السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعائض القرنى
سر الدعوة فى الرفق ..!!
قرأت في ( سلسلة الصحيحة ) للألباني حديثاً صح عند أحمد وغيره قالت عائشة رضي الله عنها : ذهبت أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة فقال للصحابة : ( تقدموا ) ، فتقدموا .
فقال لعائشة : ( سابقيني ) (85) !
المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء
فسابقته عائشة ، رضي الله عنها ، فسبقته ، لأنها خفيفة ، وكانت شابة .
قالت : وبعد سنوات ، أتى الصحابة في غزوة ، فقال لهم ( تقدموا ) . فتقدموا .
قال : ( سابقيني ) فكثر علي الشحم ، وثقل بدني ، فسبقني ، فتبسم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقال: ( هذه بتلك ) .
سبحان الله ! بعض الناس ، قد يقول : هذا فضول ، فهل وجد ( صلى الله عليه وسلم ) من الفراغ أن يسابق أهله .
نعم يجد من الفراغ ؛ لأنه مربي ، بل تجده أيضاً مع الأطفال يداعبهم .
تجد بعض الناس إذا قيل لهم : لماذا لا تمازح أطفالك ؟
قال : أنا مشغول ، اشتغلنا عنهم بهذه الدنيا ، أو يقول : أنا أكبر من هؤلاء الأطفال .

يا أيها الذي أنهى عمره والذي فتن نفسه ، معلم الخير أكثر شغلاً منك ، ومعلم الخير وقته مزحوم بقضايا الأمة ، وأحداث الأمة ومع ذلك أخذ أمامة وصلى بها العصر ، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها (86) .
سبحان الله ! شريعة سهلة ، لكن عيبنا نحن : أننا لا ننظر إلى السيرة ، والأحاديث ؛ وما جاء فيها من عبر ، فلا يكفي أن تحفظ دون تدبر .
والشيخ محمد يميزه العقل السديد ، فهو رجل يعطيك درراً ، إذا تكلم ؛ لأنه رجل مجرب ، فهو في الرابعة والستين ، أو ما يقاربها .
ويخبرك كيف فن الدعوة ، لأن بعض الشباب ، الآن ، يريد الدعوة بالعنف ، ولذلك لا تصلح لهم الدعوة ، ولا ينتجون شيئاً ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (آل عمران: من الآية159) .
ولذلك فبعض الشباب يكون متحمساً جداً ، فيقول للعالم : لماذا لا تفعل كذا وكذا ؟ ولا تقول كذا وكذا ؟ كأنه أعلم من العالم .
لا ، العالم يعرف المصالح والعالم ذكي ، فواجبنا أن نترك الفظاظة في الدعوة والقسوة ، لكي تجتمع علينا القلوب .
وينبغي علينا : أن نعرف كيف نصل بالكلمة إلى أهلها ، وكيف نكون حكماء مع الناس لعل الله أن يهدي بأيدينا ؛ لأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه .
وقد تعمدت ذكر شيء عن هؤلاء العلماء الثلاثة ( ابن باز ، الألباني ، ابن عثيمين ) ليكونواقدوة للشباب ، لأن الصحوة عندنا واسعة ، لكنها هائجة مائجة ، تحتاج إلى خطام وزمام . فالشباب عندهم حماس ، ويريدون علماء مثل إشارات المرور توقفهم إذا تجاوز اندفاعهم الحدود .
يقول العالم للشباب : ( اطلب العلم ) ، ( لا تتكلم هنا ) ، ( اترك هذه القضية ) ، ( لا تتحدث اليوم ) ، (لا تتحدث في هذه القضية على المنبر ) ، ( اكتبها كتابة) ، ( هذه المسألة لا تذكرها في المجلس ) .


(85) صحيح أخرجه الإمام أحمد : ( 6 : 264) وأبو داود في (9) كتاب الجهاد (68) باب : في السبق على الرحل رقم : (2578) .

(86) أخرجه البخاري في (8) كتاب الصلاة (106) باب : إذا حمل صغيرة على عنقه في الصلاة ، رقم : (516) ، ومسلم في (5) كتاب مساجد الصلاة (9) باب : جواز حمل الصبيان في الصلاة ، رقم : (543) (41) .