من فضائل رمضان
( من سلسلة قطوف رمضانية - برنامج القرآن الكريم والدعوة بهيئة الإغاثة الإسلامية بمكة المكرمة - بتصرف )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن شهر رمضان شهر عظيم مبارك شهر كتب الله علينا صيامه ، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه ، شهر ما مر على المسلمين شهر خير منه بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما مر على المنافقين شهر شر منه بمحلوف رسول صلى الله عليه وسلم ، وإن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخلهم وذلك أن المؤمن يعد نفقته وقوته للعبادة ، وإن الفاجر يعده لغفلة المسلمين وعثورهم ، فهو غنم للمؤمن نقمة للفاجر ، ولو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت الأمة أن تكون السنة كلها رمضان ، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، شهر تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه مردة الشياطين ، ويبسط فيه الرزق للعباد وتنادي الحور الحسان : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر .
أتى رمضــان مزرعة العبــاد *** لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقـــــوقه قــــولاً وفعـــلاً *** وزادك فاتخذه للمعــاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها *** تأوه نادماً يوم الحصــاد
يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة ، يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة ، من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح ، من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح " رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له ".
إن لم يغفر للعبد في رمضان فمتى يغفر له ، كم ينادي : حي على الفلاح وأنت خاسر ، كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر
إذا رمضان أتى مقبــلاً *** فأقبل فبالخير يستقبل
لعلك تخطئه قابــــــــلاً *** وتأتي بعذر فلا يقبل
كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر ، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، ومؤمل غداً لا يدركه ، إنكم لو بصرتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره .
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب *** حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهمـــا *** فلا تصيره أيضاً شهر عصيـان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهـــداً *** فإنه شهر تسبيح وقــــرآن
فاحمل على جسد ترجو النجاة لــه *** فسوف تضرم أجساد بنــيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلـف *** من بين أهل وجيران وإخــوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهـــم *** حياً فما أقرب القاصي من الـداني
ومعجب بثياب العيد يقطعهـــا *** فأصبحت في غد أثواب أكفــان
أخواتي الحبيبات...
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان ويهنيهم به ، فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول : " قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، كتب الله عليكم صيامه ، فيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرمها فقد حرم " قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان ، قال الإمام ابن رجب الحنبلي : ( كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان من أين يشبه هذا الزمان الزمان ) أ هـ كلامه يرحمه الله .
أخواتي...
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول :
" اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان "
وكان يستعد لصيام رمضان بصيام شعبان فقد كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً وكان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم ، قال يحيى بن أبي كثير : كان من دعائهم ( اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً ) ، وكانوا يكثرون من قراءة القرآن في شهر شعبان فعن أنس قال : كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان ، وقال سلمة بن كهيل : كان يقال : شهر رمضان شهر القراء .
عن سلمان الفارسي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله تعالى صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ، من فطر فيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شئ " قلنا : يا رسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعطى الله هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماءً ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة ، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال وخصلتين ترضون بهما ربكم ، خصلتين لا غنى لكم عنهما ، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه ، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالى الجنة وتعوذون به من النار " .
وهو حديث عظيم بين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل رمضان ، وفضل صيامه وقيامه ، ورغب في تفطير الصائمين فيه ، وأمر بالاستكثار فيه من أربع خصال خصلتين نرضي بهما ربنا : شهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار ، وخصلتان لا غنى لنا عنهما : سؤال الله الجنة والتعوذ به من النار ، وما أجمل العبارة التي يرددها بعض الصائمين امتثالاً لهذا التوجيه النبوي الكريم ( استغفر الله أشهد أن لا إله إلا الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ) .
الصيام أيها الاخوات جنة من النار ، وفي الجنة كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم باب يقال له الريان باب مخصوص للصائمين لا يدخل منه غيرهم ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل من الصائمون فيقومون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد " .
وهذا أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه الوصية يقول : يا رسول الله ، مرني بعمل يدخلني الجنة ؟ فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام : " عليك بالصوم فإنه لا عدل له "
فكأنه استقله فأعاد مرة أخرى : يا رسول الله ، مرني بعمل يدخلني الجنة ؟ فأعاد عليه النبي عليه الصلاة والسلام: " عليك بالصوم فإنه لا عدل له " فأعاد أبو أمامة الطلب مرة ثالثة على رسول الله عليه الصلاة والسلام وأعاد عليه نفس الجواب ، يقول الراوي عن أبي أمامة : فكان أبو أمامة بعد ذلك لا يوقد في بيته نار إلا أن ينزل عليه ضيف ، ومعنى ذلك أنه نفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخواتي... إن الأعمال عند الله سبعة : عملان موجبان وعملان بأمثالهما ... الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، " والصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم ، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .
أخواتي...
إن هذه الأمة أعطيت في رمضان خصالاً لم يعطهن أمة كانت قبلهم : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يصلون فيه إلى ما كان يصلون إليه في غيره ، ويزين الله جنته في كل يوم فيقول تعالى ( يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة ويصيروا إليك ) . ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان ، قالوا : يا رسول الله ، أهي ليلة القدر ؟ قال : " لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله ولله عز وجل في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار ويعتق آخر الشهر عدد ما أعتق في الشهر كله .
إن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظمى ومنة كبرى ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فرئي في النوم سابقاً لهما فقال النبي : " أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة ، وأدرك رمضان فصامه فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض " خرجه الإمام أحمد وغيره .
من رحم في رمضان فهو المرحوم ومن حرم خيره فهو المحروم ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم ، قال ابن رجب الحنبلي : ( هبت اليوم على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب ، وسعى سمسار المواعظ للمهجورين في الصلح ، ووصلت البشارة للمنقطعين بالوصل ، وللمذنبين بالعفو ، والمستوجبين النار بالعتق ، لما سلسل الشيطان في شهر رمضان ، وخمدت نيران الشهوات بالصيام ، انعزل سلطان الهوى ، وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل ، فلم يبق للعاصي عذر ، يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي ، يا شموس التقوى والإيمان اطلعي ، يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي ، يا قلوب الصائمين اخشعي ، يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي ، يا عيون المجتهدين لا تهجعي ، يا ذنوب التائبين لا ترجعي ، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ، ويا سماء النفوس أقلعي ، يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي ، ويا همم المؤمنين أسرعي ، فطوبى لمن دعي فأجاب فأصاب ، وويل لمن طرد عن الباب وما دعي :
ليت شعري إن جئتهم يقبلوني *** أم تراهم عن بابهم يصرفوني
أم تراني إذا وقفت لديهــم *** يأذنوا بالدخول أم يطردوني
فاللهم أهل علينا شهر رمضان باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والصحة من الأسقام والفراغ من الأشغال ورضنا فيه باليسير من النوم ، اللهم سلم رمضان لنا وسلمنا له وتسلمه منا متقبلاً وارزقنا صيامه وقيامه وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط وأعذنا فيه من الفتن ، ووفقنا فيه لليلة القدر واجعلها لنا خيراً من ألف شهر .
الروابط المفضلة