في عام 2003 قام بعض العلماء بتجربة رائعة لكشف أسرار الكذب. لقد كان هدف التجربةمحاولة ابتكار جهاز لكشف الكذب، وهل من الممكن أن نستخدم هذا الجهاز في التحقيق معالمجرمين؟ وقد كان سر الإجابة في معرفة المنطقة المسؤولة عن الكذب أولاً. وبعدإجراء التجارب والتقاط العديد من الصور لجميع أجزاء الدماغ وجد العلماء أن الإنسانعندما يكذب فإن هنالك نشاطاً كبيراً تظهره الصور المغنطيسية بطريقة تسمى functionalmagnetic resonance imaging في منطقة محددة من الدماغ وهي منطقة أعلى ومقدمة هذاالدماغ. وهذا الجزء هو ما نسميه في اللغة العربية بناصية الإنسان

لقد أثبتت التجارب الجديدة على الدماغبطريقة التصوير بالرنين المغنطيسي، أن الإنسان عندما يكذب فإن دماغه يعمل أكثروبالتالي يتطلب طاقة أكبر، وهذا يعني أن الصدق يعني التوفير في الطاقة وفي عملالدماغ. بل إنهم يتحدثون اليوم عن حقيقة جديدة وهي أن الدماغ قد صُمم أساساً علىالصدق أو كما يعبرون عنه بقولهم truthful is the brain's "default" modeأي أن الصدق هوالنظام الافتراضي للدماغ!

في تجربة جديدة أيضاً بحث العلماء عن مصدر الخطأ في الدماغ،فقاموا بعملية مسح شاملة لدماغ إنسان يرتكب خطأ ما، والنتيجة المفاجئة هي وجودمنطقة في الدماغ مسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها الإنسان، ولكن ما هي هذه المنطقة؟في هذه التجربة وجد العلماء أن مقدمة الدماغ وتحديداً في قشرة الدماغ الأماميةوتسمى rACC وهي ما نسميه"الناصية" تكون أكثر نشاطاً عندما يرتكب الإنسان خطأ ما! وكلما كانالخطأ أكبر كانت هذه المنطقة أنشط.

لقد بينت التجارب الحديثة أنه لدى التحكم بالمشاعر والعواطفوأثناء اتخاذ القرارات المهمة، فإن المنطقة الأمامية من الدماغ تكون أكثر نشاطاً،ومن هنا استنتج العلماء أن هذه المنطقة مسؤولة عن التحكم والسيطرة لدى الإنسان.كما أن هذا القسم من الدماغ مسؤول أيضاً عن التخطيط لدى الإنسان وإيجاد الحلولوالتفكير الإبداعي.

إنها اكتشافات حديثة جداً لا يزال العلماء حتى لحظة كتابة هذاالبحث يبحثون ويجرون التجارب لكشف الكثير من أسرار هذه المنطقة الحساسة من الدماغ،والتي تقع في مقدمة الرأس، أو الناصية. ولكن كيف تناول القرآن هذه القضية العلميةفي زمن لم يكن أحد على وجه الأرض يعلم أي شيء عن هذا الجزء من الدماغ أو عن عملهومهامه التي تتعلق بالخطأ والكذب والتوجيه والقيادة؟

يحدد لنا القرآن المنطقة المسؤولة عن الكذب والخطأ، يقولتعالى: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) [العلق: 16]. كما حدد القرآن المنطقةالمسؤولة عن قيادة الكائنات الحية وتوجيهها: (مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌبِنَاصِيَتِهَا)[هود: 56]. ونتذكر أيضاً دعاء النبي الكريم يخاطب ربه: (ناصيتيبيدك). وهنا لا بدّ من أن نتساءل: هل يوجد تناقض بين ما جاء في القرآن قبلأربعة عشر قرناً، وبين ما يكشفه العلماء في القرن الحادي والعشرين؟