:
الرسالة الرمضانية الثانية عشرة : الإقرار بالذنب
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد .. أحبتي في الله
تعرفون أن التوبة وظيفة العمر ، " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "
ورمضان يأتي بنسمات التوبة ، فهل تبت ؟؟ ومم تبت حتى الآن ؟؟
التوبة الصادقة لها علامات ومنها الاعتراف بالذنب ، ولذلك كم بين آدم وإبليس ؟
آدمُ عصى ربه فتاب وأناب واعترف بالذّنب فقال وزوجه : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) .
فكانت النتيجة : ( ثم اجتباه ربّـه فتاب عليه وهدى ) .
قال ابن القيم – رحمه الله – : فكم بين حالِـه ( يعني آدم ) وقد قيل له : ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) ، وبين قوله : ( ثم اجتباه ربّـه فتاب عليه وهدى ) .
فالحال الاولى حال أكل وشرب وتمتع ، والحال الأخرى حال اجتباء واصطفاء وهداية ، فيا بعد ما بينهما . انتهى كلامه – رحمه الله – .
يعني أنه بعد التوبة كان أعلى مقامًا .
فعلينا أن نتواصى بذلك في هذه الأيام لتجديد توبتنا
فكن كنبيّ الله نوح حين قال بلسان العبد الفقير : ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ماليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) .
كن كنبيّ الله يونس يخرج غاضبا فيجد نفسه في ظلمات بعضها فوق بعض ، فـيُـناجي ربّه بلسان المعترفِ بِذَنبِه المقـرّ بخطيئته : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .
فاستجاب اللهُ له ، وجاء الجواب : (فاستجبنا له) وزيادة ( ونجيناه من الغم )
كن كنبي الله (موسى ) يقول بعد أن وقع في الخطيئة :
( ربّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) .
فكان الجواب : ( فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) .
وذاك نبي الله داود الذي (استغفر ربه وخرّ راكعا وأناب) قال الله جل جلاله : و( فغفرنا له ذلك )و زيادة ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) .
وذاك ابنه سليمان الذي تاب وأناب ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي )
فوهب له ربُّـه ملكا عظيما وسخّر له الريح والجن والطير .
**وعلينا بهدي خير النبيين صلى الله عليه وسلم وهو يُناجي ربّه في دُجى الليل الساكن .
فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجّد من الليل أن يقول – بعد أن يُثني على الله عز وجلّ بما هو أهلُه – :
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت . رواه البخاري ومسلم .
ثم تأملوا هذا الدعاء من أدعيته عليه الصلاة والسلام ، وهو يقول :
اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي . [ رواه البخاري ومسلم ]
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده :
اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه ، دِقَّـه وجِلَّه ، وأولَه وآخرَه ، وعلانيتَه وسرَّه . [ رواه مسلم .]
ولما سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ اللّه علمني دُعاءً أَدعو به في صلاتي قال : قل :
اللهمّ إني ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يَغفرُ الذّنوبَ إلا أنتَ ، فاغفِرْ لي مغفرةً من عندَك ، وارحمني إنكَ أنتَ الغفور الرّحيم . رواه البخاري ومسلم
فخذها قاعدة ذهبية في الطريق :
قال ابن القيم : فلا يرى نفسه ( يعني العبد ) إلا مقصرا مذنبا ، ولا يرى ربه إلا محسنا .
**لو وصلنا لهذا الإحساس فأبشروا بعلامات القبول ، فيا أحبتي ، جددوا توبتكم ، وعاهدوا ربكم على التخلص من ذنوب تلاحقكم ، وإياكم والكذب والمخادعة " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " " يخادعون الله وهو خادعهم " وإنما توسلوا وابكوا وتذكروا عقوبات الذنوب لتجددوا توبتكم
وتذكر أنَّ :
التوبة… مشاعر وأحاسيس …ترسم طريق الأمل ..
التوبة…ابتسامة ونبضة قلب…تفطَّر ألماً وكمدا ..
التوبة…باب الرجاء والأمل…فسبحان من فتح لنا باب الأمل……
((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله …))
هاني حلمي
(12 رمضان 1433 هـ )