الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المسألة الأولى : مس الذكر
فإن مس الذكر لا يخلو أمره من حالتين لا ثالث لهما ، وهما كالتالي :

الحالة الأولى : مس الذكر من وراء حائل : ( أي مسه وبيدك قماش ونحو ذلك )

فمن مس ذكره من وراء حائل ، لا ينقض وضوئه وعلى ذلك تحمل وتأول نصوص عدم النقض ومنها مايلي :
عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قَالَ : خَرَجْنَا وَفْدًا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ : وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْكَ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْكَ . " صحيح النسائي 165 .
قلت : فلا يعقل أن يفضي الرجل بيده إلى ذكره وهو في حال الصلاة ، وهو بين يدي الله تعالى ، بل المعروف في هذه الحالة أنه يمس من وراء حائل ـــ وقد يكون الصحابي سأل النبي لأنه سمع نصوص نقض الوضوء من مس الذكر فأراد أن يسأله عن مسألة وقعت به في الصلاة وهو يمس ذكره من فوق ملابسه ـــ ، فإن أفضى بيده إلى فرجه سواء وهو يصلي أو وهو خارج الصلاة ، فهذا العمل ينقض الوضوء ، وهذا الراجح عندي . فعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ . " صحيح النسائي 445 .
قلت : قَوْله ( إِذَا أَفْضَى ) قَالَ السُّيُوطِيُّ : قَالَ الْفُقَهَاء :الْإِفْضَاء لُغَة الْمَسّ بِبَطْنِ الْكَفّ .

وما سبق من رواية ، هو رواية في مس الذكر حال الصلاة ، وهنا رواية في مسه حال الوضوء ، فعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قَالَ : " قَدِمْنَا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : هَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ أَوْ قَالَ بَضْعَةٌ مِنْهُ . " صحيح أبي داود 182
قلت : وهذا الحديث يحمل على مسه بعد الوضوء من وراء حائل ، وبذلك تحمل كل النصوص التي تبين عدم نقض الوضوء من مس الذكر .
تنبيه : الراوي هو نفسه في نفس الحالتين ، وأما السائل فإنه قد يكون سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن واقعتان ونحو ذلك ..


الحالة الثانية مس الذكر بدون حائل : ( أي يمسه مباشرة من دون شئ وجها لوجه )
فمن مس ذكره بدون حائل ، فهذا ناقض للوضوء ، سواء كان داخل الصلاة أو خارجها ، والدليل على هذا ما يلي :
فعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ . " صحيح النسائي 445 .
قلت : قَوْله ( إِذَا أَفْضَى ) قَالَ السُّيُوطِيُّ : قَالَ الْفُقَهَاء :الْإِفْضَاء لُغَة الْمَسّ بِبَطْنِ الْكَفّ ، فيكون هذا فصل الخطاب في نقض وضوء من مس ذكره بدون حائل ، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ . " صحيح الترمذي 82 .
قلت : فالحديث عام في مس الذكر سواء مسه بحائل أو بدونه ، فكلاهما ناقضان للوضوء ، ولكن تبين مما سبق أن مس الذكر من وراء حائل لا ينقض الوضوء ، وبالتالي بقي الشق الآخر من العموم ألا وهو العمل بمن مس ذكره من دون حائل فيكون عليه الوضوء لعوم النص .
أقول : وما سبق ذكره هو مسألة في ذكر الرجل ، فما حكم حلقة دبر الرجل والمرآة وحكم مس المرآة لقبلها ؟
فقد جاءت رواية أعم من مس الذكر وهي مس الفرج ، فعَنْ بُسْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ . " صحيح النسائي 444
والفرج : هو اسم لمخرج الحدث ، ويتناول الذكر للرجل والقُبل للمرأة والدبر لكليهما ، فإن مس الشخص شئ من ذلك من وراء حائل فلا شئ عليه وإلا فهو فعل ناقض للوضوء .
ولا فرق بين العامد للمس والغير قاصد ، على رواية النقض وكذلك على رواية عدم النقض . ومس الفرج يكون بآلة المس ، وآلة المس هي اليد فقط .
فعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ . " صحيح النسائي 445 .
واليد تطلق على الكف ، والكف في ظاهر وباطن ، وظاهر كفه من باطنه كما أن باطن كفه من ظاهره ، والأحكام متعلقه على مطلق اليد ، فمن مس فرجه بباطن كفه يسمى مس ومن مسه بظاهر كفه ، فيسمى مس .
ولا ينقض مس الفرج بذراعه أو بأي عضو من أجزاءه عدا ظاهر وباطن الكف ـ أي اليد ـ ولو من دون حائل .
ولا فرق بين فرجه وفرج غيره ، فمن مس فرج غيره صغيراً كان أو كبيراً فهو كمن مس فرجه ، فإن كان من وراء حائل لا ينقض الوضوء وان كان بدون حائل ينقض الوضوء .

وقد جاء بسند صحيح في مسند الدارمي ، فعَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها ـ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ "

وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ـ رحمه الله ـ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ـ أَنَّهُ قَالَ : " الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ مَرْوَانُ : أَخْبَرَتْنِيهِ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ ، فَأَرْسَلَ عُرْوَةُ قَالَتْ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ فَقَالَ : مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ . " صحيح النسائي 445 .

فإن قيل لماذا الصغير بعد اتفاقنا على الكبير :
أقول : وذلك لأنه فرج آدمي متصل به ، أشبه الكبير ، فيأخذ حكمه .

وفرج الميت كفرج الحي لبقاء الاسم والحرمة ، ولاتصاله بجملة الآدمي ، وأما الذكر المقطوع ، فلا ينقض لزوال الاسم والحرمة ، فإن مس القلفة التي تقطع قبل الختان قبل قطعها ، انتقض وضوءه لأنها من جلدة الذكر ، وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه لزوال الاسم والحرمة .

وأما لمس فرج الخنثى المشكل فهو كلمس الرجل لذكره أو كلمس المرآة لفرجها ولا فرق ، لاحتمال أن يكون رجل أو أمرآة وعلى كلاهما وضوء من مس عضوه بدون حائل .
والمرآة تشترك في كل الأحكام التي سبقت وهي كالرجل ، ولا فرق .

فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ . " رواه أحمد

ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن كالأُنثيين والإبط ونحو ذلك ، لأنه لا نص في هذا ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، فلا يثبت الحكم فيه .

ولا ينتقض وضوء الملموس ( صاحب العضو الذي لمسته ) ، لأن الوجوب من الشرع ، فلا يجب أن نوجب أمر لم تأتي به السنة ، وأنما وردت السنة في اللامس فقط .

ولا ينتقض الوضوء بمس فرج البهيمة ، وهو قول جمهور أهل العلم ، وهو الأولى ، لأن هذا ليس بمنصوص على النقض فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا وجه للقول به .

وبذلك نكون فصلنا في مسألة من المسائل التي كثر حولها الكلام ، فمن عنده سؤال فله حالتين ، إما أن يضعه هنا لنستفيد ويفيد الآخرين ، وإما أن يرسله على بريدي الخاص لخصوصية عند السائل ..
والحمد لله وحده وهو للحمد أهل وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تنبيه : راجع المغني للإمام ابن قدامة 1 / 240 - 244 لمزيد من النظر في المسألة .