القرآن المذهل
THE Amazing Quran

by Gary Miller / University of Essex
-6-

بقلم البرفسور غاري ميللر / جامعة أسّاك

ترجمة
الاستاذ أورخان محمد علي



والقرآن يدنو من كل من يقرأه بالطريقة التي يتعامل الطبيب النفسي مع المريض بمرض ال (mythomania). هناك آية في القرآن تقول :
(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) (يونس 10/ 57)
قد يبدو معنى هذه الآية في اللمحة الأولى غامضا ومبهما. ولكن معناها سيكون واضحا في ضوء المثال السابق. لأن الإنسان بقراءته القرآن يتخلص من ضلاله بشكل جوهري.لأن القرآن علاج نفسي.فهو ببساطة يشفي الناس الضالين والمخدوعين بجعلهم يواجهون الوقائع والحقائق.والموقف السائد في القرآن هو قوله : " أيها الناس ! انتم تقولون كذا وكذا ، ولكن ما تقولون في كذا وكذا ؟كيف تستطيعون قول هذا بينما تعرفون ذاك؟ " ... وهكذا .
فهو يجبر المرء على اعتبار ما هو وثيق الصلة بالموضوع . وهو في الوقت نفسه يشفي المرء من الضلال ومن عملية الخداع بأن الوقائع والحقائق التي يقدمها الله للناس وللإنسانية يمكن أن يتم تفسيرها وإيضاحها بنظريات مهلهلة وبمعاذير.
وهذا الشيء - أي مجابهة الناس بالوقائع - هو الذي لفت أنظار العديد من غير المسلمين. وفي الحقيقة فهناك الآن مصدر مثير للانتباه يتعلق بهذا الموضوع في (دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة New Catholic Encyclopedia) .
ففي مقالة تحت مادة القرآن تصرح الكنيسة الكاثوليكية بما يأتي :
(طوال عصور عديدة قُدمت نظريات عديدة حول مصدر القرآن... واليوم لا يوجد إنسان عاقل يتقبل أي نظرية من تلك النظريات !).
ها هي الكنيسة الكاثوليكية العريقة التي لها ماض يبلغ العديد من العصور تستنكر هذه المحاولات التي لا جدوى من ورائها لتفسير القرآن. وفي الحقيقة فإن القرآن يُعد مشكلة بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، فهي تعتبره وحيا لذا تقوم بدراسته. وهي تحب أن تجد برهانا ودليلا على أنه ليس بوحي، ولكنها لا تستطيع. ولا تجد أي تفسير قابل للتطبيق. ولكنها في الأقل شريفة في بحوثها بحيث لا تتقبل التفاسير السابقة التي لا سند لها.
تصرح الكنيسة بأنه طوال أربعة عشر قرنا لم يتم تقديم أي تفسير منطقي ومعقول. أي هي تعترف بأن القرآن ليس قضية سهلة يمكن إهمالها. ولا شك أن الناس الآخرين أقل استقامة منها بكثير، فهم يقولون بكل عجلة : " آه .. لقد جاء القرآن من هنا ... جاء القرآن من هناك " ولا يقومون حتى بفحص وتمحيص مدى معقولية ما يقولونه في معظم الأوقات.
ولاشك أن هذا التصريح من الكنيسة الكاثوليكية يضع المسيحيين العاديين في ورطة. وقد يكون هذا هو الدافع من وراء فكرتها الخاصة حول مصدر القرآن. ولكن المسيحي الفرد لا يستطيع أن يتصرف حسب نظرية خاصة به.
فمثل هذا التصرف يناقض الطاعة والإخلاص والولاء الذي تطلبه الكنيسة.وبفضل مزية كونه عضوا في الكنيسة عليه أن يقبل جميع ما تعلنه الكنيسة دون أي اعتراض، وأن يجعل تعاليمها جزء من حياته اليومية. لذا ففي الأساس عندما تقول الكنيسة:
(لا تستمعوا إلى هذه التقارير غير المؤكدة حول القرآن) إذن ماذا يمكن القول بالنسبة للنظرة الإسلامية حول هذه النقطة ؟ حتى غير المسلمين يقرون بأن هناك شيء في القرآن ... شيء يجب الاعتراف والتسليم به، لذا لماذا يكون الناس معاندين بهذه الصورة وفي موقف دفاعي وفي موقف عدائي عندما يقوم المسلمون بتطوير النظرية نفسها ؟ لا شك أن هذا شيء نذكره للذين يريدون التفكير مليا والتأمل لكي يفهموا .
وحاليا هناك مثقف من المتقدمين وفي الصفوف الأولى في الكنيسة الكاثوليكية اسمه (هانس) قام بدراسة القرآن وأعطى رأيه نتيجة هذه القراءة، وقد تجول مدة هنا وهناك ، وهو يتمتع الآن باحترام كبير في أوساط الكنيسة الكاثوليكية. وبعد تدقيق وإنعام نظر كتب ما انتهى إليه في تقرير قال فيه :
(لقد تكلم الله مع الإنسان عن طريق محمد).
ومرة أخرى فهذه هي النتيجة التي توصل إليها شخص غير مسلم ومن الطبقة المثقفة الرائدة للكنيسة الكاثوليكية!. وأنا لا أعتقد بأن البابا يوافقه. وعلى الرغم من ذلك فإن وجهة نظر مثل هذا الشخص المتميز الرفيع المستوى والشخص الجماهيري يجب أن يكون لها وزن في الدفاع عن موقف المسلم. كما يجب أن يُصفق لمثل هذا الشخص الذي واجه الحقيقة التي تؤكد أن القرآن ليس بالشيء الذي يمكن دفعه جانبا وإهماله بسهولة، لأن الله في الحقيقة هو مصدر كلماته.
وكما تم إيضاحه سابقا فإن جميع الاحتمالات قد استنفدت، لذا فلا توجد أي فرصة للعثور على احتمال آخر لنبذ القرآن ورفضه. لأن القرآن إن لم يكن وحيا إذن فهو خدعة، وإذا كانت خدعة فعلى المرء أن يتساءل : " ما مصدر هذه الخدعة ؟ وأين يقوم هذا الكتاب بخداعنا؟ ".
وفي الحقيقة فإن الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة تلقي ضوء على مصداقية القرآن، والسكوت هو أضعف دعوى لدى المنكرين. فلا شك بأن الناس إن كانوا يصرون على أن القرآن خداع فعليهم أن يقدموا الأدلة التي تساند مثل هذا الادعاء.فواجب إقامة الدليل يكون عليهم لا علينا.فليس من المعقول قيام أحدهم بتقديم نظرية دون وقائع وحقائق كافية تؤيدها وتعززها. لذا فأنا أقول لهم : " أروني خدعة واحدة ! أروني أين يخدعنا القرآن !أروني هذا وإلا فلا تقولوا أنه خداع ".
من الصفات المميزة للقرآن كيفية تعامله مع الظواهر المفاجئة غير المتوقعة التي لا تتعلق بالماضي فقط بل حتى بالوقت الحالي. إن القرآن ليس مشكلة قديمة في الأساس.إنه مشكلة حتى في هذه الأيام ... مشكلة لغير المسلمين طبعا. فهو يجلب كل يوم وكل اسبوع وكل عام أدلة إضافية بأنه قوة يجب المباراة والمنافسة معها، وأنه ليس بوسع أحد تحدي مصداقيته! فمثلا هناك آية في القرآن تقول :
(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) (الأنبياء 21/30)
ومن دواعي السخرية أن هذه المعلومات بالضبط هي التي أكسبت شخصين ملحدين جائزة نوبل في عام 1973 . فالقرآن يكشف الستار عن أصل ومنشأ الكون، وكيف أنه بدأ قطعة واحدة، والبشرية استمرت في إثبات هذا الوحي حتى الآن.
إضافة إلى هذا فإنه لم يكن من السهل أبدا إقناع الناس قبل 1400 سنة بأن الحياة نشأت من الماء . فلو قمت في الحقيقة قبل 1400 سنة ووقفت في الصحراء وأخبرت أحدهم قائلا له : " أنظر !... كل ما تراه هنا (مشيرا إلى نفسك) يتكون معظمه من الماء " ... لو قلت هذا لما صدقك أحد. ولم يتيسر إثبات هذا إلا بعد اختراع المجهر. لقد كان عليهم أن ينتظروا لكي يجدوا بأن 80% من " السايتوبلازم cytoplasm " - وهي المادة الأساسية في الخلية - يتكون من الماء. على الرغم من ذلك فقد أثبتت الوقائع بأن القرآن يصمد أمام اختبار وتجربة الزمن.
وإشارة إلى اختبار المصداقية المذكور سابقا فإن من المثير للانتباه بأنه يعود أيضا إلى كل من الماضي والحاضر.فبعض هذه الاختبارات قد استعملت لإظهار عظمة الله وعلمه ، بينما استمر البعض الآخر منها كتحديات لأيامنا الحالية. فكمثال على الشق الأول هو التصريح والآية الموجودة في القرآن حول أبي لهب.
فهذه الآية تقول بكل وضوح بأن الله الذي يعلم الغيب يعلم بأن أبا لهب لن يتغير ولن يقبل الإسلام، لذا حكم الله عليه بدخول النار خالدا فيها.واستخدمت هذه الآية لإظهار الحكمة اللانهائية لله تعالى ولتحذير أمثال ابي لهب.
وكمثال على النوع الثاني من اختبارات المصداقية الموجودة في القرآن هي الآية الخاصة بذكر العلاقة بين المسلمين وبين اليهود.فالآية تعتني بعدم تضييق أفق العلاقة بين الأشخاص من كلا الدينين، ولكنها تلخص العلاقة بين الجماعتين ككل. فالقرآن يقول في الأساس بأن المسيحيين سيعاملون المسلمين معاملة أفضل من معاملة اليهود للمسلمين.
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) ( المائدة 5/ 82)
وفي الحقيقة فإن الشعور بصدمة مثل هذا التصريح يمكن الإحساس به بعد معرفة المعنى الحقيقي للآية.صحيح أن العديد من المسيحيين واليهود اعتنقوا الإسلام.
ولكن إن نظرنا للموضوع ككل نجد أن اليهود عُرفوا بعداوة ضارية للإسلام. وعلاوة على هذا فإن القليل من الناس من يدركون ماذا يغري مثل هذا التصريح الموجود في القرآن.
فهو في الحقيقة فرصة سهلة لليهود لكي يثبتوا زيف القرآن وأنه ليس وحيا الهيا. كل ما عليهم أن يفعلوه هو أن ينظموا أنفسهم وأن يعاملوا المسلمين بلطف لبضع سنوات ثم يقولوا : " والآن ماذا يقول كتابكم المقدس حول أفضل أصدقائكم في العالم : هل هم المسيحيون أم اليهود ؟ أنظروا ماذا عملنا نحن اليهود معكم ! "... هذا هو كل ما يجب عمله من قبلهم لنقض مصداقية القرآن. ومع هذا فلم يستطيعوا أن يفعلوا هذا طوال 1400سنة. ومع هذا فالعرض لا يزال قائما .