من قبل الجهات المختصة. وبينت بائعات في الأسواق الشعبية أنهن يواجهن صعوبة في توفير القمل لزبوناتهن، ومنهن فتيات (متعلمات)؛ أما بول الإبل فيحصلن عليه بسهولة)!

أحد الأصدقاء في أبها اتصلتُ به وأكد لي هذه المعلومة؛ وقال: إن أصل هذه الشائعة يعود إلى أن أحد الدجالين الشعبيين، أو بلغة أدق: (الأطباء الشعبيين)، وجد في بيع هذا الدجل أقصر الطرق نحو الثراء (فوصفها) لمرضاه؛ فانتهز الفرصة الذهبية منافسون آخرون، ليصبح القمل في النتيجة (سلعة) نادرة!.. أعرف أن تجارة الدجل واللعب على السذج والبسطاء ببيع الخرافة، وتسويق الوهم، آفة موجودة في كل العصور، وفي كل الدول بما فيها الدول المتقدمة؛ غير أن ما لفت نظري أن أكثر من يتعاطى هذه الخرافة نساءٌ (متعلمات)؛ وهذا ما أدى إلى ارتفاع (الطلب) على هذه القاذورات حتى أصبح لها (سوق) مزدهرة وتجار ومسوقون.

أن تؤمن امرأة جاهلة أميّة بمثل هذه (الخرابيط)، وخرافات الطب الشعبي، أو بلغة أكثر مراوغة: (الطب البديل)، قد أقبله؛ فالجهل، ناهيك عن الأميّة، آفة العقول كما يقولون، أما أن يكون هذا التصرف بعد خمسة عقود من بداية تعليم الفتاة في بلادنا، فهذا ما يجب أن نقف عنده بكل خجل وحسرة وأسف؛ لأن ذلك يعني أن تلك الشهادات التي تُعطى لهكذا فتيات مجرد أوراق لا تُحصّن من وَهم، ولا تُعافي من جهل.

وحسب تجاربنا السابقة فلن أستغرب - إطلاقاً - لو (زَفّت) لنا الصحف غداً خبراً عن باحثة سعودية (ترفع الراس)، قامت مع فريق بحث مؤهل، بدراسة (أثر القمل في إطالة الشَعَر عند النساء) دراسة علمية، تؤكد هذه الخرافة، وقدّمت نتائج دراستها إلى أحد مؤتمرات (الطب البديل) المنعقد - مثلاً - في جزر القمر، أو في مدينة (واقا دوقو) في مجاهل إفريقيا، فاندهش الحاضرون للنتائج الإعجازية لهذه (القملة) العجيبة التي كان أجدادنا - غفر الله لهم - في عصر (الجهل) يكافحونها، ويعتبرونها دليلاً على قذارة ووسخ الفرد؛ فيأتي باحثونا - بارك الله فيهم - يُنقبون ويبحثون فيقلبون الحقائق، ويكتشفون بعد جهد جهيد أن أهلنا - للأسف - كانوا مخطئين.. وكما هي العادة سيصفق جمهور الحاضرين لبحثها طويلاً، وسيتقدم لها أحد المستثمرين ممن يقتنصون الفرص، لتكون (سيدتنا الدكتورة) مستشارته العلمية في مشروعه الواعد (المشروع الوطني لاستزراع القمل)؛ وفاز باللذة الجسور!

العلاج بالضرب، وسلخ المريض النفسي (بالسياط) على اعتبار أن فيه (جنّي)، وكذلك العلاج بالسحر والشعوذة الذي استعصى على كل الفئات، بما فيهم الفقهاء وطلبة العلم الشرعي، هو من حيث المنطلق والبواعث والخلفية الثقافية لا يختلف (إطلاقاً) عن العلاج بالقمل، فالجهلُ هنا والجهل هناك هو السبب والعلة؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إلى اللقاء.