السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد أن جددنا توبتنا، بنـــا نبدأ في الخطوات العملية لإحيــاء هذه الأيــــام المُباركة ..

وهذه بعض المشاريع الخاصة بأعظم أيام الدهر؛ حتى نعوض ما فاتنا من ثواب الحج:
المشروع الأول: حُجَّ بقلبك
هذا هو أهم واجب لهذه الأيام؛ لكي تعوِّض الأجر العظيم الذي فاتك بعدم ذهابك للحج هذا العام .. فلا تدع هذا الدعاء من أول أيام ذي الحجة : "اللهم قد حبسنا العذر فلا تحرمنا الأجر"
واستشعر المعاني التالية بقلبك ..
1) حرِّم على نفسك المعاصي، كما يحُرم الحاج .
2) طف بقلبك حول العرش كما يطوف الحجاج حول الكعبة، ولا تشغل قلبك في أيام العشر بأي من أمور الدنيا.
3) اسع لفعل الخير، كما يسعى الحجاج بين الصفا والمروة .
4) هروِّل إلى ربِّك بالإكثار من فعل الطاعات وقلبك يخفق بــ"وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى"، كلما هروَّل الطائفون حول الكعبة ولبوا.
5) تعرَّف على ربِّك بالإكثار من الدعاء، كما يقف الحجاج على عرفات المعرفة .. يقول تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186]، فبالدعــاء ستتعرف على مدى كرم ربك ورحمته ونعمته عليك.
6) تقرَّب إلى ربَّك بالطاعة، كما سيتقرب الحجاج إليه بمزدلفة ومن ".. تقرب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا .."[متفق عليه].
7) ارجم شيطان الهوى في قلبك واخرج التعلُّق بالدنيا من قلبك، كما يُلقي الحجاج الجمرات بمنى.

المشروع الثاني: أعمال توازي الحج
إذا استشعرت مدى عِظَم الأجر الذي فاتك بعدم ذهابك للحج، فعليك أن تحرص على الأعمال التالية لأن ثوابها يعدِل ثواب الحج ..
1) الجلوس بعد الفجر حتى شروق الشمس ..يقول النبي الله "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فلا تتهاون في جلسة الشروق خلال أيام العشر.
2) شدة الحرص على صلاة الجماعة .. لأن النبي قال "من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (6556)]
3) أذكـار ما بعد الصلاة ..وهي التسبيح ثلاث وثلاثين والحمد ثلاثة وثلاثين والتكبير ثلاث وثلاثين والتهليل .. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبي ، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرونويجاهدون ويتصدقون، قال "ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" [متفق عليه].

المشروع الثالث: إصلاح الفرائض
لأننا في الغالب نهتم بالنوافل من صيام وتلاوة قرآن وأذكار، ولا نُعطي الفرائض حقها .. والله عزَّ وجلَّ يقول في الحديث القدسي ".. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه .."[صحيح البخاري] ..
والفرائض لا تقتصر على أداء الصلاة فقط، بل يجب أن نُصلِّح من سائر الفرائض .. مثل: الخشوع والخضوع في الصلاة، غض البصر، حفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزو، الحجاب الشرعي والقرار في البيت للأخوات ...
فتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بأن تُصلِح الفروض التي عليك .. وعسى الله أن يجعل ثوابها أفضل من ثواب الحج العظيم الذي قد فاتنا.

المشروع الرابع: الذكر
فكثرة الذكر في أيام العشر أفضل من تلاوة القرآن، لأن النبي قال "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر ـ أي عشر ذي الحجة ـ فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير"[رواه الطبراني وصححه الألباني].
وليكن لك وردًا خــاصًا من الباقيــــــات الصــالحــات
(سبحـان الله والحمد لله ولا إله الله والله أكبر)
فتقرَّب إلى الله تعالى في أحب الأيام، بأحب الكلام .. قال رسول الله "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت" [رواه مسلم].
عن عبد الله بن مسعود قال: إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابده فليكثر من قول: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر.[صحيح الأدب المفرد (275)، قال الألباني : صحيح موقوف في حكم المرفوع].
والاستغفـــار، بالأخص الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات
لكي يُكتب لك بكل مؤمن ومؤمنة حسنة، قال رسول الله "من أستغفر للمؤمنين وللمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة"[رواه الترمذي وحسنه الألباني]
والإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
حتى تستنزل الرحمات وتنال القرب من الله عزَّ وجلَّ، قال رسول الله "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات"[رواه النسائي وصححه الألباني]

المشروع الخامس: إحيــاء سنة مهجورة
ومن السنن المهجورة في زماننا: التكبيـــير أيـــام العشر كلها وليس أيام التشريق فقط .. قال البخاري "كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهم"[صحيح البخاري].. فعلينا بإحياء هذه السُنة المهجورة في أيام العشر كلها، بقول: الله اكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر و لله الحمد.

المشروع السادس: صيــام التسعة أيام الأوَّل
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله "من صام يوما في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفا" [متفق عليه] .. وعن بعض أزواج النبي أنها قالت "كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس"[رواه أبو داوود وصححه الألباني]
صُم التسعة أيام بنية: التقرُب إلى الله عزَّ وجلَّ بعمل صالح في هذه الأيام المباركة .. وأن يباعد الله عنك النار 630 عامًا، بصيامك التسعة أيام في سبيله.

المشروع السابع: تلاوة القرآن الكريم
(مشروع النصف مليون حسنة)
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آ لم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
فعليك أن تقرأ ما بين ثلاثة أجزاء ونصف وأربعة أجزاء يوميًا خلال التسعة أيام الأولى .. لكي تختم قبل عصر يوم عرفة إن شاء الله وتتفرغ للدعاء من العصر إلى المغرب، وبذلك تفوز بنصف مليون حسنة يوميًا أو أكثر .. {..وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
واحرص على قراءة تفسير مُيسر ..كي تفهم معاني الآيات.

المشروع الثامن: قيــام الليل
(ثروة أكثر من ثلاثين مليون جنيهًا)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
وقد قيل: أن القنطار يساوي سبعين ألف دينار، والدينار يساوي حوالي أربعمائة وثلاثين جنيهًا .. فإذا قُمت بآلف آية تفوز بثروة أكثر من ثلاثين مليون جنيهًا .. قال الحافظ ابن حجر "من سورة (تبارك ) إلى آخر القرآن ألف آية"، فمن قام بسورة تبارك إلى آخر القرآن فقد قام بألف آية.
وقد قال بن عباس رضي الله عنه "العمل فيهن يُضاعف سبعمائة ضعف" .. أي أن كل شيء يُضرب أجره في سبعمائة ..

المشروع التاسع: مفاتيح الخيــر
قال رسول الله "عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر وويل لمن جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4108)]
فعليك أن تفتح في جميع أبواب الخير الممكنة:
1) صدقة جارية يتعدى نفعها .. كسقي الماء، التبرع لمستشفى أو لدار أيتام، وضع كتيب في مسجد أو في مكان العمل.
2) تفطير صائم .
3) صلة رحم .
4) الدعوة إلى الله .. قال رسول الله "إن الدال على الخير كفاعله"[رواه الترمذي وصححه الألباني] .. عن طريق دعوة أصدقائك ومعارفك، وتوزيع الكتيبات والمواعظ.
5) إكرام الجار .
6) إدخال السرور على مسلم .

المشروع العاشر: برنامج الفرص الذهبية
اغتنم الفرص الذهبية في هذه الأيام المباركة ..
1) ابن كل يوم بيتًا في الجنة ..بأنتحافظ على إثني عشرة ركعة نوافل في اليوم ..عن أم حبيبة قالت قال رسول الله "من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر"[رواه الترمذي وصححه الألباني]
2) بناء مائة قصر في الجنة .. بقراءة سورة الإخلاص عشر مرات .. لأن النبي في الحديث قال:"من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرًا في الجنة" [رواه الإمام أحمد وصححه الألباني].. فاحرص على قرائتها عشر مرات يوميًا على الأقل، لكي تفوز بمائة قصر مع نهاية العشر.

وأخيرًا: مشروع يوم في الجنة
(صيــام + تشييــع جنــازة + إطعــام مسكين + عيــادة مريض)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من أصبح منكم اليوم صائما ؟"، قال أبو بكر: أنا. قال"فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟"، قال أبو بكر: أنا . قال"فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟"، قال أبو بكر: أنا . قال "فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟"، قال أبو بكر: أنا . فقال رسول الله "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"[رواه مسلم] .. فاختر يومًا لتقم فيه بهذه الأعمال الأربعة لعلك تفوز بالجنة.
كان هذا البرنامج المُقترح للثمانية أيام الأوَّل من ذي الحجة، وسنعرف النوايا التي علينا احتسابها والبرنامج الخاص بيومي عرفة والعيد في المقالات القادمة بإذن الله تعالى ..
فلنتعاهد من الآن على طاعة الله .. {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[النحل: 91]
أتت الفرصة فلا تُفرِط في هذا الكنز الذي بين يديك،،
مما راق لى