ما هي الخشية الحقيقيّة ؟ كلام نفيس للإمام محمد بن صالح العثيمين
قال الإمام محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في تفسير قول الله تعالى :
( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) يس : 11 .
( وقوله : ( بالغيب ) قال المؤلف ( 1 ) : " ولم يره " كأنه يفسّر أن المراد بالغيب : أنّه يخشى الله في غيبة الله عنه ، فيكون ( بالغيب ) حالا من المخشي ، يعني يخشى الله والله غائب عنه ، هذا أحد الوجهين في الآية .
الوجه الثاني :
يخشى الله بالغيب ، أي يخشى الله في حال الغيبة عن الناس ، يخشى الله في قلبه في عمل غائب لا يغفل ،
فيكون ( بالغيب ) حالا من الخاشي ، يعني أن هذا الإنسان الذي أنذرته وانتفع
بإنذارك هو الذي اتّبع الذكر وخشي الله بالغيب حال كونه غائبا عن الناس ، خشي الله بالغيب أي بالعمل الغائب
وهذه هي الخشية الحقيقيّة
لأن خشية الله تعالى في العلانية قد يكون سببها مراءاة الناس ، ويكون في هذه الخشية شئ من الشرك ،
لأنه يرائي بها ، ولكن إذا كان يخشى الله في مكان لا يطّلع عليه إلا الله فهذا هو الخاشي حقيقة ،
وكم من إنسان عند الناس لا يفعل المعاصي ولكن فيما بينه وبين نفسه يتهاون بها ، فهذا خشي الناس في
الحقيقة ولم يخشَ الله عز وجل لأن الذي يخشى الله لا بدّ أن يقوم بقلبه تعظيم الله سبحانه وتعالى سواء بحضرة
الناس أو بغيبة الناس ، أيضا يخشى الله بالغيب أي بما غاب عن الأبصار وعن الأذن سمعا وهو خشية القلب ،
وخشية القلب أعظم ملاحظة من خشية الجوارح إذ خشية الجوارح بإمكان كلّ إنسان أن يقوم بها حتّى في بيته
فكلّ إنسان يستطيع أن يصلّي ولا يتحرّك ، ينظر إلى موضع سجوده ، يرفع يديه في موضع الرفع ، يعني يستقيم
استقامة تامّة في ظاهر الصلاة ، لكن القلب غافل ، أما خشية القلب فهي الأصل ، وهي التي يجب أن يراقبها
الإنسان ويحرص عليها حرصا تاما ،
وهذا معنى قوله تعالى : ( وخشي الرحمن بالغيب )
والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين سيد الخلق صدقا وعفة وامانة وخشية \\محمد صلى الله عليه وسلم تسليما
الروابط المفضلة