(12)
فصل المفسد الخامس : كثرة النوم فإنه ..
يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ، ويورث كثرة الغفلة والكسل ..
ومنه المكروه جداً ومنه الضار غير النافع للبدن .
وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ولاسيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران ..
ومن المكروه عندهم : النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر ..
وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير [1] وهو مقدار ثمان ساعات وهذا أعدل النوم عند الأطباء وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه ..
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا : النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء وكان رسول الله يكرهه [2] فهو مكروه شرعا وطبعا ..
وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات فمدافعته وهجره مورث لآفات أخرى عظام : من سوء المزاج ويبسه وانحراف النفس وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ويورث أمراضا متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها وما قام الوجود إلا بالعدل فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير وبالله المستعان [3] .
من مدارج السالكين لـ ابن القيم رحمه الله (مفسدات القلب) ..
هامشي :
[1] جاء في تلك الصفة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { خير الصيام صيام داود وكان يصوم نصف الدهر وخير الصلاة صلاة داود وكان يرقد نصف الليل الأول ويصلي آخر الليل حتى إذا بقي سدس من الليل رقد }
[2] والحديث في صحيح البخاري عن أبي برزة رضي الله عنه قال {كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا }
[3] كان معاذ بن جبل رضي الله عنه –أعلم الأمة بالحلال والحرام- يقول : أقرأ وأنام ثم أقوم فأتقوى بنومتي على قومتي ، ثم أحتسب نومتي بما أحتسب به قومتي .
الروابط المفضلة