يا عالي الهمة .. بقدر ما تتعنى ، تنال ما تتمنى نعم أنت ... أخاطبك أنت يا عالي الهمة .. يامن تجود بالنفس والنفيس في تحصيل غاياتك ، وتحقيق بغيتك
... لأنك تعلم أن المكارم منوطة بالمكاره .. وأن المصالح والخيرات ، واللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ
من المشقة ، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب :

لولا المشقة ساد الناس كلهم ............. الجود يفقر ، والإقدام قتَــــَــــال
وقال آخر :
الذل في دعة النفوس ولا أرى ............ عز المعيشة دون أن يشقى لها

كان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - يصوم حتى يعود كالخلال ( العود الذي يخلل به الأسنان ) فقيل
له : ( لو أجممت نفسك ؟ ) أي : تركتها تستريح ، فقال : ( هيهات ! إنما يسبق من الخيل المضمرة )

وقد قيل : من طلب الراحة ، ترك الراحة ..

وقد قال أحد الأئمة - رحمه الله :
( وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم ، وأن من آثر الراحة ، فاتته الراحة ، وأن بحسب ركوب الأهوال ، واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة ، فلا فرحة لمن لا تعب له ، بل إذا تعب العبد قليلا ، استراح طويلا ، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قادة لحياة الأبد ، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة ، والله المستعان ولا قوة إلا بالله )

وهكذا يا عالي الهمة : كلما كانت النفوس أشرف ، والهمة أعلى ، كان تعب البدن أوفر ، وحظه من الراحة أقل .
وإذا النفوس كن كبارا .............. تعبت في مرادها الأجسام

قال الإمام أحمد بن حنبل لابنه في المحنة : ( يا بني ! لقد أعطيت المجهود من نفسي )
وقيل للربيع بن خثيم : ( لو أرحت نفسك ؟ ) قال : ( راحتها أريــــــــــــــــــد )
وقد قيل للإمام أحمد : ( متى يجد العبد طعم الراحة ؟ فقال : ( عند أول قدم في الجنة )

أحزان قلبي لا تزول .................. حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين .................. وتسر عيني بالرسول

وقال أحدهم لما عوتب لشدة اجتهاده : ( إن الدنيا كانت ولم أكن فيها ، وستكون ولا أكون فيها ، ولا أحب أن أغبن أيامي )
انفضوا النوم وهبوا للعلا ................. فالعلا وقف على من لم ينم

فالصلاة خير من النوم ، والتجلد خير من التبلد ، والمنية خير من الدنية ، ومن عز بز ...

فكن يا عالي الهمة منطلقا بثقة وقوة وإقدام نحو الغاية التي حددتها على بصيرة وعلم ، واقتحم الأهوااال واستهن بالصعاب ، فعالي الهمة لا يزال يطير إلى المعالي بجناح الهمة ، ولا يلوي على شيء ، ولا يستفزه لوم اللائمين ولا يثبط القاعدين :

سبقت المعالي إلى المعالي ................. بصائب فكرة ، وعلو همه
ولاح بحكمتي نور الهدى في ............... ليال للضلالــــــــة مدلهمـــــه
يريد الجاهلون ليطفئـــــــــــــوه ............... ويأبى الله إلا أن يتمـــــــــــه

قال تعالى :" ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا "