القرآن المذهل
THE Amazing Quran



by Gary Miller / University of Essex

-7-


جميع الأمثلة المعطاة حتى الآن فيما يتعلق بمختلف الزوايا التي يمكن الدنو من القرآن كانت دون شك ذات طبيعة ذاتية (subjective). ولكن هناك زاوية أخرى - من بين زوايا متعددة - ذات طبيعة موضوعية ولها أساس رياضي. وإن الإنسان ليدهش ويفاجأ كيف تكون مصداقية القرآن عندما يقوم بتأسيس ما يكون حكما بواسطة قائمة من التخمينات الجيدة. ويمكن لإيضاح هذا رياضيا استعمال أمثلة التخمين والتنبؤ.فمثلا إن كان أمام شخص خياران (أعني خيار صحيح وآخر خاطئ)، وأغمض عينيه وقام باختيار أحدهما، فهو يكون مصيبا في نصف عدد المرات (أي مرة من كل مرتين). لأنه يملك احتمالا واحدا من بين احتمالين، فهو يستطيع اختيار الصحيح أو اختيار الخاطئ. والآن إن كان أمام الشخص نفسه وضعان مثل هذا الوضع(أعني أنه يستطيع أن يكون مصيبا أو مخطئا في الوضع الأول ، ومصيبا أو مخطئا في الوضع الثاني). وأنه أغمض عينيه وقام بتخمين فاحتمال صحة تخمينه هو واحد من أربعة (أي يكون مصيبا مرة واحدة كل أربع مرات من التخمين)، لأنه يملك احتمالا واحدا من بين أربعة احتمالات، لأن هناك أمامه ثلاثة احتمالات للخطأ واحتمال واحد فقط للصواب.وبتعبير بسيط فهو يستطيع أن يخطأ في الوضع رقم واحد ويخطأ في الوضع رقم أثنين أيضا .أو يخطأ في الوضع رقم واحد ويصيب في الوضع رقم اثنين.أو يصيب في الوضع رقم واحد ويخطأ في الوضع رقم اثنين .أو يصيب في الوضع رقم واحد ويصيب في الوضع رقم اثنين أيضا.ولا شك ان الاحتمال الأخير هو الاحتمال الذي يصيب فيه في كلا الوضعين. واحتمال عدم التخمين الصحيح التام يتصاعد كلما تصاعد عدد الاوضاع. والمعادلة الرياضية التي تقدم مثل هذه السيناريو هي (2/1 × 2/1) ( أي مرة من اثنين في الوضع الأول مضروبا في مرة من اثنين في الوضع الثاني).
فإذا داومنا على المثال، فإن الشخص نفسه إن كان عليه أن يخمن لثلاثة أوضاع تخمينا عشوائيا فإنه يكون مصيبا بنسبة الثمن (أي مرة واحدة من كل ثماني مرات . أو 2/1× 2/1× 2/1). ومرة أخرى فإن احتمال التخمين الصحيح في جميع الأوضاع الثلاثة قد نقص إلى الثمن (أي مرة واحدة من كل ثماني مرات). ويجب أن يكون مفهوما بأنه كلما زاد عدد الأوضاع فإن فرصة واحتمال الصواب يقل.لأن هناك علاقة عكسية بين كلتا الظاهرتين.
والآن إن طبقنا هذا المثال على الوضع في القرآن، وقام أحدهم بتسجيل جميع المواضيع التي ذكرها القرآن بشكل صحيح، يتضح ان احتمال صحة جميع هذه المواضيع في القرآن عن طريق التخمين الأعمى احتمال ضئيل جدا. وفي الحقيقة فإن عدد المواضيع التي يناقشها القرآن عدد هائل لذا فاحتمال صحة جميع هذه المواضيع نتيجة تخمينات معتمدة على الحظ الجيد هو احتمال يساوي الصفر في الواقع العملي. فإذا كان هناك مليون احتمال أمام القرآن لكي يكون مخطئا، ثم نرى أنه مع هذا مصيب في كل مرة على الدوام، لذا فليس من المعقول قيام أحدهم بهذا عن طريق التخمين.
إن الأمثلة الثلاثة القادمة للمواضيع حول قيام القرآن بتقديم بيانات صحيحة تبين بشكل جماعي كيف أن القرآن مستمر في دحر احتمالات الصدف. ففي السورة السادسة عشرة يذكر القرآن أن أنثى النحل تترك بيوتها لتجمع الغذاء :
(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سُبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)( النحل 16/69).
يستطيع الشخص أن يقوم بالتخمين ويقول : " إن النحل الذي ترونه يطير من حواليكم يجوز أن يكون ذكرا أو أنثى وأنا سأقوم بالتخمين وأقول إنه أنثى ".لا شك أنه يملك احتمالا واحدا من احتمالين لكي يكون مصيبا. ولنقل أن القرآن كان مصيبا بالصدفة. ولكن الذي حدث هو أن معظم الناس لم يكونوا يعتقدون بهذا عندما كان القرآن يوحى.
هل تستطيع أن تخبر ما الفرق بين الذكر والأنثى في النحل ؟ حسنا، إن الموضوع يحتاج إلى خبير وإلى شخص مختص ليفعل هذا. ولكن أكتشف فيما بعد أن النحل الذكر لا يترك مسكنه لكي يجمع الغذاء أبدا. على أي حال ففي مسرحية هنري الرابع لشكسبير يتناقش بعض أبطال المسرحية حول النحل فيقولون إن النحل جنود وإن لهم ملكا. هكذا كان الناس يظنون في عهد شكسبير، أي يظنون بأن النحل التي يراها المرء وهي تطير ليست سوى جنودا ذكورا وانهم يرجعون إلى مساكنهم وهم مسؤولون أمام الملك. على أي حال فهذا ليس صحيحا بالمرة. فالحقيقة انهم إناث وهن مسؤولات أمام الملكة. ولكن لم يتبين هذا إلا بعد بحوث علمية للوصول إليها في 300سنة الأخيرة000 هذه هي حقيقة القضية.
والآن لنرجع إلى قائمة التخمينات الجيدة المتعلقة بموضوع النحل. لقد كان للقرآن فرصة بنسبة 50% لكي يكون مصيبا وكانت نسبة الاحتمال الصحيح هي واحد من اثنين.
وعلاوة على موضوع النحل تناول القرآن الشمس وكيفية حركتها في الفضاء. أيضا يستطيع الشخص تقديم تخمين حول هذا الخصوص. هناك خياران : إما ان الشمس تتحرك مثل حركة حجر يقذفه أحدهم،أو أنها تتحرك طوعا. والقرآن يذكر الاحتمال الثاني، أي انها تسير نتيجة لحركتها الخاصة .والقرآن يستعمل هنا كلمة (يسبحون) للتعبير عن حركة الشمس خلال الفضاء ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) ( الأنبياء /33)
(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) ( يس/40)
ولكي نحيط القارئ بفهم شامل لاستعمال هذا الفعل في اللغة العربية نعطي المثال التالي : إذا كان هناك رجل في الماء وتم استعمال فعل (سبح) في وصف حركته فيعني أنه يتحرك في الماء سباحة ، أي يتحرك ببذل جهوده وليس من قبل قوة أخرى مطبقة عليه. وهكذا عندما يستعمل فعل (سبح) في وصف حركة الشمس خلال الفضاء فلا يعني هذا أن الشمس تطير في الفضاء دون سيطرة نتيجة لقذفها أو ما شابه. إنه يعني ببساطة بأن الشمس تدور في أثناء حركتها وسفرها. والآن هذا هو ما يؤكده القرآن. ولكن أكان هذا شيئا سهلا اكتشافه؟ أيستطيع أي شخص عادي أن يخبرك بأن الشمس تدور في أثناء حركتها ؟ في العصور الحديثة فقط أصبح في الإمكان تصوير الشمس بواسطة الأجهزة والنظر إلى الشمس دون خوف الإصابة بالعمى.ومن خلال هذه العملية اكتشف أنه لا توجد كلف ثلاثة فقط في الشمس بل إن هذه الكلف تتحرك كل 25 يوما. وهذه الحركة أشارت إلى أن الشمس تدور حول محورها وأثبتتها بشكل حاسم، تماما مثلما صرح القرآن بذلك قبل 1400سنة، أي أن الشمس تدور حول نفسها في اثناء رحلتها في الفضاء.
ولنرجع مرة أخرى إلى موضوع التخمين الجيد .فإن نسبة الاحتمال بتخمين صحيح حول كلا الموضوعين (أعني حول جنس النحل وحركة الشمس) هي واحد من أربعة.
إذا رجعنا إلى الوراء أربعة عشر نرى أن الناس لم يكونوا يدركون - في أغلب الظن - شيئا عن مناطق الزمن. إن ما يذكره القرآن حول هذا الموضوع مثير للدهشة حقا. إن فكرة أن أسرة تتناول إفطارها بعد شروق الشمس بينما تتمتع أسرة أخرى بهواء المساء المنعش تُعد أعجوبة حقا حتى في أيامنا الحالية. وفي الحقيقة فإن الإنسان قبل أربعة عشر قرنا لم يكن يستطيع قطع أكثر من ثلاثين ميلا في اليوم الواحد، وكان السفر من الهند إلى المغرب مثلا يأخذ عدة شهور. وفي أغلب الظن أنه عندما كان أحدهم يتناول غداءه في المغرب كان يقول في نفسه : " إن أهلي في الهند يتناولون غداءهم الآن ". هذا لأنه لم يكن يدرك أنه في أثناء رحلته كان يسافر عبر مناطق الزمن. ومع هذا فلأن القرآن كلام الله العليم فإنه يعرف ويدرك هذه الظاهرة.
هناك آية مثيرة للانتباه تذكر بأنه عدما ينتهي أمر الدنيا وتحل ساعة القيامة، فإن هذا يحدث في لمح البصر، وأن هذه الساعة ستفاجئ بعض الناس نهارا وبعضهم ليلا. وهذا يُظهر بوضوح حكمة الله وعلمه السابق بوجود مناطق الزمن، مع أن هذا الاكتشاف لم يكن موجودا ولا معروفا قبل أربعة عشر قرنا. ولا شك أن هذه الظاهرة لم تكن واضحة أمام عين أي إنسان، ولا معروفة له نتيجة لتجاربه. وهذه الحقيقة وحدها كافية للبرهنة على مصداقية القرآن.
ولنرجع وللمرة الأخيرة إلى موضوع التخمينات الجيدة حول غاية المثال الحالي.إن نسبة احتمال الصحة في التخمين حول هذه المواضيع الثلاثة (أعني : جنس النحل وحركة الشمس ووجود مناطق الزمن) هي واحد من ثمانية.
ويستطيع الإنسان دون شك أن يستمر ويستمر في إيراد مثل هذه الأمثلة ويسجل قائمة طويلة جدا من التخمينات الصحيحة. وطبعا ستقل نسبة احتمال التخمين الصحيح عن طريق الصدف كلما زاد عدد المواضيع المخمنة. ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر الحقيقة الآتية وهي أن نسبة احتمال أن محمدا - وهو الشخص الأمي - قام بتخمينات صحيحة حول الآلاف والآلاف من المواضيع ولم يخطأ في أي واحد منها ... مثل هذا الاحتمال ضئيل جدا إلى درجة أن أي نظرية حول كونه هو مؤلف القرآن يجب أن تُنبذ جانبا حتى من قبل أعدى أعداء الإسلام.
وفي الحقيقة فإن القرآن يقبل مثل هذا التحدي. ولا شك بأنه إن قام رجل غريب دخل أرضا أجنبية بالقول لأحدهم بعد دخوله الأرض مباشرة : " إنني أعرف والدك.سبق وأن قابلته " ففي أغلب الظن فإن الرجل سيشك من كلام القادم الجديد ويقول له : " لقد جئت الآن فقط . كيف تسنى لك أن تعرف والدي؟ " ثم قد يستجوبه ويسأله : " قل لي ! هل والدي طويل أم قصير ، أسمر أم أشقر ؟ صفه لي !". وطبعا إن قام الزائر بالإجابة الصحيحة على جميع الأسئلة، فإنه لا يبقى أمام ذلك الشخص الشاك سوى القول : " أعتقد أنك تعرف والدي. أنا لا أدري كيف عرفته ، ولكن الظاهر أنك تعرفه ". والوضع مع القرآن يشبه هذا الوضع.إنه يذكر أنه من قبل الخالق الذي خلق كل شيء.لذا كان من حق الجميع أن يقولوا :
" أقنعني إذن000 إذا كان مؤلف هذا الكتاب هو خالق الحياة وخالق كل شيء في السماوات وفي الأرض حقيقة إذن فهو يعرف هذا الموضوع وذاك الموضوع 000الخ "
ومن المحتم أن كل من يبحث في القرآن ويدققه سيكتشف الحقيقة نفسها. وعلاوة على هذا فنحن جميعا نعرف بعض الأشياء على وجه التأكيد. وليس الجميع بحاجة أن يكونوا مختصين لكي يعرفوا بأن القرآن يؤكد بأن إيمان الشخص يزداد كلما بحث ودقق وتأكد من الحقائق الموجودة في القرآن. ومن المفروض على كل واحد أن يقوم بهذا طوال حياته.


ندعو من الله تعالى أن يرشد الجميع إلى الحق



********** ********** *********