متى غابَ اللهُ حتى يُستدلَّ عليهِ

ومتى بعدَ حَتى تكونَ الآثارُ هي التي توصِلُ إليهِ

من كلمات ابن عطاء الله

اللهم يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن أكرمنا بالتواضع بين يديك حتى تنجلي لنا شموس الحقائق ونعوذ بك من حال المتكبرين الذين يتخبطون في الأوهام والظلمات ويحجبون بغيرك عنك .

متى غابَ اللهُ حتى يُستدلَّ عليهِ

أيهما يدلّ على الآخر: الأصل على الفرع، أم الفرع على الأصل؟

النبع على الجدول والساقية، أم الساقية والجدول على النبع؟

الشجرة على الثمرة أم الثمرة على الشجرة؟

ربما كانت الشجرة غائبة عنك، ولم يظهر أمامك إلاثمارها إذن فالثمرة التي هي الفرع تدلّ على الشجرة التي هيالأصل ،

وربما كانت الثمرة غائبة عنك، وكانت الشجرة هي الماثلةأمامك،

إذن فالشجرة التي هي الأصل تدل على الثمرة التي هيالفرع .

والاحتمالان في المخلوقات والمصنوعات وارد ولكن هليرد الاحتمالان في المخلوق مع الخالق،و في موجد الكون معالكائنات؟

ذلك لأنك عندما تبعث ببصرك في المكونات والمخلوقاتلتتعرف عليها، إنما تدركها وتتعرف عليها بنور من الهدايةالربانية، فبه تدركها وبه تراها وبه تسبر غورها .

لأن دليلك على المخلوقات ونظامها وقوانينها وشعورك بها إنما هو بنورٍ من الهداية الربانية .

إذن فدليلك الهادي إلى وجود المخلوقات وحقيقتها هو الله فكيف

ينقلب الدليل، وهو الله، ليصبح مدلولاً عليه، وينقلب المدلول

عليه وهو هذه المصنوعات، ليصبح دالاً؟

مثال : دلالة المصباح في ظلام الليل على أمتعةالدار

رجل أقبل في ظلام ليل دامس إلى مصباح، فحمله ودخل به داراً

مظلمة، فرأى على ضوء المصباح أمتعة شتى، وأثاثاً، وأطعمة

ونقوداً، ترى أيهما كان الهادي الدالّ، وأيهما كان المهديَّإليه والمدلول عليه؟ هل في العقلاء من يجهل أن المصباح المضيء

وهو الدليل الهادي، وأن كل ما كشفته أشعة المصباح هو المهدي

إليه وهو المدلول عليه؟

وانقسمت فهوم الخلق في ذلك لعدة مذاهب :

فالفريق الأول : هم المقربون أصحابالشهود، رأوا الله خالقاً وقيوماً ونوراً للسماواتوالأرض أولاً، ثم إن رؤيتهم له بصّرتهم بالآثار، بصّرتهمبمخلوقاته ومصنوعاته، بصّرتهم بآثاره، وقد أيقنوا أنه لولا

المؤثر لما وجدت الآثار ولولا الصانع لما وجدت المصنوعات،

ولولا النور الهادي لما انكشف شيء من ظلماتالمكوّنات .

والفريق الثاني الغارقون بين غيوم الآثار، فهم يبحثون عن المصباح

بالأشياء التي كشفها لهم ضياء المصباح ، فالذين غرقوا بين سحب الآثار، وحجبوا أنفسهم بالصور عنالمصور، فقد راحوا يبحثون عن المصباح بالأشياء التي كشفها لهمضياء المصباح، وإنه كما ترى لشيءٌ مضحك، ولكن تلك هي حالأولئك الذين نسوا الله الذي هو صاحب الوجود المطلق، وكم هو دقيق التعبير القرآني القائل

{ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ }

لكن بحثهم عن الحق المبين يرتقي بهم إلى حضرا ت المقربين ،

وسعيهم مبرور على كل حال،

إذ هوخير من الإعراض عن الحق ونسيانه، ومن ثم إنكار وجودهوهذا شأن الفريق الثالث من التائهين عن الله ببوارق الملهيات والمنسيات ورغباتالأهواء والشهوات، ويبدو أننا من هذا الفريق الثاني ،فشأنناعندما نذكّر بوجود الله ونعرض الأدلة الناطقة بوجوده، أن نجعلمما عرفناه بنور الله وهدايته دليلاً على وجوده..

فنقول: إنالمكونات مغموسة ومحاطة بالإبداع والحكمة والغاية التي تدلّ على التدبيروالقصد، والتدبير لابدّ فيه من مدّبر،

ومدبر الكون هو الله وبنوره أدركنا هذا الدليل .

وانظر إلى من أشرق نورالله عز وجل على بصيرته،

والذين ترقوا في درجات التواضع وممن تحرروا من شواغل الأهواء

والشهوات، وأعرضوا عن المنسيات والملهيات، فتراه دائم الحضور

مع الله، والتذكر له، دون حاجة إلى رصف أيّ من تلك الأدلة

والبراهين، فهو مشغول عنها بحضوره مع الله، ذاهل عنها

بشهوده القلبي لله ؟؟ فمن يردِ الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .

وقد يبدو عسيراً علينا فهم هذا الكلام، نظراً إلى أننا تعودنا

الانتقال من رؤية الوجود الظلّي أو التبعي إلى وجود الله،

فنحن العوام، بالنسبة إلى أولئك الربانيين، قدبدأنا فنظرنا إلى المكونات أولاً، ثم سألتناعقولنا بمقتضى قوانين المنطق: فمن الذي أوجد هذه الموجودات،ومن الذي أقامها متناسقة على هذا النظام الهادف؟ فانتهينا،بعد طول نظر ومحاكمات عقلية ومنطقية، إلى أنها، ، لابدّ أن لها صانعاً ومنسقاً،واكتشفنا بعد طول هذه الرحلة الفكرية العقلية والمنطقية إلىأنه الله عز وجل، بديع السماوات والأرض..

ثم إنه أتيح لنا ، أن نستبين الخطأ الذي توهمناه من قبل، إذ كنا قدظننا أن هذه المكونات ذات وجود حقيقي ذاتي مستقل، لكننا فينهاية المطاف بالتمحيص والتصحيحعلمنا أنها إنما تتمتع بوجودظليّ تابع للوجود الذاتي الحق ألا وهو وجود الله وحده قيوم السماوات والأرض وموجدها حقيقةً وحده لا شريك له .

{ ألم ترَ إلى رَبكَ كيف مدَّ الظلَّ ولو شاءَ لَجعَلهُ سَاكناً }

اللهم سبحانك متى غبت حتى يُستدل عَليك ومَتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي تدل عليك .

إلهي أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك تنزهت وتعاليت علواً كبيراً

اللهم أنت أقمتنا في دار الابتلاء والحجاب وأمرتنا أن نؤمن بالغيب الذي أخبرتنا عنه فنسألك أن تجتبينا وتشرح صدورنا وتؤيدنا بنور التواضع الذي بسببه تنجلي لنا الحقائق وتنكشف لنا معالم الصراط المستقيم وصلى الله على كنز المعارف والشهود سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

لا إله إلا الله
تسلم الأيادي

بارك الله فيكِ