******
إنّها الحقيقة ويالها من حقيقة...
الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين ،وعناد الملحدين ،وطغيان الطغاه...
الحقيقة التي شرب من كاسها العصاة والطائعون ...
الأنبياء والمرسلون....
الفقراء والأغنياء.....
إنّه مصيرنا ومآلنا....
بيت الرعب والأهوال والوحشة والإنفراد تساوى في سكناه جميع الناس ...
مفرِّقُ الجماعات ،آخذ البنين والبنات ،هادم اللذات....
أين الأصحاب؟أين الأحباب...
* مرّعمر بن عبد العزيز بالمقابر فقال: ياموت ماذا فعلت
بالأحبة ،أين الأصدقاء ؟ أين الإخوان ؟ أين الجُلاّس ؟ أين
السُمّار ؟ ياموت ماذا فعلت بالأحبة ؟
فلم يجبه أحد .
فقال وهو يبكي : اتدرون ماذا يقول الموت ؟
قالوا : لا
قال : يقول اكلت الحدقتين ،وزرّقتُ بالعينين ،وفصلت الكفين
عن الساعدين ،والساعدين عن العمودين ،والعمودين عن
الكتفين ، ولو نجا من الموت أحد لنجا منه محمد.
اين نحن من ذاك اليوم ؟ ماذا أعددنا له ؟
يقول شقيق البلخي (استعد إذا جاءك الموت ...أن لاتصيح
باعلى الصوت تطلب الرجعة ،فلا يستجاب لك )
يالها من حسرة وندامة...
قُضيَ الأمر فلا رجعة ...
يقول الحسن البصري(فاتقِ الله يابن آدم لاتجتمع عليك
خصلتان :سكرة الموت وحسرة الفوت والندامة ، والذي
نفسي بيده إنّ غاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة
يستدركون فيها مافاتهم بتوبة وعمل صالح فماذا أعددت لذلك اليوم )
فراقُ الأحباب....
وانقطاعُ الأسباب....
ذكرهُ حياة ونسيانه غفلة....
فمالنا نُشيّع كل يومٍ غادياً إلى ربه ونعود كانه بعيدٌ عنّا
يقول الأعمش (كنّا نشهد الجنازة فلا ندري من المُعزّى فيها
لكثرة الباكين وإنما كان بكاءهم على انفسهم لاعلى الميت )
أين نحن من هؤلا ؟
انغمسنا في الدنيا وألهتنا ملذاتها..
انشغلنا بدار الفناء ولم نعمل لدار البقاء...
من اشتاق للجنة هجرالشهوات والملذات في الدنيا...
أين نحن ممن جعل الموت نصب عينيه فتزود له..
أين نحن ممن جعل الموت شغله الشاغل فعمل له..
بكى أحد الصالحين عند موته فقيل له: مايبكيك ،قال:
أبكي أن يصوم الصائمون ولست فيهم ،ويذكر الذاكرون
ولست فيهم ،ويصلي المصلون ولست فيهم )
اين نحن من هؤلا؟
اولئك انشغلوا بالسعي والتحصيل للنعيم الذي لايزول
ونحن انشغلنا بالملذات الفانية..
يقول مطرف بن عبدالله (إن الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم فطلبوا نعيما لاموت فيه )
فكل نعيم في هذه الدنيا زائل..
وهذا اويس القرني مخاطبا أهل الكوفة :
توسدوا الموت إذا نمتم ..واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم ..
عباد الله إنّ في ذكر الموت اعظم الأثر في إيقاظ النفوس
وانتشالها من غفلتها،فكان الموت أعظم المواعظ )
فلاسبيل للخلود في هذه الحياة فالكل سيموت
"كلُّ من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"
قال علي رضي الله عنه (لو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلما
..او لدفع الوت سبيلا لكان ذلك سليمان ابن داوود عليه
السلام الذي سُخر له ملك الجن والإنس مع النبوة...
فلما استكمل أجله ومدته جاءته نبال الموت..)
اخيّتي/أفيقي من غفلتك..
يامن ألهاها شبابها وغرّها طول الأمل ..
ونست فقد الأقران والأحباب..
تحققي أنك عن قريب راحله..
أين الحبيب الذي كان وانتقل؟
أين كثير المال وطويل الأجل؟
أما خلا كلٌ في لحده مع عمله؟
أين من تنعم في قصره؟
أليس في قبره نزل؟
آه لو تعلمي كيف غدا وصار..
لقد سال في اللحد صديده..
وبلى في القبر جديده..
وهجره حبيبه..
وتفرّق عنه حشمه وعبيده..
ياللأسف..أعمرنا دنيانا وخربنا آخرتنا التي إليها معادنا..
*مرّ رجل بغلام فقال :ياغلام أين العمران؟
قال :اصعد الرابية تشرف عليها ،فصعد فأشرف على مقبرة
،فقال :إنّ الغلام جاهل أو حكيم ،فرجع فقال :سألتك عن
العمران فدللتني على مقبرة ،قال الغلام :لأني رأيت أهل
الدنيا ينتقلون إليها ولايرجعون )
*مرّ علي بن أبي طالب بالقبور فقال :السلام عليكم أهل الديار
الموحشة والمحال المقفرة ، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع وإن
شاء الله بكم عمّا قليلٍ لاحقون ، يأهل القبور :أما الأموال فقد
قُسِّمت ،والديار فقد سُكنت ،والأزواج فقد نُكحت ،هذا خبر
ماعندنا فما خبر ماعندكم ،ثم التفت إلى أصحابه وقال :اما
إنهم لو تكلموا لقالوا :وجدنا أنّ خير الزاد التقوى )
سيأتي يوم وكلنا سنُحمل على الأكتاف..
سيأتي يوم وندخل المقابر ولن نخرج منها..
من عاد إلى بيته اليوم ،سيأتي يوم ولن يعود إليه..
كان عمر رضي الله عنه يقول )كل يوم يقولون مات فلان ومات فلان وسيأتي يوم ويقولون مات عمر )
وكان أبو الدرداء يقول (إذا ذُكر الموتى فعد نفسك منهم )
اولئك قومٌ استشعروا حقيقة وجودهم في هذه الدنيا فكانت الدنيا بأيديهم لاقلوبهم ..
كيف أنتِ إذا بالماء والسدر غسلوك..
كيف أنتِ إذا بالكفن الأبيض أدخلوك..
كيف أنتِ إذا في القبر المظلم أنزلوك...
يامن تخلّفتِ عن الواجبات..
وضيّعتِ الفرائض..
وتهاونتِ بالصلوات..
إنّي لأخاف عليكِ لحظة مايحال بينكِ وبين ماتشتهين..
هناك ..لاصلاة ولاصوم ولاعمل ..
لاذكر ولاتسبيح..قُضيَ الأمر وأُغلقت الأبواب..
يقول علي بن أبي طالب (ارتحلت الدنيا مدبرة ،وارتحلت
الآخرة مقبلة ،فكونوا من ابناء الآخرة ولاتكونوا من ابناء
الدنيا ، فإنّ اليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولاعمل )
فسارعي أخيّتي بالتوبة فلاتزال الأبواب مفتوحة...
فيالها من ساعة ولاتشبهها ساعة..
يتألم فيها أهل التُقى ،فكيف بأهل الإضاعة..
اخيّتي/ ادخري راحتك لقبرك ،وقللِ من لهوك ونومك ،فإنّ من ورائك نومه صبحها يوم القيامة .
لو علم أهل العافيم ماتتضمنه القبور من الأجساد البالية
لجدّوا واجتهدوا واغتنموا وادّخروا أعمال ليومٍ تتقلب فيه
القلوب والأبصار...
وأُذكركِ أخيّتي بقول الرسول ( اغتنم خمساً قبل خمس:
شبابك قبل هرمك ،وصحتك قبل سقمك ،وغناك قبل فقرك
،وفراغك قبل شغلك ،وحياتك قبل موتك )
فأين هم المشمرون..
وتذكري أنّه من كان له عملٌ صالحٌ استأنس به ،
ومن كان له عمل سوء ازدادت وحشته وعذابه في قبره...
واعلمي أنّ الموت لايفرِّق بين كبيرٍ وصغير..
ولاشيخٍ أو شاب...
فلا تغتري بالعمر وتقولي لازال الوقت أمامي ،فإنكِ لاتدرين
متى سيداهمكِ الموت من غير استئذان ولن يتبقى امامكِ من
الوقت حتى لتقولي وداعا لمن حولك ،قال عليه الصلاة والسلام
(الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله )
واختم بمقوله للحسن البصري
(ابن آدم :إنّك تموت وحدك ،وتُبعث وحدك وتُحاسب وحدك .
ابن آدم :لو أنّ النّاس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك
طاعتهم ،ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم .
ابن آدم :ذنبك ذنبك فإنما هو لحمك ودمك وإن تكن الأخرى
فإنما هي نارٌ لاتُطفأ وجسمٌ لايبلى ونفسٌ لاتموت )
اللهم أعنّا على الموت وسكراته والقبر وظُلماته ، ويوم القيامة وكُرباته ..
اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت ، وبشهادة عند الموت ، وبرحمة بعد الموت
اللهم اجعل خير عمرنا آخره ، وخير عملنا خواتيمه ، وخير أيامنا يوم نلقاك ..
الروابط المفضلة