( خاطرة حول ما يجري في سوريا )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد : فيا عباد الله :عنوان خطبتي في هذا اليوم ( خاطرة حول ما يجري في سوريا ) ما وفق الله له القلب أسمعتكموه – عباد الله – إن ما يجري في سوريا ليحرق القلب ويندى له الجبين ويتألم له الفؤاد ، وأن من بيده زمام الأمور عليه أن يتقي الله عز وجل فيما يجري، لأن من ظن أنه سيعيش في ظل هذه الظروف التي يعانيها إخواننا في سوريا ، من ظن أنه سيعيش في أمن ورخاء ورفاهية فلم يصب ، لأن الحرب القائمة الشعواء على إخواننا في سوريا حرب عقدية ، يتبناها العلويون النصيريون ومن خلفهم الرافضة الحاقدون ، فلا نريد حلولا جزئية ، بل نريدها كما قال الشاعر :لا تَقْطعنْ ذنب الأفعى وتُرسلَها إن كنت شهما فأتبعْ رأْسَها الذنَبَ الأفعى لا يؤمن لها جانب ، وهؤلاء بمثابة الأفاعي فلا يترك لهم أي فرصة بل يجهز عليها ، أما أن يقطع ذنبها ثم تترك برهة من الزمن فإنه لا تؤمن غوائلها .لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها إن كنت شهما فأتبعْ رأسها الذنب وفي المقام الآخر عجب يتلوه عجب من أناس ينتسبون إلى أهل الإسلام ، بل ينتسبون إلى أهل العقيدة الصحيحة ممن يملك قنوات فضائية يبرز ويظهر فيها في ظل ما يجري من أحداث يبرز ويظهر فيها الأفلام الخليعة والمسلسلات الماجنة والموسيقى والأغاني الهابطة ، كأن ما يجري في سوريا لا يعنيهم البتة ، إن تخاذل المسلمون فالله عز وجل هو ناصر لعباده المؤمنين { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم47 ،{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51 ، الخوف ليس على أهل سوريا الخوف علينا نحن ، هم قاموا بواجبهم ، أبرءوا ذمتهم أمام الله عز وجل ، لكن الخوف على المسلمين أن يصيبهم بلاء في الدنيا قبل أن يصيبهم البلاء الأعظم في الآخرة ، وإلا فالنصر آتٍ مهما اسود الظلام ومهما طال الليل ، وأبشروا وأمِّلوا وتفاءلوا فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم رمز التفاؤل في أحلك الظروف ( كان يعجبه الفأل ، قيل ما الفأل يا رسول الله ؟ قال الكلمة الطيبة ) كان في أحلك الظروف صلوات ربي وسلامه عليه يتفاءل ، أذكر لكم مثالين ، لأن أي حادثة تقع في هذا العصر إن لم تربط بما فعله وقاله صلى الله عليه وسلم وسلفنا الكرام ، فإنه لا خير فينا ، لا يمكن أن يكون هناك انفصام وانفصال بيننا وبين سيرة أولئك ، يطارد صلوات ربي وسلامه عليه ، لما كان خارجا من مكة إلى المدينة للهجرة ، فيتبعه سراقة بن مالك ، فتسيخ فرسه في الرمل ، إلى أن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وخرج ، فماذا قال صلوات ربي وسلامه عليه ؟ قال ( يا سراقة كيف بك إذا لَبِستَ سواري كسرى ؟! ) سبحان الله ! كأن هناك شيئا يدور في مخيلة سراقة ، رجل مطارد ، لا أنيس معه ولا قريب ، معدوم المال ، معدوم القوة ، يطارد ويُجعل مائة ناقة لمن يأتي به ، ويقول هذا الكلام ؟! ولكن ما هي مقولته السابقة صلى الله عليه وسلم في الغار ؟ ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا ) وبالفعل وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم ، لما جاء عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت الفرس ، قال أين سراقة ؟ فألبسه سواري كسرى إظهارا لمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم .المثال الثاني :في غزوة الأحزاب ، يحاط به صلوات ربي وسلامه عليه من كفار قريش ومن قبائل من العرب من غطفان ونحوها ، واليهود من الداخل ، فماذا يصنع صلوات ربي وسلامه عليه ؟ في هذه الظروف المظلمة المؤلمة التي يعاني منها الصحابة رضي الله عنها في ظل هذا الحصار وفي قلة المؤونة ، يقول للصحابة رضي الله عنهم ( لقد رأيت قصور الفرس والروم ) فقال المنافقون أحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته من الخوف ويقول هذا الكلام ! ما الذي جرى ؟ جرى ما سطَّره التاريخ من تحقيق ما سطره صلوات ربي وسلامه عليه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 ، من كان يتخيل ولو بنسبة واحد في المائة أن بعض من سقط ووجد في أماكن القاذورات من كان يتوقع أنه يسقط ، ليس نزعا للملك فقط – لا – بل ذل { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء }آل عمران26 ، قد يزول الملك ، لكن أكون في عافية لا شك أن هذا أهون من أن ينتزع ملكي وأن أهان وأُذل ، سنة الله عز وجل .لكن أين نحن من دين الله عز وجل ؟ من توكل على الله كفاه ، نحن بحاجة إلى هذا الأمر ، وإخواننا في سوريا بحاجة إلى مثل هذا الأمر أن يتوكلوا على الله عز وجل ، ولاسيما مع تخاذل القريب وانعدام المعين { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249. قصة تربطنا بها هذه الأحداث ، لأنك لا تدافع ولا تحارب بقوتك ولا بعدتك – لا – تحارب بدين الله عز وجل، إذا خلت النفوس والمجتمعات من دين الله فلا تسأل عن هلاكها، هذه القصة في صحيح البخاري وذكرها ابن كثير رحمه الله في البداية مفصلا ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم بتحرك الروم ، وذلك بعدما فرغ من عمرة القضية في السنة الثامنة من الهجرة ، بعث بعثا إلى أرض البلقان من الشام ، بعثا حجمه ثلاثة آلاف مسلم ، فقال أميركم زيد بن حارثة فإن قُتِل فجعفر بن أبي طالب فإن قُتِل فعبد الله بن رواحة ، سار هذا البعث فلما وصل إلى أرض البلقان بالشام إذا بالروم قد تهيأت بمائة ألف ، وكان في مسيرها قبائل من العرب أضمرت العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وأرادت التزلف إلى الروم ، فانضمت هذه القبائل مع الروم فأصبح العدد مائتي ألف ) أمام كم ؟ أمام ثلاثة ألاف مسلم ، ليس هناك موازنة ولا مقايسة أبدا ( فقال بعضهم لنراسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يمدنا وإما يأذن لنا بالرجوع ، فقام عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم وقال يا قوم والله للذي كرهتم هو الذي إليه خرجتم ) أنتم خرجتم من أجل الموت ، فكيف تكرهونه ؟ ثم قال ( والله يا قوم إنكم لا تقاتلون عدوكم لا بعدد ولا بعدة ولا بمال إنما تقاتلون بهذا الدين فسيروا على بركة الله ) ليست قصصا من الخيال ( فانحاز المسلمون إلى قرية تسمى بمؤتة ، فالتقى الجيشان فقتل زيد بن حارثة فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيده اليمنى فقطعت ، فأخذها بيده اليسرى فقطعت ، فعقر جواده رضي الله عنه حتى لا ينتفع به العدو وأمسك الراية بعضديه حتى قتل وهو يردد والروم روم قد دنا عذابُها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها علي إن لاقيتها ضرابها فقتل رضي الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فلما أخذها وقع في نفسه شيء من القلق – وهذه طبيعة البشر ، لكنه أراد أن يأسر هذه النفس – فقال : أقسمتُ يا نفسُ لتنزلنه لتنزلن أو لتكــرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرِّنة مالي أراك تكرهين الجنه قد طال ما كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شِنِّهفأتى إليه أحد أقربائه بعظم من اللحم ليتقوى به على القتال ، فنهس منه نهسة فلما سمع العراك قال أمازلت في الدنيا ؟فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ، فأخذ الراية ثابت بن أقرم ، وقال يا قوم اصطلحوا على أمير، قالوا أنت أميرنا ، قال لا ، وكان من بين هذا البعث خالد بن الوليد رضي الله عنه، فاصطلحوا على خالد ، فأشعر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما جرى لهم ، فأخبرهم بقتل الأمراء الثلاثة ، وقال أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه – انظروا ماذا قال ؟ ففتح الله على يديه ، عده النبي صلى الله عليه وسلم فتحا، ما الذي فعله خالد ؟ انحاز بهذا البعث في المساء ، فماذا صنع ؟ فجعل ما على الميمنة على الميسرة وما على الميسرة على الميمنة وما في المقدمة في المؤخرة وما في المؤخرة على المقدمة ، فتبعثرت الأرض ، خيول تذهب هنا وخيول تأتي من هنا ، وتعود إلى هنا وتتقدم إلى هنا ، فما الذي جرى ؟ قال بعض المؤرخين من أجل يخلص خالد رضي الله عنه هذا البعث اليسير من بطش هذا الجيش العظيم ويُعد نصرا ، لكن ابن كثير رحمه الله يقول " لا ، لم يهرب خالد " والأدلة على ذلك واضحة ( ففتح الله على يديه ) بل جاء عند البخاري قول خالد رضي الله عنه ، قال ( لقد كسر في يدي تسعة أسياف ولم يبق في يدي إلا صفحة يمانية ) بمثابة الترس التي يتقي بها من ضربات السيوف ، بل ذكر في التاريخ أن المسلمين سبوا نساء من الروم ، فدل هذا على ماذا ؟ على أن الروم لما رأوا أن الذهاب والإياب وهذه الغبرة ظنوا أن هذا مدد فولوا هاربين ، من معهم ؟ معهم الله عز وجل ، ثلاثة ألاف يهزمون هذا العدد العظيم ، مصابنا في أنفسنا ، الوهن أصابنا ( حب الدنيا وكراهية الموت ) {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران139، لابد من تضحيات { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140، {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } لكن لنا خاصية أخرى { وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ }النساء104 ، فانتصر المسلمون ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند قيل ( أومن قلة نحن يا رسول الله ؟ قال بل أنتم غثاء ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) يقول صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن هذا الدين لن يرتفع إلا بما ذكره – قال ( بعثت بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الصَغار والذل على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) جُمل لا يمكن أن ينفصل بعضها عن بعض ، لما تشبهنا وتشبه شبابنا وبناتنا بالكفار أصابنا ما أصابنا ، أين إظهار التوحيد ؟ أين إظهار القوة للمسلمين ؟ أين الصغار والذل على أعداء الله ؟ صار الذل والصغار في قلوبنا ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ) ابن كثير رحمه الله في البداية – وأذكر هذه القصة من أجل أن نقارن بين حالنا وبين حال أولئك – يا لله للمسلمين من هذه الحال – في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تساقطت حصون الفرس حصن تلو الآخر فلم يبق إلا أن يدخلوا قصر كسرى ، ولكن هناك عائقا وهو نهر دجلة ، فوقف المسلمون ووقف معهم سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم – لا سفن ، لا قوارب – كيف يعبرون النهر حتى يصلوا إلى قصر كسرى ؟ قام أحدهم فعبر النهر بخيله – خيال ؟ لا والله حقيقة – لكن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 ، فلم يغط الماءُ ركبتي الفرس – كما قال ابن كثير رحمه الله – فتتابع القوم أفواجا أفواجا ، فماذا قال سلمان رضي الله عنه ثقة بالله وتفاؤلا – يجب علينا أن نثق بالله عز وجل ، ولكن من غير تمسك بالدين ؟ لا ينفع ، قال سلمان رضي الله عنه " والله لتخرجن منه سالمين كما دخلتموه سالمين " يقول ابن كثير رحمه الله " عبروا النهر ولم يفقدوا لا مالا ولا متاعا ، حتى إن واحدا منهم سقط متاعه فقال يا رب لا تجعل متاعي من بينهم هو الذي يذهب ، فحمل الموج المتاع إلى صاحبه فأخذه وعبروا النهر ، فلما رآهم الفرس قالوا هؤلاء مجانين ، فهربوا " هؤلاء القوم عبروا النهر ولم يفقدوا لا مالا ولا متاعا ولا نفسا ولا خُلقا ، عرضت أمامهم الدنيا بجمالها ، جواهر الفرس عرضت بين أعينهم ولم يتغير فيهم شيئا – سبحان الله – نحن نتواصل عبر قنوات فضائية وانترنت وهذا حالنا ! كيف لو اختلطنا بالكفار ؟! ننسلخ ، وهذا ولم نخالط فيه الكفار وإنما هو تواصل عبر الشاشات هناك حواجز ، كيف لو تعايشنا مع هؤلاء كيف يكون حالنا ؟عبر القوم ولم يفقدوا لا مالا ولا نفسا ولا متاعا ولا خُلقا – عجب – ولما دخل سعد رضي الله عنه لم يقل أذيعوا الأغاني والمزامير – لا – أول ما دخل القصر قرأ رضي الله عنه قوله تعالى{ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ{27} بإمكانهم أن تبقى لهم هذه النعمة لو أطاعوا الله ، فأمر بالمؤذن أن يؤذن في القصر فأطفئت نار الفرس التي لم تطفأ من ألف سنة ، عزنا ليس في الموسيقى والأغاني والأفلام والمسلسلات ، هذا ضعف ، وليس ضعفا في الدين فحسب وإنما ضعف في العقل ، ما ترى إنسان ينساق حول هذه الأشياء إلا وترى أن عقله ضعيف .لأن القلب إذا ضعف ونقص منه الدين ضعف البدن ، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه " الجواب الكافي " يقول انظر كيف خارت قوى فارس والروم أحوج ما يحتاجون إليه " بسبب ماذا ؟ بسبب بعدهم عن الله عز وجل .فعلينا نحن فيما نستطيعه ألا نعجز عن الدعاء ، بعض الناس يقول الدعاء سلاح الضعفاء – لا – هو سلاح النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض ، حتى سقط رداؤه عليه الصلاة والسلام ) ومع هذا كله فالخور فينا ، إن دعا أحدنا أمَّن مع الإمام ، لكن أين هو من هذا الدعاء في سجوده لإخوانه في سوريا ، لإخوانه في شتى أقطار الأرض ، أين هو عند النوم ؟ أين هو في الذهاب والإياب ؟ إن أمّن أمن مع الإمام هذا إن صلى – نسأل الله العافية – اللهم نسألك عصمتك والثبات على دينك ، بعض الشباب غافل يظن أن هذه الحياة ستبقى له وأنه سيكون في عيش دائم وأمن ورخاء – لا – ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني ( إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء )
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله :كما أسلفت في أول خطبتي ما يجري في سوريا إنما هي حرب عقدية بين أهل السنة وبين العلويين المناصرين من قِبل الرافضة الحاقدين ، والرافضة خطرهم عظيم ويعلم بذلك الجميع ، ولكن ظهر العداء والبغض في مثل هذه الأيام ، ومن ثم فليعلم أن هؤلاء مهما أظهروا الحب والود فإنهم لا يؤتمنون ولا يقربون ، وهم يسعون سعيا حثيثا لإسقاط دول المسلمين ، ما يجري في هذا العصر واضح ، العراق قبل سنين ما سقطت إلا عن طريق الرافضة ، وما سقطت دولة إسلامية إلا وللرافضة دور في هذا ، هذا في هذا العصر أما في العصر القديم أذكر أمرا واحدا ، وذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية ، وكذلك ذكره ابن الأثير " الخليفة العباسي في بغداد أظهر له ابن العلقمي الود والمحبة والنصح فقرَّبه حتى جعله وزيرا عنده ، وكان يخطط بإظهار هذا الود حتى يتقرب إلى هذا الخليفة العباسي حتى يولي خليفة من الفاطميين العبيديين الذين يرجعون إلى الرافضة ، وحتى يظهر الحسينيات ، فما الذي جرى ؟ في ظل ثقة هذه الخليفة وفي جزء منها غيابه عما يحدث ، ما الذي جرى ؟ وما الذي فعله ابن العلقمي الرافضي ؟ جعل يضعف الدولة من الداخل ، كان عدد الجيش للمسلمين مائة ألف فأضعفه حتى بلغ عشرة ألاف ، بغداد تلك المدينة الزاخرة المليئة الغنية بالثروات أصبح معظم أهلها يتكففون الناس في المساجد وفي الطرقات ، لا يجدون ما يسدون به جوعتهم ، فتكلم العلماء الراسخون وتكلم أهل الرأي وتكلم الأدباء والشعراء وأنشدوا في ذلك أشعارا ولكن لا أذن تسمع ، فلما ارتخت الدولة وضعفت أرسل ابن العلقمي الرافضي إلى هولاكو رئيس التتر أخبره بحال بغداد وما فيها من الضعف من الداخل ، فقد سنحت لك الفرصة ، فأتى هذا التتري وأحاط ببغداد وسقطت بغداد وعثوا في الأرض الفساد ، حتى قتل كما قيل ثمانمائة ألف ، وقال بعضهم قتل من المسلمين مليون وثمانمائة ألف ، فماذا الذي صنعه ابن العلقمي الرافضي ؟ خرج هو بأهله وبأولاده وبأقربائه إلى هولاكو ، فلما سيطر هولاكو على الوضع ذهب ابن العلقمي وقال للخليفة أنصحك أن تصالحه على نصف ما تملكه بغداد ، فاخرج إلى هولاكو، فخرج هذا الخليفة وهو في فزع من أمره ، ما يدري ما الذي جرى – خرج ومعه سبعمائة ، فلما أقبلوا على هولاكو استبقى سبعة عشر من بينهم هذا الخليفة وأجهز على البقية ، فلما رأى الخليفة ما رأى هاله الأمر ، فأخبره أن هناك جواهر في قصره فذهب هذا الخليفة ومعه ابن العلقمي فأخرجوا هذه الكنوز وهذه الجواهر ، فأشار ابن العلقمي على هولاكو أن يقتل الخليفة ، فقال إن الصلح سيتم لك عاما أو عامين ثم تعود بغداد إلى قوتها فاقتله وحسَّن له الأمر ، فلما أتى هذا الخليفة بهذه الجواهر قتله شر قتلة ، بعد ما ذهب التتر خرج الناس من الحشوش ، من المقابر ، وكل منهم أنكر الآخر حتى إن بعضهم مات هلعا وكربا وفزعا ، فامتلأت بغداد بالقتلى ، حتى إن رائحة الجثث لوثت الجو فوصل هذا الجو الملوث إلى الشام فمات كثير من أهل الشام " هذه سنة الله عز وجل فيمن لا يسمع لأراء العلماء الراسخين ولا إلى أهل الرأي المحبين ، نسأل الله عز وجل أن يبيد الرافضة وأن يهلكهم وأن يشتت أمرهم وأن يمزقهم كل ممزق .