حكاية البتراء ومسابقة عجائب الدنيا السبع الجديدة
من منا لم يسمع بعجائب الدنيا السبعة الجديدة؟ أعتقد لا أحد ، حيث ان الحملة الإعلامية المكثفة والتي أطلقتها وزارةالإعلام الأردنية قد أدخلت اسم هذه المسابقة إلى كل بيت وأصبحت على كل لسان ، وأصبح الصغير يعلم قبل الكبير ما هو المقصود بها، وما هي الغاية وما هو الهدف منها ، بل الانكى من ذلك أن العملية برمتها أصبحت شعارا للوطنية، وباتت المؤسسات الوطنية تتسابق لدعم هذه الحملة "ظنا منها" أنها تساهم بالترويج لسمعة الوطن محليا وعالميا" ولكن، هل كلف أحدنا نفسه عناء البحث في خلفيات هذه الحملة وتفاصيلها ، وأكاد أجزم بأن أحداً منا لم يفعل ذلك ، بل تم انقيادنا مع التيار واصبحنا نردد ما يقوله غيرنا، وقد يتفاجأ القاريء من مقالي شديد اللهجة لكنه سيغير رأيه من خلال إعادة توضيح بعض الحقائق لا أكثر.
صاحب الفكرة أو قائد الحملة هو السويسرى برنارد ويبر ومؤسسة نيو سفن وندرز , وهذه المؤسسة والتي يديرها السيد برنارد هي مؤسسة سياحية سويسرية، وبالتالي فإن العملية التي تحدث هنا هي عملية تجارية بحتة هدفها الشهرة والربح وجمع الأموال من خلال عملية التصويت عبر الإنترنت. ولكن ألم يتساءل أحدنا ولو بينه وبين نفسه لماذا لم تطلق الحملة منظمة دولية مثل منظمة التراث العالمي والتابعة للأمم المتحدة مثلا ؟وقد يتساءل أحدنا مجددا وما الفرق في كلتا الحالتين. وهنا نقول ان الفرق كبير جدا ويكفي التوضيح بأن مطلق الحملة هو الذي يضع الأسس والقوانين ، وما دام الهدف من الحملة هو تجاري بحت عندها كل شيء آخر يصبح هامشيا ، حتى البعد التاريخي للمواقع التي ستدخل المسابقة والتي يفترض أنها هي الأساس وهنا تكمن المصيبة.
أما تفاصيل الحملة وطريقة التصويت العجيبة والتي تسمح لجميع سكان الكرة الأرضية بالمشاركة فهي "مهزلة" وهي تجسيد واقعي لفكرة "العنصرية التاريخية والتراثية" إن جازت التسمية، فمن شبه المؤكد أن تتم عملية الترشيح من قبل الناس على أسس واهية تعتمد على هذه الفكرة ، لأن طبيعة البشر تنزع إلى العنصرية والى زاوية الاقربون أولى ، فمن الطبيعي ان يصوت الاردنيون وكل العرب للبتراء ، ومن ثم للمواقع الاسلامية "ان وجدت" ، وكذا الصينيون سيصوتون لسورهم العظيم ولتاج محل لأنه اقرب اليهم عقائديا وتاريخيا ودينيا ، وكذا الحال بالنسبة للأوروبيين الذين سيصوتون للمواقع الاوروبية ، وهلم جرا ، أي بمعنى آخر ستتم عملية التصويت بعيدا عن الأسس العلمية وسيكون الأساس الأوحد هنا عنصريا.
كيف ستحكم وستختار إن لم تشاهد بنفسك، ولا أعتقد ان مشاهدة البتراء مثلا على شاشة التلفاز أو من خلال صورة ستعطي رؤية حقيقة للواقع وللمشهد ، اذ يبقى للمشاهدة المباشرة هيبتها وجلالها ، وما زال عالقا في ذهني وبالتأكيد في أذهان من شاهدوا البتراء لأول وهلة اللمحة الأولى للبتراء بعد اجتياز "السيق" مباشرة ، وعندما نقارن ما شاهدناه في الصورة لما نراه الآن نكتشف أن الصورة لم تنقل شيئا من الواقع اطلاقا". وقس هذا على كافة المواقع المشاركة في المهزلة.
ثم نأتي إلى الأسس العلمية والتي تعتمد بالدرجة الأولى على المشاهدة ، ولو سألنا كم نسبة "البشر" الذين شاهدوا البتراء أو سمعوا بها مقارنة بالمواقع الأخرى لوجدنا أن البتراء ستحظى بالنسب الدنيا ولسبب وجيه وهو أن تاريخ اكتشافها حديث للغاية ولم يتعد المائة سنة ، بينما معظم المواقع المشاركة تاريخها أبعد من ذلك بكثير، ولو حاولنا معرفة عدد "البشر" الذين شاهدوا كافة المواقع المشاركة ليتسنى لهم القياس والحكم بشكل سليم لوجدناه معدوما تقريبا، وأكاد أجزم بأن الفرصة لم تتح لأحد من البشر لزيارة المواقع كافة ولا حتى لمؤسس الحملة نفسها .
وعندما نأخذ الأبعاد السابقة وهي البعد العنصري، ومدى معرفة الناس بهذا الموقع أو ذاك سنجد إن البتراء لا تتمتع بما تستحق على مستوى العالم من السمعة والصيت، وبالتالي يؤسفني القول بأننا نخوض معركة غير عادلة أمام المواقع الاخرى.
إذاً ماذا نتوقع من حملة أطلقها شخص ذو مؤسسة ربحية بحته ، ولا تحظى بأي دعم علمي ومنهجي واضح ، ولا تعتمد على أسس سليمة لعملية الاختيار والتصويت.
من وجهة نظري المتواضعة ، فأنا اعتقد بأننا قد ظلمنا البتراء أولاًبموافقتنا على المشاركة في هذه المسابقة ، وخدعنا المواطن الأردني والعربي ثانياً من خلال مطالبتنا له بالتصويت في حملة وسمحنا ثالثا لشخص ذكي ومحتال بأن يحتال على العالم أجمع وكان من الأولى تأييد موقف بعض الدول من هذه المسابقة كالموقف المصري مثلا والذي رفض السماح لمروجي الحملة حتى باستخدام اسم الأهرامات في موادهم الدعائية وبذلوا جهودا جبارة في توضيح الأسس غير السليمة والتي تقوم عليها المسابقة ، وكان من الأجدى على أقل تقدير أن نطالب جهة دولية معروفة بإدارة هذه الحملة.
الروابط المفضلة