انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 3 من 3

الموضوع: ~ [ وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ..] ~

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الموقع
    " أرجو الجنة ()
    الردود
    2,049
    الجنس
    أنثى
    التكريم
    (أوسمة)

    Jhd ~ [ وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ..] ~





    بِسْمِ اللهِ، والحَمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول الله، وبعد:

    أخواتي الحبيبات،
    أنقلُ لَكُنَّ تلخيصًا لمُحاضرةٍ ألقاها الشيخ (أيمن صَيْدَح) بمَدينتي،
    مساء الأحد المُوافق للثاني والعِشرين من شهر جُمَادَى الأولى 1435 هـ،
    والثالث والعِشرين من شهر مارس 2014 م،
    والتي يَسَّرُ اللهُ لي حُضُورَها، فله الحَمدُ سُبحانه.

    والمُحاضرة تحملُ عُنوان: [ وتوكَّل على الحَيِّ الذي لا يَمُوت ...] .



    أيُّها الرجلُ الكبير والدي وجَدِّي، أيُّها الرجلُ الشَّابُ أخي وحبيبي،
    أمَّنا الغالية وأُختَنا الطيِّبة، لا بُدَّ لنا لترتفِعَ الغُمَّةُ عن الأُمَّةِ،
    ولتتنزَّلَ البركاتُ، ويُنزِّلَ اللهُ بها الرَّحماتِ، ويَفتَحَ لنا الخيراتِ،
    لا بُدَّ من الثِّقةِ واليقينِ والرُّجوع لله. نُحسِنُ التَّوكُّلَ على المَلِكِ في أعمالنا
    وأفعالنا وفي كُلِّ حياتِنا.

    قال اللهُ تعالى: (( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ )) الفرقان/58.
    = لماذا اختار اللهُ اسمَ (الحَيِّ) وصِفةَ (الَّذِي لَا يَمُوتُ)؟
    لأنَّنا لو توكَّلنا على قويٍّ يَضعُف، على غَنِيٍّ يفتقِر،
    على مَلِكٍ قد يُنزَعُ منه مُلْكُه أو يزولُ هو عن مُلْكِه بموته.
    أساسُ التَّوكُّل أن تعبُدَ اللهَ على الكتاب والسُّنَّةِ، أن تشغل نفسَكَ بالطاعة.
    توكَّل على الحَيِّ الذي لا يَموتُ؛ وهو اللهُ سُبحانه وتعالى.



    = هل تمنعُنا الذنوبُ مِن أن نتوكَّلَ على الله؟
    مهما كانت ذنوبُكَ، ومهما كانت عيوبُكَ، اسمَع كلامَ المَلِكِ بالتَّوكُّل عليه؛
    لَعلَّ التَّوكُّلَ يومًا يُخلِّصُكَ مِمَّا أنتَ فيه. لا تجعل ذنوبَكَ حائِلاً بينكَ وبين التَّوكُّل.
    اللهم اجعلنا مِمَّن يُحسِنون التَّوكُّلَ عليكَ.

    # الدَّليلُ من القُرآن:
    (( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ))
    الفرقان/58. لا تقنَط ولا تيأس، وتوكَّل على الحَيِّ الذي لا يَموت.

    # هل نتوكَّلُ على الله؟
    نعم، ولِمَ لا؟! لماذا لا تدخُل في زُمرة المُتوكِّلين؟!
    لا تجعل بينكَ وبين التَّوكُّل حائِلاً. توكَّل على اللهِ كي يرزُقَكَ ويُعافِيَكَ ويَهدِيَكَ.



    = ما معنى التَّوكُّل؟
    - في اللغة: التَّوكُّلُ معناه اعتماد شخصٍ على الآخَر في طلب المنفعة،
    ودَفع الضَّرر أو السُّوء.

    - وفي المُصطلح:
    اعتمادُ القلب على اللهِ ثِقةً فيما عند الله في جلب المنافع
    ودَرءِ المفاسِد.



    = هل أخذُ الأسباب يتنافَى مع التَّوكُّل على الله؟
    يتنافَى لو لم تضبِط الأخذَ بالأسباب بثلاث:

    - الضَّابِط الأوَّل: أن تعتقِدَ يقينًا بقلبِكَ وجوارحِكَ أنَّ الذي أمركَ بأخذ الأسباب
    هو الله
    ، ولولا أنَّه أمرني، ما اعتمدتُ على شيءٍ من الأسباب أبدًا،
    وأنا لا أعتمِدُ ولا أتوكَّلُ عليها، وإنَّما أُطيعُ رَبِّي في أخذ الأسباب.
    والدَّليلُ قولُه تعالى: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ))
    المُلك/15. (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا )): أمرٌ من الله بأخذ الأسباب.

    رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- لَمَّا دخل عليه الرجلُ يسألُه،
    قال: يا رسولَ الله، أعقِلُها وأتوكَّلُ أو أُطلِقُها وأتوكَّل؟
    (يعني: أربِطها في القَيْد / في قلب الوَتَد / في الحَلقة وأتوكَّلُ على الله
    أم أُطلِقُها وأتوكَّلُ على الله؟)
    . نأخُذُ أسبابَ التَّوكُّل.

    أمرنا النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- بأخذ الأسباب، وأمرنا اللهُ بأخذ الأسباب.
    فإنْ أخذتَ الأسبابَ، فاضبِط مسألةَ الأسباب بثلاث:

    أوَّلها: أن تعتقِدَ أنَّ الذي أمركَ بأخذِها اللهُ،
    ثُمَّ رسولُ اللهِ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
    .
    قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (( اعقِلها وتوكَّل ))
    رواه التِّرمذيُّ وحَسَّنه الألبانيُّ.

    خُذ أسبابَكَ وقُل: توكَّلتُ عليكَ يا رَبِّ.

    كان أهلُ اليمن إذا خرجوا لِحَجِّ بيتِ الله في الماضي، يَخرجون بلا زادٍ،
    فإذا سُئِلوا عن ذلك، قالوا: نحنُ المُتوكِّلون.
    فإذا دخلوا مكة والمدينة طلبوا من الناس الطعامَ والشرابَ،
    فنزل قولُ اللهِ: (( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )) البقرة/197.
    وتزوَّدوا بمُطلَق التَّزوُّد، ثُمَّ الاستثناء: أعلى التَّزوُّد تقوى الله.

    أحبابي، أخذُ الأسباب طاعةً للهِ لا يتنافَى مع التَّوكُّل على الله.

    إذًا، الضَّابِطُ الأوَّل: أن تعتقِدَ اعتقادًا راسِخًا أنَّ الذي أمركَ بأخذ الأسباب الله،
    وأمركَ بأخذ الأسباب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
    .

    - الضَّابِط الثَّاني:
    تأخذُ الأسبابَ العظيمةَ أوَّلاً، فإن لم تَجِد تتدرَّج،
    فإن لم تَجِد تتدرَّج، فإن لم تَجِد تتدرَّج، فإن لم تَجِدَ فاليَسيرُ المُتاحُ بين يديك
    ،
    (( مَا اسْتَطَعْتُمْ )) التغابن/16.
    قال اللهُ عند لقاء العَدوّ: (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) الأنفال/60.
    إنْ أعددتَ للعَدُوِّ ما استطعتَ، ينصركَ اللهُ بالتَّوكُّل والتَّقوى.

    خُذ الأسبابَ وإن كانت عظيمةً، فإن لم تَجِد فالسبب اليسير.
    ومِثالُ ذلك من القُرآن العظيم: (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ
    وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ))
    الأنبياء/83. يا رَبِّ اشفِني. فكتب اللهُ له الشِّفاءَ بماذا؟
    أخذ قشَّاتٍ، (( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ )) ص/42، هو لا يستطيعُ أصلاً أن يركُضَ
    الرَّكضَ القَوِيَّ، فحاول أيوبُ لأنَّه يَعلَمُ مُرادَ المَلِكِ. أمرني رَبِّي، فأخذ الأسبابَ،
    فمال بالقَدَمِ يُريدُ الرَّكضَ، فنَبَعَ الماءُ، فاغتسلَ، فشفاه الله.

    مريمُ الضعيفة الصغيرة، (( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ
    إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا
    مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ))
    مريم/22-24.
    (( جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا )): أيْ جعل الماءَ ينبُعُ من قلب الصحراء الجَرداء.

    تخيَّل الجبل تفجَّر بعينٍ من الماء. فاختار اللهُ- جلَّ وعلا- لمريم إشارةً،
    وأعطانا لَطيفةً وسُنَّةً في الخَلْق. أمَّا الإشارةُ لنا ولمريم: أنَّه أخرج الماءَ
    من غير حَوْلٍ ولا قُوَّةٍ مع صُعوبةِ خُروج الماءِ على مريم من الجبل،
    إشارة أنَّ اللهَ قادِرٌ على أن يَرزُقَ مريمَ وغيرَها من غير حَوْلٍ ولا قُوَّةٍ
    ومن غير أسباب. فنَبَعَ الماءُ من الجبل.

    (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )) مريم/25. خَوَى الماءُ ولا يُمكنُ للرُّطبِ أن ينزل،
    ومع ذلك أعطانا اللهُ سُنَّةً في الخَلْق أنَّ هناك من الأشياءِ التي كتبها اللهُ
    في الرِّزق لا بُدَّ من أخذ الأسباب طاعةً لله، فإنْ أخذتَ السببَ فاعتقِد أنَّكَ
    تُطيعُ اللهَ في أخذِه، واعلَم أنَّ الأمرَ لا حَوْلَ لكَ ولا قُوَّةَ فيه.

    وضعَت مريمُ يدَها على النخلةِ وهِيَ تعلمُ يقينًا بضَعفِها،
    لكنَّها تثِقُ في أمر رَبِّها، فاهتزَّت النخلة، فسَقَطَ الرُّطبُ.
    مَن الذي رَزَقَها؟ اللهُ. لا هِيَ ولا قُوَّتُها. نعلمُ أنَّ اللهَ هو الرَّزَّاق،
    وفي الآياتِ: (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ )) الروم/40،
    (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )) هود/6.

    إذًا، نأخُذُ الأسبابَ إن كانت عظيمةً، فإن لم نَجِد فاليسير.

    - الضَّابِط الأخير:
    لو تحقَّقَ النَّفعُ، فأرجِع الأمرَ للهِ،
    لا تُشرِك مع اللهِ شيئًا من الأسباب.
    وإنَّ السُّوءَ إذا دُفِعَ عنكَ، فاعلَم أنَّ المَلِكَ هو الذي صَرَفَه عنك.
    كان النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- يقولُ للغُلام ابن عبَّاس:
    (( احفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ،
    وإذا استَعَنْتَ فاستَعِن باللهِ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيءٍ،
    لم ينفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كَتَبَه اللهُ لَكَ، وإن اجتمعوا على أن يَضُرُّوكَ بشيءٍ،
    لم يَضُرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليكَ، رُفِعَت الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ ))

    رواه التِّرمذيُّ وصَحَّحه الألبانيُّ.

    إذا امتدَّت يَدُ أحدٍ إليكَ فأعطاكَ، فاعلَم أنَّ الذي أجرَى الإرادةَ في قلبِهِ هو مولاكَ.

    خُذ أسبابَكَ ولا تعتمِد عليها، فإن تحقَّقَ النَّفعُ أو الضُّرُّ،
    فاعلَم أنَّ الذي نَفَعَكَ الله، وأنَّ الذي صَرَفَ عنكَ الضُّرَّ هو الله.

    مِثالٌ لذلك: قِصَّةُ إبراهيم عليه وعلى نبيِّنا الصلاةُ والسَّلامُ،
    يَوم عِيد الكُفَّار، تركوا المَعبدَ وخرجوا للاحتفال بعيدِهم،
    فحمل إبراهيمُ الفأسَ على كتفه ودخل إلى المعبد،
    فوجد الأصنامَ واقفةً كالأعمِدة (آلِهَة)، وأمام كُلِّ إلهٍ منهم طعامٌ وشراب.
    فأخذ الفأسَ، وبدأ يُقدِّمُ لهم الطعامَ وينظُرُ إليهم ويقولُ: ألَا تأكُلُونَ؟
    ثُمَّ يقطَعُ رقبةَ الواحِدِ منهم. حَطَّمهم إلَّا أكبرَهم.
    لماذا تركه سيدُنا إبراهيم؟ حِكمة، ذكاء.
    لأن هناك شياطين إنس وجِنّ، وشياطين الجِنّ سيذهبون لأوليائهم،
    فيقولون: لو ترك لنا واحدًا ليَشرحَ لنا ما حدث.
    أراد إبراهيمُ- عليه السَّلامُ- أن يضربَ على أوتار قلوبهم وعقولهم لعلَّهم يعقلون.
    فترك كبيرَهم وعلَّقَ في رأسِهِ الفأسَ. فلَمَّا رجعوا وجدوها مُحطَّمَةً.

    الشاهِدُ من غير تفصيلٍ في المسألة:
    قالوا سَمِعنا فتىً يذكُرُهم بكذا وكذا يُقالُ له إبراهيم.
    أشعَلُوا له النارَ، وأرادوا قتلَه وحَرقَه.
    السُّؤالُ المعروفُ طبيعيٌّ جِدًّا: النارُ تحرقُ أو لا تحرقُ؟
    نارٌ عظيمةٌ وألقَوا سيِّدَنا إبراهيم فيها.

    أُريدُ أن أقولَ لكَ:
    اللهُ قد يُعطِي عَدُوَّكَ سِلاحًا لا قِبَلَ لكَ به،
    لكنَّه بالتَّقوى أعددتَ ما استطعتَ ثُمَّ اتَّقيتَ اللهَ،
    فإنَّ اللهَ يَحُولُ بين السبب العظيم وأثره، فلا تَجِدُ للسبب العظيم أثرًا.
    وقد يُطلِقُ اللهُ الأثرَ العظيمَ بالسبب اليَسير بتقوى اللهِ والتَّوكُّل عليه.
    النارُ سببٌ عظيمٌ يَحرقُ ويَقتُلُ، (( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا
    عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))
    الأنبياء/69، بأمر الله.

    خُذُوا إيمانَ إبراهيم، تنبُتُ لكم في النَّارِ جنَّاتُ النَّعيم.

    أُلقِيَ في النار، حال اللهُ بين السبب (النار) والأثر (الحَرق أو القتل)،
    فأمرها ألَّا تمسّ جسدَ سيِّدنا إبراهيم (( يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))
    الأنبياء/69، النارُ جاءت إلى الجسد، فحال اللهُ بين أثرها في الحَرق والقتل،
    فلم تحرق الجسدَ، وأطلَقَ اللهُ الأثرَ للنار على القَيْدِ، فأحرقت قَيْدَ سيِّدنا إبراهيم.

    نفسُ الشاب الجميل سيّدنا إبراهيم، كبر في السِّنِّ وأصبح شيخًا.
    أعطى اللهُ له نفسَ المسألة، لكنْ بطريقةٍ أخرى.
    أمسك سيِّدُنا إبراهيم سببًا يذبحُ به ولدَه. السببُ عظيمٌ،
    حال اللهُ بين السبب والأثر، (( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى
    فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي
    إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ))
    الصافات/102-103.
    وضع وجهَ ولدِه على الأرض حتى لا تقع عينُه على عينِهِ،
    وأمسك السِّكينَ (وكان مُجهِّزًا السِّكينَ مُجرَّد ما يقع يقطع)،
    فوضع السِّكين (بِسْمِ الله)، مال السِّكينُ كأنَّه قِطعةُ قُماشٍ بين يَدَي الشيخ
    الكبير الوالِد.

    نَفْسُ السِّكين أطلَقَ اللهُ له الأثرَ لَمَّا نزل الفِداءُ من الجنَّةِ، فذبحه إبراهيمُ.



    ومِن واقع حياتِنا نُؤكِّدُ للأحِبَّةِ أنَّ الأمرَ ليس بالدَّرْوَشَةِ وهو في الواقع موجود.

    عندنا شيخٌ في صان الحجر بمُحافظة الشرقية، رجلٌ من أهل السُّنَّة،
    وله باعٌ كبيرٌ في تعليم أصالةِ العِلم، ليس بالمشهور اسمًا،
    لكنَّه مشهورٌ بالعِلم. يُقسِمُ هذا الشيخُ ويقولُ:

    لقد مكثتُ في القاهرة في حيٍّ من أحيائِها الفقيرة زمنًا من الأزمنة،
    وعُدتُ بعد إتمام الدراسةِ إلى بلدي. رأيتُ عَجَبَ العُجابِ هناك.
    شابٌّ فقيرٌ تزوَّجَ من فتاةٍ فقيرةٍ. وصَدَقَ رَبُّنا إذ يقولُ: (( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ
    وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ))
    النور/32.

    يقولُ الشيخُ: تزوَّجَ الشَّابَّ من الفتاة الفقيرة، هو تقِيٌّ وهِيَ تقيَّةٌ،
    ونحسبهُما كذلك. تأخَّرَ الإنجابُ، ومَرَّت السَّنواتُ،
    فقال الشَّابُّ داعيًا رَبَّه مُناجيًا إيَّاه: (رَبِّ لا تذرني فَردًا وأنتَ خيرُ الوارثين).
    فحَملَت الزوجةُ. فقال: زوجتي، بإذن الله بعد أشهُرٍ معدوداتٍ يَرزُقنا اللهُ
    بالمولود، ونحنُ فُقراء، أتأذنينَ لي بالسَّفر إلى بلدٍ عَربيٍّ؛ حتى يَرزُقني اللهُ
    خيرًا لي ولكِ ولابنِنا؟ فإن وافقتِ سافرتُ، وإن لم تُوافقي بقيتُ.
    قالت: أذِنتُ لكَ. قال: ولكنْ لا أستطيعُ أن أُرسِلَ لكِ مالاً لِمُدَّةِ عامٍ أو يَزيد
    حتى أسُدَّ ما عليَّ مِن دَيْنٍ فأُرسِلُ لكِ. قالت: يكفينا اللهُ.
    قال: استودعتُكِ الله. قالت: خير مَن استودعتَ.

    ذهب الشَّابُّ يُتاجِرُ مع رَبِّه ويَعملُ بالحلال.
    أيَّامٌ وشهورٌ تَمُرُّ، وضعت المرأةُ حَمْلَها، ورُزِقَت بالمولود،
    فبدأت المرأةُ تُساعِدُ نَفسَها وزَوجَها، وكانت عفيفةً شريفةً فتاةً تقِيَّةً
    تخرُجُ بحِجابِها وبأدَبِها وحيائِها، اشتُهِرَ عنها النظافةُ والأمانةُ،
    تبيعُ الخُضارَ على قارعةِ الطريق (شيءٌ بسيط يُسمَّى المِشَنَّة).
    حتى إذا أراد أحدٌ من أهل الخير أن يَمُدَّ يَدَ العَون لها بزيادةٍ في سِعر السِّلعة،
    تقولُ: لا، يكفيني رَبِّي.

    وَضَعَت المرأةُ ابنَها، كانت تبيعُ وتشتري في شهوره الأولى، وتحمِلُه على كتِفِها.
    وفي يومٍ تأخَّرَت عن الخروج، ومَرَّ اليومُ الثَّاني، ومَرَّ الأسبوع، أسبوعان،
    ثلاثة، لا تخرُج المرأةُ، فسأل عنها الناسُ، فقالوا: واللهِ لا نعرفُ مكانًا لها
    سِوى حيٍّ من الأحياءِ الفقيرة، نسألُ الجيرانَ وأهلَ الحَيِّ.

    فجاءوا إليهم يسألون عنها، فقالوا: هِيَ فتاةٌ فقيرةٌ تسكُنُ هناك،
    في هذا المكان المُتواضِع، ومنذ أسبوعين أو يَزيد لم نعلم عنها شيئًا.
    أين أقارِبُها؟ قالوا: لا نعرفُ لها قريبًا إلَّا زوجَها الذي سافر.

    فاتَّفَقَ الناسُ مع الجيران على كَسْر الباب حين اشتمُّوا رائحةً مُتغيِّرة
    من داخل بيتِها المُتواضِع. فلَمَّا حطَّموا البابَ، وَجدوا العَجَبَ.

    يقولُ الشيخُ: لولا أنِّي رأيتُ ما صَدَّقتُ.
    الفتاةُ ميِّتةٌ منذ أكثر من ثلاثةِ أسابيع، الدُّودُ يَنخَرُ في اللحم،
    والطفلُ على صَدْرِها يرتشِفُ اللبنَ بقُدرة الحَيِّ الذي لا يَموتُ.

    قال: اهتزَّت الأرضُ من تحت الأقدام، وشاع الخبرُ أيَّامَها.

    فإنْ كنتَ تعتمِدُ في الرِّزق على أُمِّكَ أيُّها الطفلُ، فقد ماتت أُمُّكَ،
    فمَن الذي يَرزُقُكَ؟



    وأنشد الشيخُ أيمن صيدح هذه الأنشودة:

    بلِّغ عنِّي يا أبتاه ......... أنِّي أبغي وجهَ الله
    إنْ أرضَى الكُفَّارَ أُناسٌ ... فمُرادي أن يرضَى الله

    أكثرُ مَن في الأرض حَيَارَى ... ساروا للشَّهَواتِ أُسارَى
    سَجَدُوا للطَّاغُوتِ جَهارًا ...... عَبَدُوهُ مِن دُون الله

    أنسيتُم عاصِمَ وصُهيب ... أنسيتُم ياسِرَ وخُبَيْب
    أو مَن مات بظَهر الغَيب ... وكذا الحَمزةَ أسدُ الله ؟

    نَسِيَ الناسُ طريقَ النَّصرِ ... حَسِبُوهُ يأتي في يُسْرِ
    أو مِن غير دِماءٍ تجري ... أين جِهادُ رسولِ الله ؟

    يا قومِ أنتم في وادي ... وأنا أُنذِرُكم وأُنادِي
    فتعالَوا للنُّور الهادي ... لتكونوا مِن جُندِ الله

    رَضِيَ اللهُ عنِّي وعنكم.

    .. وهاكُن الأُنشودة بصوتِ الشيخ [ هُنا ] و [ هُنا ] ..



    اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلِح ذات بيننا.
    اللهم رَبَّنا افتح على البلادِ الرَّحمات. اللهم افتح عليها وعلينا البركات،
    اجعلها سَخاءً رَخاءً وسائِرَ بلاد المُسلمين. اللهم فرِّج هَمَّ المهمومين،
    وفُكَّ كربَ المكروبين، واقضِ ديونَنا أجمعين، ارحم موتانا يا أرحمَ الرَّاحمين.
    اللهم اغفِر الذنوبَ التي بيننا وبينكَ يا أكرمَ الأكرمين،
    واقضِ ما بيننا وبين العبادِ فأنتَ أرحمُ الرَّاحمين.
    اللهم رَبَّنا وَفِّق طُلابنا لِمَا تُحِبُّه وترضاه.
    اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عُيوبَنا، وهَيِّئ لنا أمرَ رُشدٍ فأنتَ أرحمُ الرَّاحمين.
    اللهم ارزُقنا جميعًا حِكمةً تُنجِّينا، واجعلنا من الرَّاشدين.
    اللهم حَبِّب إلينا الإيمانَ، وزَيِّنه في قلوبنا،
    وكَرِّه إلينا الكُفرَ والفًسُوقَ والعِصيانَ، واجعلنا من الرَّاشدين.
    رَبَّنا أرضِنا وارضَ عنَّا.

    اللهم هذا دُعاءَنا كما أمرتنا، فاستجِب لنا كما وعدتنا.



    يا صاحِبَ الهَمِّ إنَّ الهَمَّ مُنفرِجٌ .. أبشِرٍ بخيرٍ فإنَّ الباسِطَ اللهُ
    إذا بُلِيتَ فثِق باللهِ وارضَ بِهِ .. إنَّ الذي يكشِفُ البَلْوَى هو اللهُ

    فرَّجَ اللهُ هَمَّنا وهَمَّكم.






    آخر مرة عدل بواسطة الثمال : 08-04-2014 في 10:21 AM السبب: بارك الله فيك ……. شعار

  2. #2
    الثمال's صورة
    الثمال غير متواجد رئيسة الأركان التعليمية-مشرفة ركني الروضة ودار لك للتحفيظ -محررة في موقع لكِ
    تاريخ التسجيل
    Mar 2002
    الموقع
    اللهم ارحم غربتي في الدنيا وارحم مصرعي عند الموت وارحم قيامي بين يديك
    الردود
    44,066
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    13
    التكريم
    • (القاب)
      • درة الحوار
      • محلقة في سماء الإبداع
      • الإصرار على النجاح
      • متميزة
      • محررة بمجلة انا ورحلة الامومة
      • درة صيفنا إبداع 1432هـ
      • واميره النظافة والتنظيم 2
      • تربوية مثقفة
      • لمسة عطاء
      • درة صيفنا إبداع 1431هـ
      • فن وإبتكار
      • بصمة إبداع
      • الماهرة
      • مُبدعة صيف 1430هـ
      • أنامل ذهبية
      • بصمة إنجاز
      • بصمة تعاون
      • مصممة رائعة
      • بصمة مبدعة
      • ريشة متميزة
      • ذاكرة سياحية مميزة
      • فراشة الحلم والأ
    (أوسمة)
    بوركت الجهود
    وجزاك الله خيرا
    وجزا الشيخ خير الجزاء

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الموقع
    مصر التي بها خير جنود الارض
    الردود
    1,158
    الجنس
    امرأة

مواضيع مشابهه

  1. عَلَى أَطْـــــلالِ ،’ الرحــــــــيـل ،’،’
    بواسطة رحلة احساس في فيض القلم
    الردود: 36
    اخر موضوع: 20-08-2010, 01:03 PM
  2. عَلَى مَسَرَح الحَيَاة ..}
    بواسطة شمووخ همّه في فيض القلم
    الردود: 15
    اخر موضوع: 28-05-2009, 08:38 PM
  3. ::: مُذَاكَــرَةٌ عَلَى الْــزَّاوِيَة :::
    بواسطة مَلامِح ~ في ركن الصور والتصوير الفوتوغرافي
    الردود: 19
    اخر موضوع: 23-05-2009, 12:03 AM
  4. الردود: 0
    اخر موضوع: 27-05-2008, 08:07 PM
  5. عَمَى ,, مَاتشٌوفينٌ ! ّّ
    بواسطة شروق الامل... في ركن الصوتيات والمرئيات
    الردود: 42
    اخر موضوع: 22-04-2008, 05:16 AM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الكلمات الاستدلالية لهذا الموضوع

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ