حَكَى ابن الأسود فقال :

كان ملك الغابة يتربّع على كرسيه في غابة كثيفة الأشجار...
كان أسداً شجاعاً تهابه جميع حيوانات الغابة ...

مرض في يوم من الأيام فلم يجد من أولاده المخلصين من يأتيه بالدواء
الكل مشغول بنفسه ... مشغول بخلافه مع إخوانه
ترك الأسد مملكته بحثاً عن دواء
فلما خلا المكان من الهزبر الهصور ... جاء دعيّ وجلس على كرسيه
وتقنّع بقناع أسد ... ولبس جلد أسد على صدره وذراعيه
لكنه لما أراد أن يزأر زعق وزقـح
فلم ينكشف أمره لكل من كان يسكن الغابة لأول وهلة
تعاظم في نفسه وتغطرس وتكبّر وتجبّر
وزاد الطين بلـّـة والأمر سوءاً أن قرّب منه من ليس أهلا للقرب
قرّب أراذل الحيوان ...
قرّب منه ومن مجلسه ( الخنزير )
ولم يكتف بذلك بل جعله نديمه وجليسه ومستشاره !
راح الخنزير يعيث في الغاب الفساد
فيقتل صغار الحيوان وفراخ الأطيار
ويقطع الأشجار
ويهدم البيوت ويُسقط الأوكار
وكان الخنزير يضرب بسيف من حديد باسم رئيس الغابة
وكان رئيس الغابة على علم بما يجري ، لكنه كان يغضّ الطرف عن مساوئ جليسه
تذمّر من كان في الغابة حتى كرهوا الرئيس وجليسه
كان رئيس الغابة – في كل مرة – يجد مُبرراً للأفعال الشنيعة التي يقوم بها ( الخنزير )
وكان مع كل فعلة شنيعة أو خسيسة يأتي بها جليسه كان يأمر جميع حيوانات الغابة بالتحلّي بالصبر وضبط النفس والأعصاب
وزيادة على ذلك أوكل أمر أمن الغابة إلى الفئران التي كانت تقرض الأشجار وتكسر الأغصان

وذات يوم شبّ حريق هائل في الغابة فزع منه الجميع ...
ربما كان الخنزير هو من أشعله فهو خبيث الطبع أحمق التصرّف
وكانت أصابع الاتهام تـُشير إليه
فقد أخرج أولاده وأخبر أصحابه
فلم يُصابوا بأذى
هاج رئيس الغابة وضرب بيده على منضدة كانت أمامه قائلاً :
سألقن من فعل تلك الفعلة درسا لن ينساه
وسأعرفه بنفسي ومن أكون
وسيدفع ثمن ذلك باهضا
وجه أصابع الاتهام فورا إلى النمر والأسد
الأسد كان مريضا وهو أضعف من أن يفعل تلك الفعلة
وهو كان قد خرج في الصحراء يبحث عن نبتة بريّة تكون دواء له
والنمر كان يقضي وقته بعيدا عن فوضى الغابة
كان يسير على أطراف الشواطئ يبحث عن صيد أو طعام من طعام البحر

ولما نمى إلى علم الرئيس أن من اتّهم برئ لم يرض أن يتراجع
أصدر أوامره للحيوانات بالحضور لسماع حديثه
اجتمعت حيوانات الغابة لسماع حديث الرئيس
لكنه لم يستطع أن يمتلك قلب الأسد
وليست لديه شجاعة النمر
ظل يوما وليلة مختبئا في مخبأ تحت الأرض
ظهر بعد ذلك وعليه آثار الرعب من ذلك الحريق
وقف أمام الحيوانات يُـلقي خطابا عصامياً
وحينما رأى علامات الكُره بادية ظاهرة على وجوه حيوانات الغابة أدار ظهره للجميع
لكن الجميع فوجئوا بما لم يكن بحسبانهم
فوجئوا بسوءة الرئيس وقد ظهرت ... وباحمرار قفاه يبدو واضحا
همس كل حيوان لصاحبه
هذا سيد الغاب الدّعيّ ؟
إنه القرد الحقير
كيف لبّس علينا الأمر ؟
كيف صبرنا على الذلّ والهوان ؟
كيف صبرنا على صديقه المدلل ( الخنزير ) ؟؟
الذي كان يسومنا سوء العذاب
ماذا كان يُريد بإلصاق تلك التهمة بالنمر والأسد ؟
كيف ... كيف ؟؟
تتابعت الأسئلة ...
ظهرت علامات الدهشة والاستغراب على وجوه الجميع
سقط من أعين الجميع
عادوا إلى منازلهم وجحورهم وأوكارهم وأعشاشهم
وقد تغيّرت نظرتهم للرئيس المزعوم
أهذا الذي ملأ الدنيا ضجيجا ؟؟
أهذا الذي بثّ العيون والفئران في كل مكان ؟؟
أهذا الذي زعم أنه زرع الأرض وملأ الأشجار هيبة ؟؟

سكتت الحيوانات على مضض ...
غير أن الأسد لم يمت وإن كان قد مرض
فهو سينتفض ...
وعندها سيتطاير الأشبال تطاير الشرر ويَثِبُون وثبة أبيهم من قبل
وعندها سيندم القرد والخنزير
وتكون نهاية الأدعياء

ويعود الأســد لسالف عزّه ومجده
ويُحرر الغابة من كل قرد وخنزير وفأرة