إيمانيات صائم

الحمد لله المنّان ، اللطيف الرحمن , شرع لعباده مواسم الغفران , وجعلها خير زاد ليوم التناد , وأصلي وأسلم على خير من صلى وصام .

أما بعد فإن شهر رمضان شهر عظيم مبارك رفع الله شأنه وأعلى مكانته وجعله ميقاتاً لفرض من فروض الإسلام - وهو الصيام - .
وله منزلته العالية في نفوس المؤمنين فكلما هلّ هلال شهر شعبان وعلموا بقرب نزوله بهم اشتاقت نفوسهم لبلوغه , وعدوا الأيام والليالي حتى يدركوه .
ولأن المؤمن عزيزة عليه هذه الأيام , وكريم عليه هذا الموسم , فهو يسعى جاهداً لاغتنامه , ويجتهد لأن يستغل كل لحظة من لحظاته بما يقربه إلى ربه ومولاه .
ومن نظر في أحوال المسلمين اليوم في شهر رمضان يحزن كثيراً لتفريط كثير من الناس فيه , وعدم اكتراثهم بعظمته ، فيمضي أحدهم نهاره نائماً , وليله هائماً وقد سرقت وسائل الإعلام , وقنوات التواصل روحانية رمضان أضاعوا الساعات عليها وفرطوا فيه بفرصة العمل الصالح فليت شهري إن لم نعبد الله في رمضان فمتى نعبده ؟
وإن لم نكن حريصين على أوقاتنا شحيحين بها في هذا الزمان فمتى نحرص ؟
وإن بقاء المرء حتى يدرك رمضان نعمة جليلة ومنّة كبيرة لا يدرك كنه حقيقتها إلا حين يغادر المرء دنياه , ويحول بينه وبين العمل الموت .
فيصبح رهين قبره ، حبيس رمسه ، فيؤمن ساعتها بقيمة الحياة ، وما معنى أن تكون متمكنا من العمل ولكنك تفرط فيه ، ولكن هيهات هيهات ضاعت الفرصة ، وانقضى الأجل ، وحُبس المرء من العمل .
فمن علم هذه الحقيقة كان حري به وهو يرى الموت يتخطف الأقران ويغيّب الخلاّن فيرى في مصرعهم مصرعه , وفي موتهم موته أن يبادر بالعمل الصالح , ويسارع بالطاعات في زمن البقاء والحياة .
ولأجل شحذ الهمة للعمل الصالح في هذا الزمان الشريف كانت هذه لورقات لعلها أن تكون دافعة لي ولمن قرآها في الاجتهاد فيه .


إيمانيات صائم

شرع الله شرائعه لتسمو نفوس العباد , وترتقي نحو الملكوت الأعلى فيترفعون عن الدنيا , وحطامها الفاني ، ويزداد إيمانهم بموعود الله عز وجل .
وشهر رمضان فرصة عظيمة لتحقيق هذا المقصد , والوصول لهذه الغاية لمشروعية كثير من العبادات فيه التي تسمو فيها النفوس.
ففيه : الصيام - وهو سبيل الجنة الأعظم – فعندما قال أبو أمامه رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه : دلني على عمل يُدخلني الجنة . قال له : " عليك بالصوم فإنه لا مثيل " وهذا شأن كل طاعة وعبادة , وأنها تقرّب صاحبها إلى الجنة
وفيه : مشروعية الإكثار من تلاوة القرآن الكريم حيث يشفع للمؤمنين عند ربهم ، وقد اجتمعا للصائم في شهر رمضان ففي الحديث " الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما.." .

وفيه : مشروعة الإكثار الدعاء , ففي الحديث " ثلاثة دعوات مستجابات - ومنها – والصائم حتى يفطر " وقال عليه الصلاة والسلام " فللصائم دعوة لا ترد " .
وفيه : الإكثار من الصدقة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان .
وفيه : مشروعية ذكر الله في كل آن
وفيه : العمرة وهي تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم .

وفيه : العشر الأواخر التي قد خصت بمشروعية الاعتكاف .
وفيه : ليلة القدر التي هم أعظم ليالي العام .
وغير ذلك من العبادات التي ترفع شأن المؤمن وتجعله يعيش هذه الأيام في روحانية لا تحبطها العبارات ولا تدركها الإشارات.