الاحتساب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
يقول الله تعالى [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ]
قال ابن كثير(بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ... كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوا، فقال : "لبئس ما كانوا يفعلون")
وقال صاحب التحرير( وذلك أن شأن المناكر أن يبتدئها الواحد أو النفر القليل، فإذا لم يجدوا من يغير عليهم تزايدوا فيها، ففشت واتبع فيها الدهماء بعضهم بعضاً، حتى تعم وينسى كونها مناكر، فلا يهتدي الناس إلى الإقلاع عنها والتوبة منها، فتصيبهم لعنة الله)
ولعله من خلال هذه الآية وكلام العلماء يتبين لنا حجم وقيمة الاحتساب في المجتمع المسلم، فقد عاقب الله من عاقب من الأمم بسبب تركهم لهذه الشعيرة العظيمة.
شعيرة وعبادة عظيمة تتميز بها الأمة المسلمة عن غيرها من الأمم ، بل ذكر بعض العلماء أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما تتميز به هذه الأمة عن غيرها، فلذا أكد الله هذا التميز بتخصيص هذه الأمة بقوله تعالى:[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ] .
فالاحتساب متى وجد في المجتمع المسلم: يتناصحون ويتعاونون، ويحتسب الناصح على المتجاوز، ويستجيب المتجاوز لنصيحة المحتسب، فإنّ الأمة يستقيم حالها وتقل جرائمها ويترسخ أمنها، وهذه نتيجة طبيعية لكون الجميع رقيب؛ ليس بدافع التدخل فيما لا يعني وليس كبتاً للحرية؛ وإنما هو بدافع شرعي؛ للحفاظ على الضروريات الكبرى؛ حفاظاً على كيان الدين وحدوده، وحفاظاً على الأنفس المعصومة، وحفاظاً على أعراض المسلمين ونسلهم، وحفاظاً على أموال المسلمين العامة والخاصة، وحفاظاً على عقول أفراد المجتمع وناشئتهم.
عندما تقام هذه الشعيرة من جميع الأمة، لا نحتاج لجهاز أمن أو حسبة إلا في الحالات الضبطية التي تستوجب التدخل باليد .
عندما تقام هذه الشعيرة، فإنّ الأمة تزهو وتلتفت لنفسها وقوامها وحضارتها، فالكل رقيب، والكل يستشعر بفكرة (الجسد الواحد) تعاون وتناصح وبذل وإغاثة ونجدة، وكلها من صور الاحتساب
عندما تقام هذه الشعيرة، فهي تمثل بالقانون الحديث ما يسمى (الرقابة الشعبية)، فرقابة الشعب على الشعب، وولاته، ومصالحه، وأفراده، وماله، ومكتسباته
عندما تقام هذه الشعيرة، فهي استجابة للحديث الصحيح "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله، قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"
أسأل الله أن يستعملنا في طاعته
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
منقول من موقع قوت القلوب
الروابط المفضلة