ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



آداب المتعلمين والمعلِّمين


- الآداب المشتركة :



يتعيَّن علـى أهل العلم على وجه الخصوص أن يجعلوا أساس

أمرهم في تعلمهم وتعليمهم الإخلاص الكامل ، والتقرُّب إلـى

الله بهذه العبادة التي هي أجلّ العبادات وأفضلها ، وتستغرق

مـن عمر العبد جَوْهَرَه وصَفْوَه ، ويتفقَّدوا هذا الأصل في كل

دقيق وجليل من أمورهم ، فإن درسوا أو دارسوا ، أو بحثوا

أو ناظروا ، أو أسمعوا أو استمعوا ، أو جلسوا مجلس علم،

أو نقلوا أقدامهم لمجالس العلم ، أو كتبوا ، أو حفظــوا ، أو

كرَّروا دروسهم الخاصة ، أو راجعوا عليها أو على غيرهــا

الكتب الأخرى، أو اشتروا كتباً، أو ما يعين على العلم، كانوا

في ذلك كله محتسبين ليتحقَّقوا بقوله صلى الله عليه وسلم

" من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى

الجنة
"(1) . فكل طريق حسِّي أو معنوي يسلكه الإنسان

في سبيل العلم، فإنه داخل في هذا الحديث .



ثــــم بعد هذا يتعيَّن البداءة بالأهم فالأهم من العلوم الشرعية

ووسائلها . وتفصـيــل هــذه الجملة كثير معروف ، والطريق

التقريبي أن ينتقي من مصنفات الفن الذي يشتغل به أحسنها

وأوضحها وأكثرها فائدة ، ويجعل هذا الكتاب جُلّ همه حفظاً

عند الإمكان، أو دراسة تكرير، بحيث تصير المعاني معقولة

في قلبه محفوظة، ثم لا يزال يكرره ويعيده حتى يتقنه إتقاناً

طيباً ، وبعد ذلك ينتقل إلى الكتب المبسوطة في هذا الفن ؛

لتكون كالشرح له ، ويكون كتابه الذي اهتم به ذلك

الاهتمام أساساً لها وأصلاً تتفرع عنه .



- آداب المعلم :



وعلى المعلم أن ينظر إلى ذهن المتعلم ، وقوة استعداده ، أو

ضعفه ، فلا يدعه يشتغل بكتاب لا يناسب حاله ؛ فإن القليل

الذي يفهمه وينتفع به خير مــن الكثير الــذي هــو عرضة

لنسيان معناه ولفظه .



وعلــى المعلــم أن يلقي علـــى المتعلم من التوضيح وتبيين

المعنى بقــدر مـــا يتَّســـع فهمه لإدراكه ، ولا يخلط المسائل

بعضها ببعض ، ولا ينتقل من نــوع إلـى آخــر حتى يتصور

ويحقق السابق، فإن ذلك دَرَك للسابق، ويتوفر الذهن على

اللاحق .



وعـلى المعلم النصح للمتعلم ، وترغيبه بكل ما يقدر عليــه ،

وأن يصبر على عدم إدراكه ، أو سوء أدبه، مع ملاحظته في

كل ما يقوِّمه ويحسن أدبه ؛ لأن المتعلم له حق على المعلم،

حيث أقبل على العلم الذي ينفعه وينفع الناس ، وحيث كــان

مـــا يحملــه عــــن معلمه هو عين بضاعة المعلم ، يحفظها

وينميها ويتطلب بها المكاسب الرابحة ، فهـو الولد الحقيقي

للمعلم ، الوارث له ، فالمعلم مثاب على نفس تعليمه، سواء

فهم أو لم يفهم ، فــــــإن فهم وأدرك كان أجراً جارياً للمعلم

مـــا دام ذلك النـفـــع متسلسلاً ، وهذه تجارة عظيمة لمثلها

فليتنافس المتنافسون . فـعــلى المعلـــم إيجــاد هذه التجارة

وتنميتها، فهي من عمله وآثار عمله، قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ

نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَـــا قَــدَّمُوا وَآثَارَهُمْ
) يــس : 12 ،

فما قدَّموه : هو ما باشروا عمله. وآثارهم: ما ترتب على

أعمالهم من الخير الذي عمله غيرهم .




- آداب المتعلم :



وعلى المتعلم أن يوقِّر معلمه، ويتأدب معه؛ لما له من الحق

العام والخاص :



أمـــا العـــام : فإن معلم الخير قد استعد وباشر نفع الخلق ،

فوجب حقه عليهم ؛ لكونه يعلمهم ما جهلوا، ويرشدهم إلى

كل خير ، ويحذرهم من كل شرٍّ ، ويحصل به من نشر العلم

والدين ، وتسلسل ذلك النفع في الموجودين ، وفيمن يأتي

من بعدهم ، وهذا النفع ليس له نظير من الإحسان .



وأمــــا حقـــــه الخاص على المتعلم : فلما بذله من تعليمه ،

وحرصه علــى كـل مــا يرشده ويوصله إلى أعلى الدرجات ،

وقد بذل صفوة وقته، وجوهر فكره، في تفهيم المسترشدين ،

وإفادة الطالبين، وصبر على ذلك بطيب نفس وسماحة ، وإذا

كانت الهداية الدنيوية ، والإحسان الدنيوي، يوجب لصاحبه

حقاً كبيراً على من وصل إليه إحسانه ، فما الظن بهدايا

العلوم النافعة الكثيرة، الباقي نفعها، العظيم وقعها .



وليجلس بين يديه متأدِّباً ، ويظهر غاية حاجته إلــى علمـه ،

ويكثر من الدعاء له حاضراً وغائباً، وإذا أتحفه بفائدة غريبة

فَلْيُصغ إليه إصغاء المضطر إلى عقلها والانتفاع بها .



وإذا أخطأ المعلم في شيء فلينبِّهه برفــــق ولطــف بحســـب

المقام، ولا يقول له : أخطأت!! أو : ليس الأمر كما قلت!! بل

يأتي بعبارة لطيفة يدرك بها المعلم خطأه من دون تشويش؛

فإن هذا من الحقوق اللازمة ، وهو أدعى إلى الوصول إلى

الصواب .



والمعلم عليه إذا أخطأ أن يرجع إلى الصواب، ولا يمنعه قول

قاله ثم بان له الحق بخلافه أن يراجع الحق ويعترف به؛ فإن

هذا علامة الإنصاف والتواضع للحق وللخلق ، ومـــن نعمة

الله على المعلم أن يجد من تلاميذه من ينبهه على خطئه ،

ويرشده إلى الصواب .



ولهــذا كـــان مـــــن أعظم الواجبات على المعلمين والمفتين

أن يتوقفوا عن الفتوى أو الجزم بما لم يعلموه ، وهــذا مــن

علامات الدين والإنصاف، وضده من علامات الرياء وضعف

الدين ، بل هذا التوقف من التعليمات النافعة ؛ ليحصل به

القدوة الحسنة .




- آداب مشتركة :


وليكــن قصــد المعلمين والمتعلمين في جميع بحوثهم طلب

الحق والصواب ، واتباع ما رجَّحته الأدلة الصحيحة .


والحذر الحذر من الاشتغال بالعلم للأغراض الفاسدة ، مــــن

المباهاة ، والمماراة ، والرياء، والرياسات، والتوسل به إلى

الأمور الدنيوية ، فمن طلبه لهذه الأمور فليس له في الآخرة

من نصيب .


ومن أعظم ما يتعيَّن على أهل العلم من المعلِّمين والمتعلِّمين:

الاتصاف بمـــا يدعو إليه العلم من الأخلاق الجميلة ، والتنزُّه

عن الأخلاق الرذيلة؛ فإنهم أحق الناس بذلك؛ لتميزهم بالعلم؛

ولأنهم القدوة ، والنـــاس مجبولون على الاقتداء بأهل العلم

منهم ؛ ولأنه يتطرق إليهم من الاعتراض ما لا يتطرق

لغيرهم .



والعلــم إذا عمل به ثبت ونمت بركته ، فروح العلم وحياته

بالقيام به عملاً ، وتخلُّقاً ، وتعليماً ، ونصحاً .



وينبغـــي تعــاهــد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم بالإعادة

والامتحان ، والحـــــث على المذاكرة والمراجعة ، وتكــــرار

الدروس الحاضرة والسابقة. فالتعلم بمنزلة الغراس والبذور

للزرع ، وتعاهده بالمذاكرة والتكرار بمنزلة السقي، وإزالة

الأشياء المضرَّة ؛ لينمو ويزداد على الدوام .


وليحذر أهل العلم من الاشتغال بالتفتيش عـــن أحوال الناس

وعيبهم ؛ فإنه مع أن صاحبه مستحق للعقوبة ، فإنه يشغل

عن العلم ، ويصد عن كل أمر نافع .


ومـــن آداب العــالـم والمتعلم : النصح ، وبث العلوم النافعة

بحســب الإمكان ، حتى لو تعلم الإنسان مسألة وبثها وبحث

بها مع من يتصل به كان ذلك من بركة العلم وخيره ، ومـن

شحَّ بعلمه مات علمه قبل أن يموت ، كما أن من بث علمه

كان له حياة ثانية ، وجازاه الله من جنس عمله .



ومن أهم ما يتعين على أهل العلم: السعي في جمع كلمتهم ،

وتأليف القلوب ؛ لأن هــذا من أوجب الواجبات ، وخصوصاً

على أهل العلم الذي بهم الأسوة ، وبـــه يحصل خير كثير ،

ويندفع شر كبير ، والحذر من الحسد لأحد من أهل العلم ؛

فأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، وهو مناف

للنصيحة التي هي الدين . والله أعلم .




كتــاب " نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات


والحقوق والآداب" ( ص75 ) للشيخ عبد الرحمن السعـدي




(1) رواه مسلم



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ