كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختياراً و إما اضطراراً
فالكريم يصبر اختياراً لعلمه بحسن عاقبة الصبر
و أنه يحمد عليه و يذم على الجزع
وأنه إن لم يصبر، لم يرد الجزع عنه مكروهاً، وأن المقدور لا حيلة في دفعه وما لم يقدر لا حيلة في تحصيله، فالجزع ضره أقرب من نفعه
قال بعض العقلاء : " العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر "
فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود، فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره
قال بعض العقلاء : " من لم يصبر صبر الكرام، سلا سلو البهائم "
أما اللئيم فإنه يصبر اضطراراً
فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئاً، فيصبر صبر الموثق للضرب
***
وأيضاً، فالكريم يصبر في طاعة الرحمن ، و اللئيم يصبر في طاعة الشيطان.
فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم و شهواتهم، و أقل الناس صبراً في طاعة ربهم
فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء
ويصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه
ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية، ولا يصبر على ما يقال في عرضه إذا أوذي في الله، بل يفر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله
فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس، وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله
وهذا أعظم اللؤم، ولا يكون صاحبه كريماً عند الله، و لا يقوم مع أهل الكرم اذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد..
الروابط المفضلة