انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرالأخير
عرض النتائج 21 الى 30 من 40

الموضوع: انْبِعَاجَةُ ضَوء

  1. #21
    (12)

    فصل المفسد الخامس : كثرة النوم فإنه ..
    يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ، ويورث كثرة الغفلة والكسل ..
    ومنه المكروه جداً ومنه الضار غير النافع للبدن .
    وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ولاسيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران ..
    ومن المكروه عندهم : النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر ..
    وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير [1] وهو مقدار ثمان ساعات وهذا أعدل النوم عند الأطباء وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه ..
    ومن النوم الذي لا ينفع أيضا : النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء وكان رسول الله يكرهه [2] فهو مكروه شرعا وطبعا ..
    وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام : من سوء المزاج ويبسه وانحراف النفس وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ويورث أمراضا متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها وما قام الوجود إلا بالعدل فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير وبالله المستعان [3] .

    من مدارج السالكين لـ ابن القيم رحمه الله (مفسدات القلب) ..
    هامشي :
    [1] جاء في تلك الصفة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { خير الصيام صيام داود وكان يصوم نصف الدهر وخير الصلاة صلاة داود وكان يرقد نصف الليل الأول ويصلي آخر الليل حتى إذا بقي سدس من الليل رقد }
    [2] والحديث في صحيح البخاري عن أبي برزة رضي الله عنه قال {كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا }
    [3] كان معاذ بن جبل رضي الله عنه –أعلم الأمة بالحلال والحرام- يقول : أقرأ وأنام ثم أقوم فأتقوى بنومتي على قومتي ، ثم أحتسب نومتي بما أحتسب به قومتي .

  2. #22
    (13)

    وأما التأمل في القرآن فهو :
    تحديق ناظر القلب إلى معانيه ، وجمع الفكر على تدبره وتعقله وهو المقصود بإنزاله لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر قال الله تعالى : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " وقال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "
    وقال الحسن : نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملا فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته : من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع منه الفكر على معاني آياته ..


    فإنها : تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه وتحضره بين الأمم وتريه أيام الله فيهم وتبصره مواقع العبر وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه وقواطع الطريق وآفاتها وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه وافتراقهم فيما يفترقون فيه .


    وبالجملة : تعرفه الرب المدعو إليه وطريق الوصول إليه وما له من الكرامة إذا قدم عليه وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى : ما يدعو إليه الشيطان والطريق الموصلة إليه وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه فهذه ستة أمور ضرورية للعبد معرفتها ومشاهدتها ومطالعتها فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها وتميز له بين الحق والباطل في كل ما اختلف فيه العالم فتريه الحق حقا والباطل باطلا وتعطيه فرقانا ونورا يفرق به بين الهدى والضلال والغي والرشاد وتعطيه قوة في قلبه وحياة وسعة وانشراحا وبهجة وسرورا فيصير في شأن والناس في شأن آخر ..


    ... فاعتصم بالله واستعن به وقل : حسبي الله ونعم الوكيل وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه : أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد وبالجملة : فهو أعظم الكنوز طلسمه الغوص بالفكر إلى قرار معانيه :

    نزه فؤادك عن سوى روضاته * فرياضه حل لكل منزه
    والفهم طلسم لكنز علومه * فاقصد إلى الطلسم تحظ بكنزه
    لا تخش من بدع لهم وحوادث * ما دمت في كنف الكتاب وحرزه
    من كان حارسه الكتاب ودرعه * لم يخش من طعن العدو ووخزه
    لا تخش من شبهاتهم واحمل إذا * ما قابلتك بنصره وبعزه
    والله ما هاب امرؤ شبهاتهم * إلا لضعف القلب منه وعجزه
    يا ويح تيس ظالع يبغي * مسابقة الهزبر بعدوه وبجمزه
    ودخان زبل يرتقى للشمس يستر * عينها لما سرى في أزه
    وجبان قلب أعزل قد رام يأسر * فارسا شاكى السلاح بهزه



    مدارج السالكين 1/451

  3. #23
    (14)

    فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما وضعفا وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة وأنزلت من منحة وعطلت من منحة وأحلت من رزية وأوقعت في بلية وهل آفة الناس إلا الناس .



    المصدر السابق ..


  4. #24
    (15)

    ومن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء ، فإنه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده ، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات ، فإنهم يقطعون عليه طريقه ، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة ، وأوفق له من هذه المفارقة ، فقد قال بعض السلف : شتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم ، وبين أقوام أحياء تموت القلوب بمخالطتهم .

    فما على العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه فنظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم ، ومباهاتهم والسلوك أين سلكوا ، حتى لو دخلوا جحر ضب لأحب أن يدخله معهم ، فمتى صرف همته عن صحبتهم إلى صحبة من أشباحهم مفقودة ، ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم موجودة ، استحدث بذلك همة أخرى وعملا آخر ، وصار بين الناس غريباً وإن كان فيهم مشهوراً ونسيباً ، ولكنه غريب محبوب يرى ما الناس فيه و لا يرون ما هو فيه .

    يقيم لهم المعاذير ما استطاع ، ويحضهم بجهده و طاقته سائراً فيهم بعينين : عين ناظرة إلى الأمر والنهى ، بها يأمرهم وينهاهم ويواليهم ويعاديهم ، ويؤدي لهم الحقوق و يستوفيها عليهم . وعين ناظرة إلى القضاء والقدر بها يرحمهم ويدعو لهم و يستغفر لهم ، ويلتمس وجوه المعاذير فيما لا يخل بأمر و لا يعود بنقض شرع ، وقد وسعهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته ، وقفاً عند قوله تعالى : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } متدبراً لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق وأداء حق الله فيهم والسلامة من شرهم .
    فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم فان العفو ما عفى من أخلاقهم وسمحت به طبائعهم ووسعهم بذله من أموالهم و أخلاقهم .
    فهذا ما منهم إليه ، وأما ما يكون منه إليهم فأمرهم بالمعروف ، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه ، وهو ما أمر الله به . وأما ما يلتقي به أذى جاهلهم فالإعراض عنه وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها .

    الرسالة التبوكية / بن قيم الجوزية رحمه الله وهي رسالة قصيرة وماتعة جداً .

  5. #25
    (16)

    مر إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه، فقالوا له:
    يا أبا إسحاق إن الله تعالى يقول في كتابه: " ادعوني أستجب لكم " ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا !
    فقال إبراهيم: يا أهل البصرة ماتت قلوبكم في عشرة أشياء:
    أولها: عرفتم الله و لم تؤدوا حقه ، الثاني: قرأتم كتاب الله و لم تعملوا به ،
    والثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته ، والرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه ،
    والخامس: قلتم نحب الجنة و لم تعملوا لها ، والسادس: قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها ،
    والسابع: قلتم أن الموت حق و لم تستعدوا له ، والثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم ،
    والتاسع: أكلتم نعمة ربكم و لم تشكروها ، والعاشر: دفنتم موتاكم و لم تعتبروا بهم .

    حلية الأولياء/ج3 : وهو أشهر من أن أعرف به .

  6. #26
    [17]

    (وهذا نص رسالة البطريرك "جريجو ريوس" الى قيصر روسيا يبين له فيه كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل):
    (من المستحيل سحق ، وتدمير الاتراك العثمانيين بالمواجهة العسكرية؛ لأن الأتراك العثمانيون ثوريُّون جداً ومقاومون، وواثقون من أنفسهم، وهم أصحاب عزة نفس واضحة، وهذه الخصال التي يتمتعون بها إنما تنبع من ارتباطهم بدينهم، ورضائهم بقضاء الله وقدره وتشبعهم بهذه العقيدة، وأيضاً من قوة تراثهم وتاريخهم، وطاعتهم ومؤازرتهم لسلطانهم وقادتهم واحترامهم لكبارهم.
    الأتراك العثمانيون أذكياء، وهم مجدّون مجتهدون متجاوبون مع رؤسائهم الذين يوجهونهم ويقودنهم في الطريق الايجابي الصحيح مما يجعلهم قوة هائلة تُخشى منها؛ فهي تتميز بالقناعة والتصميم وشدة المراس والثبات عند المواجهة.
    إن كل مزايا الأتراك العثمانيين هذه ، بل، وبطولاتهم وشجاعتهم إنما تأتي من قوة تماسكهم بدينهم وإرتباطهم بأعرافهم وتقاليدهم وصلابة أخلاقهم ، ولذا:
    أولاً: لابد من كسر شعور الطاعة عندهم تجاه سلطانهم وقادتهم وتحطيم روحهم المعنوية وروابطهم الدينية؛ وأقصر طريق لتنفيذ هذا ، تعويدهم التعايش مع أفكار وسلوكيات غريبة لاتتوائم مع تراثهم الوطني والمعنوي.
    ثانياً: لابد من إغراء الأتراك العثمانيين لقبول المساعدات الخارجية التي يرفضونها من إحساسهم بعزتهم - وتعويدهم عليها؛ حتى لو أدى ذلك الى إعطائهم قوة وقدرة ظاهرتين فقط لمدة محدودة.
    وفي اليوم الذي تهتز فيه معنوياتهم ، ستهتز قدراتهم الذاتية، فهذه المعنويات والروابط هي التي تدفعهم نحو النصر، إضافة الى قدراتهم الأخرى وكثرتهم العددية -التي تبدو في الشكل أكبر مما هي عليه في الواقع في السيطرة والحكم، ووجودهم في المجتمع الدولي.
    كذلك يمكن هدمهم وتدميرهم بإعلاء أهمية وقيمة الأمور المادية في تصوراتهم وأذهانهم - أي إفسادهم بالإغراءات المادية، فإنه ليس بكاف إحراز انتصارات عليهم في ميدان الحرب العسكرية فقط، ولكن العكس هو الصحيح؛ لأن إذا اتبع طريق الحرب -وحده- لتصفية الدولة العثمانية ، ويكون سبباً في تنبههم وسرعة إيقاظهم ووصولهم لمعرفة حقيقة مايخطط ويُبَّيت في الخفاء لهم ولوطنهم من تخريب وتدمير.
    إن مايجب علينا عمله هو إكمال هذه التخريبات في بنيتهم الذاتية والاجتماعية ومكانتهم الدولية دون أن يشعروا بشيء)

    الدولة العثمانية / علي محمد الصلابي / ص477-478


  7. #27

    (18)

    الزم عتبة الباب
    { .. فبينما هو حبيبه المقرب المخصوص بالكرامة إذ انقلب آبقا شاردا رادا لكرامته مائلا عنه إلى عدوه مع شدة حاجته إليه وعدم استغنائه عنه طرفة عين .. !
    فبينما ذلك الحبيب مع العدو في طاعته وخدمته ناسيا لسيده منهمكا في موافقة عدوه قد استدعى من سيده خلاف ما هو أهله إذ عرضت له فكرة ..!
    فتذكر بر سيده وعطفه وجوده وكرمه وعلم أنه لا بد له من وأن مصيره إليه وعرضه عليه وأنه إن لم يقدم عليه بنفسه قدم به عليه على أسوأ الأحوال .. ففر إلى سيده من بلد عدوه وجد في الهرب إليه حتى وصل إلى بابه فوضع خده على عتبة بابه وتوسد ثرى أعتابه متذللا متضرعا خاشعا باكيا آسفا يتملق سيده ويسترحمه ويستعطفه ويعتذر إليه قد ألقى بيده إليه واستسلم له وأعطاه قياده وألقى إليه زمامه فعلم سيده ما في قلبه فعاد مكان الغضب عليه رضا عنه ومكان الشدة عليه رحمة به وأبدله بالعقوبة عفوا وبالمنع عطاء وبالمؤاخذة حلما فاستدعى بالتوبة والرجوع من سيده ما هو أهله وما هو موجب أسمائه الحسنى وصفاته العليا فكيف يكون فرح سيده به وقد عاد إليه حبيبه ووليه طوعا واختيارا وراجع ما يحبه سيده منه برضاه وفتح طريق البر والإحسان والجود التي هي أحب إلى سيده من طريق الغضب والانتقام والعقوبة ..

    وهذا موضع الحكاية المشهورة أنه حصل له شرود وإباق من سيده فرأى في بعض السكك بابا قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكرا فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤيه غير والدته ..
    فرجع مكسور القلب حزينا فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام
    فخرجت أمه فلما رأته على تلك الحال فلم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي وتقول يا ولدي أين تذهب عني ومن يؤيك سواي ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادتي الخير لك ثم أخذته ودخلت ..

    فتأمل قول الأم لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .. وتأمل قوله لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به .. }

    مدارج السالكين (1/214)

  8. #28
    (19)
    مقتطفات من شرح منظومة الآداب / معهد آفاق التيسير الإلكتروني

    - {.. قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الوَاسِطِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ‏:‏
    إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا أَقَامَ فِي قَلْبِهِ شَاهِدًا مِنْ ذِكْرِ الآخِرَةِ يُرِيهِ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا، وَبَقَاءَ الآخِرَةِ وَدَوَامَهَا،
    فَيَزْهَدُ فِي الفَانِي وَيَرْغَبُ فِي البَاقِي،فَيَبْدَأُ بِالسَّيْرِ وَالسُّلُوكِ فِي طَرِيقِ الآخِرَةِ ‏.‏ وَأَوَّلُ السَّيْرِ فِيهَا
    تَصْحِيحُ التَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالمُحَاسَبَةِ وَرِعَايَةِ الجَوَارِحِ السَّبْعَةِ العَيْنِ وَالأُذُنِ وَإِلَخْ ، وَكَفِّهَا عَنْ جَمِيعِ المَحَارِمِ
    وَالمَكَارِهِ وَالفُضُولِ ‏.‏ هَذَا أَحَدُ شَطْرَيْ الدِّينِ، وَيَبْقَى الشَّطْرُ الآخَرُ وَهُوَ القِيَامُ بِالأَوَامِرِ...}

    - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ومعه حامل لحم فقال عمر :
    " أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه فأين تذهب عنكم هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها }
    قال الحليمي رحمه الله هذا الوعيد من الله تعالى ، وإن كان للكفار الذي يقدمون على الطيبات المحظورة ولذلك قال : { فاليوم تجزون عذاب الهون } . فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة ؛ لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات أي يقع وينشب ولا يتخلص منها ، والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد منها دعته إلى غيرها فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط وينسد باب العبادة دونه ، فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال له : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون } فلا ينبغي أن تعود النفس بما تميل به إلى الشره ، ثم يصعب تداركها ، ولترض من أول الأمر على السداد ، فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ، ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح والله أعلم .

    - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
    " إذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا , وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا " . رواه أبو داود وحسنه الألباني
    قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: فَمَنْ شَهِدَ الْخَطِيئَةَ فَكَرِهَهَا بِقَلْبِهِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا إذَا عَجَزَ عَنْ إنْكَارِهَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ , وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وَقَدَرَ عَلَى إنْكَارِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا , لِأَنَّ الرِّضَا بِالْخَطَايَا مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَفُوتُ بِهِ إنْكَارُ الْخَطِيئَةِ بِالْقَلْبِ وَهُوَ مَرَضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لَا يَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ .

    هـامشي :
    فلنحذر إلف المعصية إذ مع ديمومة رؤيتها لا يتحرك القلب لها ، غفر الله لنا ولكم .


  9. #29
    (20)

    ذكريات الطنطاوي ج1ص36
    من ذكريات الطفولة – ذكرياتي عن الحرب العالمية الأولى
    [ .. ومن طريف أخبار ذوي الغفلة من الوعاظ أن أحد مشايخنا ، جاءه من يقول له أن فلانة تغني وترقص في (العباسية) فأعلن غضبه في درسه في ( الأموي ) وقال : كيف ترقص هذه المرأة أمام الرجال وهي كاشفة جسدها مبدية مفاتنها ؟ أين الدين وأين النخوة ؟
    قالوا : نعوذ بالله وكيف يكون هذا ، وأين يا سيدنا ، ومتى ؟
    قال : في العباسية في الليل بعد صلاة العشاء .
    وكان نصف المقاعد خاليا فامتلأت تلك الليلة المقاعد كلها !

    فلينتبه الواعظون ، فكثيرا ما تكون المبالغة في وصف المنكر دعاية له .. ] أ.هـ


    وأجد هذا الخلل يتكرر كثيرا عند بعض أهل الفضل والعلم ، فتركيزهم على بعض المعاصي وكثرة ذكرها ببعض تفاصيلها يزرع الفضول في نفس من لا يقترفها ، فيكفي الإشارة .. وإن غلب على الظن أن الحضور ليسو من أهلها فلا داعي لذكرها أصلا .
    رزقنا الله وإياكم الحكمة والفطنة والفراسة .

  10. #30

    (21)

    قال الشيخ ياسين المراكشي : رأيت الشيخ –أي يحي النووي- وهو ابن عشر سنين بنوى ، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم ، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ، ويقرأ القرآن ف تلك الحال ، فوقع في قلبي محبته ، وكان قد جعله أبوه في دكان ، فجعل لا يشتغل البيع والشراء عن القرآن ، فأتيت معلمه فوصيته به ، وقلت له : إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم ، وينتفع الناس به ، فقال لي : أمنجم أنت ؟! فقلت : لا وإنما أنطقني الله بذلك ، فذكر ذلك لوالده فخرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم .

    وهو الإمام العلم يحي النووي ، من أشهر كتبه ( الأربعون النووية ، رياض الصالحين ، شرح مسلم ) توفي عن 45 سنة !


أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ