التائبون العائدون إلى الله كثير، ولهم قصص تذرف لسماعها العيون، وتدمي القلوب، وفي هذا الدرس المبارك قصص لشباب عادوا إلى الله، فلنسمعها ولنتعظ بها، فإن في قصصهم عبرة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام.. أيها الأخ المستمع! أوجه إليك هذا الحديث ليس من باب التسلية ولكن من باب العبرة، والإنسان يعتبر بمن حوله، والسعيد من اتعظ بغيره، ولا يقول الإنسان: أنا غير محتاج إلى هذا الكلام، فالحمد لله أنا مؤمن، فإن الله عزَّ وجلَّ أمر المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8] فالمؤمن يحتاج إلى توبة، والصادق يحتاج إلى توبة، وقائم الليل يحتاج إلى توبة، وصائم النهار يحتاج إلى توبة، وقارئ القرآن يحتاج إلى توبة، فكيف بالغافل عن ربه! وكيف بالذي ينظر إلى النساء يمنة ويسرة! وكيف بالذي يستمع إلى الأغاني! وكيف بمن يصر على المعاصي ويظن أن الله لا يراه! ألا يحتاج إلى توبة؟!
اسمع إلى ما يقوله الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8] لمن تتوب؟ ولمن ترجع؟ ولمن تفر؟ ولمن تتوجه؟ إلى الله تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
عبد الله! اسمع إلى بعض التائبين إلى الله جل وعلا، كيف قذف الله في قلوبهم التوبة؟ ولتكن أنت أحد هؤلاء الذين سطروا وذكروا وترحم الناس عليهم.
اسمع -يا عبد الله- إلى هذا الرجل؛ كان مغرماً بالمعاصي والذنوب، لا يعرف من دنياه إلا اللهو والطرب والخنا والزنا، خرج في ليلة من الليالي بعد أن أكرمه الله بزوجة، ورزقه منها ببنت، وقد أكملت خمس سنين، ولكنه لم يعف نفسه، أباح له الله النكاح ولكنه ما عف فرجه، خرج في تلك الليلة يبحث عن صاحب سوء ورفقة فاجرة يخالطها في المعصية، ذهب وبحث عنهم فإذا بهم قد سبقوه وغادروا، تضايق وأصيب بالحزن والحسرة والضيق والندم، رجع إلى البيت فإذا به يعوض تلك السهرة وتلك المعصية بفيلم خليع.
واسمع -يا عبد الله- إلى هذا النبأ العظيم، يجلس آخر الليل، أين زوجه؟ زوجته نائمة مع ابنتها الصغيرة في غرفة النوم، ويغلق على نفسه غرفة المجلس، وينظر إلى التلفاز وهو يشاهد فيلماً جنسياً خليعاً، أما يتقي الله؟! أما يستحيي من الله؟! لو قبض الله روحه في تلك الحالة تظنه كيف يبعث؟! يبعث على ما مات عليه، والله عزَّ وجلَّ في تلك اللحظات قد نزل إلى السماء الدنيا، وقد كان أقرب ما يكون من العباد، ويقول: (هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) وهو غارق في شهواته، ومتلذذ بمعاصيه، ينظر إلى المحرمات، وفي لحظة من اللحظات يُفتح الباب، من الذي فتحه؟! ينظر! فإذا ابنته الصغيرة فتحت الباب، نظر إليها فأغلق التلفاز مسرعاً، فقالت له ابنته الصغيرة: يا أبي! اتق الله عيب عليك! اتق الله عيب عليك! فإذا به يرتجف وتهزه تلك الكلمات، ثم غادرت البنت إلى غرفة النوم ووقف على حاله، يفكر (يا أبي! عيب عليك اتق الله.. عيب عليك اتق الله) يقول: فظللت أفكر في تلك الكلمات في سكون وهدوء الليل حتى قطع صمت الليل صوت -أتعرف ما هذا الصوت؟- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، يقول: إنه صوت أذان الفجر، فإذا بي أذهب فأغتسل من الجنابة، وأذهب إلى المسجد متوجهاً إلى بيت الله، من الذي يشده؟ من الذي يدعوه؟ من الذي يهديه؟ إنه الله جل وعلا.
يقول: دخلت في صلاة الفجر، وفي السجدة الأخيرة أجهشت بالبكاء، فلما سلَّم الإمام ظللت أبكي، فسألني من بجنبي: ما لك يا فلان تبكي؟ قال: إليك عني سبع سنوات ما سجدت لله سجدة -سبع سنوات لو قبض الله روحه تظنه كيف يكون مصيره؟!- يقول: وظللت أبكي حتى طلعت الشمس وأنا أقرأ القرآن.
يقول: فذهبت إلى الدوام والعمل، ثم جلست مع صاحب لي في العمل وأخبرته بالقصة، فرجعت إلى البيت وصليت الظهر، فلما دخلت البيت فإذا الزوجة تبكي، قلت: سبحان الله! ما يبكيكِ؟! قالت: يا فلان! أدركنا، قلت: ما الخبر؟ قالت: ابنتك الصغيرة قد ماتت -ابنته الصغيرة التي قالت له: (عيب عليك اتق الله، عيب عليك اتق الله)- فيقول: أجهشت بالبكاء، واتصلت على صاحبي فصلينا العصر ودفناها، وأنا أقول للناس: والله إني لا أدفن ابنتي ولكنني أدفن النور الذي عرفت به طريق السعادة. قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
عبد الله! اسمع إلى هذه القصة الغريبة والنبأ العجيب: إنه شاب كان مغرماً بالأغاني والطرب، يحب مغنية حباً شديداً، حتى أولع بها، وكان له جار.. شيخ يعظه كل فترة، وينصحه في الله ويذكره، يقول الشيخ: وكان يبكي، ولكنه سرعان ما يعود إلى ماضيه ومعاصيه، قال: فظل على هذه الحالة فترة طويلة، انظر كيف إذا أراد الله أن يهدي إنساناً، كيف يسخر له أسباب الهداية، وفي يوم من الأيام نصحته فأطال في البكاء، وذكرته ووعظته فإذا به يزيد في البكاء، وعاهدني أن يتوب إلى الله، فجئته في اليوم الآخر فإذا به يأتي بأشرطة الأغاني.. أشرطة تلك الممثلة، فقال لي: يا فلان! خذ هذه الأشرطة وأحرقها، قلت له: ما الخبر؟ ما الذي جرى؟ قال: عندما نصحتني وذهبت إلى البيت، أخذت أفكر في كلامك، حتى نمت في الليل، ورأيت في المنام أنني كنت على شاطئ البحر، فإذا برجل يأتي ويقول: يا فلان! فقلت له: ما شأنك؟ فقال لي: أتعرف فلانة المطربة؟ قلت: نعم. قال: أتحبها؟ قلت: نعم أعشقها، قال: اذهب فإنها في المكان الفلاني، يقول: فركضت ركضاً سريعاً إلى تلك المطربة، فإذا برجل يأخذ بيدي، فالتفت فإذا برجل وسيم، وجهه كالقمر، وإذا به يقرأ عليَّ قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] وإذا به يردد الآية بترتيل، يقول: وأنا أرددها وأرتل معه، حتى استيقظت من نومي، فإذا بي أبكي وأردد هذه الآية بترتيل: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] يقول: أرددها وأبكي، حتى دخلت أمي عليَّ ونظرت إلى حالي، فأخذت تبكي معي، وهي تبكي، وأنا أبكي معها وأنا أردد هذه الآية: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22].
يا معشر العاصين جود واسع عند الإله لمن يتوب ويندما
يأ يها العبد المسيء إلى متى تفني زمانك في عسى ولربما
بادر إلى مولاك يا من عمره قد ضاع في عصيانه وتصرما
واسأله توفيقاً وعفواً ثم قل يا رب بصرني وزل عني العمى
يقول عليه الصلاة والسلام: (لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم).
انظر إلى رحمة الله وإلى سعتها!
توبة شاب كان ماجناً فأصبح مجاهداً
اسمع إلى هذا الخبر: شاب أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، لا يعرف في الدنيا إلا الذنوب، حتى الصلاة لا يصليها، رجل ضاقت به الدنيا بما رحبت.. يعاشر النساء، ويشرب الخمور، ويستمع إلى الأغاني، ولكنه ما حصل على السعادة.
وسل وابحث في قلوب أولئك العصاة هل تجد فيها سعادة؟! لا والله، إذا جاء الليل وحل ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، قلوب مظلمة، وصدور موحشة، ووجوه قد أغشيت كقطع من الليل مظلما.
يقول: ضاقت بي الدنيا بما رحبت، فسافرت إلى بلد آخر إلى أخي كي أزوره وكان أخوه صالحاً، فسلَّم عليه وقال له أخوه: ما الذي جاء بك؟ قال: أصبت بالضيق وبالضنك، ولا أدري إلى أين أذهب، فجئت أجلس عندك، فرحب به أخوه، وبات عنده تلك الليلة، ولم يقم لصلاة الفجر، فجاءه صاحب لأخيه، وكان في الديوانية، فأيقظه للصلاة، وقال له: يا فلان! قم لصلاة الفجر، فقال له: اذهب عني واغرب عن وجهي، فذهب وجلس يفكر في تلك الكلمات، حتى كان يقول له ذلك الرجل: يا فلان! جرب الصلاة، جرب الراحة في الصلاة لن تخسر شيئاً، جرب الركوع، والسجود، والقرآن، جرب أن تقف بين يدي الرب تبارك وتعالى، ألا تريد السعادة؟! ألا تريد الراحة؟! قال: فأخذت أفكر في تلك الكلمات، حتى اغتسلت من جنابة وتوضأت وذهبت إلى بيت الله، فأخذت أصلي، ثم بكيت ولم أشعر بالسعادة منذ زمن طويل، وما شعرت بها إلا لما خررت ساجداً لله جل وعلا، يقول: ثم مكثت يوماً عند أخي، ثم سافرت إلى أمي في البلد الذي كنت فيه، وأقبلت على أمي أبكي، تقول: ما شأنك؟ ما الذي غيرك؟ قلت لها: يا أماه! تبت إلى الله جل وعلا.. يا أماه! رجعت إلى الله.. يا أماه! أنبت إلى الله.
يقول الذي يروي عنه الرواية: ومكث أياماً ثم جاء إلى أمه، فقال: يا أماه! أطلب منك طلباً، أرجو ألا تردي هذا الطلب، قالت: وما هو؟ قال: أريد أن أذهب إلى الجهاد في سبيل الله.. أريد أن أقتل شهيداً في سبيل الله.
انظر -يا عبد الله- إلى سعادة الإيمان، وانظر إلى لذة الطاعة، وانظر إلى سعة الدنيا والآخرة.. يا أماه! أريد أن أذهب إلى الجهاد، فقالت أمه: يا بني! ما رددتك وأنت تسافر إلى المعصية فهل أردك وأنت تذهب إلى الطاعة؟! اذهب -يا بني- إلى أي مكان تشاء، فذهب إلى الجهاد في سبيل الله.
وفي يوم جمعة وقد كان في المعركة معه أصحابه، جاءت طائرة فرمت تلك المتفجرات والصواريخ، فأصيب صاحبه -وليس هو- بشظية فحمله ليسعفه، فإذا بصاحبه تفيض روحه إلى الله جل وعلا، فحفر لصاحبه قبراً فأدخل صاحبه في القبر، ثم رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك ألا تغرب عليَّ شمس هذا اليوم حتى تقبلني شهيداً عندك يا ألله، يقول: ثم أنزل صاحبه، فإذا بغارة فيتحرك من مكانه، فإذا بشظية تأتيه، فإذا بنفسه تفيض إلى بارئها: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30] نرجو له الشهادة.
يا عبد الله! أتعلم كيف يبعث؟! يبعث وجرحه يثعب دماً.. اللون لون الدم، والريح ريح المسك، يدفن هكذا -لا يغسل ولا يكفن- في ثيابه ودمه، يدفن -يا عبد الله- حتى يبعث عند الله شهيداً في سبيل الله.
شاب يتوب بسبب زانية
عبد الله: اسمع إلى هذا الرجل كيف تاب؟ وكيف سخر الله عزَّ وجلَّ له التوبة؟
هذا رجل ذهب إلى بلد ليزني وليفعل الخنا والفجور، فإذا به يواعد عاهرة داعرة، فدخلت معه في الغرفة، فلما تزينت وتعطرت إذا بها تقول كلمة لا تقصدها ولم تردها، لكنها تلفظت بهذه الكلمة، فقالت: لا إله إلا الله، فسمع تلك الكلمات فارتجف، ثم تذكر ربه العظيم، فقال لها: يا فلانة! البسي ثيابك واخرجي من هذه الغرفة، قالت: ما شأنك؟ ما الذي جرى؟ ما الذي حدث؟ قال: لقد ذكرتيني بعظيم، ولم أكن لأعصي هذا العظيم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً [الفرقان:68-70].
لا تقل -يا عبد الله- لي ذنوب عظيمة، ولا تقل: إن معاصيّ لا يغفرها الله لي، ولا تقل: إن خطاياي قد بلغت عنان السماء، اسمع إذا كانت توبتك صادقة: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] لا تسوف، ولا تقل: غداً، ولا تقل: لما أصل البيت، ولا تقل: إن شاء الله في رمضان، ولا تقل: لما أحج، ولا تقل: لما أتزوج: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرر).
يا عبد الله! لعلها تأتيك منيتك وأنت تقود السيارة، أو وأنت نائم، أو وأنت تلهو وتلعب، لا تعلم -يا عبد الله- متى تأتيك منيتك.
تائب يحفظ القرآن في أربعة أشهر
اسمع إلى هذا الرجل -جندي-: كان هذا الرجل عاصياً، لا يعرف حتى الصلاة، وفي يوم من الأيام كان واقفاً يحرس في مكان عمله، وكان يوجد بالقرب من مكان عمله مسجد، وقد زار ذلك المسجد داعية يدعو إلى الله جل وعلا، فإذا بهذا الداعية يتكلم في السماعات الخارجية، وهذا الرجل الجندي يسمع لهذه الموعظة، وإذا بهذا الواعظ يذكره بالموت، وبالجنة والنار، وبالمصير عند الله جل وعلا، ويذكره بيوم يقف فيه مع الله جل وعلا، يحاسبه ويذكره ويعظه، وإذا بهذا الرجل ينتبه ويتذكر ويتعظ ويخاف يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة، وإذا به يبكي، ومن كثرة البكاء سقط على الأرض مغشياً عليه، فجاءه أصحابه يرفعونه فيقولون له: ما لك؟ ما شأنك؟ قال: اتركوني ودعوني، فإذا به يزداد في البكاء، ثم تركهم وذهب واغتسل من الجنابة، فإذا بدمعته تغسل ذنوبه، وإذا به يأتي إلى المسجد الذي كان يعظ فيه ذلك الداعية، فيصلي ركعتين ويستمع إلى حديثه وهو يبكي، وهو يتذكر ذنوبه ومعاصيه وخطاياه، فلما انتهى جلس مع ذلك الداعية، وأخبره عن شأنه، فقال له ذلك الداعية: أريد أن أجلس معك؟ فجلس معه، فإذا به يتذكر قوله جلَّ وعلا، والداعية يذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] ولتنظر نفس ماذا قدمت للغد؟ نظر للنساء، أم استماع للأغاني، أم زنا وخنا، أم نوم عن صلوات، ماذا قدمت لله؟ إذا وقفت بين يديه، أتظن أن الله قد نسي، أو يغفل ولا يراك.
يا عبد الله! انتبه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] ثم أخذ يبكي يجهش بالبكاء، يقول: حتى ذهب إلى فراشه، أتعرف ما الذي جرى له؟! ختم القرآن كله في أربعة أشهر حفظاً؛ لأن الله قذف في قلبه الإيمان، وأناره به، وشرح صدره بالإسلام: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22].
عبد الله: ليلة كاملة ينام على الفراش لا يأتيه النوم، تعرف لماذا؟! أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22]
يا نفس توبي فإن الموت قد حان واعصي الهواء فالهوى لا زال فتاناً
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها خلفي وأخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضيتها لعباً قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
يقول عليه الصلاة والسلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). أقبل على الله، ارجع إلى الله.
هذه امرأة في السبي تلتفت يمنة ويسرة تبحث عن رضيع لها قد أضاعته، وتخيل أماً قد أضاعت رضيعها، والصحابة ينظرون، ثم وجدت رضيعها من بين الناس فأخذت رضيعها، ثم ضمته إلى صدرها، فألقمته ثديها، ثم بكت من شدة الفرح، فقال عليه الصلاة والسلام: (أتظنون هذه ملقية ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها) وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف:156] لمن؟ إن رحمت الله قريب ممن يا عبد الله؟ من المحسنين والتائبين والنادمين والراجعين والذين يعزمون على التوبة ويصدقون فيها.
أربعة شباب في المرقص
اسمع -يا عبد الله- إلى هؤلاء الأربعة من النفر، كانوا قد أذهبوا دنياهم من المعاصي والزنا والخنا، قرروا أن يسافروا إلى بلد يعاقرون النساء ويشربون الخمر، فإذا بهم يدخلون في مرقص.
اسمع -يا عبد الله- ولعل الله ينقذك كما أنقذ بعضهم، ثم نظروا فإذا بمرقص فخم قرروا أن يدخلوه في تلك الليلة، أتعرف من ينتظرهم؟! إن ملك الموت قد سبقهم وينتظرهم، دخلوا في ذلك المرقص، وفي جوف الليل الآخر والرب يرى، والله عزَّ وجلَّ لا تخفى عليه خافية، إذا بهم في سكرهم ولهوهم وطربهم وكل واحد منهم قد عانق امرأة يراقصها ويقبلها، وفي تلك الأثناء إذا بأحد من هؤلاء الأربعة يسقط على الأرض مغشياً عليه، فأقبلوا عليه وفزعوا ونظروا إليه فقال أحدهم له: يا فلان! قل: لا إله إلا الله، يا فلان! قل: لا إله إلا الله، وإذا به ينتبه فقال له: زدني كأس الخمر وتعالي يا فلانة، فإذا به يردد تلك الكلمات وخرجت نفسه إلى الله جل وعلا.
يلقى الله على تلك الكلمات، ويبعث بين الخلائق وهو يقول هذه الكلمات وهو سكران ويريد أن يعانق النساء ويعاشرهن.
فنظر الثلاثة وأجهشوا بالبكاء وأصيبوا برعب شديد، ثم خرجوا من المرقص كل منهم قد قرر التوبة إلى الله جل وعلا، أتعرف كيف رجعوا إلى ديارهم؟
كان البعض يظن أنهم سوف يرجعون بالهدايا وبما يشترونه لأهليهم وأقربائهم! لا والله، رجعوا بجثة صاحبهم، في المطار كشفوا عن وجهه يفتشون الجثة، يقول أحدهم: لما نظر إلى تلك الجثة من سوادها وقبحها وظلامها خرَّ مغشياً عليه، ولكنهم رجعوا وقد تابوا إلى الله جل وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
امرأة تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: (يا رسول الله! زنيت) من منا يستطيعها؟ ومن منا يقوى عليها؟ أتعرف ما المصير وما الحكم؟ إنه الرجم حتى الموت بالحجارة.
فقالت: (يا رسول الله! زنيت، قال: لعلك فعلت كذا وكذا، قالت: لا يا رسول الله زنيت، قال: اذهبي حتى تضعي) ذهبت أشهراً ثم رجعت، فقالت: (يا رسول الله! هذا ولدي، أنا التي أتيتك قبل أشهر وقلت لك: قد زينت وهذا ولدي، فقال عليه الصلاة والسلام -أراد أن تستر على نفسها-: ارجعي حتى تفطميه) فذهبت ورجعت بعد أشهر طويلة وفي يدها كسرة خبز تطعم ولدها، فقالت: (يا رسول الله! هاهو ذا قد فطمته يا رسول الله فطهرني) لا تتحمل الذنب والمعصية، لا تتحمل أن تلقى الله بهذا الجرم العظيم، تريد أن يطهرها الله ولو كان بالقتل ولو كان بالموت (فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الولد فأعطاه لأحد الصحابة، ثم أمر بحفرة فحفرت، ثم وضعت في تلك الحفرة، وأمر الصحابة أن يرجموها، فرجموها، فإذا بأحد الصحابة يقع عليه شيء من الدم، فتكلم عليها -وكأنه سبها- فقال عليه الصلاة والسلام: مه، مه، لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم).
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها عضدت أناملي وقرعت سني
ومالي حيلة إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
عبد الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) ما الذي يمنعك عن الله؟
ما الذي يصدك عن سبيل الله؟
أقبل على الله يا عبد الله، اطرح بين يديه، اسجد له ولتدمع العين، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16].
شاب يتوب قبل وفاته بإسبوعين
أختم حديثي معك -يا عبد الله- بقصة شاب كان مع فتاة يعاشرها ويعاقرها، إذا بهذا الشاب يأتيه من ينصحه ويذكره ويعظه، جاءه في الشارع فوجده معها، فأتى لينصحه ولينصحها فإذا بالفتاة تهرب، ثم يقف أمام هذا الشاب، يقول: وأخذت أنصحه وأذكره في الله جلَّ وعلا وأعظه، وأذكره بالموت وبالساعة وأن هولها عظيم، يقول: وإذا بحديثي لا ينتهي إلا والعينان تدمعان، وقد ذرفت عيناه بالدموع.
فلما انتهيت من الحديث أخذت رقم هاتفه وأعطيته رقمي، ثم ذهبت وذهب، وبعد أسبوعين وأنا أقلب أوراقي وإذا بي أقرأ رقمه ورقم هاتفه فاتصلت عليه وكان في الصباح، فسلمت عليه فقلت له: يا فلان! أتعرفني؟ قال: وكيف لا أعرف الصوت الذي كان سبباً لهدايتي، فقلت: الحمد لله! قلت: يا فلان! كيف حالك؟ قال: منذ تلك الكلمات وأنا بخير وبسعادة وأنا أصلي وأذكر الله جل وعلا، فقلت: لا بد أن أزورك اليوم، قال: حياك الله، قلت: سوف آتيك بعد العصر، وعندما صليت العصر جاءني ضيوف فأخروني عن الموعد، فلما جاء الليل قلت: لا بد أن آتيه ولو تأخرت في الموعد، فأتيته في الليل وطرقت عليه الباب، فخرج شيخ كبير فقلت له: أين فلان؟ قال: لقد دفناه في المقبرة، قال: لا كيف وقد كلمته اليوم في الصباح، قال: إنه صلى الظهر ثم نام في القيلولة، وقال: أيقظوني لصلاة العصر، فجئنا نوقظه فإذا هو جثة هامدة، وإذا نفسه قد فاضت إلى بارئها، قال: فبكيت، ثم قال لي: ومن أنت؟ قلت: تعرفت على ابنك قبل أسبوعين، قال: أنت الذي كلمته؟ قال: نعم أنا. يقول: دعني أقبل رأسك، قلت:لا. قال: دعني أقبل الرأس الذي أنقذ ابني من النار، يقول: فقبل رأسي: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193].
شروط التوبة
عبد الله: إن عزمت وقررت التوبة وإذا أردت الإنابة فعليك بثلاثة أمور:
الندم على المعصية
أولها: اندم على ما مضى، من الليالي الحمراء، والأفعال القبيحة، واندم على ذنوبك العظيمة يا عبد الله، ولينكسر القلب، ولتكن الحسرة صادقة وخارجة من قلبك.
الإقلاع عن المعصية
ثانياً: يا عبد الله! أقلع عن جميع الذنوب والمعاصي.. كيف تقلع؟ أن تكسر تلك الأشرطة، وأن تفارق تلك المجالس، وأن تحرق تلك الأوراق، وأن تمزق تلك الصور، أقلع ولتكن التوبة صادقة.
العزم على عدم العودة إلى المعاصي
ثالثاً: اعزم من قلبك عزماً صادقاً ألا ترجع إلى الذنوب مرة أخرى، فإن غلبتك نفسك وسرت مع الصالحين، ومشيت في طاعة الله، وغلبتك نفسك وأذنبت مرة أخرى، فعد فإن الله كان للأوابين غفوراً، وكلما غلبتك نفسك وعدت إلى المعصية فعد، فإن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
وإياك إياك أن تصر على المعصية، وإياك إياك أن تعزم في قلبك أنك تعود إليها.
عبد الله! لتكن التوبة صادقة، وليكن هذا الكلام الذي تسمعه مني هو بداية ميلاد جديد وحياة جديدة بينك وبين الله جلَّ وعلا.
أقول هذا القول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قنوات يوتيوب روووعة إسلامية هاادفة
انشرتؤجر
قناة هداية لليوتيوب الإسلامي
الطريق إلى الله
قناة عباد الرحمن
الطريق إلى التوبة
الطريق إلى الجنة
إنما العزة لله
لغير الله لن نركع
توبة صادقة
إلى طريق السنة
مكتبة شاملة
كتب
مقالات
صوتيات
مرئيات
فتاوى
اناشيد
مقاطع
صور
وإسلاميات كثيرة