انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
عرض النتائج 11 الى 18 من 18

الموضوع: ¤•°•¤ دعوة لقراءة كتاب : عدة الصابرين * شـ الفائدة والمتعة ـاركونا ¤•°•¤

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 الفصل العاشر : في الفرق بين صبر الكرام و صبر اللئام





    كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختياراً و إما اضطراراً

    فالكريم يصبر اختياراً لعلمه بحسن عاقبة الصبر
    و أنه يحمد عليه و يذم على الجزع
    وأنه إن لم يصبر، لم يرد الجزع عنه مكروهاً، وأن المقدور لا حيلة في دفعه وما لم يقدر لا حيلة في تحصيله، فالجزع ضره أقرب من نفعه
    قال بعض العقلاء : " العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر "
    فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود، فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره
    قال بعض العقلاء : " من لم يصبر صبر الكرام، سلا سلو البهائم "

    أما اللئيم فإنه يصبر اضطراراً
    فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئاً، فيصبر صبر الموثق للضرب

    ***

    وأيضاً، فالكريم يصبر في طاعة الرحمن ، و اللئيم يصبر في طاعة الشيطان.

    فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم و شهواتهم، و أقل الناس صبراً في طاعة ربهم
    فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء
    ويصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه
    ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية، ولا يصبر على ما يقال في عرضه إذا أوذي في الله، بل يفر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله
    فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس، وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله

    وهذا أعظم اللؤم، ولا يكون صاحبه كريماً عند الله، و لا يقوم مع أهل الكرم اذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد..




    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 الفصل الحادي عشر : في الأسباب التي تعين على الصبر




    لما كان الصبر مأموراً به، جعل الله سبحانه له أسبابا تعين عليه وتوصل إليه
    وكذلك ما أمر الله سبحانه بالأمر إلا أعان عليه ونصب له أسبابا تمده وتعين عليه، كما أنه ما قدر داءا الا وقدر له دواء و ضمن الشفاء باستعماله
    فالصبر وان كان شاقا كريها على النفوس، فتحصيله ممكن وهو يتركب من مفردين : العلم و العمل
    فمنهما تركب جميع الأدوية التى تداوى بها القلوب و الأبدان

    فأما الجزء العلمي ، فهو إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال، وإدراك ما في المحظور من الشر والضر والنقص
    فإذا أدرك هذين العلمين كما ينبغي، أضاف إليهما العزيمة الصادقة والهمة العالية والنخوة والمروءة الإنسانية ، فحصل له الصبر وهانت عليه مشاقه وحلت له مرارته وانقلب ألمه لذة
    وقد تقدم أن الصبر مصارعة باعث العقل والدين لباعث الهوى والنفس
    وكل متصارعين أراد أن يتغلب أحدهما على الآخر، فالطريق فيه تقوية من أراد أن تكون الغلبة له و إضعاف الآخر

    فإذا عزم على التداوي ومقاومة هذا الداء فليضعفه أولاً بأمور:

    الأول : أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة فيحدها من الاغذية المحركة للشهوة.
    فإن لم تنحسم، فليبادر إلى الصوم فإنه يضعف مجاري الشهوة ويكسر حدتها ولا سيما إذا كان أكله وقت الفطر معتدلا.

    الثاني: أن يجتنب محرك الطلب وهو النظر
    فليقصر لجام طرفه ما أمكنه، فإن داعي الإرادة والشهوة إنما يهيج بالنظر، والنظر يحرك القلب بالشهوة.
    في المسند عنه: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس"

    الثالث: تسلية النفس بالمباح المعوض عن الحرام.

    الرابع: التفكر في المفاسد الدنيوية المتوقعة من قضاء هذا الوطر.
    فإنه لو لم يكن جنة ولا نار، لكان في المفاسد الدنيوية ما ينهى عن إجابة هذا الداعي.

    ***

    أما تقوية باعث الدين فإنه يكون بأمور:

    أحدهما: إجلال الله تبارك وتعالى أن يعصى وهو يرى ويسمع.

    الثاني: مشهد محبته سبحانه
    فيترك معصيته محبة له، فإن المحب لمن يحب مطيع، وأفضل الترك ترك المحبين.

    الثالث: مشهد النعمة و الإحسان
    فليمنعه مشهد إحسان الله تعالى ونعمته عن معصيته حياء منه أن يكون خير الله وإنعامه نازلا إليه، ومخالفاته ومعاصيه وقبائحه صاعدة إلى ربه.

    الرابع: مشهد الغضب والانتقام
    فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب، وإذا غضب لم يقم لغضبه شيء، فضلاً عن هذا العبد الضعيف.

    الخامس: مشهد الفوات
    وهو ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة، وما يحدث له بها من كل اسم مذموم عقلا وشرعا وعرفا، و يزول عنه من الأسماء الممدوحة شرعا وعقلا وعرفا.
    ويكفي مشهد فوات الإيمان الذي أدنى مثقال ذرة منه خير من الدنيا وما فيها أضعافا مضاعفة، فكيف أن يبيعه بشهوة تذهب لذاتها وتبقى تبعتها، تذهب الشهوة وتبقى الشقوة.

    السادس: مشهد القهر والظفر
    فان قهر الشهوة والظفر بالشيطان له حلاوة ومسرة عند من ذاق ذلك، أعظم من الظفر بعدوه من الآدميين.

    السابع: مشهد العوض
    وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها.
    وليوازنه بين العوض المعوض، فأيهما كان أولى بالإيثار اختاره و ارتضاه لنفسه.

    الثامن: مشهد المعية
    كقوله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
    فهذه المعية الخاصة خير وأنفع في دنياه وآخرته ممن فضى وطره ونيل شهوته على التمام من أول عمره إلى آخره
    فكيف يؤثر عليها لذة منغصة منكدة في مدة يسيرة من العمر إنما هي كأحلام نائم أو كظل زائل.

    التاسع: مشهد المغافصة و المعاجلة
    وهو أن يخاف أن يغافصه الأجل فيأخذه الله على غرة، فيحال بينه وبين ما يشتهى من لذات الآخرة
    فيا لها من حسرة ما أمرها و ما أصعبها، لكن ما يعرفها إلا من جربها..

    العاشر: مشهد البلاء والعافية
    فان البلاء في الحقيقة ليس الا الذنوب وعواقبها، والعافية المطلقة هي الطاعات وعواقبها.
    فأهل البلاء هم أهل المعصية وان عوفيت أبدانهم. وأهل العافية هم أهل الطاعة وان مرضت أبدانهم.

    الحادي عشر: أن يعود باعث الدين ودواعيه مصارعة داعي الهوى ومقاومته على التدريج قليلا قليلا
    حتى يدرك لذة الظفر، فتقوى حينئذ همته، فإن من ذاق لذة شيء قويت همته في تحصيله.
    والاعتياد لممارسة الأعمال الشاقة تزيد القوى التى تصدر عنها تلك الأعمال.
    ولذلك تجد قوى الحمالين وأرباب الصنائع الشاقة تتزايد بخلاف الخياط ونحوه
    ومن ترك المجاهدة بالكلية، ضعف فيه باعث الدين وقوى فيه باعث الشهوة، ومتى عود نفسه مخالفة الهوى غلبه متى أراد.

    الثاني عشر: كف الباطل عن حديث النفس
    واذا مرت به الخواطر نفاها ولا يؤويها ويساكنها فإنها تصير أماني ، ثم تقوى فتصير هموماً، ثم تقوى فتصير إرادات، ثم تقوى فتصير عزماً يقترن به المراد.
    فدفع الخاطر الأول أسهل وأيسر من دفع أثر المقدور بعد وقوعه و ترك معاودته.

    الثالث عشر: قطع العلائق والأسباب التي تدعوه إلى موافقة الهوى
    وليس المراد أن لا يكون له هوى، بل المراد أن يصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد الرب تعالى
    فإن ذلك يدفع عنه شر استعماله في معاصيه، فإن كل شيء من الإنسان يستعمله لله، فإن الله يقيه شر استعماله لنفسه وللشيطان. وما لا يستعمله لله، استعمله لنفسه وهواه ولا بد.
    فالعلم ان لم يكن لله كان للنفس والهوى، والعمل ان لم يكن لله كان للرياء والنفاق، والمال ان لم ينفق في طاعة الله أنفق في طاعة الشيطان والهوى..
    فمن عود نفسه العمل لله، لم يكن عليه أشق من العمل لغيره. ومن عود نفسه العمل لهواه وحظه، لم يكن عليه أشق من الاخلاص والعمل لله.

    الرابع عشر: صرف الفكر إلى عجائب آيات الله
    فإذا استولى ذلك على قلبه دفع عنه محاظرة الشيطان ومحادثته ووسواسه وما أعظم غبن من أمكنه أن لا يزال محاظرا للرحمن وكتابه فرغب عن ذلك إلى محاظرة الشيطان من الإنس والجن
    فلا غبن بعد هذا الغبن والله المستعان..

    الخامس عشر: التفكر في الدنيا وسرعة زوالها وقرب انقضائها
    فلا يرضى لنفسه ان يتزود منها إلى دار بقائه وخلوده أخس ما فيها وأقله نفعا، إلا ساقط الهمة دنيء المروءة ميت القلب، فإن حسرته تشتد إذا كان ترك تزود ما ينفعه إلى زاد يعذب به ويناله بسببه غاية الألم.

    السادس عشر: تعرضه إلى من القلوب بين أصبعيه وأزمة الأمور بيديه وانتهاء كل شيء إليه على الدوام.
    فلعله أن يصادف أوقات النفحات كما في الأثر المعروف: " ان لله في أيام دهره نفحات فتعرضوا لنفحاته واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم "
    ولعله في كثرة تعرضه أن يصادف ساعة من الساعات التى لا يسأل الله فيها شيئا الا أعطاه فمن أعطى منشور الدعاء أعطى الاجابة، فإنه لو لم يرد اجابته لما ألهمه الدعاء..
    ولا يستوحش من ظاهر الحال، فإن الله سبحانه ما حرمه الا ليعطيه، ولا أمرضه الا ليشفيه، ولا أفقره الا ليغنيه، ولا أماته الا ليحييه .

    السابع عشر: أن يعلم العبد بأن فيه جاذبين متضادين
    ومحنته بين الجاذبين : جاذب يجذبه إلى الرفيق الأعلى من أهل عليين، وجاذب يجذبه إلى أسفل سافلين
    فكلما انقاد مع الجاذب الأعلى صعد درجة حتى ينتهى إلى حيث يليق به من المحل الأعلى. وكلما انقاد إلى الجاذب الاسفل نزل درجة حتى ينتهى إلى موضعه من سجين.
    ومتى أراد أن يعلم هل هو مع الرفيق الأعلى أو الأسفل، فلينظر أين روحه في هذا العالم، فإنها اذا فارقت البدن تكون في الرفيق الأعلى الذى كانت تجذبه إليه في الدنيا فهو أولى بها فالمرء مع من أحب.
    وكل مهتم بشيء فهو منجذب إليه وإلى أهله بالطبع.


    الثامن عشر: أن يعلم العبد أن تفريغ المحل شرط لنزول غيث الرحمة، و تنقيته من الدغل شرط لكمال الزرع.
    فمتى لم يفرغ المحل، لم يصادف غيث الرحمة محلا قابلا ينزل فيه.
    وان فرغه حتى أصابه غيث الرحمة ولكنه لم ينقه من الدغل، لم يكن الزرع زرعا كاملا، بل ربما غلب الدغل على الزرع فكان الحكم له.
    فإذا طهر العبد قلبه وفرغه من ارادة السوء وخواطره، وبذر فيه بذر الذكر والفكر والمحبة والإخلاص، وعرضه لمهاب رياح الرحمة، وانتظر نزول غيث الرحمة في أوانه، كان جديرا بحصول المغل
    وكما يقوى الرجاء لنزول الغيث في وقته، كذلك يقوى الرجاء لإصابة نفحات الرحمن جل جلاله في الأوقات الفاضلة والأحوال الشريفة
    ولا سيما اذا اجتمعت الهمم وتساعدت القلوب وعظم الجمع كجمع عرفة وجمع الاستسقاء وجمع أهل الجمعة
    فإن اجتماع الهمم والأنفاس أسباب نصبها الله تعالى مقتضية لحصول الخير ونزول الرحمة
    ولو فرغ العبد المحل وهيأه وأصلحه لرأى العجائب، فإن فضل الله لا يرده إلا المانع الذي في العبد. فلو زال ذلك المانع لسارع إليه الفضل من كل صوب.
    فتأمل حال نهر عظيم يسقى كل أرض يمر عليها فحصل بينه وبين بعض الأرض المعطشة المجدية سكر وسد كثيف فصاحبها يشكو الجدب والنهر إلى جانب أرضه.


    التاسع عشر: أن يعلم العبد أن الله سبحانه خلقه لبقاء لا فناء له
    ولعز لا ذل معه وأمن لا خوف فيه وغناء لا فقر معه ولذة لا ألم معها وكمال لا نقص فيه
    وامتحنه في هذه الدار بالبقاء الذي يسرع إليه الفناء، والعز الذي يقارنه الذل، والأمن الذى معه و بعده الخوف، وكذلك الغناء واللذة والفرح والنعيم الذي هنا مشوب بضده، لأنه يتعقبه ضده وهو سريع الزوال.
    فغلط أكثر الخلق في هذا المقام إذ طلبوا النعيم والبقاء والعز والملك والجاه في غير محله، ففاتهم في محله وأكثرهم لم يظفر بما طليه !
    والذي ظفر به انما هو متاع قليل والزوال قريب، فإنه سريع الزوال عنه.

    العشرون: أن لا يغتر العبد باعتقاده أن مجرد العلم بما ذكرنا كاف في حصول المقصود بل لا بد أن يضيف إليه بذل الجهد
    وملاك ذلك الخروج عن العوائد فإنها أعداء الكمال والفلاح.
    فلا أفلح من استمر مع عوائده أبدا، ويستعين على الخروج عن العوائد بالهرب عن مظان الفتنة والبعد عنها ما أمكنه، وقد قال النبي: "من سمع بالدجال فلينا عنه"
    فما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه و مظانه

    وههنا لطيفة للشيطان لا يتخلص منها إلا حاذق، وهى أن يظهر له في مظان الشر بعض شيء من الخير، ويدعوه إلى تحصيله، فإذا قرب منه ألقاه في الشبكة والله أعلم.




    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 الفصل الثاني عشر : في بيان أن الإنسان لا يستغني عن الصبر





    كل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين :
    أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما..

    أما النوع الموافق لغرضه ، فكالصحة والجاه والمال وأنواع الملاذ المباحة، وهو أحوج شيء إلى الصبر فيها من وجوه:

    أحدها: أن لا يركن إليها ولا يغتر بها، ولا تحمله على البطر والفرح المذموم الذي لا يحب الله أهله.
    الثاني: أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فانها تنقلب إلى اضدادها
    الثالث: أن يصبر على أداء حق الله فيها، و لا يضيعه فيسلبها.
    الرابع: أن يصبر عن صرفها في الحرام، فلا يمكن نفسه من كل ما تريده منها.

    قال بعض السلف : " البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون "
    ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والأزواج والأولاد
    فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}
    وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}
    وليس المراد من هذه العداوة أنها عداوة البغضاء والمحادة، بل إنما هي عداوة المحبة الصادة للآباء عن الهجرة والجهاد وتعلم العلم والصدقة وغير ذلك من أمور الدين وأعمال البر.

    إنما كان الصبر على السراء شديداً لأنه مقرون بالقدرة ، فالجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضوره..

    ***

    أما النوع الثاني المخالف للهوى، فهاهنا ثلاثة أقسام :

    أحدها ما يرتبط باختياره، وهو جميع أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية.

    فأما الطاعة، فالعبد محتاج إلى الصبر عليها لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبودية
    ويحتاج العبد ها هنا إلى الصبر في ثلاثة أحوال :

    أحدها قبل الشروع فيها
    بتصحيح النية والاخلاص وتجنب دواعي الرياء والسمعة وعقد العزم على توفية المأمورية حقها

    الحالة الثانية الصبر حال العمل
    فيلازم العبد الصبر عن دواعي التقصير فيه والتفريط، ويلازم الصبر على استصحاب ذكر النية وعلى حضور القلب بين يدى المعبود وأن لا ينساه في أمره فليس الشأن في فعل المأمور بل الشأن كل الشأن أن لا ينسى الا مرحال الإتيان بأمره بل يكون مستصحبا لذكره في أمره فهذه عبادة العبيد المخلصين لله فهو يحتاج إلى الصبر على توفية العبادة حقها بالقيام بأدائها وأركانها وواجباتها وسننها وإلى الصبر على استصحاب ذكر المعبود فيها ولا يشتغل عنه بعبادته فلا يعطله حضوره مع الله بقلبه عن قيام جوارحه بعبوديته ولا يعطله قيام الجوارح بالعبودية عن حضور قلبه بين يديه سبحانه

    الحالة الثالثة الصبر بعد الفراغ من العمل، و ذلك من وجوه :

    أحدها أن يصبر نفسه عن الإتيان بما يبطل عمله.
    قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
    الثاني أن يصبر عن رؤيتها والعجب بها والتكبر والتعظم بها
    الثالث أن يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية

    أما الصبر عن المعاصي، فأمره ظاهر وأعظم ما يعين عليه قطع المألوفات ومفارقة الأعوان عليها في المجالسة والمحادثة وقطع العوائد فإن العادة طبيعة خاصة فاذا انضافت الشهوة إلى العادة تظاهر جندان من جند الشيطان فلا يقوى باعث الدين على قهرهما.

    :

    القسم الثاني ما لا يدخل تحت الإختيار وليس للعبد حيلة في دفعه
    كالمصائب التي لا صنع للعبد فيها، كموت من يعز عليه وسرقة ماله ومرضه ونحو ذلك ،وهذا نوعان :
    أحدهما ما لا صنع للعبد الآدمي فيه، والثاني ما أصابه من جهة آدمي مثله كالسب والضرب وغيرهما..

    فالنوع الأول للعبد فيه أربع مقامات :

    أحدها: مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط.
    المقام الثاني: مقام الصبر إما لله وإما للمروءة الإنسانية
    المقام الثالث: مقام الرضا، وهو أعلى من مقام الصبر
    المقام الرابع: مقام الشكر، وهو أعلى من مقام الرضا فإنه يشهد البلية نعمة فيشكر المبتلى عليها

    وأما النوع الثاني، وهو ما أصابه من قبل الناس، فله فيه هذه المقامات، ويضاف إليها أربعة أخر :

    أحدها: مقام العفو والصفح
    الثاني: مقام سلامة القلب من إرادة التشفي والانتقام، وفراغه من ألم مطالعة الجناية كل وقت وضيقه بها
    الثالث: مقام شهود القدر وانه وان كان ظالما بإيصال هذا الأذى اليك فالذى قدره عليك وأجراه على يد هذا الظالم ليس بظالم
    الرابع: مقام الإحسان إلى المسيء

    :

    القسم الثالث ما يكون وروده باختياره، فإذا تمكن لم يكن له اختيار ولا حيلة في دفعه.
    وهذا كالعشق أوله اختيار وآخره اضطرار ، وكالتعرض لأسباب الأمراض والآلام التى لا حيلة في دفعها بعد مباشرة أسبابها كما لا حيلة في دفع السكر بعد تناول المسكر
    فهذا كان فرضه الصبر عنه في أوله، فلما فاته بقى فرضه الصبر عليه في آخره، وأن لا يطيع داعي هواه ونفسه

    وللشيطان ها هنا دسيسة عجيبة، وهي أن يخيل اليه أن ينل بعض ما منع قد يتعين عليه أو يباح له على سبيل التداوي، وغايته أن يكون كالتداوي بالخمر والنجاسة. وقد أجازه كثير من الفقهاء، وهذا من أعظم الجهل. فإن هذا التداوى لا يزيل الداء بل يزيده ويقويه، وكم ممن تداوى بذلك فكان هلاك دينه ودنياه في هذا الدواء بل الدواء النافع لهذا الداء الصبر والتقوى
    كما قال تعالى {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}

    فالصبر والتقوى دواء كل داء من أدواء الدين، و لا يستغنى أحدهما عن صاحبه.

    :

    فإن قيل : فهل يثاب على الصبر في هذا القسم إذا كان عاصياً مفرطاً يتعاطى أسبابه، وهل يكون معاقباً على ما تولد منه وهو غير اختياري له ؟
    قيل : نعم، إذا صبر لله تعالى وندم على ما تعاطاه من السبب المحظور، أثيب على صبره لأنه جهاد منه لنفسه وهو عمل صالح والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
    وأما عقوبته على ما تولد منه فإنه يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه، كما يعاقب السكران على ما جناه في حال سكره، فإذا كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا.. فإن الله سبحانه يعاقب على الأسباب المحرمة وعلى ما تولد منها، كما يثيب على الأسباب المأمور بها وعلى ما يتولد منها ولذا كان من دعا إلى بدعة وضلالة فعليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه لأن اتباعهم له تولد عن فعله.

    :

    فإن قيل : فكيف التوبة من هذا المتولد وليس من فعله، و الإنسان إنما يتوب عما يتعلق باختياره ؟

    قيل : التوبة منه بالندم عليه وعدم إجابة دواعيه وموجباته، و حبس النفس عن ذلك.
    فإن كان المتولد متعلقا بالغير، فتوبته مع ذلك برفعه عن الغير بحسب الإمكان.
    ولهذا كان من توبة الداعي إلى البدعة أن يبين أن ما كان يدعو إليه بدعة وضلالة، و أن الهدى في ضده
    فهكذا تفهم شرائط التوبة و حقيقتها، والله المستعان.




    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 الفصل الثالث عشر : في المفاضلة بين الصبر و الشكر





    كل أمرين طلبت الموازنة بينهما، فإن ذلك لا يمكن إلا بعد معرفة كل منهما
    وقد ذكرنا حقيقة الصبر وأقسامه وأنواعه، ونذكر حقيقة الشكر وماهيته

    شكر العبد يدور على ثلاثة أركان ، لا يكون شكوراً إلا بمجموعها :
    أحدها اعترافه بنعمة الله عليه، و الثاني الثناء عليه بها، و الثالث الاستعانة بها على مرضاته

    وأما قول الناس فى الشكر
    فقالت طائفة هو الاعتراف بنعمه المنعم على وجه الخضوع
    ويقال الشكر على الشكر أتم من الشكر، وذلك أن ترى شكرك بتوفيقه وذلك التوفيق من أجل النعم عليك
    وقيل الشاكر الذى يشكر على العطاء و الشكور الذى يشكر على البلاء
    وقيل الشكر ألا تعصي الله بنعمه

    دخل رجل على سهل ابن عبدالله فقال اللص دخل داري وأخذ متاعي. فقال : أشكر الله، فلو دخل اللص قلبك، وهو الشيطان، و أفسد عليك التوحيد ماذا كنت تصنع؟

    الشكر يتعلق بالقلب و اللسان و الجوارح
    فالقلب للمعرفة والمحبة، واللسان للثناء والحمد، والجوارح لاستعمالها فى طاعة المشكور وكفها عن معاصيه

    الشكر أخص بالافعال و الحمد أخص بالاقوال
    وسبب الحمد أعم من سبب الشكر ، فإنه يحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله ونعمه، ويشكر على نعمه
    و ما يحمد به أخص مما يشكر به، فإنه يشكر بالقلب و اللسان و الجوارح، و يحمد بالقلب و اللسان

    إذا عرف هذا، فكل من الصبر والشكر داخل في حقيقة الآخر، لا يمكن وجوده إلا به
    و إنما يعبر عن أحدهما باسمه الخاص به باعتبار الأغلب عليه و الأظهر منه
    فان الشكر هو العمل بطاعة الله وترك معصيته، والصبر أصل ذلك فالصبر على الطاعة وعن المعصية هو عين الشكر

    إذا كان الصبر مأموراً به ، فأداؤه هو الشكر

    :

    فان قيل : فهذا يفهم منه اتحاد الصبر والشكر وأنهما اسمان لمسمى واحد وهذا محال عقلا ولغة وعرفا وقد فرق الله سبحانه بينهما ؟

    قيل : بل هما معنيان متغايران، وإنما بينا تلازمهما وافتقار كل واحد منهما فى وجود ماهيته الى الآخر.
    ومتى تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه شكرا، واذا تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه صبرا.
    أما الاول فظاهر وأما الثاني اذا تجرد عن الشكر كان كافورا

    :

    فان قيل : بل ها هنا قسم آخر، وهو أن لا يكون كفورا ولا شكورا، بل صابرا على مضض وكراهة شديدة فلم يأت بحقيقة الشكر ولم يخرج عن ماهية الصبر؟

    قيل : كلامنا فى الصبر المأمور به الذى هو طاعة، لا فى الصبر الذى هو تجلد كصبر البهائم وصبر الطاعة لا يأتي به إلا شاكر.

    ***

    إن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب ، وعد ذلك كله ابتلاء
    فقال {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}
    و قال {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}

    فالرب تعالى يبتلى بنعمه و ينعم بابتلائه
    و الصبر والشكر حالتان لازمتان للعبد فى أمر الرب ونهيه وقضائه وقدره
    والسؤال عن أيهما أفضل ، كالسؤال عن الطعام والشراب أيهما أفضل، وعن خوف العبد ورجائه أيهما أفضل
    فالمأمور لا يؤدى الا بصبر وشكر، والمحظور لا يترك الا بصبر وشكر
    وأما المقدور الذى يقدر على العبد من المصائب فمتى صبر عليه اندرج شكره فى صبره


    وهذه هي مسألة الغني الشاكر و الفقير الصابر أيهما أفضل

    التحقيق أن يقال أفضلهما أتقاهما لله تعالى فان فرض استوائهما فى التقوى استويا فى الفضل
    فان الله سبحانه لم يفضل بالفقر والغنى، كما لم يفضل بالعافيه والبلاء وانما فضل بالتقوى، كما قال تعالى :
    {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
    والتقوى مبنيه على أصلين الصبر والشكر وكل من الغنى والفقير لا بد له منهما، فمن كان صبره وشكره أتم كان أفضل.

    :

    فإن قيل : فاذا كان صبر الفقير أتم، و شكر الغني أتم فأيهما أفضل؟

    قيل : أتقاهما لله في مقتضى حاله، ولا يصح أن يقال هذا بغناه أفضل ولا هذا بفقره أفضل، ولا يصح أن يقال هذا بالشكر أفضل من هذا بالصبر ولا بالعكس، لأنهما مطيتان للايمان لا بد منهما بل الواجب أن يقال أقومهما بالواجب والمندوب هو الافضل. فأي الرجلين كان أقوم بالواجبات وأكثر نوافل كان أفضل.

    :

    فان قيل : فقد ثبت عن النبي أنه قال " يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام"

    قيل : هذا لا يدل على فضلهم على الاغنياء فى الدرجة وعلو المنزلة و إن سبقوهم بالدخول
    فقد يتأخر الغني و السلطان العادل فى الدخول لحسابه، فإذا دخل كانت درجته أعلى ومنزلته أرفع

    :

    فإن قيل : إن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الدنيا فردها و قال : " بل اشبع يوما وأجوع يوما " .
    ولم يكن الله سبحانه ليختار لرسوله إلا الأفضل. هذا مع أنه لو أخذ الدنيا لأنفقها كلها فى مرضاة الله ولكان شكره بها فوق شكر جميع العالمين.

    قيل : احتج بحال رسول الله كل واحدة من الطائفتين والتحقيق أن الله سبحانه وتعالى جمع له بين المقامين كليهما على أتم الوجوه
    فكان أصبر الخلق فى مواطن الصبر، وأشكر الخلق فى مواطن الشكر
    قال تعالى {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} وأجمع المفسرون أن العائل هو الفقير .

    المقصود أنه سبحانه جعل نبيه غنيا شاكرا بعد أن كان فقيرا صابرا فلا تحتج به طائفة لحالها إلا كان للطائفة الأخرى أن تحتج به ايضا لحالها.

    :

    فإن قيل : فقد كان عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه من الشاكرين، و في الأحاديث دخوله الجنة زحفاً

    قيل : لا يلزم من احتباس عبد الرحمن بن عوف لكثرة ماله حتى يحاسبه عليه ثم يلحق برسول الله وأصحابه غضاضة عليه ولا نقص من مرتبته ولا يضاد ذلك سبقه وكونه مشهودا له بالجنة
    أما حديث دخوله الجنة زحفا فالأمر كما قال فيه الامام أحمد رحمه الله، أنه كذب منكر، وكما قال النسائي انه موضوع
    ومقامات عبد الرحمن وجهاده ونفقاته العظيمة وصدقاته تقتضي دخوله مع المارين كالبرق ولا يدعه يدخلها زحفا

    ***

    والله سبحانه كما هو خالق الخلق فهو خالق ما به غناهم وفقرهم
    فخلق الغنى والفقر ليبتلي بهما عباده أيهم أحسن عملا وجعلهما سببا للطاعة والمعصية والثواب والعقاب
    قال تعالى {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ}
    فأخبر سبحانه أنه يبتلى عبده بإكرامه له وبتنعيمه له وبسط الرزق عليه، كما يبتليه بتضييق الرزق وتقديره عليه وان كليهما ابتلاء منه وامتحان
    ثم أنكر سبحانه على من زعم أن بسط الرزق و توسعته اكرام من الله لعبده، و أن تضييقه عليه إهانة منه له فقال كلا أى ليس الامر كما يقول الانسان بل قد أبتلى بنعمتي وأنعم ببلائي
    وقال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}
    فأخبر سبحانه أنه زين الارض بما عليها من المال وغيره للابتلاء والامتحان ،ولم ينزل المال لمجرد الاستمتاع به
    كما فى المسند عنه قال: يقول الله تعالى:
    "انا نزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد من مال لابتغى اليه ثانيا ولو كان له ثان لابتغى له ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب"
    فأربح الناس من جعلها وسائل الى الله والدار الآخرة وذلك الذى ينفعه فى معاشه ومعاده
    وأخسر الناس من توسل بها الى هواه ونيل شهواته وأغراضه العاجلة فخسر الدنيا والآخرة

    وإذا عرف أن الغنى والفقر والبلاء والعافية فتنة وابتلاء من الله لعبده تمتحن بها صبره وشكره
    علم أن الصبر والشكر مطيتان للايمان لا يحمل إلا عليهما ولا بد لكل مؤمن منهما
    وكل منهما فى موضعه أفضل، فالصبر فى مواطن الصبر أفضل، والشكر فى مواضع الشكر أفضل




    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 الفصل الرابع عشر : فى بيان الأمور المضادة للصبر





    لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، و القلب عن التسخط، و الجوارح عن اللطم و شق الثياب ونحوها
    كان ما يضاده واقعا على هذه الجملة
    فمنه الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكى العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكى من يرحمه الى من لا يرحمه
    ولا تضاده الشكوى الى الله كما تقدم في شكاية يعقوب الى الله مع قوله فصبر جميل
    و أما إخبار المخلوق بالحال، فإن كان للاستعانة بإرشاده أو معاونته و التوصل إلى زوال صرورة لم يقدح ذلك فى الصبر
    كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه
    وقد كان النبي إذا دخل على المريض يسأله عن حاله ويقول كيف نجدك، وهذا استخبار منه واستعلام بحاله

    :

    أما الأنين فهل يقدح في الصبر ؟

    فيه روايتان :

    عن الامام أحمد قال أبو الحسين أصحهما الكراهة لما روي عن طاوس أنه كان يكره الأنين في المرض
    وقال مجاهد : كل شيء يكتب على ابن آدم مما يتكلم ، حتى أنينه في مرضه
    قال هؤلاء : و إن الأنين شكوى بلسان الحال ينافي الصبر

    والرواية الثانية أنه لا يكره و لا يقدح في الصبر
    قال بكر بن محمد عن أبيه، سئل أحمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع فقال: تعرف فيه شيئا عن رسول الله ؟
    قال نعم، حديث عائشة " وارأساه" و جعل يستحسنه

    التحقيق أن الأنين على قسمين : أنين شكوى فيكره ، و أنين استراحة و تفريج فلا يكره

    وقد روى في أثر : أن المريض إذا بدأ بحمد الله ثم أخبر بحاله لم يكن شكوى
    وقيل : من شكى من مصيبة نزلت به إلى غير الله لم يجد في قلبه حلاوة لطاعة الله أبدا

    الشكوى نوعان : شكوى بلسان القال ، و شكوى بلسان الحال، ولعلها أعظمها
    لهذا أمر النبي من أنعم عليه أن يظهر نعمة الله عليه
    و أعظم من ذلك من يشتكي ربه وهو بخير، فهذا أمقت الخلق عند ربه

    قال الإمام أحمد عن كعب الاحبار أن من حسن العمل سبحة الحديث ومن شر العمل التحذيف
    قيل ما سبحة الحديث ؟ قال : سبحان الله وبحمده في خلال الحديث.
    قبل فما التحذيف ؟ قال : يصبح الناس بخير فيسألون فيزعمون أنه بشر.

    :

    و مما ينافي الصبر في شق الثياب عند المصيبة، ولطم الوجه والضرب بإحدى اليدين على الأخرى وحلق الشعر والدعاء بالويل.
    ولا ينافيه البكاء و الحزن قال الله تعالى عن يعقوب : {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}
    قال قتادة : كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً

    وعن ابن عباس عن النبي قال : " ما كان من العين والقلب فمن الله والرحمة وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان"

    قال خالد بن أبي عثمان : مات ابن لي فرآني سعد بن جبير متقنعا فقال : إياك والتقنيع، فإنه من الاستكانة وقاتل بكر بن عبد الله المزني كان يقال من الاستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة

    قال عبيد بن عمير : ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيء و الظن السيء

    ومات ابن لبعض قضاة البصرة فاجتمع إليه العلماء والفقهاء فتذاكروا ما يتبين به جزع الرجل من صبره فأجمعوا أنه إذا ترك شيئا مما كان يصنعه فقد جزع

    وقال الحسين ابن عبد العزيز الحوري مات ابن لي نفيس فقلت لأمه اتقي الله واحتسبيه واصبري، فقال مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع

    :

    و مما يقدح فى الصبر إظهار المصيبة و التحدث بها ، و كتمانها رأس الصبر

    عن ابن عمر قال قال رسول الله : "من البر كتمان المصائب و الأمراض و الصدقة"
    وذكر أنه من بث الصبر فلم يصبر

    :

    و يضاد الصبر الهلع ، وهو الجزع عند ورود المصيبة و المنع عند ورود النعمة
    قال تعالى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} وهذا تفسير الهلوع
    قال الجوهري: الهلع أفحش الجزع ، و قد هلع بالكسر فهو هلع و هلوع

    في الحديث " شر ما فى العبد شح هالع وجبن خالع "

    إن الشح و الجبن أردى صفتين فى العبد
    ولا سيما اذا كان شحه هالعا أى ملق له فى الهلع ، وجبنه خالعا أي قد خلع قلبه من مكانه فلا سماحة ولا شجاعة
    واذا أردت معرفة الهلوع، فهو الذي إذا أصابه الجوع مثلا أظهر الاستجاعه واسرع بها واذا أصابه الالم اسرع الشكايه وأظهرها ، و إذا بدا له مأخذ طمع طار اليه سريعا واذا ظفر به أحله من نفسه محل الروح
    وهذا كله من صغر النفس ودناءتها وتدسيسها في البدن واخفائها وتحقيرها والله المستعان.



    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 الفصل الخامس عشر : في بيان دخول الصبر و الشكر في صفات الرب جل جلاله





    يدخل الصبر و الشكر في صفات الرب جل جلاله، و يسمى بالصبور و الشكور
    ولو لم يكن للصبر والشكر من الفضيلة إلا ذلك لكفى به

    أما الصبر فقد أطلقه عليه أعرف الخلق به و أعظمهم تنزيها له بصيغة المبالغة
    ففى الصحيحين عن النبي قال : " ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله عز وجل يدعون له ولدا وهو يعافيهم ويرزقهم".

    و في أسمائه الحسنى الصبور، وهو من أمثلة المبالغة أبلغ من الصابر و الصبار
    وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق و لا يماثله من وجوه متعددة
    منها أنه عن قدرة تامة، و منها أنه لا يلحقه بصبره ألم و لا حزن و لا نقص بوجه ما

    ظهور أثر الاسم فى العالم مشهود بالعيان كظهور اسمه الحليم

    الفرق بين الصبر و الحلم أن الصبر ثمرة الحلم و موجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره

    فالحلم فى صفات الرب تعالى أوسع من الصبر ولهذا جاء اسمه الحليم فى القرآن فى غير موضع، و لسعته يقرنه سبحانه باسم العليم كقوله وكان الله عليما حليما والله عليم حليم

    :

    في أثر أن حملة العرش أربعة :
    إثنان يقولان " سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك "
    وإثنان يقولان " سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك "
    فإن المخلوق يحلم عن جهل ويعفو عن عجز، والرب تعالى يحلم مع كمال علمه و يعفو مع تمام قدرته
    وما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى اقتدار

    :

    صبره سبحانه متعلق بكفر العباد و شركهم و مسبتهم له سبحانه و أنواع معاصيهم وفجورهم
    فلا يزعجه ذلك كله إلى تعجيل العقوبة، بل يصبر على عبده ويمهله ويستصلحه ويرفق به ويحلم عنه
    حتى اذا لم يبق فيه موضع للصنيعة و لا يصلح على الامهال والرفق والحلم، ولا ينيب إلى ربه ويدخل عليه لا من باب الاحسان والنعم ولا من باب البلاء والنقم
    أخذه أخذ عزيز مقتدر، بعد غاية الأعذار إليه و بذل النصيحة له و دعائه إليه من كل باب

    :

    إذا أردت معرفة صبر الرب تعالى و حلمه و الفرق بينهما فتأمل قوله تعالى :
    ان الله يمسك السموات والارض أن تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا
    وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا
    وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ


    في الآية إشعار بأن السموات والأرض تهم وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتي به العباد فيمسكها بحلمه ومغفرته
    وذلك حبس عقوبته عنهم وهو حقيقة صبره تعالى
    فالذي عنه الامساك هو صفة الحلم، و الامساك هو الصبر وهو حبس العقوبة

    في مسند الامام أحمد مرفوعا: "ما من يوم الا والبحر يستأذن ربه أن يغرق بنى آدم"
    وهذا مقتضى الطبيعة لأن كرة الماء تعلو كرة التراب بالطبع ولكن الله يمسكه بقدرته وحلمه وصبره، وكذلك خرور الجبال وتفطير السموات
    فإن ما يأتي به الكفار والمشركون والفجار فى مقابلة العظمة والجلال والإكرام يقتضى ذلك
    فجعل سبحانه فى مقابلة هذه الأسباب، أسبابا يحبها ويرضاها ويفرح بها أكمل فرح وأتمه، تقابل تلك الأسباب التي هي سبب زوال العالم وخرابه فدفعت تلك الأسباب وقاومتها.
    وكان هذا من آثار مدافعة رحمته لغضبه و سبقها إياه، فغلب أثر الرحمة أثر الغضب كما غلبت الرحمة الغضب

    لهذا استعاذ النبي بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، ثم جمع الأمرين في الذات اذ هما قائمان بها فقال :
    " أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك "

    فتأمل ما تحت قوله: "أعوذ بك منك"
    من محض التوحيد وقطع الالتفات الى غيره وتكميل التوكل عليه تعالى والاستعانة به وحده وافراده بالخوف والرجاء ودفع الضر وجلب الخير
    وهو الذي يمس بالضر بمشيئته وهو الذي يدفعه بمشيئته وهو المستعاذ بمشيئته من مشيئته وهو المعيذ من فعله بفعله
    وهو الذى سبحانه خلق ما يصبر عليه وما يرضى به
    فاذا أغضبه معاصى الخلق وكفرهم وشركهم وظلمهم، أرضاه تسبيح ملائكته وعبادة المؤمنين له وحمدهم اياه وطاعتهم له فيعيذ رضاه من غضبه

    {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}
    أخبر أنه سبحانه كما جعل فى الارض من يكفر به ويجحد توحيده ويكذب رسله
    كذلك جعل فيها من عباده من يؤمن بما كفر به أولئك ويحفظ من حرماته ما أضاعوه
    وبهذا تماسك العالم العلوي و السفلي، والا فلو تبع الحق أهواء أعدائه لفسدت السموات والارض ومن فيهن ولخرب العالم
    ولهذا جعل سبحانه من أسباب خراب العالم رفع الأسباب الممسكة له من الارض، وهي كلامه وبيته ودينه والقائمون به
    فلا يبقى لتلك الأسباب المقتضية لخراب العالم أسباب تقاومها وتمانعها

    ولما كان اسم الحليم أدخل في الاوصاف، واسم الصبور في الافعال
    كان الحلم أصل الصبر فوقع الاستغناء بذكره فى القرآن عن اسم الصبور والله أعلم.

    ****

    أما تسميته سبحانه بالشكور، قال الله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} و قال : {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
    وقال تعالى {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}

    فجمع لهم سبحانه بين الأمرين أن شكر سعيهم وأثابهم عليه، والله تعالى يشكر عبده إذا أحسن طاعته

    وقد تقدم ذكر حقيقة شكر العبد وأسبابه ووجوهه، وأما شكر الرب تعالى فله شأن آخر كشأن صبره
    فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور بل هو الشكور على الحقيقة

    ولما عقر نبيه سليمان الخيل غضبا له اذ شغلته عن ذكره فاراد ألا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متن الريح
    ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها فى مرضاته، أعاضهم عنها أن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم
    ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكن له فى الارض يتبوأ منها حيث يشاء
    ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه، شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرا خضرا أقر أرواحهم فيها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها الى يوم البعث فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه
    ولما بذل رسله أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبوهم، أعاضهم من ذلك بأن صلى عليهم هو وملائكته وجعل لهم أطيب الثناء فى سمواته وبين خلقه فأخلصهم بخالصة ذكرى الدار.

    ومن شكره سبحانه أنه يجازي عدوه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا ويخفف به عنه يوم القيامة
    فلا يضيع عليه ما يعمله من الاحسان، وهو من أبغض خلقه إليه

    ومن شكره أنه غفر للمرأة البغى بسقيها كلبا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى
    وغفر لآخر بتنحيته غصن شوك عن طريق المسلمين

    فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لنفسه والمخلوق إنما يشكر من أحسن اليه

    وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يحسن به الى نفسه
    وشكره على قليله بالأضعاف المضاعفة التي لا نسبة لإحسان العبد اليها
    فهو المحسن بإعطاء الاحسان وإعطاء الشكر فمن أحق باسم الشكور منه سبحانه!

    تأمل قوله سبحانه : { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}
    كيف تجد فى ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سدى بغير جرم، كما يأبى اضاعة سعيهم باطلا
    فالشكور لا يضبع أجر محسن ولا يعذب غير مسيء
    و في هذا رد لقول من زعم أنه سبحانه يكلفه ما لا يطيقه، ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته
    تعالى الله عن هذا الظن الكاذب والحسبان الباطل علوا كبيرا، فشكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور ولا يضيع عمله

    ومن شكر سبحانه أنه يخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير، ولا يضيع عليه هذا القدر

    ومن شكره سبحانه أن العبد من عباده يقوم له مقاما يرضيه بين الناس، فيشكره له وينوه بذكره ويخبر به ملائكته وعباده المؤمنين كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام وأثنى به عليه ونوه بذكره بين عباده
    وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته إليه

    :

    إنه سبحانه غفور شكور يغفر الكثير من الزلل و يشكر القليل من العمل

    لما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر كما أن أبغض خلقه اليه من اتصف بضدها

    هذا شأن أسمائه الحسنى أحب خلقه اليه من اتصف بموجبها وأبغضهم اليه من اتصف باضدادها



    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    flower2 < خـاتـمـة >




    خاتمة

    يا من عزم على السفر إلى الله و الدار الآخرة ، قد رفع لك علم فشمر إليه فقد أمكن التشمير
    واجعل سيرك بين مطالعة منته ومشاهدة عيب النفس والعمل والتقصير
    فما أبقى مشهد النعمة والذنب للعارف من حسنة يقول هذه منجيتي من عذاب السعير
    ما المعول إلا على عفوه و مفغرته فكل أحد إليهما فقير
    أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي أنا المذنب المسكين وأنت الرحيم الغفور
    ما تساوي أعمالك لو سلمت مما يبطلها أدنى نعمة من نعمه عليك وأنت مرتهن بشكرها
    من حين أرسل بها إليك فهل رعيتها بالله حق رعايتها وهي فى تصريفك وطوع يديك
    فتعلق بحبل الرجاء وادخل من باب التوبة والعمل الصالح إنه غفور شكور
    نهج للعبد طريق النجاة وفتح له أبوابها وعرفه طرق تحصيل السعادة وأعطاه أسبابها
    وحذره من وبال معصيته وأشهده على نفسه وعلى غيره شؤمها وعقابها
    وقال إن أطعت فبفضلي وأنا أشكر، وإن عصيت فبقضائي وأنا أغفر إن ربنا لغفور شكور
    أزاح عن العبد العلل، وأمره أن يستعيذ به من العجز والكسل
    ووعده أن يشكر له القليل من العمل ويغفر له الكثير من الزلل إن ربنا لغفور شكور
    أعطاه ما يشكر عليه ثم يشكره على إحسانه إلى نفسه لا على إحسانه إليه
    ووعده على إحسانه لنفسه أن يحسن جزاءه ويقربه لديه
    وأن يغفر له خطاياه إذا تاب منها ولا يفضحه بين يديه ان ربنا لغفور شكور
    وثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعتها، وعكفت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها
    وخرقت السبع الطباق دعوات التائبين والسائلين فسمعها
    ووسع الخلائق عفوه ومغفرته ورزقه
    فما من دابة فى الأرض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها إن ربنا لغفور شكور
    يجود على عبيده بالنوافل قبل السؤال، ويعطي سائله ومؤمله فوق ما تعلقت به منهم الآمال
    ويغفر لمن تاب إليه ولو بلغت ذنوبه عدد الآمواج والحصى والتراب والرمال إن ربنا لغفور شكور
    ارحم بعباده من الوالدة بولدها
    وأفرح بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه فى الأرض المهلكة اذا وجدها
    وأشكر للقليل من جميع خلقه فمن تقرب اليه بمثقال ذرة من الخير شكرها وحمدها ان ربنا لغفور شكور
    تعرف إلى عباده بأسمائه وأوصافه، وتحبب اليهم بحلمه وآلائه ولم تمنعه معاصيهم بأن جاد عليهم بآلائه
    ووعد من تاب اليه وأحسن طاعته بمغفرة ذنوبه يوم لقائه ان ربنا لغفور شكور
    السعادة كلها فى طاعته، والأرباح كلها فى معاملته والمحن والبلايا كلها فى معصيته ومخالفته
    فليس للعبد أنفع من شكره وتوبته ان ربنا لغفور شكور
    أفاض على خلقه النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه إن ربنا لغفور شكور
    يطاع فيشكر وطاعته من توفيقه وفضله ، ويعصى فيحلم ومعصية العبد من ظلمه وجهله
    ويتوب إليه فاعل القبيح فيغفر له حتى كأنه لم يكن قط من أهله ان ربنا لغفور شكور
    الحسنة عنده بعشر أمثالها أو يضاعفها بلا عدد ولا حسبان
    والسيئة عنده بواحدة ومصيرها الى العفو والغفران
    وباب التوبة مفتوح لديه منذ خلق السموات والارض إلى آخر الزمان إن ربنا لغفور شكور
    بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار وسماء عطاه لا تقلع عن الغيث بل هى مدرار
    ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ان ربنا لغفور شكور
    لا يلقى وصاياه الا الصابرون ولا يفوز بعطاياه الا الشاكرون ولا يهلك
    عليه الا الهالكون ولا يشقى بعذابه الا المتمردون ان ربنا لغفور شكور
    فإياك أيها المتمرد أن ياخذك على غرة فإنه غيور
    واذا أقمت على معصيته وهو يمدك بنعمته فاحذره فإنه لم يهملك لكنه صبور
    وبشراك أيها التائب بمغفرته ورحمته أنه غفور شكور

    من علم أن الرب شكور تفوع فى معاملته
    ومن عرف أنه واسع المغفرة تعلق بأذيال مغفرته
    ومن علم أن رحمته سبقت غضبه لم ييأس من رحمته ان ربنا لغفور شكور
    من تعلق بصفة من صفاته أخذته بيده حتى تدخله عليه
    ومن سار اليه بأسمائه الحسنى وصل اليه
    ومن أحبه أحب أسمائه وصفاته وكانت آثر شيء لديه
    حياة القلوب في معرفته ومحبته
    وكمال الجوارح في التقرب إليه بطاعته والقيام بخدمته
    والألسنة بذكره والثناء عليه بأوصاف مدحته
    فأهل شكره أهل زيادته وأهل ذكره أهل مجالسته وأهل طاعته أهل كرامته وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته
    إن تابوا فهو حبيبهم وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم
    يبتليهم بأنواع المصائب ليكفر عنهم الخطايا ويطهرهم من المعائب إنه غفور شكور


    :

    والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله
    حمدا يملأ السموات والارض وما بينهما وما شاء ربنا من شيء بعد بمجامع حمده كلها
    ما علمنا منها وما لم نعلم على نعمه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم
    عدد ما حمد الحامدون وغفل عن ذكره الغافلون وعدد ما جرى به قلمه واحصاه كتابه وأحاط به علمه
    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه اجمعين وعلى سائر الانبياء والمرسلين ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.





    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    الردود
    7,864
    الجنس
    امرأة

    إعلان من الإدارة

    ها قد وصلنا إلى نهاية رحلتنا مع كتاب رائع

    أبحرنا من خلاله في حقيقة الصبر و تذاكرنا منزلة الصابرين

    و تعلمنا كيف نسلح أنفسنا بالصبر الذي يعيننا في ديننا و دنيانا

    من منا لا يحتاج إلى الصبر ؟..

    نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من الصابرين و الصابرات

    الذين بشرهم الله سبحانه بأعلى الدرجات

    :

    و لكن مهلاً

    لا زالت توجد محطة في رحلتنا هذه :

    الـمـســابـقة

    فاستعدوا لها جيدا

    و ترقبوها



    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان‏

    رِفْقاً أهلَ السُّنَّة بأهلِ السُّنَّة

    أصول الحوار .. وأدب الإختلاف ..

مواضيع مشابهه

  1. الردود: 0
    اخر موضوع: 04-07-2011, 05:34 PM
  2. أنت كما انت.. دعوة لقراءة الموضوع
    بواسطة أحلى صحبة في روضة السعداء
    الردود: 1
    اخر موضوع: 18-04-2010, 02:17 PM
  3. الردود: 107
    اخر موضوع: 13-10-2007, 01:22 AM
  4. دعوة لقراءة قصة بقلمي ...
    بواسطة أفنـ أم عمر ـان في نافذة إجتماعية
    الردود: 2
    اخر موضوع: 22-10-2006, 12:58 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ