قال الله تعالى:-
(.. وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ..)آل عمران97
بارك الله فيك غاليتى / السهى
شكرا على أتاحة هذه الفرصة لمن دعاه الله فلبى النداء
وفى الحقيقة كنت أفكر منذ بدء العشر أن أكتب عن تجربتى فى الحج لانها تستحق أن تنشر لعل أحد يستفيد منها
وها انت كما عودتنا سباقة بالخير دائما
وإن كنت كتبت عن تجربتى فى موضوع منفصل كانت ستكون بعنوان:
الآن ... الآن
لماذا هذا الاسم هذا ما سنعرفه من خلال قصتى مع حج بيت الله الحرام للمرة الاولى
حيث من الله على بالحج مرتين ومن العمرات اربع
ولكنى سأتكلم عن حجتى الاولى وهى قصة طويلة فتحملونى عسى أن تنفع غيرى
تبدء تجربتى فى عام ....
لن أقول لكن حتى لا تعرفوا سنى المهم كان أبنى الوحيد قد تخرج من كلية الهندسة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف
وكان من الممكن أن يكون معيدا فى الكلية ولكن لم يكن هو ولا نحن نرغب فى ذلك وكنا نفضل أن يعمل فى أحد الشركات الخاصة
لما فى ذلك من مزايا كثيرة
وكان هو تخصص أتصالات ولم تكن شركات المحمول بدأت فى مصر(عرفتم الان أنى عجوز هههه مش مهم )
وحاول أبنى العمل فى أى شركة فى غير تخصصه وتعب كثيرا وذلك لمدة عام كامل
ثم قرأ فى أحد الجرائد أعلان يطلب تخصصه للعمل فى السعودية
وفعرض الامر علينا وقلنا له جرب وروح قدم اوراقك ونشوف تقبل أم لا
والحقيقة كنت أعرف أنه لن يقبل لانه لسه خريج جديد واكيد هذه الشركات تريد من له خبرة
المهم ذهب وقدم السيرة الذاتية له وصور الشهادات والكورسات الحاصل عليها
ومر اسبوع وخلاص طبعا مش مقبول لصغر سنه
ولكن المفاجأة أن الشركة اتصلت به وقالت له انه قد قبل وعليه تحضر اوراقه للسفر خلال شهر
ووقع هذا الخبر فوق رأسى كأنه مصيبة كبرى
وقلت له انا مش موافقه على أنك تبعد عنى انت لسه صغير على انك تتغرب وكمان مين حيخدمك وانت ما تعرفش تسلق بيضه
ولكن والده قال لى ايه الكلام ده أتركيه يعتمد على نفسه ويبنى شخصيته ويجرب
وهو قال لى يا ماما انا يعز عليى فراقك ولكن كما ترى جلوسى فى البيت بلا عمل يكاد يقتلنى
بعد كل الجهد الذى بذلته فى الكلية لأكون من المتفوقين
هل تريدين أن اشتغل بالجامعة وانا لااحب التدريس والمرتبات كما تعرفين كلام فارغ
(كنت أعمل بجامعة الازهر اما هو فخريج جامعة عين شمس وهى من أفضل الجامعات فى مصر)
انا حسافر أجرب وكمان الشغل حيكون فى مدينة جدة ولذلك سأكون قريب من
مكة المكرمة واذهب للعمرة وادعوا لك واعمل لك عمره وبابا كمان
فوافقت على مضض للأنه لم يكن مجرد ابن ولكنه كان صديقك وأخ وخال وعم
الله يبارك لكن فى اولادكن
وسافر حبيبى وكانت أول مرة أفارقه
وأنتابتنى حالة غريبة فكنت دائمة البكاء وكنت لا انا الا فى سريره ولم أغسل بجامته التى كان يرتديها قبل سفره
فقد كنت اضعها تحت رأسى وانا فى سريره لاشم رائحته
وكان والده يقول لى حرام عليكى اللى بتعمليه ده
وكانت أبنتى التى حصلت على الثانوية العامة فى هذا العام كلما دخلت على المطبخ أو اى مكان تجدنى أبكى
وكانت تقول لى (انا نفسى اسافر لما اشوف حتزعلى على كده ) كانت تحاول ان تسرى عنى
اما هو فكان يتصل بنا احيانا أو يؤسل خطابات
ويقول انه كويس ولكن قلبى كان يشعر انه خلاف ذلك
وهكذا مرت حوالى ستة اشهر وانا فى عذاب
وفى شهر رمضان كنا كلما تجمعنا للافطار ولا اجده بيننا اكاد أجن واترك الطعام واقوم ابكى
وفى يوم دخل على والده وقال لى (ايه رايك اخليكى تشوفى احمد) قلت له ازى
قال سوف اقدم لك فى القرعة للحج وكانت مفاجأة لى وقلت له ياريت
وفعلا عملنا كل الاجراءات وتقدمنا وفى يوم اعلان النتيجة لم يكن اسمى من الفائزين
واصابتنى صدمة عنيفة لانى كنت رتبت نفسى على رؤية ولدى !!!!!!!!!!
لم يكن فى دماغى قيمة ومعنى الحج مع انى كنت أحافظ على الفروض دون السنن وكنت اصوم رمضان فقط
وكنت اتصدق قدر الامكان وكنت محجبة لان الحجاب كان ضروريا لمن تعمل فى جامعة الازهر
وكان من الاخوات من ترتدى الايشارب فى العمل ولا ترتديه خارجه
على الرغم من اننا كنا فى جامعة اسلامية ولكن لم يكن جوهر الدين قد دخل فى القلوب والعقول بعد
ولم يكن هناك دعاة واول من استمعت له وفهمت الدين منه كان الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله
وثرت ثورة كبيرة لانى لن اذهب لابنى وقلت لزوجى اتصرف انا ماليش دعوه انا حموت لولم ارى ابنى
وكان لزوجى ابن عمته يعمل مساعد وزير الداخلية التى تشرف على الحج فى بلدى مصر
فذهب له وقال له القصة وان يحاول ان يجعلنى من ضمن الحجاج هذا العام
وفعلا قال له هناك نسبة من التأشيرات تكون احتياطية او قد يتخلف احد من الفائزين لاى ظروف فسأخبرك بس تكون مستعدة
ومرت ايام على ثقيلة جدا وانا انتظر حتى كدت افقد الامل
ولكن فى يوم تلقيت الخبر وقال لى زوجى استعدى علشان تسافرى فقد حصلت على التأشيرة
وفرحت فرحا شديدا لانى سوف ارى أبنى !!!!
المهم سافرت فى صحبة أمنة لان زوجى لن يسافر معى حتى لا نترك ابنتى وحدها وكان هو قد ادى الفريضة من قبل وحده
تلقى ابنى هذا الخبر بفرحة بالغة وسرور
واتفنا على أن نلتقى فى مطار جدة
وعندما وصلت لم يكن هذا ممكنا ولم ارى ابنى فنظام الحج غيرفانت ملتزمة بالفوج الذى انت فيه من الطائرة فى جدة الى الباص
للتوجه الى مكة المكرمة والسكن فى الاوتيل
وهذا وحده مشوار كبير يستغرق وقتا وخاص مع وجود افواج الحجيج من كل بلاد الدنيا
لم يستطيع ابنى العثور على فى المطار
كان يعرف اسم الاوتيل فى مكة فذهب الى هناك فى انتظارى
وبحمد الله وصلنا مكة وعلى باب الاوتيل وجدت أبنى فى ملابس الاحرام مستعدا للعمرة ولكن كانت تبدو على وجهه علامات التعب والاعياء
وكان لقاء لا استطيع وصفه وكان الفندق قريب من الحرم فأخذ بيدى وذهبنا لاداء العمرة وكنت قد قرأت عن طريقة تأدية المناسك واصبحت ملمة بها
ولم نتكلم عن شئ انا وهو خلال العشر دقائق التى قطعنا فيها الطريق للحرم المكى الشريف
وما ان دخلت ونظرت إلى الكعبة المشرفة حتى شعرت بدوار وكأن روحى تنزع من جسدى وكدت اقع فى الارض لولا أن امسك بى ابنى وانهمرت دموعى لجلال الموقف وشعرت أنى لست انا لقد زال عن قلبى كل شوق لابنى وشعرت بمشاعر مختلفة جدا وكانت دعوتى الاولى رغم كل الدعوات التى كنت قد كتبتها لاقولها عند رؤية الكعبة لاول مرة
الا انى وجدت نفسى اقول :
اللهم أملئ قلبى بحبك وحب رسولك حتى لا يشغلنى حب غيرك عن حبك
وانهمرت دموعى وعلمت كم كنت انا فى غفلة عن ذلك
إن للمكان مهابة وتعظيما و جلالا
وجرت الدعوات على لسانى ولا اعرف من اين اتت
لقد شعرت أن قلبى قد فتح وفرغ ما فيه من حب الدنيا والشهوات والمال والعيال
الا حبه وحب رسوله
اه اه أن لحب الرسول معى قصة أخرى
وانتهت العمرة وعدت للفندق ولكن شعرت أن قلبى تركته هناك
(وجلست مع ابنى وعلمت منه أن العمل الذى تعاقد عليه ليس هو من يعمل به وانه غير سعيد من وجده هنا الا لسبب واحد هو انه فى يوم العطلة
(الجمعة ) يأتى لمكة المكرمة ويعمل عمرة ويدعوا الله أن يصبره والحمد لله ان العقد كان لمدة عام واحد وهولن يجدده)
وقلت لابنى عليك بالصبر وانظ للامر من جانبه الايجابى فقد من الله عليك بالكثير من العمرات وسوف تحج كمان وانت فى هذه السن الصغيرة
انا قبل أن ارى الكعبة واقوم بالعمرة كنت اريدك ان تعود معى ولكن يعلم الله انى الان اشعر بفرح كبير لما انعم الله به عليك وعلى انا ايضا لانى بصراحه ماكنت افكر فى الحج أو العمرة قبل أن تتزوج اختك وكل قرش كنت ادخره لاجل ذلك
ولكن سفرك هذا كان سببا لما نحن فيه فصبر حتى ينتهى العام وانا ارى أن الكسب من هذه التجربة لايقدر بمال
عاد ابنى الى عمله وبقيت مع الفوج فقد كنت متمتعة
وكان يومى اقضية فى الحرم بين صلاة ودعاء وقراءة قرآن بطعم ومذاق مختلف
وجاء الثامن من ذى الحجة استعدادا للوقوف بعرفات وحضر ابنى من جدة
وقد احرمنا للحج وادينا الطواف والسعى وكل الشعائر
وصعد معنا إلى عرفات وكان يوم عرفة موافق ليوم الجمعة وعرفت من الناس أنه اذا وافق يوم عرفة يوم جمعة فهذا
يكون كانه حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله اعلم
وهناك لا استطيع وصف الفيوضات الربانية التى تجلت على وما تعلمته وانا هناك
اكثر بكثير مما تعلمته فى حياتى كلها
التواضع - الرفق بالكبير- مساعدة المحتاج - عدم اللغو- الحنو على المريض ... وغيرها وغيرها
وانتهى يوم عرفة وكانت النفرة الى مزدلفة ووصلنا اليها بعد مشقة من شدة الزحام
وعندما وصلت قلت لابنى اريد ان اتوضئ علشان نصلى المغرب والعشاء
فقال لى ادخلى هنا حمام السيدات وانا سادخل حمام الرجال
وفعلا دخلت وعندما خرجت كان المكان مزدحم والناس جميعا بملابس الاحرام وكان الضوء قليل
وكانه يوم القيامة فعلا وتقريبا خرجت من باب غير الباب الذى دخلت منه فتهت عن ابنى
هكذا كان الاختبار الثانى لى
وظللت ابحث عنه بمساعدة بعض الناس ولم اعثر عليه واقترب الوقت من الحادية عشر مساء وانا لم اصلى
وتنبهت وقلت فى نفسى هذا ابليس يريد أن يضيع حجتى
فركنت الى احد العائلات وقلت لهم اريد ان اصلى فدلونى على القبلة
فصليت واخذت اجمع الحصى
ثم قال لى الناس تعالى لنذهب الى معسكرات التأهين عسي يكون ابنك يبحث عتك هنا
وذهبت وانا كلى خجل كيف اتوه انا متعلمة وكنت اعتقد انى التأهة الوحيدة وعندما قابلنى الاخوة السعودين المسؤلين على خيمة ايواء النساء
بصراحه كانوا فى منتهى الاخلاق والذوق والرحمة وطيبوا خاطرى وقالوا اجلسى معنا ان حضر ابنك كان وبها وان لم يحضر
فى الصباح سنتوجه بكم الى منى ونسلمك للبعثة التابعة لها
ودخلت الخيمة وكانت المفاجأة انها مملؤة من مختلف الجنسيات العربية والاجنبية جميعا ذهبو للوضوء وفقدوا الصحبة
فبتسمت وقلت الحمد لله هذه صحبة خير
ووزعوا علينا بسكوت وعصير
واستعرت مصحفا وجلست أقرأ القرآن
وغفوت عينى قليلا حتى سمعت اذان الفجر فقمنا للصلاة جماعة
ودعوت الله أن يجمعنى بابنى لا اكيد مهموم بسبب فقدى
وفى السابعة صباحا نادوا على اسمى ووجدت أبنى امامى كان يبحث عنى طوال الليل
وحمدت الله على ان جمعنا
وتوجهنا الى منى وقال لى ابنى وكانت حرارتى قد ارتفعت وكلينى ارمى عنك الجمار
وفعلا وكلته لانى كنت قد دخلت فى رعشة وسخونة
وكانت مكان الرمى فيه زحام شديد
فرمى وكنا قد اشترينا صكوك الاضاحى
وتبقى لنا طواف الافاضة وطلب منى ابنى تأجيله فقلت له لا ننزل نعمل طواف الافاضة خوفا من ان أموت قبل أن اتم حجتى
وفعلا نزلنا مكة وقمنا بطواف الافاضة والسعى وتحللت
وذهبت الى الفندق وكنت مريضة جدا فأشار الاطباء وشيوخ الحرم بان اظل فى مكة واد يدهب ابنى للبيات فيها باقى ايام التشريق وان اذبح بعد ذلك شاة فى مكة جبرا لعد بياتى فى منى
وظللت مريضة ومع العلاج وما ان تحسنت حالتى قليلا كنت انزل اصلى فى الحرم واجلس امام باب الملتزم وادعوا الله ان لا يحرمنى من هذه الرحلة المباركة ما احيانى
وادعوا لابنى وابنتى وزوجى وكل من وصانى ان يكتب لهم حج البيت
ودعوت لابنى ان يجعل له مخرجا
وأصدقكم القول أن حالى تبدل واصبحت شخص اخر منذ رؤيتى للكعبة واصبح حب الله يملئ قلبى وعرفت أن كل شيئا هالك الا وجهه سبحانه
وأن هناك يوما لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم
وأنه حان الوقت لتغير اتجاهى الحالى على ان يكون الآن صوب الاخرة
وعند طواف الوداع بكيت مالم ابكى فى حياتى وشعرت بالحسرة وانا افارق بيت الله الحرام
ودعوت : أن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد
والحمد لله ردنى اليها مرات ومرات
و حان موعد ذهابى للمدينة المنورة مع فوجى لان ابنى عاد لعمله ولا يستطيع ان يسافر معى
وهناك ويلا روعة المدينة المنورة حيث الهدوء و السكينة ومسجد الحبيب والروضة الشريفة والاستمتاع الكامل
لقد نسيت كل شئ ابنى وبنتى وزوجى وحياتى وعملى وامتلئ قلبى بحب الله ورسوله
واصبح كل مايملئ قلبى و روحى وعيونى هى محبة الله ورسوله
الذى احبه اكثر من نفسى وولدى
وفى اخر يوم لى بالمدينة المنورة فوحئت بابنى عندى فى الفندق وقال لى ما كان يمكن ان تسافرى دون ان اراك
وفرحت لانه زار رسول الله ليكتمل نسكة ولا يجافيه الرسول
وقلت له عبارة واحدة :
(احمد لا تزعل منى فقد حضرت إلى هنا وكلى شوقا اليك وكان حبك يحتل قلبى كله أما
الآن .. الآن
فمن يمتلئ قلبى بحبه هو الله ورسوله وثم يأتى أى شخص اخر)
وفرح ابنى جدا بذلك
عاد ابنى بعد نهاية العام ولم يجدد العقد ولكنه عاد اكثر تحملا للمسئولية والاعتماد على النفس واكثر تدينا
ووجدت عملا رائعا فى تخصصه فقد كانت اول شركة اتصالات قد فتحت فى مصر فرحبوا به وترقى فيها لاعلى المناصب
وسافر معظم بلاد العالم زانا لم أعد فى لهة عليه ولكن أستودعه حين ذهابه وأدعوا الله بكل الخير
وتابعت بين الحج والعمرة فنظام بلدنا ان يكون الحج كل خمس سنوات
فقمت بعمل عمرة رائعة بعد عامين ونصف من الحجة الاولى وكنت اكثر تمكنا من دينى واقل فى الصحة
وبعد خمس سنوات قمت بالحج للمرة الثانية مع زوجى وكان ابنى وابنتى تزوجوا واصبح لكل منهما حياته
اما حياتى انا فأعيشها فى حب الله ورسوله
وقمت مع زوجى العام الماضى بعمل عمرة اكثر روعة لانها كانت لمدة شهر كامل قضينا ثلاثة ايام فى مكة والباقى بجوار الحبيب
ولى معى رسول الله قصة اخرى اويها عليكم لاحقا بمشيئة الله
معلش انا طولت عليكم بس هى دى قصتى مع حجتى الاولى والتى كان لها اكبر الاثر فى تعير مجرى حياتى ومعتقداتى
أتمنى أن يكتبها الله لكل مشتاق
الروابط المفضلة